لو أن أحفاد الأستاذ العزيز/ نصر طه قرأوا في المستقبل أن جدهم – أطال الله عمره- تلقى تهديدا في أواخر العام 2011م من شخص يدعى طارق محمد عبدالله صالح الذي كان يشغل قائد الحرس الخاص لعمه الرئيس الذي تم خلعه في العام ذاته، ربما يفاجئهم الخبر ليس في فحوى التهديد التلفوني فهذا هو الأسلوب المعتاد لدى العائلة التي كانت حاكمة في ذلكم الزمن، ولكن المفاجأة في أن هؤلاء لا يزالون يعتقدون – بعد ما شهدت اليمن ما شهدت من ثورة شعبية عارمة- أن بمقدور رصاصاتهم إرهاب الأقلام الحرة، دون أن يفكروا ولو مجرد تفكير بسيط في ما آلت إليه الأوضاع وما أثار عليهم سخط الشعب ونقمته وانتقامه من أسلوب إدارتهم المتخلفة و حكمهم السيئ الصيت والسمعة والذكر والأثر، طارق صالح نجل شقيق الشخص الذي كان يشغل رئيسا للبلاد لفترة تزيد عن 33 سنة، و يعمل في قيادة هيئات و مراكز معلنة و غير معلنة مثلما بقية إخوانه الذين يمسكون بتلابيب الأمن المركزي والأمن القومي ناهيك عن أشياء كثيرة تقع تحت سيطرتهم و سطوتهم ليس للقدرات النوعية التي يمتلكونها ولا المواهب الفذة التي يتميزون بها ولكن لأن صاحب الفخامة شقيق والدهم، كلما فعله الأستاذ نصر طه لا يتجاوز ممارسته الكتابة الحرة والواعية والتعبير عن رأيه بطريقة حضارية ليس فيها استعراض للسلاح أو تعريض الآمنين للمخاطر كما تفعل ميليشيات الفندم الكبير علي عم الفندم الصغير طارق، أو كما تفعل قوات أحمد "الجمهوري" أو كتائب يحيى "المركزي"، نصر طه مارس حقا مكفولا في جميع الشرائع والتشريعات باستثناء تشريع حمورابي و أفراد عائلته الذين لا يودون سماع أي صوت لا يسبح بحمد الأسرة المالكة والحاكمة والآمرة والناهية، يدرك الأستاذ نصر وهو يكتب أن ثمة ثمن سيدفعه وهو ينافح بقلمه عن ثورة شعب بأسره لكن ربما لم يكن يتوقع أن يتفرغ قائد الحرس الخاص بنفسه للتصدي لهذا القلم، أو ربما تصور أن شيئا أهم و أكبر يشغل بال الفندم المنوط به حراسة عمه ليس من الأقلام الناقدة ولكن من الأذى الذي يمكن ان يطاله كما حدث معه في جمعة النهدين قبل ستة أشهر، أما الدفاع عنه من الكتابات فالأولى أن تضطلع بها أقلام مماثلة، خصوصا و الاسرة تملك جيشا من المرتزقة والمنافقين و هم على استعداد للنهش في لحوم الناس لمجرد أن صاحب الأمر والنهي أطلق عليهم إشارته كما تفعل كلاب الصيد المحترفة مع فارق بين الفريقين، شخصيا أتضامن معك أستاذنا القدير نصر، و لا أدري هل يفيد مجرد التضامن مع قلمك وموقفك ضد تهديد أجوف لا يعير الكلمة أي اهتمام ولا يقيم للنقد البناء أدنى اعتبار، و نستغرب كيف لا يزال هؤلاء يتصورون أن إصدار التهديدات من شأنه أن يسكت الأصوات المعارضة أو يكسر إرادة المناهضين لطريقتهم في التعامل مع الثورة السلمية، نحن هنا نسجل تضامننا لأن التضامن يعني أننا نتضامن مع أنفسنا ضد بلطجة هذه البقايا التي يبدو أنها لا تجيد غير التهديد ولا تتقن سوى الوعيد، مثلما لم يكترثوا – أو هكذا يعتقدون- للثورة وما أفضت إليه من تغيرات ضربت معاقل حكمهم في الصميم و هشمت أحلامهم المريضة و أودت بطموحاتهم السقيمة إلى غير رجعة، كما تفعل كل الثورات حين تكنس في طريقها كل ما شيده الطغاة والفاسدون عبر سنوات حكمهم. منذ عرف القراء نصر طه وهم يرون فيه كاتبا مقتدرا يحترم مهنته و يتقن التعاطي معها دون أن يجعل منها وسيلة ابتزاز أو أداة استفزاز، و إننا بكثير من الفخر نقر له بأستاذية جعلتنا نتعلم من كتاباته الواعية وقراءاته الرصينة الكثير والمفيد من الدروس في محراب الكلمة الحرة والحرف المستنير، يخطئ عتاولة القوة العسكرية حين يعتقدون أن تهديدا عابرا سيكون كفيلا بكسر إرادة كاتب استهل مشوار كتابته بعمود أسبوعي عنوانه "حروف حرة"، لأن الحرف الحر قادر على مواجهة التهديد ليس على قاعدة مواجهة التحدي بالتحدي ولكن مقاومة الاستبداد بالحرية ومقارعة القتل بالقلم ومناهضة الهمجية بأساليب وطرق سلمية وحضارية. حين اندلعت أزمة 93 وحرب 94 كان الاستاذ نصر طه يسطر بقلمه الرصين وفكره المستنير قراءاته الواعية ل"أزمة الفرصة التاريخية"، وهي قراءة ضافية ما كان أحوج الساسة والإعلاميين لها، حينها كان صبيان القصر مشغولين بالإعداد والتهيئة لتقاسم تركة البلد الذي وجدوه فجأة في قبضة الأسرة، لم يقرأوا ما كتبه نصر عن الأزمة والحرب والمستقبل لكنهم كانوا في حضرة من يقرأ لهم كف الحظ السعيد الذي ينتظرهم و ينتظرونه، بعد سنوات كان الكاتب والمثقف والمحلل السياسي نصر طه مصطفى مشغولا ب" هموم أول القرن" التي كان يفرغ لكل هم منها قراءة مطولة في أعداد مجلته المتميزة يومها "نوافذ"، و فيما يبدو أن طارق وعمه وبقية أفراد العائلة الحاكمة كانوا يعتقدون أنهم في غنى عن هذه الهموم فأمامهم من الهموم ما هو أكبر، كان نصر يعتقد أن المصالحة الوطنية ومعالجة آثار الصراعات والنزاعات واحدا من الهموم بينما هم مشغولون بفتح صراعات جديدة و استحداث بؤر حرب و نزاع لم يدر في خلد العزيز نصر أنها ستكون ساحة حرب قادمة للفرسان الصغار. أستاذنا العزيز.. مثلما أنت صاحب قلم حر وشجاع، هم أيضا يمتلكون تلفونات تتمتع بتقنية عالية كفيلة بإيصال التهديد إلى أذن كل معارض، لكنها أقل و أضعف من أن تنال من إرادة "نصر"، و إذا كنت فارس كلمة ناقدة ومسئولة فهم أيضا فرسان كلمات التهديد و الوعيد، ولكن هيهات أن ينال تهديدهم من قلب حر أو قلم شريف.