span style=\"color: #ff0000\"حياة عدن/صادق ناشر لم تجد الأطراف السياسية من سبيل غير الحوار من أجل فرملة الأوضاع المحتقنة في البلاد، ففي الذكرى العشرين لتحقيق الوحدة اليمنية أعلن الرئيس علي عبدالله صالح عن مبادرة سياسية جديدة دعا فيها خصومه السابقين، بخاصة الشريك الأساس في دولة الوحدة، وهو الحزب الاشتراكي اليمني وشركاء الدفاع عن الوحدة، ويقصد بهم التجمع اليمني للإصلاح، إلى استئناف الحوار الذي توقف منذ عدة أشهر وإلى تشكيل حكومة وحدة وطنية . شكل الحوار وموعده ومكانه لا يزال محل بحث بين الأطراف السياسية، فالمعارضة التي أعلنت ترحيبها بحذر بدعوة صالح لإجراء الحوار المتوقف، لا تزال متشككة بنوايا الحزب الحاكم لإخراج البلاد من أزماتها القائمة، وترى في الحوار مناورة وتكتيكاً من قبل الحزب الحاكم لامتصاص غضب المؤسسات السياسية الداخلية والخارجية، بل إن بعض قادتها يقولون إن المبادرة لا تعدو كونها رسالة إرضاء للخارج أكثر مما هي حاجة وطنية . بدا الحزب في دعوته الأخيرة محتاجاً إلى الحوار، كما هو حال بقية الأطراف السياسية، خاصة أن الجميع بدأ يستشعر خطورة الموقف، إذ إن الأوضاع في البلاد لم تعد تحتمل المزيد من الخضات التي يمكن أن تعيد خلط الأوراق في الساحة، خاصة أن التحديات التي تواجهها الدولة اليمنية بعد عشرين عاماً من قيامها لم تعد خافية على أحد . وفوق هذا فإن لاعبين جدداً بدأوا في الظهور على الساحة ومؤثرين في سير الأحداث، ولم تعد الأحزاب السياسية المعروفة في الساحة هي صاحبة الكلمة الأولى في المشهد، فقد تحول الحوثيون إلى قوة لا يستهان بها في شمالي البلاد، كما أن قوى الحراك الجنوبي باتت تفرض أجندة سياسية وأمنية مختلفة عن تلك التي كانت تلعبها قبل سنوات قليلة . وفوق هذا وذاك هناك خطر تمدد تنظيم القاعدة، والذي تحول إلى هم داخلي وخارجي مزعج، وبات كالكابوس الذي يقض مضاجع الدولة، ناهيك عن خطورة المواجهات المفتوحة مع رجال القبائل، والتي فجرتها الضربة الجوية الخاطئة التي كانت تستهدف مواقع لتنظيم القاعدة بمحافظة مأرب الأسبوع الماضي، فقتلت خمسة أشخاص من قبائل عبيدة، بينهم نائب محافظ مأرب وأمين عام مجلسها المحلي جابر الشبواني، وهو الخطأ الذي يكبد البلاد ملايين الدولارات يومياً من جراء الأعمال الانتقامية التي قامت بها القبائل ضد أنابيب النفط ومحطات الكهرباء، وهي الأعمال التي أغرقت العاصمة صنعاء والمدن الرئيسة بظلام دامس منذ نحو أسبوع . span style=\"color: #800000\"واقع المبادرة لا شك في أن الرئيس علي عبدالله صالح كان يدرك قبل إعلان مبادرته السياسية بمناسبة ذكرى مرور عشرين عاماً على إعلان دولة الوحدة بين نظامين سياسيين مختلفين، أن النظام السياسي الحالي وصل إلى مرحلة حرجة من المواجهة مع كافة خصومه، وعلى الرغم من أهمية المبادرة وتوقيتها وتفاصيلها، إلا أنها خلت من الكثير من التوقعات التي كان يبني عليها المواطنون آمالاً كبيرة للتخفيف من حدة وصعوبة الأوضاع التي يعيشونها، لكنها في الحقيقة عالجت بعض القضايا التي كانت تطالب المعارضة بتوفيرها قبل الشروع بالانتخابات، وهو ما كانت تطلق عليها “تهيئة الأجواء لانطلاق الحوار”، مثل إطلاق سراح المعتقلين والعفو عن السجناء السياسيين على ذمة الحرب في صعدة والاحتجاجات الجنوبية . وربما كانت هذه القضية الرئيسة التي