في 250 صفحة من القطع المتوسط صدر في مدينة المكلا كتاب جديد للدكتور سعيد الجريري متضمناً إحدى وخمسين مقالة وصفها الكاتب بأنها ( اقتراب، بلا غيبوبة، من مشاهد الحدث اليومي، ومحاولة لتجلية الصورة في بعدها المفارق في الموقف أو الحدث أو الشخصية، مع ماحولها أو في السياق الذي تمر به. وينتظم المقالات جميعاً خيط كالفتيل الذي يشعل الإحساس بالمفارقة. ثم إنها كتبت في فضاء أقرب ما يكون إلى هذه الصفة ، على الأقل من وجهة نظر الكاتب). ويضيف في مقدمته:(على أن أحد المقالات مثلاً عنوانه : مفارقة سوفوكليس في سقطرى، شَخَصَتْ فيه المفارقة من خبر في إحدى الصحف عن حملة توعية لأهل سقطرى بأضرار القات، يقوم بها رحّالة قادمون من مناطق تصدير القات(!!) إلى سقطرى بعد أن اتخذ المجلس المحلي بها قراراً مسؤولاً بمنع القات عن الجزيرة !!. لكن قارئ الخبر غير العارف بالجزيرة قد يتوهم أن سقطرى هي القمقم الذي ينطلق منه مارد القات كل يوم ، ليسوّد عيشة أهل اليمن بُكرةً وأصيلاً، وسيظن أن أولئك الرحّالة قد أكملوا رسالتهم حتى لم يعد في مناطقهم إلا ثلة من الموالعة يتلاشون ويتساقطون واحداً بعد الآخر، ولم تبقَ إلا جزيرة سقطرى التي تصدّر كارثة القات اليومية - كما هو في التوهم - إلى جهات الجمهورية الأربع!!). وشبيه بهذا المثال في هذا المقال - يقول الكاتب - ما في المقالات الأخرى فكثير مما يجري يبدو كأنه ينتظر قاصاً أو روائياً أو مسرحياً أو شاعراً ذا رؤية درامية عميقة ليضيف إلى الإبداع نصوصاً موازية لما يتجاوز المعقول في كثير من المواقف ، والأحيان ، في المشهد الثقافي المعاصر، وعندئذ سيقرأ ناقدٌ ما مفارقة سوفوكليس وغيرها من المفارقات في نصوص إبداعية. وقد انتظمت المقالات بحسب اقترابها واشتراكها في الفكرة والموضوع في ستة أقسام رئيسة: - نحن وبافقيه والألفية: وفيه مقاربات عن قضايا وشخصيات ثقافية هامة. - من مفارقات القات: ويقارب فيه إشكالية القات والموقف منها على مستويات مختلفة. - تساؤلات الصمت عن الإبداع: ومن خلالها يستجلي ملامح المشهد الثقافي المهيمنة. - التصفيق بالعدوى وأشياء أخرى: وهو محور لرؤية ثقافية تعيد النظر في ما حولها. - تواطؤ ضد المستقبل: ويؤشر علامات التواطؤ في مجال التعليم العام والعالي. - من أسماء الذاكرة: وفيه استعادة لأسماء أدبية وثقافية مشرقة، كان لها حضور وفاعلية. كتاب بلاغيبوبة حمل عنواناً فرعياً دالاً ( مقالات عن مفارقات القات وسنينه)، كُتبت متراوحةً، في فترة ممتدة من 1993 إلى 2008. ويصدر ضمن سلسلة كتاب حضرموت (11) الصادرة عن دار حضرموت للدراسات والنشر بالمكلا. ويعد مؤلفه الدكتور سعيد الجريري من الأقلام الرشيقة التي لها خصوصيتها في تناول الموضوعات والأفكار، وتتسم مقالاته بالجرأة في الرؤية والموقف والمعالجة بأسلوب شائق متّسم بالسخرية اللاذعة. وهو شاعر وناقد أدبي، ورئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في حضرموت منذ 2005م، فضلاً عن كونه أستاذاً جامعياً بكلية الآداب بجامعة حضرموت بالجمهورية اليمنية، وصدر له سابقاً كتابان نقديان هما: - شعر البردوني، دراسة أسلوبية. - أثر السياب في الشعر العربي الحديث.