في يوليو/ تموز العام الماضي، أعلن زعيم مليشيات الانقلاب، عبدالملك بدر الدين الحوثي، رفض جماعته لكل المبادرات والمقترحات التي تمس شرف وكرامة وسيادة واستقلال اليمن، مؤكداً في خطاب متشنج ألقاه من وراء حجاب على العشرات من المشائخ المجتمعين في صنعاء، تحت مسمى (مجلس حكماء اليمن) أن المبادرات والمساومات للاستسلام على حساب سيادة الوطن وكرامته، ليس لها رجال، وإنما دجاج. جاء خطاب الحوثي، رداً على المبادرة التي أعلنها مجلس النواب -حين ذلك- والتي تضمنت إلى جانب وقف الحرب والأعمال العسكرية ورفع الحصار البري والبحري والجوي المفروض على اليمن، دعوة الأممالمتحدة إلى الإشراف على مراقبة سير العمل في كافة المنافذ البرية والبحرية والمطارات في الجمهورية اليمنية، بما فيها تلك الخاضعة للقوات الحكومية والتحالف العربي بقيادة السعودية. اتهم الحوثي حين ذلك المؤتمر وزعيمه علي عبدالله صالح، بالانقلاب وخيانة الوطن وطعن جماعته ومقاتليها في الظهر، والعمالة لصالح دول العدوان (التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات لدعم الشرعية اليمنية). ولم يقف الحوثي عند اتهاماته تلك، بل ألمح حينها بفتح ملفات الفساد والرشاوي واعتقال البرلمانيين، الذين قال أنهم يلتقون محمد بن سلمان، دون أي رادع. كان عبدالملك بدر الدين، يهاجم صالح وحزبه وبرلمانه من موقع قوة، وبحرقة وغضب كبير، لما وصفها بمبادرة الاستسلام التي تفرط في اليمن وسيادتها على الموانئ والمطارات لصالح الأممالمتحدة. انقلب الحوثي على شريكه صالح، واغتاله وأخفى جثته، وكان من بين المبررات التي ساقها لجريمته وخيانته، محاولة المغدور التفريط بسيادة الوطن والعمل على زعزعت الجبهة الداخلية، وبعد عام كامل على الجريمة وبضعت أيام، انقلب الحوثي على ما كان قد أعلنها ثوابت، وفرط في السيادة والكرامة، وأعلن استعداده تقديم موانئ الحديدة الثلاثة على طبق من ذهب، نكاية بالحكومة الشرعية التي تطالب بإدارة الميناء وانسحاب المليشيات من الحديدة تغليباً للمصلحة الوطنية. فقدان القوة عذرٌ للتفريط بالسيادة خلال الأشهر القلية الماضية، فقدت المليشيات الحوثية الكثير من مناطق سيطرتها في الساحل الغربي، ووصلت قوات الجيش إلى عمق مدينة الحديدة، ونجحت بشكل غير متوقع في تطويق المدينة من ثلاث جهات، وسط انهيارات في صفوف المليشيات التي لجأت إلى الاختباء في الأحياء السكنية، ونصبت مدافعها على أسطح المنازل وأطلقت العشرات من الصواريخ من المناطق الأكثر اكتظاظاً بالسكان. وتزامنت محاولات المليشيات اليآسة لعرقلة تقدم الجيش باتجاه دوار يمن موبايل ومقر قيادة المنطقة العسكرية الخامسة في الجبهة الشرقية للمدينة، والمناطق المحيطة بمستشفى 22مايو ومعسكر الدفاع الساحلي جنوبالمدينة، تزامنت مع عمليات سمسرة ومتاجرة رخيصة، عرضت المليشيات فيها تسليم الميناء للأمم المتحدة للإشراف والتفتيش، وقدمتها في إطار مبادرات من طرف واحد للسلام وتحييد الحديدة عن المواجهات. عروض المليشيات، كانت واحدة من ضمن المخططات التي يجري الإعداد لها في أروقة الأممالمتحدة، ودوائرها المختلفة، والتي ظهرت بقوة بعد الدعوات الأمريكية لوقف الحرب وانخراط في مفاوضات سلام بنهاية نوفمبر الماضي. توافقت مبادرة الحوثيين مع المخططات الأممية، وإيعازات المخابرات الغربية والإيرانية بالتحديد، والتي استغلت خلال الفترة الماضية، آلية الاممالمتحدة في التفتيش القائمة حالياً في جيبوتي، لتمرير وتهريب العشرات من