ركز عليها بيان المعارضة الذي أعلنته بعد مرور ثلاثة أيام على مبادرة الرئيس، حيث اعتبرت المعارضة، المنضوية في إطار تكتل اللقاء المشترك هذه الخطوة أنها “جاءت على طريق تهيئة المناخات السياسية والوطنية واستكمال ما تم الاتفاق عليه بشأن الحوار الوطني وفقا لاتفاق فبراير/شباط 2009”، وقالت إن “ما يخص استئناف الحوار الوطني الشامل بين كافة فرقاء الأحزاب السياسية هو الطريق الأمثل الذي اخترناه كاستجابة للحاجة الوطنية الملحة في هذه اللحظة التاريخية التي تعقدت فيها أوضاع البلاد وبات من الضروري استئناف الحوار على وجه السرعة” . أما بشأن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية فإن المعارضة لم تدل برأي واضح بشأنها، وحجتها في ذلك أنها لا تريد إنقاذ حكومة المؤتمر من استحقاقات المرحلة التي اتسمت برأيها بالفساد في كل مناحي الحياة طوال استفراد حزب المؤتمر الشعبي العام بالحكم منذ العام ،1997 إلا أنها جددت التأكيد على أن مثل هذه القضية وغيرها “يتوقف على موضوعات الحوار الوطني الشامل ومساره ونتائجه بمشاركة وإسهامات كافة الأطراف السياسية بالداخل والخارج وما يتمخض عنه من توافق وطني عام” . موقف المعارضة من مبادرة الرئيس لم يكن هو الموقف الإيجابي الوحيد في ردود الأفعال الداخلية فقد كان هناك موقف إيجابي صادر عن حركة تمرد الحوثيين الذين رحب قادتها بخطوة الإفراج عن أنصارهم، لكنهم أبقوا الباب موارباً تجاه القضايا الأخرى، ومن بينها الحوار الوطني، كذلك حصلت المبادرة على مواقف إيجابية أخرى من منظمات مجتمع مدني وشخصيات سياسية واجتماعية رأت في المبادرة خطوة للاعتراف بحقيقة الأزمة القائمة وضرورة الخروج منها حتى لا يتعرض البلد لمزيد من التشرذم، خاصة أن مثل هذه المؤشرات موجودة . القوة السياسية الوحيدة التي رفضت المبادرة هي فصائل العمل السياسي في الجنوب، بخاصة قوى الحراك الجنوبي التي أعلنت بوضوح أن هذه المبادرة لا تعنيها لا من قريب أو من بعيد، لأنها “تأتي في إطار ترتيب البيت الداخلي للشمال، أي الجمهورية العربية اليمنية” . ويرى رئيس المجلس الأعلى للحراك ناصر الخبجي تعليقاً على مبادرة الرئيس صالح أن “التسويات والمبادرات غير مقبولة اليوم مع قضية الجنوب وقضيتنا لن تحل إلا بقرارات الشرعية الدولية” . ويقول الخبجي، وهو من أبرز الرموز السياسية لقوى الحراك الجنوبي إن “الحديث عن الحوار أصبح عادة وروتيناً يومياً في كل الخطابات ؛ فيما الواقع غير ذالك ودعوات الحوار والمبادرات لا تستقيم مع ما يجري في الواقع من قتل وقمع واعتقالات وحصار عسكري واقتصادي على الجنوب”، بل إنه يرى أن “الغرض من خطابات علي عبدالله صالح هو الاستهلاك الإعلامي فقط، كما أن خطابه كان موجها للخارج قبل الداخل”. وعن دعوة صالح لتشكيل حكومة وحدة وطنية يقول الخبجي إن “النظام ليست لديه النية في التعاطي مع أي حلول لكن الهدف امتصاص الأزمة السياسية الداخلية لنظام الاحتلال وفي نفس الوقت لايجاد هوة وعدم الثقة بين مكونات المعارضة واللعب على التناقضات، أما بالنسبة للحراك الجنوبي فهو ليس مكوناً من مكونات نظام الاحتلال إنما هو قوة سياسية تحمل قضية وهوية شعب ودولة ونظام ويناضل من اجل اخراج المحتل وفك الارتباط سلميا، وأية تسويات من هذا القبيل تخص السلطة والمعارضة وكذالك أي إقليم جغرافي في نظام الشمال، أما