الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    صحيفة إماراتية تكشف عن "مؤامرة خبيثة" لضرب قبائل طوق صنعاء    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    نافاس .. إشبيلية يرفض تجديد عقدي    نهائي نارى: الترجي والأهلي يتعادلان سلباً في مباراة الذهاب - من سيُتوج بطلاً؟    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    الوية العمالقة توجه رسالة نارية لمقاتلي الحوثي    صحفي: صفقة من خلف الظهر لتمكين الحوثي في اليمن خطيئة كبرى وما حدث اليوم كارثة!    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    الكشف عن أكثر من 200 مليون دولار يجنيها "الانتقالي الجنوبي" سنويًا من مثلث الجبايات بطرق "غير قانونية"    "لا ميراث تحت حكم الحوثيين": قصة ناشطة تُجسد معاناة اليمنيين تحت سيطرة المليشيا.    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    وفاة ثلاثة أشخاص من أسرة واحدة في حادث مروري بمحافظة عمران (صور)    تقرير برلماني يكشف تنصل وزارة المالية بصنعاء عن توفير الاعتمادات المالية لطباعة الكتاب المدرسي    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    القبائل تُرسل رسالة قوية للحوثيين: مقتل قيادي بارز في عملية نوعية بالجوف    التفاؤل رغم كآبة الواقع    اسعار الفضة تصل الى أعلى مستوياتها منذ 2013    حملة رقابية على المطاعم بمدينة مأرب تضبط 156 مخالفة غذائية وصحية    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الحرب إلى 35 ألفا و386 منذ 7 أكتوبر    وزارة الحج والعمرة السعودية تطلق حملة دولية لتوعية الحجاج    وفد اليمن يبحث مع الوكالة اليابانية تعزيز الشراكة التنموية والاقتصادية مميز    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    بمشاركة 110 دول.. أبو ظبي تحتضن غداً النسخة 37 لبطولة العالم للجودو    طائرة مدنية تحلق في اجواء عدن وتثير رعب السكان    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    الهلال يُحافظ على سجله خالياً من الهزائم بتعادل مثير أمام النصر!    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الباحث عبدالناصر المودع ل(عدن بوست): سلمية الحراك ضرورة وليس ثقافة وفشل الحوار يعني مزيد من الفوضى
نشر في عدن بوست يوم 11 - 01 - 2013

في هذا الحوار الهام في قراءته للقضية الجنوبية وتطوراتها الراهنة ، يناقش رئيس تحرير (عدن بوست) الزميل سمير حسن مع الباحث والمحلل السياسي عبدالناصر المودع – وهو باحث متخصص وله العديد من التحليلات والكتابات حول القضية الجنوبية - التحديات الجنوبية أمام مؤتمر الحوار الوطني الشامل فإلى نص الحوار:-
حاوره: رئيس التحرير

* كيف تنظرون لتحديات القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني؟
-القضية الجنوبية ستبقى أكبر قضية تواجه الحوار، واليمن عموما، وتنبع المشكلة لأكثر من سبب، فهناك مشكلة ناتجة عن طبيعة القضية نفسها، حيث نجد الأطراف المنادية بالانفصال ترى أن القضية الجنوبية ناتجة عن قيام الوحدة عام 90 ومن ثم فإن حلها يتطلب إعادة النظر في الوحدة التي تمت، إما بالرجوع عن الوحدة نفسها وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الوحدة، وهذا هو طرح من يطلق عليهم بتيار فك الارتباط، أو بإعادة تقسيم الدولة من خلال فدرالية من إقليمين شمالي وجنوبي ولمدة محددة يتم بعدها استفتاء المواطنين في الجنوب ليقرروا ما يريدونه. وهناك أطراف ترى في أن القضية سببها الطريقة التي تمت بها إدارة دولة الوحدة في الجنوب ومن ثم فإن حل القضية الجنوبية، وفق هؤلاء، سيتم من خلال إصلاح النظام السياسي وتصحيح الأخطاء الناتجة عن سوء إدارة النظام السابق للوحدة، بمعنى أخر هذا الطرف يرى في أن القضية الجنوبية هي قضية مظالم وحقوق فيما الأطراف الانفصالية تراها قضية دولة وهوية سياسية منفصلة.
