إن المتأمل في مراحل النضال والكفاح المسلح الذي رفعه الساسة في هذا البلد يدعو للدهشة والاستغراب ووضع علامات استفهام كثيرة بل وعلامات تعجب أيضًا . لقد درسنا وتعلمنا في مختلف المراحل التعليمية تاريخ النضال ضد الاستعمار البريطاني وضرب أروع الأمثلة في التضحية والفداء لأجل هذا الوطن وكم سقطوا من الشهداء دفاعًا عن ترابه الغالي الذي لأجله تسكب الدماء وتزهق الأرواح وهذه هي قمة التضحية .. إن الاستعمار نشر الجهل والفقر والمرض وقمع كل من يعارضه بقوة وقسوة ووحشية ويمارس الوصاية على الجنوب بكل وقاحة واستعلاء , والاستعمار البريطاني للجنوب كان السبب في التخلف و الجهل للوطن وأبنائه.. والأدهى من كل ذلك أن المندوب السامي البريطاني كان هو الحاكم العسكري والمدني للبلد وكل السلاطين والأمراء والمشائخ والوزراء الجنوبيين كانوا يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه ويسبحون بحمده ويتفننون في تقديم التنازلات والولاءات لبريطانيا. لقد تعلمنا أن هولاء عملاء للاستعمار وخونه وأنهم باعوا أوطانهم وشعبهم وأنفسهم للشيطان .. وبعد الاستقلال تمت تصفيتهم وسجنهم وتشريدهم من قبل قادة الثورة ونظام الحكم الوليد على هذا الأساس . وبعد مرور السنين يتضح أن بريطانيا العظمى ليست عدوة لدودة بل صديقة حميمة تريد لنا الخير وليس عيبًا أن نخطب ودها ونقيم العلاقات الخاصة مع أجهزة مخابراتها بطريقة سرية أو علنية واتضح أن معظم قادة الثورة الذين ثاروا ضدها هم على علاقة وطيدة معها وللتوضيح أكثر فهم أيضاً عملاء مثل من اتهموهم ولأجل التهمة هذه ذبحوا من تعامل معها مثلهم وسجنوهم وشردوهم وسحلوهم وشيطنوهم . واليوم عندما نجري مقارنة بين الزعماء الجنوبيين ومن هو الأوفر حظًا في قيادة السفينة, وعند ذكر نقاط قوته نذكر منها أن الرجل على علاقة وطيدة وحميمة مع بريطانيا وأن البريطانيين وعدوه أنهم مع قضية الجنوب وحقه في تقرير مصيره! يا للعجب كيف تصبح هذه الأمور حلالًا لك وتتفاخر بها, ولاجلها ذبحت وشردت الآخرين, وكيف تطلب من الذي تقول عنه بأنه سبب شقاؤك وجهلك وتخلفك 129 عامًا بأن يرسم لك معالم مستقبلك وتطمئن لمستقبل اولادك معه؟ فإذا كان كذلك فلماذا ثرت عليه أصلًا وقاومته بالسلاح وقتلت كل من يتعاون معه من أبناء وطنك وصفيت حتى البدو ونزعتهم من تحت خيامهم ومن بين أغنامهم وهم ربما لا يعرفون معنى كلمة استعمار وصنفتهم بأنهم ثورة مضادة وهم أبرياء من كل ذلك! لماذا إذًا لم تتركوا البريطانيين في الجنوب إذا كانوا ظرفاء إلى هذا الحد أم أنكم كنتم على خطأ عند إعلان الثورة من قمم الجبال ضدهم؟! كل العذرين اقبح من ذنب. وأن كنتم تطلبون مساعدتهم فلماذا تحتفلون بيوم خروجهم من عدن في 30 نوفمبر عام 1967م وتخرج الملايين للاحتفال بهذه المناسبة. غريب أمركم وعجيب ما تصنعون وفظيع كل ما تعملون منذُ اليوم الأول. ومثل ذلك الهرولة السريعة عام 1990م إلى تحقيق الوحدة اليمنية والجنوب يعيش أسوأ أيامه فلو عارض أحد في ذلك الوقت قيام الوحدة لتمت تصفيته باعتباره عميلًا خائنًا رجعيًا واليوم من سيقول رأيه بإعادة صياغة هذه الوحدة من خلال طاولة الحوار التي تجمع كل الفرقاء السياسيين ووضع حلول قد تنصف الجنوبيين ولكنها لا تنصف من كانوا سبب في معناة وظلم الجنوب وأهله, والبحث عن حلول للقضية الجنوبية من خلال عقد اجتماعي جديد يضمن للجنوبيين عدم الوقوع بين فكي الكماشة بين طرفي الصراع على السلطة ما قبل عام 1994م وما بعده ويضمن لهم المشاركة المتساوية في السلطة والتوزيع العادل للثروة التي هي أساس الصراع القائم اليوم فهو خائن لوطنه وعميل وسوف يوضع في قائمة الشخصيات الغير مرغوب فيها والمطلوب تصفيتها بعد إنجاز هدفهم وسيبدأون من حيث انتهوا؛ لأنهم بكل بساطة يمارسون النظرية الميكافيلية "الغاية تبرر الوسيلة" إذا شعروا أن الأمور لن تكون بأيديهم بنسبة مطلقة, ولن يقبلوا بأي شراكة وطنية أو تعددية سياسية أو تداول سلمي للسلطة. إن هذه المواقف على مر السنوات الخمسين الأخيرة هي للأسف مواقف متطرفة تجدها إما في أقصى اليسار أو في أقصى اليمين ولن تجد للوسطية أي موقف خدم الجنوب ولم يكن للعقل والمنطق والحكمة أي حضور في كل المنعطفات التي مر بها الجنوب وربما كل المواقف الهامة بنيت على نزوات عاطفية أو كيدية أو مغامرة غير مدروسة أو هروب من موقف صعب إلى مستقبل مجهول . والله المستعان على ما تصفون .