يتم الان التركيز بكثافة على نبش الماضى المؤلم الذي نعرفه جيدا. الجديد فى حملة الاحتلال اليمني هو تحميل الماضي لاشخاص بعينهم وهم الذين يقفون اليوم ضد الاحتلال وتحميلهم المسؤولية. انها نفس الحملة التى سبقت حرب 1994م، في ظل تغاض تام عما قام به نضام صنعاء فى بلاده وهو اكبر مما قام به النظام الجنوبى فى الجنوب. اذا رضى الجنوب بالخضوع لصنعاء فالماضي مات ويجب فتح صفحة جديدة وعفى الله عما سلف. ولكن اذا وقف الجنوب ضد احتلال صنعاء فالماضى حاضر ولم يمت. يا سبحان الله، كيف تسكتون كل هذه السنين والان تذكرتم. ان الذين اشرفوا وقاموا بما قاموا به تحت قيادة امن الدولة اكثرهم الان فى صنعاء وتحت حمايتها. ان الاحتلال اكبر من اى جريمة، وما تقوم به صنعاء بحق الشعب الجنوبي فاق كل الجرائم التى يمكن تصورها ويكفى مجزرة المعجلة ومصنع الذخيرة. انهم يريدون منا الوقوف عند الماضى الذى نعرفه جيدا حتى لا نقف فى وجه جريمة الاحتلال القائمة الآن صفا واحدا. ان الهدف اليوم هو تحرير واستقلال الجنوب وتخليصه من جريمة الاحتلال. والحديث عن غير هذا الهدف وخلق قضايا اخرى هو هدف صنعاء والمتعاطفين معها الذين يريدون الانتقام من شعب الجنوب. ان الشعب الجنوبي لا يعنيه الماضى بل يعنيه الحاضر والجريمة القائمة اليوم (جريمة الاحتلال) التى ترتكب تحتها كل الجرائم. عندما نتخلص من الاحتلال ويتم بناء الدولة المستقلة سيكون هناك معنى لرفع اى قضية امام قضاءها، مهما كانت هذه القضية. اما اطلاق الحديث الان على عواهنه واتهام اشخاص بعينهم جزافا، فلا معنى له الا استمرار جريمة الاحتلال القائمة. ان هذا دفاع عن الاحتلال بطريقة توجيه السهام للجنوب عوضا عن الدفاع المباشر لانه لن ينفع. ولم نلاحظ ان شعبا تحت الاحتلال يخوض ثورة تحرر يتم تذكيره بالماضى الا عندنا. ان هذه حرب واضحة يقوم بها الاحتلال وازلامه، هدفها عرقلة مسيرة الثورة الجنوبية التى تهدف لاقتلاع هذا الاحتلال من ارض الجنوب العربي. علينا هنا التفريق بين المسوؤلية السياسية والجنائية. ان الجبهة القومية كجبهة (ومن بعدها الحزب كحزب)، ومن كان في اعلى هرم السلطة، تتحمل ويتحمل مسؤولية سياسية عما جرى. واقصى عقوبة يمكن توقيعها على الحزب هو حله، وعلى اكبر مسؤول جرى ماجرى فى عهده هو عزله. اما المسؤولية الجنائية التى يتحملها اشخاص بعينهم كمسؤولين مسؤلية مباشرة عما جرى، فمثل هذه المسؤلية التى جاءت فى خضم صراع سياسي فان افضل وسيلة لمعالجتها هو ما يسمى بالعدالة الانتقالية. ولا معنى اليوم للحديث عن عدالة انتقالية والدولة المسؤولة عن تطبيقها غير موجودة. كما لا يمكن الحديث عن عزل سياسى لاننا لسنا فى تنافس على سلطة فى دولة مستقلة، بل فى نضال ضد احتلال. والنضال ضد احتلال لا يوجد فيه عزل. فلا يمكن اصدار قانون او قرار بمنع شخص من النضال كما هو الحال فى الدولة المستقلة حيث يمكن اصدار قانون يمنع اشخاص باوصافهم (وليس باشخاصهم) من بعض الحقوق السياسية (كتولى مناصب سياسية عليا) وليس كلها. ان الحديث عن غير التحرير والاستقلال اليوم لا يصب الا فى خدمة الاحتلال، وهدفه خدمة الاحتلال وليس تحقيق اى عدالة. لان الاحتلال هو الظلم، والمحتل الظالم غير جدير بالحديث عن العدل من اساسه حتى يعير غيره بماض هو يرتكب اكبر منه الان، وجرائمه قائمة حاضرة. كما نلاحظ ان العزل السياسى يسقط بعض الحقوق السياسية وليس كلها. ولكن لايمكن تصور عزل شخص من النضال ضد احتلال. بل هذا ميدان يتسابق فيه المتسابقون. العزل له معنى فى ظل دولة ونظام سياسى، وليس له معنى فى ظل احتلال. هل يمكن لو وقعت ليبيا تحت الاحتلال ان يطالب بالعزل السياسى، لن يطالب به الا شخص لا يفهم معنى العزل او يخدم الاحتلال. ذلك ان العزل لايكون الا فى دولة وفى بعض الحقوق، ولايكون فى منع شخص من حقه فى النضال ضد الاحتلال. وهذا ليس حق بل واجب. ومن جهة اخرى ان العزل مقتصر على بعض الحقوق فقط وليس كلها .