صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المناضل/حسن الشيباني:
منظمات المجتمع المدني في الجنوب لعبت دوراً كبير في الدفاع عن ثورة اليمن في الشمال
نشر في الجمهورية يوم 30 - 11 - 2012

يمتلك المناضل حسن سعيد الشيباني في ذاكرته مخزوناً هائلاً من الأحداث الوطنية والتي شهدها جنوب وشمال الوطن اليمني إبان الاستعمار البريطاني والنظام الإمامي .. فقد كان له شرف المساهمة في قيام الثورتين سبتمبر وأكتوبر والمشاركة في الدفاع عن صنعاء وفك الحصار عنها.. وهذا يشير إلى أنه على إطلاع كامل بطبيعة الحياة السياسية التي كان يعيشها الجنوب تحت نير الاستعمار البريطاني وحتى رحيل آخر جندي بريطاني في الثلاثين من نوفمبر 1967م... “الجمهورية” التقت المناضل الشيباني.. وأجرت معه الحوار التالي: دفاع الجنوب عن ثورة الشمال
.. بداية حدثنا عن ماهية الحياة السياسية التي كان يعيشها جنوب اليمن “سابقاً” إبان الاستعمار البريطاني.. وكيف كانت عكسية ماهية هذه الحياة في شمال الوطن اليمني؟
أولاً: أود الإشارة إلى نقطة مهمة وهي أن الوحدة اليمنية كانت موجودة برغم النظام الإمامي الكهنوتي المستبد في شمال اليمن والاستعمار البريطاني في الجنوب فكان جميع فئات الشعب اليمني آنذاك عبارة عن مجتمع أسري واحد.. فعندما قامت ثورة ال26من سبتمبر عام 1962م في الشمال وحددت أهدافها الستة والتي وللأسف لم تتحقق إلى اليوم كاملة.. هب جميع أبناء اليمن في الشمال والجنوب للدفاع عن الثورة الأم “ثورة 26سبتمبر” وكانت أول دفعة وصلت إلى صنعاء هي دفعة الثوار والقادمون من ردفان وبقيادة الشهيد المناضل غالب راجح لبوزة.. كما كان لمنظمات المجتمع المدني في عدن دور نضالي واضح وملموس، فقد كانت تقوم بدفع الشباب في الجنوب للذهاب إلى صنعاء من أجل المشاركة في الدفاع عن الثورة السبتمبرية والجمهورية.. ولقد كان على رأس هذه المنظمات نادي الاتحاد الشيباني والذي تأسس في عدن وكان رأس ماله آنذاك لا يزيد عن واحد وسبعين ألف شلن وكان هذا المال مخصصاً لشق طريق المجزاع سوق السبت بني شيبة.. وبعد قيام ثورة سبتمبر تم تحويل هذا المبلغ لصالح الدفاع عن الثورة اليمنية ولقد كان يرأس نادي الاتحاد آنذاك الحاج عبده محمد الهسوس والذي كان يستدعي الشباب ويعطي كل واحد منهم مائة شلن وبطانية وكان يقول لكل واحد منهم: “نريد نسمع صوتك أو موتك” ولقد كان من بين هؤلاء الشباب الدكتور محمد مقبل والذي كان وزيراً للصحة سابقاً.. بالإضافة إلى وجود منظمات أخرى لعبت نفس هذا الدور مثل جمعية أبناء شرجب وجمعية الأغابرة وغيرها كثير.
