بمقتل العقيد الليبي ينتهي حكم طاغية ثالث من الطغاة العرب وتنتصر ثورة شبابية شعبية ثالثة من ثورات الربيع العربي , فيما بقية الثورات ماتزال في كر وفر مع حكامها الطغاة المتشبثين بالحكم والغير متعظين بما حل بنظرائهم في ليبيا ومصر وتونس. ولو تأملنا إلى النهايات التي وصل إليها الطغاة الثلاثة في تونس ومصر وليبيا لرأينا أنها تشابهُ أعمالهم , وهكذا دائماً يكون الجزاءُ من جنس العمل , وكما تدين تدان , فزين العابدين بن علي كانت خير وسيلة له للتخلص من خصومه أو من يرى فيهم خطراً على ملكه هي النفي إلى خارج البلاد , فكان جزاؤه أن نُفي إلى خارج بلاده التي ما تخيل يوماً أن يرحل عنها وأن تصير بعيدة المنال عنه , وهاهو اليوم يرى بأم عينيه واحداً ممن نفاهم إلى خارج البلاد بغير ذنب ولأكثر من 22 عاماً ( الغنوشي ) يترأس حزباً يفوز بأول انتخابات حرة ونزيهة في تاريخ تونس .
وأما مبارك – الذي ليس له من اسمه نصيب- فكان يتخلص من خصومه ومعارضيه بالمحاكمات العسكرية والسجن , فكم من عالم وكم من سياسي معارض زج به مبارك في السجن لمجرد أنه معارض ومخالف له. واليوم يذوق مبارك ومعه نجلاه علاء وجمال – واللذان سارا على نهج أبيهما – مرارة السجن والمحاكمة أمام العالم , مع أن هناك فرق بين محاكماتهم لخصومهم ومحاكمتهم اليوم , فمحاكمات خصومهم كانت محاكمات صورية وبأحكام جاهزة , أما محاكمتهم اليوم فهي محاكمة عادلة بأيدٍ نزيهة , ولو حوكموا على كل جرائمهم بحق الشعب المصري لاحتاجوا إلى أن تكون لهم مئات الأنفس تقتل حداً جزاء ما اقترفوه بحق أبناء الشعب.
وأما مخرب ليبيا وعميد الطغاة العرب وملك ملوك إفريقيا فكانت وسيلته في التخلص من خصومه هي القتل بعيداً عن المحاكمات أو النفي , وخلال فترة حكمه الطويلة قتل الآلاف من الأبرياء والسياسيين والعلماء وتأمر لقتل الكثيرين , فكان جزاؤه من جنس عمله بأن قتل شر قِتلة وهو الزعيم المبجل . وكان من طرائفه في أيامه الأخيرة أنه وصف معارضيه من الثوار بالجرذان فصار هو الجرذ الذي يخرجه الثوار من ممر نفايات تعيش فيه الجرذان .
إنها سنة ُ الله في أخذ الطغاة إن أخذه أليم شديد فالله يمهل ولا يهمل , وأظن أن بقية الثورات العربية ستنتصر سواء ما هو موجود منها الآن أو ما سيأتي لاحقاً. وختاماً يبرز أمامنا سؤال هام وهو كيف سيكون مصير الزعيمين اليمني والسوري - اللذان يواجهان ثورتي شعبيهما بالحديد والنار - بالمقارنة مع سابقيهم من الطغاة ؟. فصالح وبشار استخدما كل الأساليب التي استخدمها من سبقوهم بالسقوط من الطغاة العرب , فقد نفوا بعض خصومهم وحاكموا وسجنوا آخرين وقتلوا صنفاً ثالث من معارضيهم فكيف سيكون مصيرهم ؟ وهل سيتعظ الرجلان بما حل بنظرائهم في تونس ومصر وليبيا ؟.
بلاشك إن مصيرهم سيكون أقسى من مصير من سبقوهم , وأما عن اتعاظهم بما حل بسابقيهم فلا أظن أنهم سيتعظون ويسلموا الحكم للشعوب وتكتب لهم خاتمة حسنة , لأن الخاتمة الحسنة تكتب على قدر الأعمال الصالحة لصاحبها , ولا أعتقد أن في سجلات الرجلين أعمالاً صالحة تؤهلهما لأن تكتب لهما خاتمة حسنة .
أخيراً أتمنى النصر والتمكين للثورتين اليمنية والسورية وكل ثورات الربيع العربي القادمة , كما أدعو الله أن يوفق أبناء تونس ومصر وليبيا أن يؤسسوا دولاً مدنيةً حضارية ديمقراطية تعم فيها قيم الحرية والعدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان وأن ينعم أبناء تلك الدول بخيرات بلدانهم .