• ومن وجهة نظرك كباحث في هذه القضية، ما هو سبب نشوء القضية الجنوبية؟
- هناك أكثر من سبب، كالطريقة المتعجلة في إعلان الوحدة، وطبيعة النظامين الحاكمين لدولتي اليمن قبل الوحدة، وسوء النظام السياسي الذي تشكل بعد الوحدة، والذي أدى إلى حرب 94، وإلى النظام السياسي الذي حكم اليمن، والجنوب تحديدا، بعد هذه الحرب، وما أتصف به من فساد وسوء إدارة. غير أن هناك سبب رئيسي لنشوء القضية الجنوبية، وتحديدا النزعة الانفصالية، يتمثل في ما يمكن تسميته بالإحساس الأقلوي لدى الجنوبيين عموما، والطبقة السياسية بشكل خاص.
• ماذا تقصد بالإحساس الأقلوي؟
الشعور بأن سكان الجنوب سيظلون أقلية دائمة في دولة الوحدة، بالنظر إلى حجمهم العددي في الدولة، والذي لا يتجاوز خُمس السكان، وهو ما يجعلهم يعتقدون بأن سكان الشمال سيظلون مستحوذين على الثروة والسلطة.
• وهل هذا الاعتقاد صحيح؟
هو اعتقاد صحيح في حال كان النظام غير ديمقراطي، فالنظم الاستبدادية تجعل السلطة والثروة محتكرة لدى أقلية صغيرة قد تكون أسرة أو طائفة أو حزب، ويتم ذلك الاحتكار من خلال استبعاد معظم السكان من المشاركة في السلطة والثروة. وفي هذه الأنظمة يحدث التمايز في الحقوق والواجبات بحيث نجد أن الفئة القريبة من الحاكم من قبيل أسرته وقبيلته ومنطقته الجغرافية وحزبه السياسي؛ تتمتع بمزايا أكبر من الفئات الأخرى، وتسود حالة من التقسيم الهرمي للمواطنة بحيث نجد هناك توصيفات لمواطنين من الدرجة الأولى والثانية والثالثة وغيرها. وفي الحالة اليمنية منذ نهاية حرب 94 تقريبا، كانت السلطة والثروة محتكرة لصالح الرئيس السابق صالح والمقربين منه، فيما بقية السكان محرومين وبدرجات مختلفة من الثروة والسلطة.
• وهل كان الجنوبيون تحديدا مستبعدين من الثروة والسلطة؟
كما ذكرت فإن النظم الاستبدادية تُحتكر السلطة والثروة فيها من قبل الأقلية الحاكمة، ولهذا كان نظام الرئيس صالح يقوم على الامتيازات وليس الحقوق، بمعنى أن هناك حالة من المحسوبية والتوزيع غير العادل للثروة والسلطة، يتم من خلالها منح الامتيازات للأقلية الحاكمة ومن يرى النظام أنهم يخدمونه في البقاء في الحكم، فيما يمكن تسميتهم بالمواليين، واللذين يتم شراء ولائهم بمنحهم بعض من هذه الامتيازات. ووفقا لهذه الصيغة فإن بعض الجنوبيين كانت لديهم امتيازات أكثر من أغلبية الشماليين والجنوبيين وبعض الشماليين لديهم امتيازات أكثر من أغلب الشماليين والجنوبيين. وهذا الوضع خلق حالة من الإحساس بالظلم والتهميش شملت الجميع باستثناء أقلية صغيرة من الحلقة الضيقة للحاكم.
• ولكن لماذا وجدنا أن الإحساس بالظلم مرتفع لدى الجنوبيين أكثر من الشماليين؟
كما ذكرت، فإن النظام الاستبدادي يمنح الامتيازات وفقا لدرجة القرب من الحاكم، وبما أن نظام الرئيس السابق ينتمي جغرافيا للشمال فأنه كان يمنح الأقرب جغرافيا امتيازات أكثر من الأبعد، ووفق هذه الحالة أصبح معظم الجنوبيون، مقارنة بمعظم الشماليين، أكثر حرمانا من السلطة والثروة. ويمكن أن يتكرر نفس السيناريو لو أن نظام الرئيس هادي تحول إلى نسخة أخرى من نظام صالح، حيث سيحصل المقربون جغرافيا من الرئيس هادي، من أهل منطقته ومحافظته بشكل خاص، والجنوبيون بشكل عام، على امتيازات نسبيه أكثر من معظم الشماليين.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الإحساس المرتفع بالظلم لدى الجنوبيين قياسا بالشماليين، ناتج عن بقاء الهوية الجنوبية حيه في نفوسهم، وهي هوية سعت الطبقة الحاكمة السابقة في الجنوب إلى عدم ذوبانها في هوية الدولة الجديدة، كما أن تلك الطبقة دأبت على تغذية الشعور بالاضطهاد لدى الجنوبيين، مستندة على بعض الحقائق وكثير من الأوهام، بهدف الانفصال والعودة لحكم الجنوب، الذي حرمتهم منه الوحدة، وحرب 94 تحديدا.
