هاهي دموع باسندوة تثمر دموعاً أخرى أكثر رمزية وأعظم وقعاً في صداها كونها تسيل من عيون لطالما صورها لنا الرئيس المخلوع بالعيون الحمراء التي لا تعرف الرحمة ولا يكحلها إلاّ منظر الدماء والثأر والانتقام ، وأنها لا تعرف نظاماً ولا قانوناً ولا تعرف من معاني التمدن شيئاً . إنها دموع الشيخ ربيش بن كعلان كبير مشائخ الجدعان حين وقف أمام الجماهير بعد صلاة الجمعة 4/5/2012م وهو يمسك بالمصحف في يمينه ويناشد بأعلى صوته أفراد قبيلته أن يحافظوا على أمن البلد ويستحلفهم بالله أن لا يتعرض أحدهم للكهرباء ثم يجهش بالبكاء . ربيش بن كعلان كبير مشائخ الجدعان ، عندما كتبت الاسم على الكمبيوتر وضع المصحح اللغوي خطوطاً حمراء تحت الأسماء الثلاثة على اعتبار أن فيها خطأ أو غير معروفة في القاموس ، ولا لوم على الكمبيوتر أو مبرمجه ، فهي أسماء تدل على الصلف والخشونة وقسوة الطبيعة التي ينتمي إليها الرجل ، مع الغلظة التي اشتهر بها رجال القبائل الشمالية الغربية وحاول المخلوع مراراً تثبيت هذه الصورة في أذهاننا . أمّا أنا فقد وضعت الخط الأحمر تحت عبارة يجهش بالبكاء ، هذه العبارة التي جعلتني أتفكر كثيراً ، وأتساءل كثيراً ، ما الذي جعل شيخاً كبيراً ربما لو مُزّقَ جسده قطعةً قطعة لما نزلت من عينه دمعة واحدة أمام رجال قبيلته ، لكنه هنا يجهش بالبكاء أمام أفراد قبيلته مجتمعين دون أن تصيبه شوكة ، ودون أن يشعر بالخجل أو أن يمنعه عرف أو عادات القبيلة من ذلك ؟ لم أجد لهذا التساؤل إجابة غير أن هذه نتيجة طبيعية لمعجزة الربيع العربي والثورة السلمية التي استطاعت أن تصل إلى رجال شغلهم الرئيس المخلوع طوال فترة حكمه بالحروب والثارات ولم يترك لهم فرصة لالتقاط الأنفاس حتى غدت قلوبهم أشد قسوة من الحجارة ، ولكن يبدو أن حالهم كما قال الله في الآية ( وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ ) . وما أظن قلوب هؤلاء الرجال إلاّ من النوع الذي يكون صلباً قوياً في مواقف كثيرة ، لكنه حين يتعلق الأمر بطاعة الله وخدمة المسلمين ، تتحول القسوة والصلابة لتتفجر أنهاراً وعيوناً تجري ، فتعود على الناس بالخير ، وما دموع هؤلاء العظماء إلاّ قطرات من أنهار الخير القادمة ، كنتاج وتتويج لمعجزة الربيع العربي والثورة اليمنية السلمية . لذلك لا تستغربوا إذا ما رأيتم كبار القوم وعِليَةِ المجتمع يبكون وتنهمر دموعهم ، فإن هذا الأمر يبشر بالخير ، فهؤلاء يعلمون أن تركة المخلوعين ثقيلة جداً ، ومصاب الأوطان خلال فترة حكمهم عظيم بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، ولا يبكي من هوله إلاّ العارفون . بكى الخلفاء الراشدون ومعهم عمر ابن عبد العزيز عندما تم اختيارهم لتحمل أمانة قيادة الأمة وسياسة أمور الدولة ، فكانت نهايتهم سعيدة ووصلوا بالأمة إلى ذُرَى العلياء بعد أن كانت أمة بَدَوِيَة متخلفة يتقاتلون على عقال الشاة والبعير ، ثم خَلَفَ من بعدهم في الحكم خلفٌ فرِحوا وسُرُّوا بل وتكالبوا على تحمل المسؤولية والأمانة ، فأوصلوا الأمة إلى ما وصلت إليه من الضعف والوهن ، حتى أصبحت أضعف الأمم ومطمعاً لشذاذ الآفاق في الشرق والغرب . أمّا اليوم فقد بدأت بشارات النصر تعود وبدأنا نرى حكاماً يبكون عند توليهم الحكم ، وبدأنا نسمع تلك العبارات التي كنا نقرأها في سير الصحابة رضوان الله عليهم ، كقولهم أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم ، وقولهم إذا رأيتم مني اعوجاجاً فقوموني . وبدأنا نرى حكاماً يرفضون ما افترضه لهم قانون الدولة الفاسد من مكافآت وسيارات وغيرها ، ويسنون قوانين تخفض من رواتب ونفقات مسئولي الدولة ، وهذا ما فعله الحكام الجدد في أكثر من قطر عربي وإسلامي ، ابتداءً بعلي عزت بيغوفيتش في البوسنة ومروراً بأردوغان في تركيا وهنية في غزة والمرزوقي والجبالي في تونس وعبد الجليل في ليبيا وباسندوة في اليمن وستستكمل الأمة ربيعها بالبقية الباقية إن شاء الله . وقد علَّمنا التاريخ أنه لا يبكي من حمل المسؤولية إلاّ العظماء الذين يعلمون أنهم سيقفون يوماً من الأيام بين يدي الله فيسألهم عن كل من استرعاهم وجعل لهم سلطان عليهم ، من البشر والحيوان والممتلكات ، قال صلى الله عليه وسلم ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) [email protected]