المعدات العسكرية التي استخدمها ضباط الحرس الثوري الإيراني، في تركيب وتجميع الصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيون بين الحين والآخر على المدن اليمنية والقرى السعودية المجاورة. قتل الحوثيون صالح، لأنه قدم مبادرة سلام عبر برلمانه، وحاول اقتراح آلية أممية للإشراف على تفتيش الموانئ والمطارات اليمنية كلها بما فيها الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، واليوم يوافقون على اتفاقية أكثر تفريطاً بالسيادة ويسلمون ميناء الحديدة فقط للأمم المتحدة، آخذين بجزء من مقترح صالح المفرط بالسيادة. اتفاق الحديدة تفريط أم استسلام نصت مسودة اتفاق الحديدةالمدينة وموانئها، الذي تمخضت عنه مشاورات السويد المختتمة الخميس الماضي، بين المليشيات الحوثية والوفد الممثل للحكومة الشرعية، عن اتفاق لوقف شامل وفوري للعمليات العسكرية في محافظة ومدينة الحديدة ،وإعادة انتشار القوات بإشراف الأممالمتحدة ولجنة تنسيق مشتركة. ووفق الاتفاق فإن الموانئ الثلاثة في الحديدة ستخضع لإشراف رئيسي من قبل الأممالمتحدة في جانب الدعم وتفتيش السفن. وأكد الاتفاق بحسب نصه - حصلت أخبار اليوم على نسخه إلكترونية منه– على دور قيادي ومحوري للأمم المتحدة في المدينة والموانئ، إَضافة إلى دور ثانوي تتمكن فيه الأممالمتحدة من إدارة المؤسسات الإنسانية والإغاثية في الحديدة والمناطق الأخرى. قال الحوثيون -عبر رئيس وفدهم في مشاورات السلام، محمد عبدالسلام-: إن وفد جماعته لم يخرج بكل شيء من مشاورات السويد، لكن هم حققوا أفضل نتائج عن سابقاتها. تحدث عبدالسلام لاحقاً على قناة المسيرة التابعة للمليشيات، قائلاً: إنهم حققوا انتصاراً كبيراً في الحديدة، حيث أجبروا قوات الغزاة على الانسحاب من المناطق التي سيطروا عليها جنوبالمدينة، مقابل مغادرة قواتهم للحديدة من أجل حماية سكانها وتخفيف معاناة اليمنيين. نشوة الحوثيين بما حققوه -حسب زعمهم- من انتصار كبير في الحديدة، دفع الكثير من رواد التواصل لنشر صور صالح، والحديث عن تفريط الحوثيين بالسيادة والمتاجرة باليمن لتحقيق بقائهم أكثر وقتاً في السلطة. لم يكن للحكومة الشرعية ووفدها المفاوض، أي طاقة لمواجهة الضغوط التي فرضت عليهم، من التحالف بقيادة السعودية ومن الأطراف الدولية التي تلوح بفرض عقوبات وقرارات دولية جديدة، وعلى مضض قبلت الاتفاق دون توقيع، وحاول بعض قياداتها إظهار الوفد كمنتصر وإن كان نصراً معنوياً يمثل في إطاره العام تراجعاً عن زمام السيطرة وفرضها بالقوة العسكرية. اللجنة المشتركة والمراقبة الأممية يتمحور استمرار وتنفيذ اتفاق الحديدة، حول اللجنة المشتركة التي ستشكلها الأممالمتحدة برئاستها وعضوية ممثلين عن الشرعية والحوثيين، فالاتفاق ونصه الغامض يمنح الأممالمتحدة دوراً رئيسياً ومحورياً في تنفيذ ومراقبة كافة بنود الاتفاق، إضافة إلى دور مهم في إدارة المدينة والإشراف على الموانئ الثلاثة. وسارع المبعوث الأممي لليمن بإعلان، مرشحه لترأس بعثة المراقبة الأممية إلى اليمن، بعد ساعات فقط من نهاية المشاورات اليمنية في السويد، جاء الإعلان في إحاطة تلفزيونية، قدمها غريفيث لمجلس الأمن الدولي يوم أمس الجمعة، وكشف فيها عن ترتيبات استباقية سرية كانت تجريها الأممالمتحدة لبعثة المراقبة التي سترسلها إلى اليمن، ربما كانت تلك الترتيبات قبل انعقاد مشاورات السويد بأسابيع. أعلن غريفيث مفاجأته في الإحاطة، مؤكداً لأعضاء مجلس الأمن أن الميجر جنرال الهولندي