• الم يقم نظام صالح بخطوات فعلية استهدفت تفكيك مؤسسات الجنوب، والعبث بثرواته وأراضيه؟
فيما يخص تفكيك مؤسسات الدولة الجنوبية، وتحديدا القوات المسلحة والأمنية والأجهزة الحكومية، والذي تم بعد حرب 94، فإن ذلك التفكيك كان أمرا طبيعيا وضروريا لتثبيت دولة الوحدة، فأي نظام في تلك الظروف كان سيقوم بالشيء نفسه، فلا يستقيم أن تتحقق وحدة بين دولتين دون إذابة مؤسسات هاتين الدولتين في مؤسسات واحدة.
• ولكن يرى الكثيرون، أن عملية التفكيك والإذابة تمت في مؤسسات الجنوب، فيما لم يتم تفكيك مؤسسات الشمال، وهذا يدل على أن هناك استهداف للمؤسسات الجنوبية فقط؟
هذا الأمر صحيح إلى حد كبير، ومرتبط بظروف الحرب والخوف من الانفصال، فالطرف المنتصر في حرب 94 فكك مؤسسات الطرف المهزوم، وهذا أمر طبيعي وضروري، فلا يعقل أن تتحارب مع جيش وتنتصر عليه ثم تسمح له بإعادة التشكل بالوضع السابق ليحاربك من جديد، ولهذا تم تفكيك جيش دولة الجنوب ومؤسساته الأمنية والإدارية تماشيا مع إقامة دولة واحدة بمؤسسات واحدة. والخطاء لم يكن في تحقيق هذا الهدف، الخطاء كان في الوسيلة، حيث لم يتم بناء مؤسسات محترفة للدولة الواحدة، وخاصة المؤسسات العسكرية والأمنية، بل تم إنشاء قوات عسكرية وأمنية أشبه ما تكون مليشيات خاصة بحماية الحاكم. وهذا الأمر مرتبط بطبيعة النظام الاستبدادي، فلو كان النظام الذي حكم اليمن بعد حرب 94 نظام ديمقراطي ولو بالحد الأدنى، لتم تفكيك مؤسسات الدولتين السابقتين ولتم بناء مؤسسات محترفة تخدم مصالح الدولة الواحدة وليس الأقلية الحاكمة كما حدث.
• إذا كان أمر تفكيك الجيش الجنوبي مبررا كما تقول؛ فماذا عن المؤسسات العامة كالمصانع والمزارع الحكومية وغيرها من المؤسسات، والتي تمت خصخصتها ونهبها وبيعها لمتنفذين؟
معظم الخصصة التي تمت، كانت ستتم لأسباب اقتصادية بحته، فالمؤسسات العامة التي كانت تابعة للدولة في الجنوب، كانت مؤسسات خاسرة وكان من الضروري خصخصتها، وكانت الخصخصة ستتم من قبل نظام صالح أو من إي نظام أخر، بما في ذلك حكومة الجنوب السابقة في حال لم تتم الوحدة، فقد تمت الخصخصة في جميع الدول الاشتراكية. والقضية هنا لا تتعلق بمبدأ الخصخصة، ولكن بالوسيلة التي تمت بها، حيث تمت الخصخصة لصالح الطبقة الحاكمة. وهذا الأمر مرتبط بطبيعة النظام السياسي وبالفساد المستشري فيه وليس له علاقة مباشرة باستهداف مؤسسات الجنوب، فقد تم خصخصة مؤسسات عامة شمالية بنفس الطريقة السيئة التي تم بها خصخصة المؤسسات الجنوبية، ولكن بحكم طبيعة النظام الاشتراكي في الجنوب، والذي كان يقوم على الملكية العامة لوسائل الإنتاج، فقد كان حجم المؤسسات الاقتصادية العامة في الجنوب كبيرا جدا قياسا بالشمال، ولهذا كانت الخصخصة أكثر وضوحا في الجنوب منها في الشمال. وعلى العموم فإن الفساد المرتبط بالخصخصة يعد ظاهرة عامة في جميع الدول، وخاصة تلك التي لا تمتلك مؤسسات قوية، ففي روسيا وكثير من الدول الاشتراكية ومصر، تمت الخصخصة لصالح الطبقات الحاكمة، وتم بيع مؤسسات ضخمة بأسعار تقل عن 10% من قيمتها، وبالطبع كان المستفيد من ذلك الطبقات الحاكمة ومن يدور في فلكها من الرأسماليين الطفيليين.
