ما الذي نراه الآن في مجتمعنا ؟..في الشارع، في المدرسة، في الجامعة، في الأندية، في الاعمال ، بل حتى في البيوت، وحتى في وسائل الإعلام؟غابت الألفاظ الراقية والحوار الراقي والمعاملة الحسنة ليحل محلها حوار متدني، ألفاظ سوقية، معاملات خشنة، كذب، نفاق، مناورات، خديعة، حتى في أكثر العلاقات خصوصية، رشوة..فساد"...إنها أزمة أخلاقية بالأساس.
من شاهد ملايين اليمنيين فى ساحات التغير، وسائر ساحات الحرية ، منذ انطلاق الثورة الشبابية ، لاحظ بلا شك الكثير من الأمل فى العيون، أمل فى انتزاع حرية حقيقية وكاملة، وأمل فى إعادة بناء الوطن على أسس من العدالة والمساواة والمواطنة، أمل فى رؤية شعب اليمن السعيد يتسلح بالعلم، ويتحلى بالأخلاق، لكن من يشاهد شعب اليمن الآن، يدرك بلا شك، أننا أمام وضع استثنائى أخرجنا فيه أسوأ ما فينا، وقضينا على أجمل ما فينا. وخلال الفترة الماضية كانت هناك دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي وفى وسائل الإعلام، وعلى جدران الشوارع تطالب بثورة ثانية، لكن أصحاب هذه الثورة الثانية اختصروها فى عبارة واحدة هى هيكلة الجيش وأقصى بقايا النظام السابق من الحكم ، لكن أحدا لم يفكر أو يطرح ثورة ثانية لإعادة تعليم المواطن اليمني، واستعادة الأخلاق المفقودة.
خلال الاشهر الماضية شهد الوطن عدت اضرابات مختلفة ، سواء كان ذلك الاضراب من موظفي القطاع العام او المختلط ، قد يكون هذا حقهم، طالما اتبعوا الإجراءات القانونية التى تلزم بالإعلان عن الإضراب قبلها بفترة حتى لا تتعطل مصالح المواطنين، لكن ان يكون الاضراب هو سبب رئيسي لعرقلة امور المواطنين ، وتعطيل الاعمال ، فهذا إضراب أراه باعتقادي غير أخلاقى .
وفى يمننا الغالي الى قلوبنا جميعاً الآن نشكو من انفلات أمنى، وهذا صحيح، لكننا فى كل المواقع والأماكن نشكو أكثر من انفلات أخلاقى، هو الأصعب والأقصى علينا جميعًا، فالانفلات الأمنى يمكن القضاء عليه حين تكتمل هيكلة الجهاز الأمنى، وإعادة نشر القوات فى الشوارع، لكن كيف نتعامل مع مواطن قرر أن يأخذ حقه أو غير حقه، على حساب مواطنين آخرين لا ذنب لهم، وليسوا طرفًا فى معاناته.
أحد أكبر وأبرز مساوئ النظام السابق أنه تعامل مع اليمن واليمنيين بمنطق الكم وليس الكيف، بمعنى أنه توسع فى إنشاء المدارس، وقبول الطلاب بها لكنه لم يقدم خدمة تعليمية وأخلاقية حقيقية داخل المؤسسات التعليمية، رغم أن مسمى الوزارة المشرفة على التعليم فى اليمن هو التربية والتعليم، والتربية تسبق التعليم ، فيجب ان تشترك جميع المؤسسات فى تنمية الوازع الدينى والاخلاقى عند الطفل فهذه مسئولية الجميع ويجب التركيز على التعليم الابتدائى لإحداث نهضة شاملة فى التعليم اليمني تقوم على جيل مؤدب متعلم مثقف .
ربما لم يهتم النظام السابق بجودة وكيفية ومحتوى التعليم فى المدارس، ونحن فى بيوتنا انشغلنا بالبحث عن لقمة العيش وتوقفنا عن ممارسة التربية داخل البيوت، وفى النهاية ندفع جميعا ثمنا غاليا لتقصير الحكومات السابقة، وتقصيرنا، ولم تعد ثورة واحدة تكفى، وإنما أصبحنا بحاجة إلى ثورات أخرى، أهمها وأولها أن نبدأ بثورة للتعليم ، والأخلاقيات والضمائر المطلوب تهذيب النفوس وردعها عن الفساد وفرض النفوذ ومقاومة الفوضي والبلطجة وأصحاب المصالح الشخصية ، المطلوب العمل في الفترة القادمة بشعار انكار الذات من أجل صالح هذا الوطن كي ننعم سوياً بالحرية وبنسيم وعطر وطننا، نعمل سوياً كي ننعم بيمن جديد كي يهنئ شعبنا الغالي الذي كتب بدماء شهدائه الأبرار تاريخا أبيض .
رحم الله امير الشعراء الذى قال: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.