صفعة لبوزة
.. قبل إجراء اللقاء معكم حدثني عن موقف عظيم ومشرف للمناضل الشهيد لبوزة والذي كان بمثابة صفعة قوية على خدي حكومة بريطانيا والتي بسببه شنت هجوماً شرساً على ردفان هل يمكن ذكر أحداثه لنا مرة أخرى؟
نعم.. فبعد قيام الثورة السبتمبرية في الشمال.. جاء بعد ذلك دور الثوار من أبناء ردفان وبقيادة المناضل الشهيد غالب راجح لبوزة وكان آنذاك في المحابشة وبمعية المناضل جمال عبده ولم يستلموا رواتبهم ولمدة ستة أشهر فعادوا إلى صنعاء والتقوا بالملازم عبدالله علي السلال والذي أبدى استعداده بصرف رواتبهم ولكنهم قالوا له: نحن لا نريد أن تصرفوا لنا رواتبنا وإنما نريد منكم أن تصرفوا لنا سلاحاً.. فكان لهم ما أرادوه، وبعد ذلك تحرك الشيخ الشهيد البطل غالب لبوزة ورفاقه إلى ردفان.. وإذ بضابط الأمن السياسي في منطقة الحبيلين يعلم بوجوده فحرر له رسالة أكد فيها بضرورة تسليم نفسه ورفاقه وتسليم السلاح الذي معه وبعذر أنهم يدعمون دولة أجنبية، فرد عليه الشيخ لبوزة برسالة كتب فيها: “إلى قرصان الحبيلين نحن لا نعترف بك ولا بحكومة ما يسمى باتحاد الجنوب العربي، وحكومتي ومرجعيتي هي الحكومة اليمنية في صنعاء” ولذلك كان أول هجوم شنه الاستعمار البريطاني هو الهجوم على ردفان وكان في فجر يوم ال14من أكتوبر، وحينها خاضت المجاميع اليمنية المسلحة وبقيادة الشهيد غالب راجح لبوزة معارك شرسة ضد الحملة العسكرية البريطانية، ولقد انتهت هذه المعارك باستشهاد غالب لبوزة، وبموته وفي آخر نهار ذلك اليوم سكتت المدافع والطيران وتوقفت عن الهجوم على ردفان، وفي يوم ال17من أكتوبر أعلنت إذاعة عدن خبر القضاء على التمرد في ردفان.. ولكن صحيفة “فتاة الجزيرة” في عدن نشرت في يوم 24من أكتوبر خبراً مفصلاً وشاملاً عن أحداث المعركة والتي دارت في ردفان وكذا كشفت عن مضمون الرسالة الموجهة من ضابط الأمن السياسي في الحبيلين إلى المناضل الشهيد غالب راجح لبوزة ونشرت نص رد الرسالة من لبوزة إلى ضابط الحبيلين، وهنا نلمس واحدية الثورة اليمنية في الشمال والجنوب.
كتيبة نقيل يسلح
.. ما حكاية الكتيبة التي جاءت من عدن ولحج والضالع وردفان وأبين ويافع لفك الحصار عن صنعاء ولكنها فوجئت بحصارها في منطقة نقيل يسلح.. وتم قتل معظم أفرادها؟
منذ عام 1962م ظل الدفاع عن صنعاء مستمراً والذي معه استمرت عملية مطاردة فلول النظام الإمامي وأذياله وعملاء حكومة الاستعمار البريطاني والتي علمت هذه الأخيرة بأن الثوار في صنعاء مستميتون ومصرون عن الدفاع عن صنعاء وفك الحصار عنها قامت هي ومن تبقى من أسرة النظام الإمامي بدعم ومساندة المرتزقة والعملاء لتكثيف هجومها على صنعاء وإسقاط النظام الجمهوري فيها.. ولكن الشعب اليمني في الجنوب والشمال هبوا للدفاع عن صنعاء هبة رجل واحد من أجل العمل سوياً على فك الحصار عنها وفي أثناء فترة الحصار كانت هناك مجاميع مسلحة قدمت من عدن ولحج والضالع ويافع وردفان وأبين فتحركت هذه المجاميع عبر طريق تعز صنعاء ووصلت إلى طريق نقيل يسلح وحينئذٍ تم فك الطريق وكانت توجد سرية من سلاح الصاعقة محاصرة في الجبل وكان قائد السرية المناضل أمين الشيباني والذي تم إرساله من مدينة عدن وعندما تم فك الحصار عنها أخبرها قائدها بأن تنسحب حتى لا تتعرض إلى هجوم مضاد ومفاجئ بعد المغرب ولكن أفراد السرية لم تستمع إليه فانسحب هو بمفرده وعاد إلى صنعاء.. أما أفراد السرية فبقوا في أماكنهم ولم ينسحبوا وفجأة تعرضو إلى كمين مسلح فقتل منهم ستون رجلاً وكانت هذه الحادثة المؤلمة من أكبر تضحيات أبناء الجنوب في نقيل يسلح.