• وماذا عن ثروات الجنوب وأراضيه؟
أولا عندي تحفظ على التسمية، فليس هناك أراضي وثروات جنوبية وأخرى شمالية، فهذه الأراضي والثروات أصبحت منذ تحقيق الوحدة ملكية عامة لكل اليمنيين وليس من حق أحد أن يدعي بأنه يمتلكها، لأن ذلك سيؤدي إلى مشاكل كبيرة.
• ولكن أليست هذه الأراضي والثروات تقع في الجنوب ومن الطبيعي أن يكون سكان الجنوب هم الأولى بالاستفادة منها؟
لا هذا غير صحيح، لأنه لو وضعت هذا الأمر كمعيار في الاستفادة من الثروات الطبيعية، لانهارت الدولة اقتصاديا، فهؤلاء اللذين يقولون أن الثروات الطبيعية التي تقع في مناطقهم من حقهم، أو ينبغي أن يكون لهم أولوية في الاستفادة منها، يؤسسون للفوضى والانهيار الاقتصادي. فوجود ثروة نفطية في مارب أو حضرموت ليس لأبناء مارب أو حضرموت فضل في وجودها. والإدعاء بأنها ملكهم، يستند إلى معيار القرب الجغرافي من هذه الثروات، ولو قبلنا بتطبيق هذا المعيار، لوجدنا أن هناك من هو أكثر قربا من غيره داخل هذه المحافظات، بمعنى أن سكان منطقة صافر في مارب والمسيلة في حضرموت هم أحق بالثروة من بقية سكان المحافظتين، والناس اللذين يعيشون بالقرب من أبار النفط هم أحق بها من سكان المنطقتين، وهكذا، حتى تنحصر ثروة كل بئر في الأسرة أو القرية التي تعيش بقرب البئر فقط، وهذا الأمر يجعل من المستحيل قيام أي استثمارات للثروات الطبيعية. وكم هي القصص المأساوية التي نسمعها عن توقف الكثير من المشاريع الاستثمارية أو عدم القيام بها في بعض المناطق، بسبب إدعاء أهالي المنطقة بأنها من حقهم، وأن على المستثمر الدفع لهم وتوظيف أبنائهم. كما أن هذه الفكرة هي أحد أسباب عمليات التخريب لأنابيب النفط والغاز وخطوط الكهرباء وقطع الطرقات التي تشهدها اليمن، فالمخربين يبررون أفعالهم تحت ذريعة أنهم محرومون مما يعتقدون أنها ثرواتهم. لهذا كله يجب رفض فكرة أن هناك أراضي وثروات تخص الجنوبيين أو سكان حضرموت أو مارب أو شبوه أو عمران. فالأراضي العامة هي ملك جميع اليمنيين، أينما وجدت، ويجب أن يستفيد منها كل اليمنيين بالتساوي.
أما بالنسبة لتملك ونهب هذه الثروة في الجنوب فأن هذا الأمر مرتبط بالفساد، فهؤلاء الفاسدين نجدهم ينهبون الثروات والأراضي في الشمال والجنوب، فلو نظرت للقوائم التي يتم نشرها، لمن حصل واستولى على أراضي في الجنوب، لوجدت أن معظمهم قد حصل واستولى على أراضي الدولة في صنعاء وتعز والحديدة وأب وغيرها، فالفاسد والناهب لا يهمه إن كانت الثروة التي سيستولي عليها في صنعاء أو المكلا فهو لا يسأل عن موقع الأرضية ولكن عن قيمتها.
