عدن أون لاين/ فؤاد مسعد* في البدء نعزي أسر الشهداء و نتمنى للجرحى الشفاء العاجل، و كل أبناء الشعب اليمني الصابر المحتسب أسرة واحدة أصابها هذا الحادث الشنيع الذي لم يقتصر على الضحايا بشكل مباشر، لكنه امتد ليصيب اليمنيين جميعا.. و إن ما جرى في ميدان السبعين جريمة سياسية بشعة بحق الشعب و الجيش و هي لا تستهدف الحكومة و القيادة السياسية فحسب، و لكنها محاولة بائسة للنيل من الشعب الوفي لثورته و الجيش الوطني الذي بدأ يلملم جراحه و أخذت جهود هيكلته و توحيد قيادته تتسارع من أجل بناء جيش قوي يتولى حماية البلاد و حراسة مكاسبها. السؤال المطروح الآن: من الجاني و ما الهدف الذي أراد تحقيقه من خلال هذه الجريمة غير المسبوقة؟ و مع ذلك فإن المشهد الدامي الذي يكتنف الغموض بعض أجزائه يكشف عن خيوط في أجزاء أخرى من شأنها أن تقود إلى الحقيقة التي يحاول الجاني الحقيقي التخفي وراءها، و الأمر لا يحتاج لقراءة كف أو ضرب في الرمال، بل إعادة القراءة في السياق الزمني الذي شهد الجريمة الشنعاء، من الذي يتربص بأمن الوطن و يسعى جاهدا منذ اندلاع الثورة لإحراق البلد بمن فيه و ما فيه؟ و من الذي لم يخف لحظة واحدة نزعته في السعي بالوطن نحو الفوضى و العنف و لوح أكثر من مرة بالحرب الأهلية؟ من المؤكد أن ما أعلنه شخص أو مجموعة أشخاص عن إعلان جماعة أنصار الشريعة قيامهم بالمجزرة يحتاج لما يؤكده، ليس لأن الجماعة نفسها تعيش وضعا سيئا للغاية في آخر الجحور التي تختبئ فيها فلولها الهاربة من جحيم الضربات العسكرية برا و جوا و ملاحقتهم من قبل اللجان الشعبية، و لكن لأن المكان الذي شهد الحادثة معروف بحمايته الأمنية و تحصيناته المحكمة، و من يعرف صنعاء يدرك ماذا يعني هذا المكان للأجهزة الأمنية و العسكرية التي تتبع علي صالح و أقاربه، كيف انهارت فجأة و في يوم كان المفروض أن تتضاعف مهمتها في تأمين المكان أكثر من أي وقت و مناسبة أخرى؟ أما حكاية المصدر التابع للقاعدة و أنصار الشريعة ففي تصريحاته المثيرة للسخرية ما يدعو للرثاء لحال هذه القاعدة التي صارت تشبه ما يعرف بالحكايات الشعبية ب"أحمد شوربان" الذي يدعي أنه صاحب كل بطولة حتى لو كان هو ذاته آخر من يعلم بوقوعها، و إذا كان من المستحيل تمرير أبسط الأشياء في هذا المكان فكيف تمكنت قاعدة شوربان من تمرير ثلاثة عشر ألف شظية حسب زعم مصدرها؟ و أيا كانت طبيعة الحادثة فإن ما يجب أن تدركه فلول المخلوع و بينها القاعدة نفسها أن المخطط و المنفذ و المتواطئ في الجريمة هو طرف واحد تتعدد أصابعه فقط، و جميع أركان الجريمة تشير للقاتل الحقيقي مهما بدا متسترا وراء أدواته القذرة..