تعمير.. أم تدمير؟
.. هل صحيح ما روجه البعض بأن الاستعمار البريطاني كان له الفضل في تعمير الجنوب أم ماذا؟
أود أن أوضح بأن الاستعمار لا يعمّر أبداً للغير بل إنه يعمر فقط لنفسه.. فالاستعمار البريطاني عندما استعمر عدن كان وضعها يتكون من عدن وكريتر وخور مكسور والتواهي والمعلا والشيخ عثمان كانت موجودة وكانت من ضمن مناطق لحج ونتيجة لهذا التقسيم هب أبناء الشمال من صنعاء وتعز وإب وذمار والبيضاء ونزلوا إلى عدن واستوطنوا فيها كما أن المدارس لا يدخلها إلا من أبناء عدن فقط ويمتلك وثيقة تثبت بأنه مواليد عدن أما أبناء بقية المحافظات الأخرى فكان محرماً عليه أن يدرس في مدارس مدينة عدن.. كما أن الاستعمار حتى يمسح الجانب الديموغرافي قام باستجلاب جنسيات أجنبية مختلفة من الفرس والهنود واليهود وغيرهم من الأقليات وجعلهم يستوطنون في عدن وهذا السبب هو ما جعل أبناء الشمال يهبون إلى السكن في الجنوب.. كذلك قام الاستعمار البريطاني بتسمية شوارع المدينة بأسماء إنجليزية فاحتج اليمنيون آنذاك ورفضوا هذه السياسة وقاموا بتسمية الشوارع بأسماء يمنية وكان الغرض من السياسة البريطانية هو السيطرة المحكمة على المصافي والميناء.. كما أن الاستعمار البريطاني وجد نفسه في ورطة بعد اندلاع الثورة فقام على الفور بتشكيل ما يسمى حكومة اتحاد الجنوب العربي والمكونة من 22 سلطنة ومشيخة وأما عدن فلم يتم إدخالها ضمن هذا التكوين وكان هناك علم خاص بكل السلطنة والمشيخة وعلم آخر خاص بحكومة الاتحاد وعلم خاص ببريطانيا وعلم آخر خاص بشمال اليمن فأصبح إجمالي عدد الإعلام 25 علماً.
مظاهرات مناوئة
.. هل من ردود أفعال شعبية مناوئة ضد مشروع الاستعمار الاتحادي آنذاك؟
في يوم 24 سبتمبر عام 1962م اندلعت في عدن مظاهرات ضد الاستعمار ومشروعه الاتحادي وقامت هذه المظاهرات بإحراق مقر المجلس التشريعي والذي كان يرأسه عبد الحسين بيومي.. وكان غرض الاستعمار البريطاني من مشروعه الاتحادي هو تقوية السيطرة على ميناء عدن لتزويد بواخره بالوقود أيضاً وتقوية السيطرة على مدينة عدن بغية تحويلها سوقاً تجارياً خاصاً به.. والغريب ما حدث في الماضي نراه اليوم يحدث في الوقت الراهن وكأنه امتداد للسياسة الاستعمارية، فالمطالبات بالحكم الفيدرالي والأقاليم وعدم إدراج مدينة عدن ضمن هذا التقسيم هي نفس السياسة التمزيقية التي كان الاستعمار البريطاني يتبعها في جنوب اليمن سابقاً.. وما أشبه اليوم بالبارحة.
ندرة المدارس
.. كيف تصفون لنا وضع الحياة التعليمية في الجنوب إبان الاستعمار البريطاني؟
الاستعمار البريطاني بنى فقط أربع مدارس في عدن ولم يبنِ أية مدرسة في بقية المحافظات وكانت توجد فقط مدارس أهلية، ونتيجة لهذا الوضع الحرماني من التعليم قام اليمنيون الذين أتوا من الشمال وقطنوا في عدن بإنشاء كلية بلقيس في الشيخ عثمان وكتبوا البرت الخاص بها «هيئة التربية والتعليم اليمنية كلية بلقيس» وكان المدرسون فيها من مصر والأردن واليمن وكان عميدها الاستاذ حسين علي الحبيشي وكان الاستاذ عبد العزيز عبد الغني مدرساً فيها وكذا الاستاذ عمر دهبلي وعبد الله فارع وكان من يتخرج من كلية بلقيس وكأنه حاصل على شهادة الماجستير كما أن كلية بلقيس رفدت الثورة اليمنية بخيرة القادة المدنيين فمن تخرج منها يسافر إلى صنعاء.