• لنعد إلى ما ذكرته عن الإحساس الأقلوي الجنوبي، فوفقا لما ذكرت فإنك تُرجع السبب الرئيسي للدعوات المطالبة بالانفصال، إلى هذا الإحساس، فكيف من الممكن إضعاف هذا الإحساس؟
بما أن هذا الإحساس مرتبط بالتفاوت السكاني الكبير بين سكان الجنوب وسكان الشمال، فإن إضعاف هذا الإحساس أمرا في غاية الصعوبة، غير أن الدمقرطة وتأسيس نظام سياسي يقوم على العدالة والمساواة أمام القانون هو المنهج الوحيد للتخفيف من هذا الإحساس. فقد أثبتت التجربة أن النظام الديمقراطي هو الوحيد الذي يحمي الأقليات، أي كان نوعها جغرافية أو عرقية أو دينية، ففي الهند على سبيل المثال؛ نجد أن الديمقراطية قد سهلت للكثير من الأقليات الوصول لأعلى المناصب في تلك الدولة، فعلى سبيل المثال رئيس الوزراء الحالي للهند ينتمي لطائفة السيخ والتي لا يزيد عدد سكانها عن 1% من سكان الهند، فيما رئيس الحزب الحاكم كاثوليكية من أصول ايطالية، كما أن منصب رئيس الجمهورية تناوب عليه رئيس مسلم وأخر ينتمي لطبقة المنبوذين وغيرهم. فالديمقراطية هي الحامية والضامنة لحقوق الأقليات، كما أنها النظام الوحيد الذي يخلق ويعمق الهوية السياسية الجامعة، ويجعلها تسمو على الهويات الأقلوية الفرعية. لهذا كله فإن الإجابة على سؤالك هي: المزيد من الديمقراطية، والتي تتم بإصلاح النظام السياسي والذي نأمل بان يتم من خلال مؤتمر الحوار الوطني القادم.
• على ذكر مؤتمر الحوار القادم؛ كيف سيتم تمثيل الجنوب والحراك عموما في هذا المؤتمر؟
ستبقى مشكلة تمثيل الجنوب والحراك تحديدا واحدة من المشاكل التي لن تجد حلا لها، فهناك أطراف من الحراك ترفض فكرة الدخول في الحوار، وتطالب بدلا من ذلك، بمفاوضات لإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الوحدة، وهذا الطرف وما يطرحه من مطالب، لا يُتوقع أن يشارك في مؤتمر الحوار، وحتى لو شارك فإن من المستحيل تنفيذ مطالبه، إن أصر على طرحها. إضافة إلى ذلك، ليس هناك من مكون واحد يمكن القول بأنه يمثل الحراك، فهناك أطراف كثيرة تدعي أنها تمثل الحراك الحقيقي وغيرها وهمي.
• ومن وجهة نظرك من هو الممثل الحقيقي للحراك؟
بما أن الحراك لا يمتلك تنظيم ببنية مؤسسية حقيقية، وليس له سيطرة فعلية على الجنوب، فإن من الصعب القول بأن هذا الطرف هو الحراك وغيره ليس الحراك. ولهذا فإننا سنشهد أطراف كثيرة تدعي أنها تمثل الحراك.
• وما هو معيار التفريق بين الحراك وغيره من الكيانات التي تدعي أنها من الحراك أو ممثلة عن الجنوب؟
ليس هناك من معيار واضح، فبالنسبة لتيار فك الارتباط، فإن معياره لتمثيل الجنوب والحراك ينبع من خلال التمسك بمطلب فك الارتباط، ولهذا نجده يدعي بأنه الممثل الوحيد والشرعي للجنوب وللقضية الجنوبية، كونه متمسك بذلك المطلب، فيما يرى أن كل من يقبل بأقل من ذلك بأنه غير مخول لتمثيل الجنوب أو الحراك، وبأنه ليس سوى خائن وعميل للشمال، وفي أحسن الأحوال مفرط في حقوق الجنوب. وبهذا الإدعاء نجد أن هذا الطرف يمارس أعلى درجات الشمولية والإقصاء حين يحصر الجنوب فيه وفي مطالبه. أما إن كان معيار الانتماء للحراك يتحدد على أساس الفعاليات والمظاهرات؛ فإننا نجد أن هناك أطراف جنوبية متعددة قد شاركت بشكل أو أخر في مظاهرة هنا وفعالية هناك، ومن ثم فإن كل هذه الأطراف تستطيع أن تدعي بأنها الحراك. وعلى كل حال فإن الحراك، بوضعه الحالي، ليس أكثر من ظاهرة صوتيه.
