بقلم: عمار باطويل نجم المكلا / المكلا – عمار باطويل القارئ في كتاب الجريري المسمى (بلا غيبوبة.. مقالات عن مفارقات القات وسنينه) تتبلور لديه أفكار الكاتب ووصفه جمال الأدباء بصورة أخاذة وجميلة وأما القبيح في المجتمع فيصوره الكاتب ويصفه بأبشع الأوصاف – فقد وضع الأدباء في أماكنهم التي يستحقونها ووصفهم بجمال العبارة معاتبا القوى المتنفذة في الوطن لعدم إنصافهم ووضعهم في أماكنهم التي يستحقونها بجدارة -. فالجاوي عمر في أسطر الجريري عبارة عن الرجل العصامي الذي دخل الانتخابات أعزل لا تصحبه بندقية أو تسانده قبيلة بل دخل الانتخابات ممتطيا حصان الفكر لعله يصل إلى ما يصبو إليه بصوت الفكر لا بصوت البندقية أو المدفع أو القبيلة – ولكن في الوطن من لا يملك بندقية أو مدفعا وجيشا جرارا من القبيلة فمحال أن يصل إلى مكان في السلطة وهكذا أتى وصف الدكتور الجريري لعمر الجاوي: "لا أتخيل برلماناً ديمقراطياً لا مقعد للجاوي به, فكل منهما خليق بالآخر, حقيق به." إلى أن قال في الكتاب نفسه عن الجاوي : " ومن العجائب أن يُراد لعمر أن يخرج من زمنه, وهو الأجدر به, الأليق له, فليس في يده عصا أو سلاح, أو رأسمال, أو قبيلة. دخل الانتخابات أعزل إلا من فكر بهي, ورأي سنيّ, وقلب وضيء, وعشق بل وجد – في ما يشبه التصوف-بهذا الوطن المؤتلق في وعيه سناءً وسنا..فأية ديمقراطية هذه التي تفتح مدائنها لغير عمر؟". وفي الواقع أن من يحكم الوطن ما زال لا يؤمن إلا بصوت البندقية, والقبيلة, وأصحاب المال لكي يفتح البرلمان لهم أبوابه, والسلطة تبجلهم وتكافئهم على جهلهم!! أما من يحمل فكرا كفكر الجاوي يعد لديهم عدوا مبينا, ووجوده خطر يهدد مستقبلهم في السلطة. وهذا الجمال في الكلمات ووصف الأدباء بها لا يأتي إلا من شخص أو أديب يصور المشاهد بصورها التي تظهر أمامه لا يجامل من أجل حفنة مال أو يطمع لمنصب ما, والأديب هو الذي يضع الكلمات المناسبة والملائمة للمناظر التي يشاهدها أو الوقائع التي عاشها أو يعيشها, وليس من الأدب أن يصف الأديب القبح بالجمال أو العكس. فالأديب لا يكتب كلماته وتذهب مع الأيام وتنطوي في خانة النسيان بل تبقى للأيام شاهدة على ما قاله هذا الأديب أو ذاك. الدكتور سعيد الجريري وصف القات بأبشع صورة بل مرغ به التراب لأنه لا يرى فيه جمالا يوصف أو كلمات مدح تقال – فالجريري يصف القات بالطاغية الذي لا يرعى عهدا ولا ذمة كما يقول في مقالته التي تحمل عنوان (تنظيم القاعدة أم تنظيم القات ؟ ) : " متى تفيقون أيها السادرون ؟ إلى متى يظل هذا الوطن مستعبداً يحكمه طاغية لا يرعى عهداً ولا ذمة ( أعني القات)؟ ومتى تُسمى الأشياء بأسمائها ليغدو القات كالأفيون، فنثور عليه كما ثار ذات يوم شعب حي استحق الحياة بجدارة في بلاد يُقال لها ( الصين)؟.." وفي آن معا قد تنبأ الكاتب كما يتنبأ الكبار بحدوث الأحداث قبل أوانها ويستبق الزمن– وقد تنبأ الجريري قبل أربع سنوات تقريباً في كتابه ( بلا غيبوبة.. مقالات عن مفارقات القات وسنينه) بخروج مظاهرات في الشارع الحضرمي مطالبة بخروج القات من حضرموت حيث قال في نبوءته : " أية مفارقة هذه التي أفاقت على نشازها مدينة المكلا؟..وما المفارقات القادمة؟ ثم ماذا لو خرجت تظاهرة ( للقوت ) بدلاً من القات؟." وقد تحققت نبوءة الجريري عندما خرج الشارع الحضرمي في مدينة الشحر في شهر يوليو من هذا العام بصوته سلمياً وليس ببندقيته ومدفعيته مطالبا بخروج شجرة القات من المدينةوحضرموت معاً – وإن تم إسكات الأصوات السلمية بصوت البندق فربما تأتي الأيام ولا أحد يستطيع أن يسكت الصوت المطالب بمنع دخول القات إلى حضرموت فالإرادة, والحق فوق صوت الحاكم, وصوت الكلاشنكوف, وفوق صوت المدفعية-فلا بد أن ترجع الأمور إلى نصابها. عزيزي المخزن وغير المخزن, القات هو صوت الطغاة, والظلم, والاستبداد, ورصاصته القاتلة تقتل الشخص بلا صوت وإن كان لرصاص البندقية بارود قاتل فللقات أيضا بارود قاتل، وباروده عبارة عن أنواع من الحشرات والمبيد الكيماوي – فهو سفاح يغتال الأرض والإنسان- فهو أكثر لصوصية من اللص, فسوقه يسقفه سقف (كوكتيل ) من أكياس, وأحذية, وحفائظ أطفال ( وجواني ) …إلخ ويفرش سوقه كل أنواع القمائم، ومرتادوه فئات متعددة من الناس – فمن يدخل السوق بجنبيته ويرمز بها للتاريخ والعروبة والآخر بمسدسه وبندقيته أو قنابله رمزاً للقوة والجبروت والسلطة, والآخر بقلمه معتقداً بأن القات يلهمه الكتابة والتفكير والإبداع، والبعض من المرتزقة ومرتادي الشوارع الذي يجوبون البلاد طولها وعرضها بلا رادع يردعهم.