1- السطور التالية أعزائي الأفاضل ، ليست قراءة نقدية لديوان الشاعر الدكتور سعيد سالم الجريري ، بطبيعة الحال ، و لكنها مجرد انطباعات عابرة عفوية سريعة ، أكتبها ارتجالا الآن عقب تصفحي السريع للديوان ، أو بالأصح محاولة إعطاء فكرة سريعة عن الديوان ، لمن لم يقرأ الديوان .. يكتب الشاعر الناقد في مستهل ديوانه قائلا : يقول بو ريا على حضرموت لولب من الرحمن مفروت بيت شهير ذائع في المتداول الشعري الشعبي الحضرمي ، للشاعر – بو ريا – الذي عاش بمدينة بور بوادي حضرموت حوالى القرن العاشر الهجري ، كما يقول المؤرخ عبدالقادر الصبان ، و قد ألهم بيت – بو ريا – الشعراء من بعده ، فتناصوا معه ، بكيفيات مختلفة ، و في السياق نفسه وجدتني ألهج باللولب المفروت .. الخ الى أن يقول : فاتخذتُ – بخيتة – شخصية شعرية فنسبتها الى بو ريا في إحدى قصائد هذه المجموعة .. الخ و يضيف قائلا : أما القصائد الأخرى فهي في فلك هذه القصيدة تدور ، لكنها ليست تنويعا عليها ، فلكل منها سياقها ، و جوّها ، و مزاجها ، لكنني فيها جميعا لا أعد نفسي الا محاولا تجريب صوتي بين أصوات وأصداء من كل جانب .. الخ ثم حاول الشاعر الدكتور أن يذكر القارئ ، قبل أن يقرأ الديوان ، بما قاله بعض الشعراء المعروفين الكبار عن حضرموت ، فضلا عما قاله أبو ريا في بيته الشهير المشار اليه ، مثل : ياطم منيحة معانا ، ماسكين القرون و غيرنا يحلبون .. لأحمد عبود باوزير .. و صبرتْ صبر الخشب عالنجارة ، عاحد بلطة و عادق بالمسمار ل عوض عبدالله بن سبيتي .. و كل العرب قالت ، لولبْ عليك افترتْ .. للمحضار .. ثم أورد بيت سعيد فرج باحريز الشهير : بغيت الصدق والواقع سبوله خير من مقلع و نخله ماتعشي ضيف .. قعرها لا تخليها !! و من خلال كل ماورد ، سيعرف القارئ محتوى الديوان ، أو ماترمي اليه قصائد أو رسالة ديوان – بخيتة و مبخوت – للشاعر الدكتور سعيد الجريري . فالشاعر مثله مثل معظم المثقفين الذين استنكروا وأدانوا حرب 94 و ماتلاها من أحداث ، و قال الشاعر في قصيدته – مقتطفات من اللقاء الأخير ، مع بو موسى الأشعري – يحذر : حذرت في حذرت من ميدع ملس لكن مافهموا ، و هاهي .. خاويه !! و في قصيدة – حكومة باحريز يقول – : حكومه تهمل المسكين ماباها لها مدفع و إن هي تنقد الباطل طلبت الله يحميها و يبدو أن الشاعر في قصيدته – يغوله في يغوله – قد تنبأ بحرب 94 : و القصد يالمحضار شفها يغوله في يغوله والله يحفظ لا تقع ريسان محصول الصراب ثم .. و كما جاء في قصيدة – ورطة – : زوجوها العود جعفر بو كمر واندفن عُمر البنيّه .. ياحرام !! و يتساءل الشاعر بحسرة و بمرارة قائلا – في قصيدة وحلة – مخاطبا أحد الشعراء : شي بنا ياحسين هتفه من ولي لا انفتح باب الأمل ينسد باب ؟! و يقول الشاعر في قصيدته – فتوى – : في دار محلاها دخلت شريك نا وابن عمي مش على كروه و ثقت به ما قبلت أي تشكيك واخرست آهاتي مع الشكوى .. الى أن يقول : جاني و قال لي وقْف باخليك أو با كلك حلوى مع القهوه في الدار مالك شي و لا لاهليك وارضى من المقسوم .. بالعطوه !! - 2 - أعزائي : * الشاعر الدكتور سعيد سالم الجريري ، كما هو معروف لكم ، أديب و أستاذ جامعي وكاتب معروف ، تميز بمواقفه الشجاعة المواكبة لروح العصر ، و المناهضة لكل أشكال الفساد و التخلف ، وعُرف بكتاباته الصريحة الجريئة الواضحة ، التي لا يشوبها أي لبس أو غموض أو تذبذب ، في سياقات ثقافية و أدبية و سياسية ، و كان و مازال – متعه الله بالصحة – ينشرها في الصحف المحلية ، و في الصحافة العربية ، و المواقع الالكترونية المختلفة ، كما كتب عددا من المقدمات الباذخة الجمال ، لدواوين شعرية عامية و فصيحة عدة ، و هو رغم هذا كله أو فوق هذا كله ، واحد من الناس البسطاء المتواضعين ، يحب كل الناس ، و يشعر بشعورهم ، و