تقسيم المقسم
.. هل كان الاستعمار البريطاني حريصاً على أن يظل الوطن اليمني مقسماً إلى شمال وجنوب؟
نعم.. وأن هذا الحرص تمثل في اتباع الاستعمار البريطاني سياسة فرق تسد وسياسة تجزيئ أو تقسيم المقسم إلى فئات فكان من نتائج هذه السياسة تقسيم الجنوب إلى محميات ومشيخات والإصرار على فصل الجنوب عن الشمال وهذا كله من أجل إبقاء الاستعمار وجعله هو المهيمن الوحيد على مقدرات وثروات الجنوب سابقاً لدرجة أنه كان حريصاً على جعل الشعب اليمني في الجنوب يعاني من الفقر والجوع ظناً منه أن الشبع قد يؤدي إلى الانتفاض عليه.
علاقة القط والفأر
.. ما طبيعة العلاقة التي كانت تربط حكومة الاستعمار البريطاني في الجنوب بحكومة النظام الإمامي في الشمال؟
كانت تشبه علاقة القط والفأر إلا أنهما يتفقان معاً في حالة إن وجد أي خطر قد يداهمهما وأذكر أنه عندما كان للأحرار دور بارز في الجنوب والشمال قام ولي العهد الإمامي بزيارة إلى الجنوب وطالب الاستعمار بتسليمه الأحرار والثوار ولكن القانون البريطاني كان لا يسمح بذلك.. وبعد قيام ثورة سبتمبر في الشمال والقضاء على الحكم الإمامي الكهنوتي واندلاع الثورة في الجنوب قام الاستعمار البريطاني وعن طريق حكومة اتحاد الجنوب العربي بمنح تصاريح تسجيل الأجانب لأبناء اليمن، ولقد كنت واحداً ممن حصلوا على هذا التصريح إلا أنني كنت أرفض عرضه في أي نقطة حدودية كوني أصلاً يمنياً ولست أجنبياً وظللت أحتفظ بهذا التصريح إلى الآن.. كما أنني رفضت تسليمه إلى الجهة البريطانية حتى تمنحني الجنسية البريطانية فمن كان يمتلك هذا التصريح يحصل على الفور على الجنسية البريطانية وكنت أفتخر وأعتز فقط بالبطاقة التي تعرفني بأنني أنتمي إلى المقاومة الشعبية وكنت أفتخر أيضاً بالبطاقة العسكرية التي تثبت بأنني أحد من شاركوا في فك حصار صنعاء والذي سمي بحصار السبعين وعندما فك الحصار ذهبت إلى قائد المجموعة الملازم علي إسماعيل عبدالله وطلبت منه أن يأخذ مني عهدة السلاح (رشاش) فأنا ما عدت احتاجه خاصة بعدما تم فك الحصار عن صنعاء فأعطاني حينها إخلاء عهدة وذكر فيها أنني أحد رجال المقاومة الشعبية، وممن شارك في الدفاع عن صنعاء وفك الحصار عنها وما زلت أحتفظ بهذه الورقة حتى اليوم وأشعر بالفخر بها عندما أقوم بعرضها على أولادي، أو على من يجب الاطلاع عليه حتى يعرف بأنني كنت أحد المدافعين عن صنعاء وسلمت سلاح الدولة وأخليت عهدتي وسأرفق لكم صورة من هذا الاستلام والذي حرر في عام 1968م.. ومن هنا فإنني أدعو جميع قادة الأحزاب والتنظيمات السياسية إلى أن يتحملوا مسئولية إدارة شئون البلاد والعباد بشرف فهم يعتبرون المسئول الأول قبل رئيس الجمهورية، ولذا يجب على قادة هذه الأحزاب تحمل مسئولية إخراج اليمن من المحنة التي تعيشها الآن وأتمنى من اللجنة الفنية للحوار الوطني بأن تستوعب جميع قضايا المواطنين وإنصافهم وإرجاع الحق لكل من هضم حقه.