دولة الجنوب التي دخلت في شراكة مع الجمهورية العربية اليمنية عام 90 لم تعد موجودة بتاتا بعد ما قال عنه الخبجي “احتلال الجنوب في صيف 94” . span style=\"color: #800000\"في انتظار انطلاق الحوار وفي انتظار انطلاق الحوار الذي من المقرر أن يعلن عن موعده ومكانه خلال أيام تنتظر البلاد أياماً صعبة، فقضايا الحوار لا تزال متشعبة، ولم يتم الاتفاق على طبيعة القضايا والمواضيع التي ستطرح في هذه الجولة الجديدة من الحوار، كما أن عامل عدم ثقة الأطراف ببعضها بعضاً يعمق من الأزمة نفسها، فالسلطة ترى في المعارضة خصماً لا يقتنع بأي تنازلات، وأنه يريد جر البلاد إلى أزمة فراغ دستوري، أما المعارضة فإنها على يقين بأن السلطة غير جادة في التوصل إلى حل للأزمة القائمة، وترى أن أكبر مشكلة هي عدم اعترافها بوجود مشكلة في البلاد . من هنا فإن الأطراف تدخل جولة الحوار الجديدة وهي مسلحة بأكثر من أزمة، حتى الحزب الحاكم دخل في أزمة مع حلفائه في التحالف الوطني الديمقراطي، الذين اتهموه بأنه خذلهم عندما قرر قصر الحوار السياسي عليه وعلى الأحزاب الممثلة في البرلمان، وعددها أربعة أحزاب، وهي الحزب الاشتراكي اليمني والتجمع اليمني للإصلاح والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري وحزب البعث العربي الاشتراكي . أما بقية الأحزاب، بخاصة حزب رابطة أبناء اليمن (رأي)، وإن رحب بالحوار، فقد انتقد تغييب بقية الأحزاب السياسية عن هذه الحوارات، وقال إن الحوار يجب أن يشمل كافة الأطراف السياسية في البلاد، سواء تلك الممثلة في البرلمان أو من هم خارجها، وجدد التأكيد على موقفه من قضية حل الأزمة في البلاد التي قال إنها لن تحل إلا عن طريقة الدولة اللامركزية، أي باتباع مشروع الحزب بتقسيم البلاد إلى إقليمين فيدراليين في إطار اليمن الموحد، وهو ما ترفضه صنعاء حتى الآن، وتقول إن الحكم المحلي واسع الصلاحيات أو كامل الصلاحيات يلبي مثل هذا المطلب . وتقف قضية الانتخابات التشريعية، المقرر أن تشهدها البلاد في السابع والعشرين من شهر إبريل/نيسان المقبل، والتي يتمسك الحزب الحاكم بإجرائها مهما كان الثمن، على الأقل في مواقفه المعلنة، واحدة من أهم وأعقد الملفات التي تواجه المتحاورين . ويرى مراقبون أن الحزب الحاكم والمعارضة معاً يجدان نفسيهما أمام أزمة حقيقية في هذه القضية، فمع دخول السنة الثانية من فترة التأجيل التي تم الاتفاق عليها قبل عام، تبدو الفترة المتبقية قصيرة وضيقة لإجراء أي تصحيح في التحضيرات للانتخابات، فالمعارضة ترى الفترة المتبقية غير كافية لإجراء انتخابات تشريعية نزيهة وشفافة، ولكنها لا تريد أن تعطي الحزب الحاكم ورقة بيده تؤكد أن المعارضة هي من تطلب تأجيل الانتخابات وليس الحزب الحاكم . لهذا يبدو الحزب الحاكم في تصريحات مسؤوليه ضاغطاً باتجاه إجراء الانتخابات في موعدها وعدم التأجيل لفترة قادمة، وهو سيوافق على التأجيل في حال كان ذلك طلب المعارضة وليس طلبه هو، من هنا فإن الحزب الحاكم يريد طرح هذه القضية على جدول الحوار باعتبارها “استحقاقاً دستورياً” يجب عدم التنازل عنه . ومن القضايا التي ستكون حاضرة وبقوة في جولة الحوار المقبلة الأزمة المتواترة في الجنوب، ذلك أن الوضع يسير في المناطق الجنوبية من البلاد من سيئ إلى أسوأ، ويبدو كأن السلطة دخلت في مستنقع لا يمكن الخروج