احتلت مدينة عدن مؤخرا العنوان الأبرز لجهة التحذير من سقوطها بايدي المسلحين القادمين من أبين ، بصورة غير مسبوقة ولا منطقية ، وتوزعت التصريحات من مستويات مختلفة سياسية وعسكرية وأمنية ، سبقتها ورافقتها أحداث أمنية ملفتة ، وكأنها تسعى _ كما يبدو _ لتهيئة الجميع بسقوط المدينة لا محالة ! مع ان منطق الامور لا يستقيم سياسيا وعسكريا وامنيا ومدنيا ومن الناحيتين التكتيكية والاستراتيجية ، الا اذا كان هناك تواطؤ واسع ومرتب يمكن شوية المسلحين (الأجراء والعملاء) للسيطرة على المدينة فيما هم أنفسهم تحت السيطرة والحماية أيضا! ما الذي يجري !؟ وما الذي يبيت لعدن في إطار الوضع الصعب الراهن !؟ هل يجري ذلك ضمن الضغوطات والتفاوض ام ترتيب جديد لتوزيع القوى والنفوذ وفقا لمآلات حلحلة الوضع في البلاد عموما !؟ ام ان الامر عصي على الفهم !؟ ... اما من يقول ان مئات او حتى آلاف من مسلحي الجماعات او مسلحي (تنظيم القاعدة) هم وحدهم قوى ضاربة حقيقية باستطاعتها ان تدخل وتسيطر على عدن هكذا بسهولة ! فهذا كلام فارغ واستخفاف بعقول الناس ! وللعلم فقط فان عدن والمدن الرئيسية المجاورة لها تمتلئ بالألوية العسكرية المتخمة بالعتاد العسكري المتطور والحديث ، وكانت ومازالت تخرج بكل سهولة لقمع المتظاهرين السلميين وقمع الاعتصامات بقوة مميتة وليست مفرطة فقط ! "في حين يترك جزء من الوطن عرضة لسيطرة وعبث الجماعات المسلحة كما هو حاصل في محافظة أبين" كما يقول قادة عسكريون. لنعرض لبعض التصريحات التي طلعت مؤخرا بهذا الشأن : "العميد يحيى محمد عبد الله صالح رئيس أركان قوات الأمن المركزي في اليمن يحذر من سعي تنظيم القاعدة للاستيلاء على مدينة عدن" من حوار أجرته معه صحف ألمانية . "مصادر تقول أن إجراءات تتم على خلفية "خلافات حادة نشبت بين أكبر جنرالات الجيش اليمني حول كيفية السيطرة على مدينة عدن والجنوب بشكل خاص" تدل على أن مدينة عدن ستدخل في دوامة ومنعطف خطير قد يعصف بالمنطقة والجنوب وليس على أنباء المحافظة وحدهم ، مشيرا إلى أن أبناء عدن والجنوب ليسوا طرفاً فيها وإنما ستكون ساحة لصراع الجنرالات العسكرية للسيطرة عليها". "حذرت قيادات عسكرية من تبعات خطورة المعارك في محافظة أبين والتي يخوضها اللواء 25 ميكا مع المسلحين، معتبرة بأن ما يقوم به اللواء "25" ميكا اليوم ليست معركة يخوضها من أجل أبين وإنما بخوض معركة للدفاع عن سقوط محافظة عدن" . "مؤكدين بأن سقوط اللواء "25" ميكا يعتبر تلقائياً من الناحية العسكرية سقوطاً لمحافظة عدن". "اللواء 25 ميكانيكا لا يزال يتعرض لضغوطات ميدانية من الجماعات المسلحة وضغوطات سياسية من بعض القيادات في النظام والمنطقة الجنوبية للانسحاب، إلا أنه يرفض" . "شخصيات سياسية وحقوقية في عدن تعتبر أي دخول لمسلحي أبين إلى عدن فإن ذلك يتم بتواطؤ قيادة المنطقة الجنوبية ، خاصة في ظل الانفلات الأمني الملحوظ الذي تشهده المحافظة وسحب بعض النقاط الأمنية والغياب الملحوظ لمراكز الشرطة في عدم القيام بواجبها حيال بعض المخالفات القانونية". "وزير الدفاع والجهات الأمنية وقائد المنطقة الجنوبية يطلبون من المواطنين في عدن مساندتهم ضد الجماعات العابثة في أبين ولحج والمقتربة من عدن" . اذن هناك مخاطر عديدة تتهدد مدينة عدن وأهلها, كالمدن الأخرى في البلاد في ظل الوضع الراهن, الا ان نصيب عدن من مخاطر إضافية تبدو مستغربة ، لما فيها من إمعان في ضرب المدينة وتاريخها ومدنيتها . خلال الأيام الماضية تعاظمت مظاهر تلك المخاطر بصوره تدعو للشك فيما يبيت للمدينة , فقبل ان تعلن وزارة الدفاع أنها أحبطت عملية كبرى للقاعدة كانت تستهدف منشآت في عدن , كان انفجار كبير قد هز مدخل ميناء الحاويات قبالة جولة كالتكس وسبقته بايام تنفيذ تصفية لأحد القيادات العسكرية في المنطقة العسكرية الجنوبية ومؤخرا اغتيل قائد كتيبة في احد ألوية المنطقة نفسها بتفجير سيارته بعبوة ناسفة في منطقة سكنية بالمنصورة . كل ذلك يجري في ظل تشكيك في كثير من المعلومات المتعلقة بكل ما يتصل بالمسلحين الذين تدعى السلطات العسكرية والأمنية بالمحافظة انهم يتبعون تنظيم القاعدة . وبالاتساق مع كل ذلك بات المواطن في المحافظة نهبا للمعلومات الخاطئة والمضللة والمغرضة في ظل غياب مصدر يتمتع بالمصداقية يتولى تقديم الحقائق , إضافة الى ان ذلك يجري وسط أزمة تستفحل وتمس خبز المواطن واحتياجاته الحيوية , يمكن ان تتحول الى مشروع انفجار عظيم , ليؤمن المواطن حقه في الحياة مستقرة لجهة مأكله ومسكنه وأمنه الشخصي . بالطبع ليست وحدها عدن التي تعاني حالة العبث السياسي والامني والمعيشي التي أوصلنا اليها النظام وبقاياه حاليا , لكن عدن باتت اليوم تواجه مخاطر متعددة تمس كيانها كحاضرة ودليل يفترض ان يمثل بوصلة لدولة مدنية حديثة قادمة , تخلو من الشوائب التي علقت بها خلال العقدين الأخيرين . ان ما يجري في عدن يتم عن سبق إصرار وترصد , وهو عدوان يراد له ان يحول دون ان تكون المدينة نموذج للتحول نحو التغير القادم وهو عدوان تنفذ تفاصيله وفق التطورات والمواقف السياسية في البلاد عموما , والأحداث التي حصلت في الأيام والاسابيع الماضية دليل واضح على ذلك والتي تمثلت بالانفلات الأمني وتقطيع الأحياء ، اختفاء وانسحاب لوحدات عسكرية من الجيش وقوات الأمن من مواقع مهمة في المدينة , اغتيال قادة عسكريين , تفجير سيارات مفخخة حسب المصادر الامنية والعسكرية , الادعاء بمحاولات اغتيال مدير امن المحافظة , الادعاء بمحاولة اغتيال قائد المنطقة الجنوبية , الاعتداء المميت على مسيرة تشييع الشهيد الدرويش والتي سقط فيها الشهيد د. جياب السعدي , الإعلان عن القبض على مجموعة من القاعدة كانت تدبر لتفجير منشآت في عدن وهو أمر مشكوك فيه , دخول مسلحين الى المدينة وانتشار الأسلحة فيها وسماع طلقات الرصاص بمناسبة وبدونها في الأحياء السكنية دون رادع من احد ، استمرار أزمة المحروقات وتبعاتها ، البسط على الأراضي والبناء العشوائي والتوسع غير المرخص ، ارتفاع الأسعار ، عملية الغش الواسعة التي ترافق الامتحانات الوزارية والانقطاعات المستمرة والطويلة للتيار الكهربائي في جو حار جدا .... الخ . انها حالة عبث عامة تستهدف المدينة وأهلها بصورة استثنائية تغيب فيها قوات الجيش والأمن عند مواجهة المسلحين لكنها تحضر بقوة مميتة عند المظاهرات السلمية وفي مواجهة المعتصمين . بالإضافة الى كل ذلك تشهد عدن انتهاك لحرمة المعالم التاريخية والعبث بها بصورة فاضحة أخرها اعمال حفريات اسفل جدار تاريخي يقع بين المعلا وخور مكسر معروف بالجدار التركي والاعتداء الصارخ على ساعة عدن التاريخية في التواهي وما خفي كان أعظم ! .... اذن من وما وراء الإمعان في الحديث عن (سقوط عدن) ؟! ... الأمر ليس عصي عن الفهم، أليس كذلك! [email protected]*