انتفاضات العوالق
.. وماذا بالنسبة للانتفاضات الثورية والشعبية ضد الاستعمار البريطاني؟
حدثت الكثير من الانتفاضات الشعبية وفي مختلف المناطق اليمنية منها انتفاضة الصبيحة وانتفاضة طور الباحة ولكن الاستعمار كان سرعان ما يقوم بقمعها ولكن انتفاضة العوالق هي من أهم الانتفاضات الثورية ضد الاستعمار والتي ظلت مستمرة الحدوث حتى عام 1958م وأذكر منهم الشيخ سالم علي العويذي رحمة الله عليه وعلى أولاده حيث قام الاستعمار بضرب منطقة العوالق بالطيران الحربي ففر أبنائها إلى شمال اليمن سابقاً فاحتضنهم الإمام وأسكنهم في مدينة تعز وعندما عدت أنا من الجنوب في عام 1971م ألتقيت الشيخ سالم علي.
أسباب فشل الانتفاضة
.. لماذا معظم الانتفاضات الثورية في الجنوب يكون دائماً مصيرها الفشل؟
باللغة العامية لأن المرضعة غير موجودة فالانتفاضة يجب أن يكون لها ظهر يسندها ويقوي من دعائمها فكانت عبارة عن انتفاضات عشوائية وغير منظمة وهنا ما يساعد الاستعمار على قمعها وبشكل سريع.. وكما قلت في بداية الجواب إن المرضعة إذا كانت غير موجودة فإن مصير الطفل يكون الموت فقام الثوار بتغذية وإرضاع الانتفاضات الثورية في الجنوب فقد كانت تعز هي الحاضنة وهي المرضعة كهذه الانتفاضات وأقصد هنا بالحاضنة أي أنها كانت تقوم باحتضان الثوار من الشمال والجنوب وكانت تغذي كلا الثورتين ونتيجة لاستمرار الاحتضان والتغذية للثورتين نجد أن الاستعمار بعد عام 1962م أقتنع بالرحيل.. وكذلك كان للمد الثوري العربي القومي دور كبير في تغذية الانتفاضات الثورية في الجنوب فعندما وقف الزعيم المصري جمال عبدالناصر في ميدان الشهداء بتعز وقال كلمته المشهورة في عام 1964م (على بريطانيا العجوز الشمطاء أن تحمل عصاها وترحل من أرض جنوب اليمن) فهذه الكلمة المشهورة كان تأثيرها على الاستعمار أكثر من تأثيرها على القنابل النووية التي سقطت على مدينة هيروشيما في اليابان فمن خلال الرسالة التي تضمنتها هذه الكلمة أيقن الاستعمار بأنه راحل من الجنوب.
نوفمبر الاستقلال
.. ماذا يعني يوم الثلاثين من نوفمبر عام 1968م..؟
هو يوم الاستقلال ورحيل آخر جندي بريطاني من الشطر الجنوبي سابقاً وهو (المقدم داي مورغان) وأذكر بأن المقاومة اليمنية ضد الاستعمال البريطاني قد استكملت في البدايات الأولى من شهر نوفمبر 1976م عملية اسقاطها واستيلائها على كافة المناطق اليمنية في الجنوب باستثناء مدينة عدن وعبر معارك وطنية عسكرية في الريف والمدينة ضد التواجد الاستعماري البريطاني وأعوانه وأذياله في المنطقة حسموا فيها حقهم بتمثيل شعبنا في المفاوضات مع الحكومة البريطانية وتحت التأثير المباشر للعمليات اليمنية الفدائية وأعمالها العسكرية واشتداد حركة التظاهرات والاضرابات السياسية أعلن المندوب السامي البريطاني بعدن في 6نوفمبر 1967م اعتراف بلاده بالجبهة القومية اليمنية ممثلة شرعية ووحيدة لشعب جنوب اليمن ونتيجة لهذه الأحداث عقد في جنيف خلال الفترة(2227نوفمبر1967م) مؤتمر للتفاوض بشأن الاستقلال بين وفد من الجبهة القومية اليمنية وآخر يمثل الحكومة البريطانية ولقد انتهى المؤتمر بتوقيع الطرفين وثيقة الاستقلال وفي يوم 29نوفمبر 1967م رحل آخر جندي بريطاني من جنوب اليمن وبذلك كان ال30 من نوفمبر هو اليوم الوطني لميلاد جمهورية اليمن الشعبية الجنوبية سابقاً وهذا الميلاد جاء بعد كفاح مسلح وسياسي دام أكثر من أربع سنوات.