منه من دون أضرار . وتتعاطف المعارضة مع مطالب الجنوبيين، وإن بنسب متفاوتة، فالحزب الاشتراكي مثلاً يرى أن القضية الجنوبية لها طابعها الخاص، وأكد بيان للجنة المركزية للحزب أن الحزب “جدد تمسكه بعدالة ومشروعية القضية الجنوبية، وتصدرها للحياة السياسية الوطنية في الظروف الراهنة، كقضية نشأت عن النتائج المدمرة لحرب ،1994 التي قوضت المشروع الوحدوي الديمقراطي العظيم وحولته إلى غنيمة حرب وتدمير أسس الدولة التي تكونت على مدى سنوات ما بعد الاستقلال، وجاء الحراك السلمي الجنوبي تعبيراً عن الرفض السياسي والاجتماعي، والشعبي العارم لكل نتائج الحرب، وللإجراءات والسياسات التي نفذتها السلطة منذ ،1994 وحتى الآن” . ويفرض إيقاع المواجهات المحتدمة في الجنوب على الدولة التعاطي مع هذه القضايا بطريقة مختلفة عن الحلول السابقة، فالمواجهات الدامية التي تدور في هذه المناطق والحصار العسكري المفروض على المناطق الجنوبية، بخاصة المناطق الملتهبة، مثل لحج والضالع أفرزت معطيات جديدة جعلت من صنعاء تلجأ إلى أسلوب التفاوض مع قوى الحراك الجنوبي من خلال إرسال لجان رئاسية للتوصل إلى تهدئة في هذه المناطق تكون معها السلطة قادرة على التقاط الأنفاس والبدء بمعالجة جديدة للأوضاع في هذه المناطق . والسؤال هو هل يمكن أن تقبل السلطة أن يجلس خصومها جميعاً على مائدة الحوار التي دعا إليه الرئيس صالح مؤخراً؟ المعارضة تطالب بأن يشمل الحوار كافة أطراف الحياة السياسية، وليس فقط الأحزاب الممثلة في البرلمان والحزب الحاكم، وربما جاء بيان اللجنة التحضيرية التي تضم كافة أحزاب المعارضة وشخصيات سياسية من الحزب الحاكم ومستقلين ليؤكد أن المعارضة وحلفاءها متمسكون بضرورة إشراك الجميع في هذه الحوارات، بل إن المعارضة تطالب بتوسيع الحوار أكثر وعدم قصره على الداخل وتوسيعه ليشمل قادة المعارضة في الخارج الذين أعلن بعض رموزها أن مبادرة الرئيس صالح ليست كافية لمعالجة الأوضاع في البلاد، إذ إن السلطة معنية بتقديم تنازلات أكبر ليتسع الوطن للجميع . لكن السلطة لا تريد أن يكون مصطلح “التنازل” “فضفاضاً يسمح من خلاله بدخول أطراف جديدة في اللعبة السياسية في البلاد، وترى أن التنازلات إذا ما حصلت فإنها يجب أن تكون في نطاق محدود وفي إطار الحفاظ على شكل النظام السياسي، أي أن صنعاء لا تريد مناقشة فكرة الفيدرالية التي يدعو إليه حزب الرابطة وتحظى بدعم عدد كبير من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني . التنازل التي يمكن أن تقدمه السلطة للمعارضة يتمثل في إشراك الأحزاب السياسية الفاعلة في الساحة في حكومة وحدة وطنية، وبالذات الشريك في تحقيق الوحدة اليمنية، وهو الحزب الاشتراكي، وجاء ذلك صراحة ولأول مرة في خطاب الرئيس صالح الذي ألقاه في الذكرى العشرين لقيام دولة الوحدة . ويتفق كثيرون مع روح المبادرة التي أعلنها الرئيس صالح القاضي بإعادة الاعتبار للشراكة الوطنية التي قضت عليها الحرب الأهلية العام ،1994 وبخاصة إعادة الاعتبار للحزب الاشتراكي، الذي تسبب إقصاؤه من الشراكة في دولة الوحدة في الحرب في اختلال توازن القوى الاجتماعية في الساحة، وهو الذي أظهر الحراك الجنوبي إلى الوجود والذي يهدد دولة الوحدة اليمنية ويعيدها إلى كيانات متشظية أسوأ من الكيانات التي كان عليها “اليمنان” قبل الوحدة عام 1990 .