قبل الحادثة بيوم واحد خرج إعلام المخلوع ببلاغ صحفي يفيد نقله للمستشفى لإجراء عمليات جراحية، و هي المرة الأولى التي تبادر هذه الوسائل الإعلامية لتسويق هذا الخبر، حتى أنها نفت في يوم حادثة النهدين أن يكون صالح قد أصيب بأذى، ما الذي جعلها هذه المرة تبدو حريصة في نقل الخبر الذي شفعته بإضافات تتعلق بوضعه الصحي الذي لم يعد يهم أحدا باستثناء أتباعه و زبانيته. المواقع الإخبارية تناقلت ما ذكرته منتديات معروفة بتبعيتها لنظام المخلوع تقول بالنص "هناك مفاجأة (تفجير)...."، و هذا قبل الحادثة بعشر ساعات، كيف عرفت هذه المنتديات و من الذي أخبرها بوقوع المفاجأة (التفجير)؟ و هل ضاق أحدهم ذرعا بكثرة الوعود التي لا ينفذ منها شيء فقرر أن يفضحهم بهذه الطريقة؟ لن نعد إسفاف الخطاب الإعلامي و سقوطه المدوي خلال اليومين الماضيين دليلا على أن وراء الأكمة ما وراءها، لأن هذا الإسفاف ليس جديدا في الخطاب الذي يروجه أتباع النظام الساقط، لكنا في المقابل لا نغفل ما صدر منها مؤخرا في معرض الترويج للحرب الجديدة التي لم تكن متوقعة، أو لعلها لم تكن متوقعة بهذا الشكل الذي أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن منفذيها تخلوا عن ضمائرهم و قيمهم مقابل مصالحهم المريضة في الانتقام من جميع اليمنيين بهذه الطريقة الدامية، ما الذي جعل البركاني المعروف ببذاءاته المتواصلة يتحدث أمس عن إحباط مؤامرة إصلاحية كانت تسعى لقلب نظام الحكم؟ و كيف و متى و أين أحبطها؟ و من الذي شاركه في هذا الإحباط؟ و كيف سمح لنفسه أن يتحول بغمضة عين إلى جهاز أمني و قوة عسكرية مهمتها إحباط مؤامرات الأعداء و هو الذي يعرف الجميع عنه أنه من أشياع صالح المقربين الذين لا يتكلمون في الغالب من تلقاء أنفسهم؟ ما الذي جعل اللجنة العامة لمؤتمر عفاش تتذكر فجأة حادثة النهدين و تصدر بيانا بهذا الشأن قبل الحادثة بساعات؟ و هل كان اجتماعها الأخير قبل يوم الحادثة هو الفرصة الوحيدة للتعبير عن عواطفهم الجياشة تجاه الحادثة التي وقعت قبل حوالي سنة؟ ما الذي أنطق أحمد الصوفي السكرتير الصحفي للمخلوع الذي تحدث بعد الجريمة مباشرة متهما وزيري الدفاع و الداخلية بالتسهيل لمنفذي التفجير؟ و ليس هذا فقط، لكنه يطالب بمحاكمتهما؟ و الصوفي هو الآخر معروف بتبعيته المهينة لعلي صالح و عصابته و هو لا يتورع عن ارتكاب أية حماقة في سبيل خدمة سيده، بالطبع لن نتحدث عن الحضور المبكر لقناة صالح و وسائل إعلامه في مكان الحادثة و لا عن غياب سرايا الحرس الجمهوري التي اعتادت الحضور يوميا، كما لن نتحدث عن كتيبة الأمن المركزي التي استهدفها التفجير الآثم و هي نفسها التي أعلنت التمرد على يحيى عفاش منذ أشهر و قال أفرادها في وجهه ارحل؟ و بالتأكيد لا نتحدث عن سرعة وسائل إعلام النظام الساقط في تسويق التهم يمنة و يسرة و بشكل متناقض في الخبر الواحد نفسه، و تسابقها في تأكيد اسبقية نجل المخلوع للتبرع بالدم فور وقوع الحادثة مباشرة، و ربما بدأ التبرع بدمه قبل الحادثة تفاديا لحدوث الزحمة فيما لو انتظر إلى بعد الحادثة!! لن نتحدث هنا عن الطريقة التي تتعامل وسائل إعلام نظام صالح التي تفوح منها رائحة التشفي و الشماتة كما لو كان الحدث فرصة لإثبات قدراتهم في التقاط صور الضحايا باعتباره زلزالا في اليابان أو هزة أرضية في الصين، و ليس حادثا مروعا فجع اليمنيين جميعا كما لم يفجعهم حادث قبله. سنترك للزمن و التاريخ أن يقول كلمته في الجريمة البشعة و نلوذ بحزننا و وطننا الذي نحتاجه اليوم آمنا و مستقرا، و لله الأمر من قبل و من بعد.