بين الشمال والجنوب
كذلك كان لنا لقاء آخر مع المناضل/ عبدالله محمد مسلم والذي استهل ذكرياته حول مشاركاته في مقاومة النظام الإمامي في الشمال (سابقاً) والاستعمار البريطاني في جنوب اليمن (سابقاً) حيث قال:
كنت قبل قيام الثورة اليمنية متواجداً في عدن ومن هناك قامت قيادة المقاومة اليمنية بإرسالنا إلى جمهورية مصر العربية حتى يتم تدريبنا وبعد ذلك عدنا إلى شمال الوطن من أجل مقاومة النظام الإمامي وفي أثناء المعارك وجدت أن معظم أفراد المجموعة التي أقاتل معها قد فرت وولت هاربة من ساحة المعركة ولم يتبقَ من المجموعة سوى أعداد قليلة جداً من رجال المقاومة وكان من بينهم المناضل محسن غرسان والذي كان حينها مصاباً بطلقات نارية.. وبعد مشاهدتي لمنظر هروب رجال المقاومة.. قررت السفر إلى عدن والمشاركة في مقاومة الاستعمار البريطاني وهناك انضممت إلى مجموعة المقاومة والتي كانت بقيادة المناضل عبدالله منصور.. في إحدى طلعاتنا وقع البعض منا في كمين نصبته لنا القوات البريطانية فتم القبض علينا وزجنا في سجن المنصورة.
فساد أخلاقي
.. عندما كنت في الجنوب كيف كانت طبيعة الحياة الاجتماعية والتي كانت تعيشها عدن إبان الاستعمار البريطاني؟
أذكر أن مشائخ ورجال الدين كانوا دائماً يلقون في المساجد خطابات دينية تعلم الناس وتعرفهم ما هو الحلال؟وما هو الحرام؟ ووجوب فعل الحلال وتجنب فعل ما هو حرام.. وكانوا يحثون الناس على مقاومة الاستعمار البريطاني.. كونه فرض عين على كل مسلم ومسلمة.. وعندما شعر الاستعمار بأن التيار الديني قد بدأ يشكل خطورة عليه فقام بتسخير كافة إمكانياته لدعم الفساد اللا أخلاقي وعمل على فتح الكثير من محلات بيع الخمر وتقديم خدمات الدعارة وخصص لها شوارع في مدينة عدن ولقد كان أشهرها شارع الطويلة.. وفي المقابل قام مشائخ ورجال الدين وعلى رأسهم الشيخ البيحاني بتوجيه انتقادات لاذعة لقادة الاستعمار وسعيهم الحثيث في غرس بذور الفساد والرذيلة، وذات مرة وكعادتي ذهبت إلى المسجد لتأدية صلاة العشاء وبعد الصلاة ألقى الشيخ البيحاني خطبة تحدث فيها عن جريمة الزنا وأن ارتكابها يعد من كبائر الذنوب وأن من يرتكبها يحشر في يوم القيامة إلى جهنم مباشرة.. حينها أصابني الخوف من الوقوع في مستنقعات الزنا والرذيلة والتي كانت آنذاك منتشرة وبشكل كبير ومن ثم ألقى ربي وأنا زان وازداد خوفي من ذلك خاصة وأنني رجل مقاومة معرض للموت في أي لحظة وبعد تفكير طويل اتخذت قراراً هو الأهون والأفضل بكثير من ارتكاب جريمة الزنا حيث ذهبت إلى أحد الأطباء وطلبت منه أن يضرب لي إبرة تقتل الإثارة الجنسية.. فسألني عن السبب؟ فحكيت له الحكاية وقلت له بأني مقتنع بما اتخذته من قرار فقام الطبيب بضرب الإبرة وبمبلغ خمسمائة شلن ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن لم أتزوج وبسبب مفعول هذه الإبرة ولكنني راضٍ عن ما فعلته كوني لم أعصِ ربي ولم أغضبه.. وهذا هو الأهم.