• ماذا تقصد؟
أقصد أنه طالما أن الحراك لا يمتلك تنظيمات سياسية حقيقية، كالأحزاب السياسية مثلا، ولا يسيطر على الأرض بشكل فعلي، كما هو حال الحوثيين في صعده، فإن تأثيره لا يعدوا من أن يكون خلق الفوضى والبلبلة في الجنوب، أكثر من خلق وضع سياسي يؤسس للانفصال. فمنذ ظهور الحراك وحتى الآن؛ لم يتمكن إي تيار ينتسب للحراك من خلق سلطة بديلة عن سلطات دولة الوحدة في إي منطقة جنوبية، وما حدث أن الحراك ساهم في حالة من فراغ للسلطة والفوضى في المناطق التي له تأثير عليها، وهو ما ساهم في تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية في تلك المناطق وفي الجنوب بشكل عام.
• ولكن ما تقول أنه ظاهرة صوتيه نجد له شعبية كبيرة في الجنوب، فهناك مظاهرات مستمرة يحركها الحراك، وشعاراته منتشرة في كل مكان، ومطالب الانفصال أصبحت المهيمنة على الخطاب العام في الجنوب، فكيف يمكن أن يكون كل هذا ظاهرة صوتية؟
كل ما تقوله صحيح، إلا أنه لا يؤسس لفعل سياسي حقيقي، فالفعل السياسي الحقيقي يتطلب أن يكون هناك قيادة واحدة تسيطر على معظم سكان الجنوب بشكل حقيقي، وهذا الأمر لا يتم إلا من خلال تنظيم سياسي ببنية تنظيمية صارمة، كتنظيم حزب الإصلاح حاليا أوالحزب الاشتراكي سابقا. أو السيطرة المادية على الأرض بواسطة القوة المسلحة كما هو حال سيطرة الحوثيين على صعده. وكون الحراك لا يمتلك مثل هذا التنظيم ولا يسيطر على الأرض، فأن تأثيره لا يتعدى خلق الفوضى كما ذكرت. وأما ما ذكرته حول الشعارات والمظاهرات فإن هناك فرق بين أن ترفع شعار وأن تحقق هذا الشعار، فتحقيق الانفصال، كأمر واقع يتطلب السيطرة على الجنوب، وهذه السيطرة لن تتم إلا بالقوة المسلحة، وفي حال حاولت قوة ما أن تقوم بذلك، سيتضح حجمها الحقيقي، كما سيتضح حجم خصومها وقوتهم. وأعتقد أن الحراك أضعف من أن يسيطر عسكريا على المناطق الإستراتيجية. فالحراك يفتقر للقوة العسكرية المنظمة القادرة على الانتشار في كل مناطق الجنوب. فأقصى ما يستطيع الحراك عمله هو تشكيل قوة عسكرية في منطقة (المثلث) – ردفان ، الضالع ، يافع – وهي المناطق التي تظم أكثر من 80% من جيش الجنوب قبل حرب 94، وعلى افتراض أن هذا التيار قرر السيطرة العسكرية على هذه المنطقة، فإن هذه السيطرة لن تغير من الوضع كثيرا، فهذه المنطقة ليس لها أهمية إستراتيجية تذكر، كما أن قيام الحراك بمثل هذه السيطرة يعرضه لمخاطر انكشاف ضعفه في حال خسارته لأي صراع عسكري واسع مع القوات الحكومية. فمثل هذه الخسارة ستصيب المشروع الانفصالي في مقتل كما حدث عام 94.