يعبر عنهم و عن تطلعاتهم ، لهذا لا غرو أن تأتي قصائده العامية بهذا الجمال ، و هذا الوضوح ، و هذه الروعة ، و تثير الاعجاب ، فقد نظمها الشاعر ، عالي الثقافة ، بأسلوب فني شائق غير ملتو أو معقد ، أسلوب ألفه الناس البسطاء ، بصوَره ، و بمفرداتِه ، و برموزه و بمعانيه ، و كأنه ناطقا بألسنتهم .. * ففي قصيدته الضافية ، بخيتة بنت بو ريا ، و التي استوحى إسم الديوان منها ، و قال عنها بأن باقي قصائد الديوان تدور في فلكها ، فقد توفق الشاعر في اختيار بحره – الوافر – عذب الايقاع ، و رويّه النادر – الواو والتاء ، أيما توفيق ، و أبدع فنيا و موضوعيا ، أيما إبداع ، يقول الشاعر : بخيتة ظهرها محني و مسلوت وقدها جلد عالعظمان بتفوت و تدرج دوبها و تصيح بالصوت فضيلة ياعربرثوة لمبخوت الا يارب دمر كل طاغوت و كل زعقي و آكل سُحت مسحوت!! * و في قصيدته المعنونة – قليل الخير – – و تاريخها 2006 يقول : لقيتها مغنم .. قليل الخير .. فرصة واغتنام لك فيد و مغانم .. و لي هو مافهم كم قلت له : تغانم !! و يستبد الغضب بالشاعر ، و يقول في نفس القصيدة : في الغيل مالك خل .. و لا في الشحر لك عَمّه و خال كلا و لا الداخل .. و لا لك في المكلا سوق يا الخُلخُل ماحد يفت بالخل .. و في داره عسل .. الا هَوي .. مخلول !! * و ينطوي الديوان فيما ينطوي صفحة 65 على قصيدة ، عنوانها – تحت النصب التذكاري – و هو النصب التذكاري لشهداء المقاومة الشعبية للغزو البرتغالي على مدينة الشحر التاريخية ، الذي تم إزالته يوم 9 يوليو 1994 * و يقول الشاعر الجريري في قصيدة بعنوان – مكلف – * **: بلقيس بالشورى قضت و تحملت تكليف يهوين ردوها الأميرة .. قاصرة .. مكلف !! * وفي بعض القصائد يقول : - يمين الله مانقبلبعهدالله طاري و لا نرضى نساوم من بغى لو عامطيره - كل من طلع ينزل ، و يسلم رأس ، ما نبغى نزال !! أي لن نرضى بالبغي ، و السلب و النهب ، كما أننا نريد حلا لقضايانا ، كل قضايانا ، دون اللجؤ الى السلاح والى لغة الحرب ، و دون سفك دماء جديدة ، ودون قتل أو دون تقتيل متبادل .. .. * ولقد استطاع الشاعر الجريري أن يتفرد بميزة لافتة في شعره العامي الحُواري ، تتمثل في تضمين لهجة العسكر العجيبة و المستفزة – في ظل تمددهم وانتشارهم في كل مكان – و توظيفها بشكل طريف ظريف ** : قال : أنت أعمى ما بتبسر ؟! قلت ليش ؟ قال : ابتعد بسمه ، أمامك ضقم جيش !! لا عدشتعصدلي محازي !! قلت : أيش ؟! قال : أيش ما بلا و لا تجلس على التكا !! : * طرافة بعض القصائد ، حادة المفردات و المعاني ، و كأنها رسوم كاريكاتير مثل قصيدة – كلب باحمران – التي يقول فيها ساخرا : و هي هتفه علينا كم نشوف كلاب تتنمر و تتصرمح في البندر و لاناقد و لامنقود !! - وقصائد أخرى تعرف من عناوينها ، مثل – جرذ – و – ضانة – و – حوت – و – سرحت البغلة – و غيرها . . * استخدام أو توظيف مفردات عامية بحتة ، موغلة في عاميتها ، بشكل خلاب و ممتع ، مثل : باسندفه سنداف – زومة – ميمي كما ويوى – نطهش – تبعوط له عيال – .. الخ * الكتابة على ألحان و أصوات الدان الحضرمية المعروفة ، حسب أصولها و جمالياتها ، و طرائقها الصعبة ، باقتدار و تمكن . * بعض قصائد الديوان غنائية ، أي قابلة للتلحين و الغناء ، و أتمنى على فنانينا الانتباه لها . * و يمكن القول أخيرا ، و ليس آخرا ، أن اصدار الديوان ، كما أرى شهادة قيّمة لصالح الشعر العامي من أستاذ أكاديمي كبير ، جاءت في الوقت الذي بات ينظر فيه بعض الأدباء أو المهتمين بالشأن الأدبي ، بتعال واستعلاء و غرور للشعر العامي ، و لشعرائه . هامش : * نشر الشاعر أغلب قصائد الديوان على صفحته الالكترونية الخاصة في الفيسبوك ، و قد لاقت صدى طيبا وإعجابا منقطع النظير من كل مرتادي الصفحة . ** قصيدة دشكا صفحة 86 *** صفحة 57