هروب
.. ذكرتم في بداية اللقاء بأن القوات البريطانية نصبت لكم كميناً وتم أسركم وأخذكم إلى سجن المنصورة.. فما الذي حدث بعد ذلك؟
الذي حدث بعد ما تم وضعنا في السجن كان عملاء الحكومة التابعة للاستعمار يأتون في كل يوم ويأخذون البعض من السجناء حيث يتم التحقيق معهم ومن ثم يتم إعدامهم وعندما قام المناضل عبدالله منصور بزيارتي إلى السجن أخبرته بما يحدث فقال لي: إذاً أيش هو الحل؟ فقلت له: الحل أن ترسل إلينا البعض من الطلبة والنساء بغرض زيارتنا ومعهم ثياب جديدة لنا وإحضار صبرة حديد ويتم إخفاؤها داخل الثياب.. وبالفعل تم إحضار ما طلبته فأخذت صبرة الحديد وكسرت بها فاملت باب السجن وبعد ذلك خرجنا من الفاملت ونجا كل من تبقى في السجن من التصفية الجسدية إلا أن آخر السجناء حاول الفرار وهو من البدو ولكن تم القبض عليه وقتله.. أما أنا فقد اتجهت مباشرة إلى سوق البهرة بعدن هناك ألتقيت بأحد معاريفي والذي سبق وأن تركت عنده مبلغ ألف شلن فطلبت منه إعطائي المبلغ وبعدما أخذته منه أخبرني بأن بقائي في عدن قد يعرض حياتي إلى الخطر خاصة أن عملاء الحكومة البريطانية يشنون حملات دهم وتفتيش بحثاً عن الفارين من سجن المنصورة.. فاستمعت إلى نصيحته وهربت إلى شمال اليمن واستقريت ولفترة معينة في مدينة الراهدة وبعد ذلك التحقت بالثوار المقاومين للنظام الإمامي وبعد قيام ثورة سبتمبر في عام 1962م تم إرسالنا إلى عدن للمشاركة في مقاومة الاستعمار ولسوء حظي وقعت أنا ومن معي في الأسر وتم إرسالنا مرة إلى سجن المنصورة والذي بقيت فيه حتى نهاية عام 1967م.
فرح وغضب
.. كيف تلقيت نبأ قيام بريطانيا بتسليم وثيقة استقلال الجنوب للجبهة القومية وإعلان ميلاد جمهورية اليمن الشعبية “سابقاً” وذلك بعدما رحل آخر جندي بريطاني من الجنوب في الثلاثين من نوفمبر 1967؟
حدث ذلك وأنا ما زلت مسجوناً في سجن المنصورة في عدن وعندما علمت بهذا الخبر امتزج في كياني نوعين من الشعور الأول فرحة بحصول الجنوب على الاستقلال الكامل والثاني حزن وغضب لأن بريطانيا سلمت وثيقة الاستقلال للجبهة القومية.
تاريخ أسود
.. المفروض بأن يكون الفرح هو شعورك في كلا الحالتين.. لأن بريطانيا لم تسلم وثيقة الاستقلال ليهود وإنما سلمتها لليمنيين أصحاب الأرض.؟
صحيح أن من كان يقود الجبهة القومية هم يمنيون ولكنهم كانوا إبان الاستعمار ينفذون حملات تصفية لرجال المقاومة سواء كانوا من الجنوب أو من الشمال لدرجة أنهم كانوا يخرجونهم من السجون ويقومون بإعدامهم ولقد كان يتولى قيادة هذه الحملات شخص لا أذكر اسمه بالكامل وإنما أذكر انه كان اسمه “عشال” والذي كانت فرقته تقوم بملاحقة رجال المقاومة والقبض عليهم ووضعهم في سيارات التاكسي والتي تقوم بإيصالهم إلى السجون ومن ثم إعدامهم ولقد علمت بأن “عشال” فيما بعد هرب إلى الشمال ومن ثم هرب إلى السعودية.. والمهم أنني بعد الاستقلال تم الإفراج عني وعدت إلى شمال الوطن وهناك طالبت القيادات المسئولة منحي مستحقاتي المالية “المعاش” طيلة السنوات التي ظللت فيها سجيناً في المنصورة وكان ردهم على طلبي هو الرفض بدعوى عدم وجود أوراق ثبوتية بذلك.. فقلت لهم: لا مشكلة سأحضر لكم هذه الأوراق فذهبت بعد ذلك إلى مقرات المعسكرات والواقعة في صنعاء والبيضاء والسويداء وباب المندب والتي حصلت منها على الأوراق والمطلوب إحضارها والتي عندما أحضرتها إلى الجهات المسئولة كررت رفضها ولم تعطيني مستحقاتي من المعاش وهل تصدق أنني منذ ذلك الوقت وحتى الآن على هذه المستحقات.. فهل هذا جزاء من يناضل في سبيل الوطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.