• ولكن، ماذا لو أن بعض قوى الحراك تجنبت المواجهات الشاملة وأقتصر نشاطها على حرب العصابات مثلا؟
حرب العصابات لا تكون فعالة إلا في حال استهدفت منشئات مدنية، كقطع خطوط المواصلات، وضرب المنشئات العامة، والاعتداء على المدنيين، وأقصد هنا المواطنين الشماليين، ومثل هذه الأعمال ستكون نتائجها سيئة على الحراك ومشروع الانفصال عموما، حيث سيتم تصنيف من يقوم بهذه الأعمال على أنه إرهابي، وهو ما سيعرضه للعزل الداخلي والخارجي، خاصة وأن هناك قرارات من مجلس الأمن تدعم وحدة اليمن، ومن ثم فإن القيام بحرب العصابات سيعرض قادة الحراك للعقوبات الدولية، وهي ما يخشاه هؤلاء، وتحديدا من يعيشون في الخارج. ولهذا كله فإن ليس أمام قادة الحراك إلا العمل بنفس الوتيرة السابقة فيما يسمونه بالخيار السلمي، وهو خيار فرضته الضرورة، وليس الوازع الأخلاقي، فماضي هذه القيادات الدموي لا يشير إلى أنهم يحملون مثل هكذا وازع.
• وهل تعتقد بأن هذا الوضع سيستمر بهذا الشكل، إي أن يستمر الحراك سلمي؟
الحقيقة أن الحراك ليس حركة سلمية بالمفهوم الغاندي – نسبة للزعيم الهندي غاندي – فالحراك مارس وسيمارس العنف في الحالات التي لا تعرضه للخسارة. فمنذ انطلاق الحراك حدثت مواجهات عسكرية محدودة في بعض المناطق مع القوات الحكومية، وتم القيام بعمليات عسكرية استهدفت قوات حكومية. كما أن بعض تيارات الحراك تعاملت مع المختلفين معها، من دعاة الوحدة أو دعاة الانفصال، بوسائل غير سلمية، كممارسة العنف والتهديد به والقيام بالبلطجة، كما تم تجاه الفعاليات المؤيدة للوحدة في الجنوب، وخلال الانتخابات الرئاسية، والاعتداء على المسيرة التي كانت قادمة من تعز، وغيرها من الحوادث التي تؤكد الطبيعة غير السلمية للحراك. فقادة الحراك، كما ذكرت، لا يحمل تاريخهم الدموي، أي رصيد لثقافة مدنية سلمية، وما لجوئهم للخيار السلمي إلا لضرورة. أما استمرار الحراك بوضعه الحالي، والذي وصفته بالسلمي، فإنني أعتقد أن الأوضاع على الأرض لن تتغير كثيرا في المستقبل المنظور على الأقل، وهو ما يجعلنا نتوقع استمرار عمل الحراك بنفس الوسائل السابقة، مع حدوث فعل هنا أو هناك كرد فعل لحدث ما أو أخر.
• في ختام هذا الحوار ووفقا للتعقيدات التي ذكرتها؛ كيف يمكن تلخيص مستقبل القضية لجنوبية؟
يمكن التلخيص في هذه النقاط:
- ستبقى القضية الجنوبية مشكلة بدون حلول فعلية لها، مادام الجنوب بدون نخبة سياسية واقعية.
- لن يتحقق الانفصال ولا الفدرالية من إقليمين.
- سيستمر وضع الجنوب في التدهور والفوضى ما لم تقم السلطة المركزية باحتواء الحركة الانفصالية سياسيا، عبر مشروع سياسي ينزع البساط من تحت دعاة الانفصال، أو هزيمتها عسكريا عبر حل أمني.
- ستبقى قضية تمثيل الجنوب والحراك مشكلة دون حل، خاصة وأن الظروف مهيأة لأن تستمر القوى في الجنوب بالتبعثر، حيث ستتزايد عدد الكيانات التي تدعي انها تمثل الجنوب والحراك.
- قد يساعد مؤتمر الحوار في حال خروجه بحلول واقعية للقضية الجنوبية بتحسن الوضع في الجنوب، غير أنه قد يؤدي إلى المزيد من الفوضى والمشاكل في حال انهار المؤتمر أو تم تبني أفكار غير واقعية كالقبول بالفدرالية من إقليمين أو المحاصصة الجنوبية الشمالية في الثروة والسلطة، حيث أن أي قرارات من هذا القبيل ستفجر الأوضاع في اليمن، وهو ما لا نتمنى حدوثه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.