المتقاعد/باتريك كامييرت، وافق على قيادة بعثة المراقبة الأممية في اليمن. البريطاني المنتصر الوحيد ومن ورائه أمريكا كل طرف في مشاورات السويد أعلن انتصاره بشكل جزئي فيها، وحده المبعوث الأممي البريطاني/ مارتن غريفيث، قالها بصراحة -في مقابلة تلفزيونية مع قناة فرنسا24، الجمعة-: «نعم نعم هذه النتائج مرضية بالنسبة لي..». ظهر منتشياً بانتصاره الساحق الذي حققه في مهامه كمبعوث خاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هو الانتصار الأول له منذ تعيينه مبعوثاً في فبراير/شباط الماضي، وهذا ما أشار إليه في المقابلة التلفزيونية ذاتها خلال حديثه عن أهم العراقيل التي واجهته والمتمثلة بتوقف المفاوضات بين الطرفين منذ أواخر عام 2016م، باعتباره جاء ليسحب المتحاربين من مناطق المواجهة إلى طاولة المفاوضات، كأول مرة؛ نظراً لفشل الجهود الأممية السابقة في هذا الاتجاه. رحبت أمريكا بالاتفاق بحرارة، كما رحبت دول أخرى منها السعودية والإمارات وإيران وقطر، وأصدرت الدول الدائمة العضوية بياناً أيدت فيه نتائج المشاورات ودعت للمزيد من الشجاعة، واستجاب للدعوة رئيس وفد الحوثيين، خلال حديثه عن لقاء جمع وفد الجماعة بالسفراء وأن اللقاء كان بناءً، وتبادلوا فيه وجهات النظر وأكدوا حرصهم على تحقيق السلام وإنجاح المشاورات وتحييد الحديدة. تمكن الحوثيون ومن ورائهم أمريكا ودول أخرى، من تأخير مسيرة الحسم العسكري، وعاقوا منذ أسابيع تقدم الجيش الوطني نحو الحديدة، وجاءت نتائج المشاورات لتؤكد ما ذهب إليه المحلولون من انعقادها في السويد تحت شعارات إنسانية، لكن مخرجاتها جاءت ملبية لمصالح غربية وأمريكية، متوافقة مع الحوثيين في بقاء المدينة تحت سلطتهم ومنع التقدم العسكري وعزلها عن المعركة. ويعزز هذا الاتجاه، انحصار الاتفاقات على الحديدة كمحور رئيسي، رغم أن المشاورات عقدة للتخفيف من الوضع الإنساني، ورغم تحقق الاتفاق في جانب تبادل الأسرى والمخطوفين، إلا أن اتفاق ستوكهولم ليس له أي تأثير على اليمنيين، هذا ما صرح به وكيل الأمين العام للأمم المتحدة مارك لوكوك، أمس في إحاطته لمجلس الأمن. وقال لوكوك، لأعضاء مجلس الأمن: إن ما تحقق هذا الأسبوع وما سمعناه من أخبار جيدة ليس له أي تأثير على ملايين المحتاجين في اليمن، مشدداً على دعم مجلس الأمن للمجالات الخمسة التي حددها سابقاً، منها معالجة وضع العملة وأسعار الصرف وزيادة المساعدات . وكانت المشاورات قد فشلت في التوصل لمعالجة الوضع الاقتصادي وصرف مرتبات الموظفين وفتح مطار صنعاء، قال وزير الخارجية ورئيس وفد الحكومة التفاوضي خالد اليماني: إن الحوثيون تسببوا في إفشالها بتعنتهم. ......................... الجنرال باتريك كاميرت رئيس بعثة المراقبة الأممية في الحديدة ولد الجنرال باتريك كاميرت في هولندا عام 1950م، وعمل لسنين طويلة ضمن القوات البحرية الملكية الهولندية ضمن عمليات لحفظ السلام. عمل كمستشار عسكري في قسم حفظ السلام في الأممالمتحدة، وعام 2002م، أصبح مستشاراً عسكرياً للأمين العام كوفي عنان. وبعد الهجوم على مقر الأممالمتحدة في بغداد عام 2003م، أصبح مسؤولاً عن تطبيق توصيات تقرير الأخضر الإبراهيمي لحماية منشآت وعاملي الأممالمتحدة في جميع أنحاء العالم. ترأس عام 2016م أكبر عملية للأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونغو، وعينه بعد ذلك بان كي مون رئيساً للتحقيقات في أحداث جوبا عام 2016م، وأداء قوات حفظ السلام في جنوب السودان.