لم تعد ثورة 17 تشرين/ أكتوبر كما اعتقد البعض لوهلة، ولم يكن نزول المحتجين الى الشارع ليل الخميس الجمعة بريئاً وعفوياً بل إن جهات منظّمة كانت وراء إنزال مناصريها إلى الطرقات لتتنقّل من الضاحية الجنوبية لبيروت والخندق العميق الى جسر الرينغ والطريق الجديدة والشيفروليه وجل الديب في مشهد “تعايشي” غريب بعدما تسبّب نزول هؤلاء قبل أيام في إطلاق شعارات مذهبية وطائفية. وقد استبدل هؤلاء شعار “شيعة شيعة” بشعار “شيعة سنّية مسيحية ما بدنا طائفية”. وقد اعتقد المتظاهرون أن الوجع الواحد هو الذي دفع بهؤلاء إلى النزول معهم إلى الشوارع التي كانت تُقطَع من دون أي تدخل للجيش لفتحها، قبل أن يبدأ مناصرو الحزب إطلاق هتافات تستهدف حاكم مصرف لبنان رياض سلامه، وتدعوه الى الرحيل. وقبل طلوع الفجر بدا أن هناك مخططا محكما يهدف لإقالة سلامة إذا لم يرضخ لشروط محور الممانعة ويبدأ بضخّ الدولار في السوق، وهو ما يعارضه حاكم مصرف لبنان حفاظاً على الاحتياطي للسلع الأساسية، مدعوماً من قوى 14 آذار/ مارس التي تؤكد أن ليس في استطاعة لبنان تلبية السوق السوري بالدولار في اطار الصراع المفتوح بين الإدارة الأمريكية وحزب الله وبالتزامن مع تطبيق قانون “قيصر”. وفي ظل الحرائق المتنقّلة من منطقة إلى أخرى، عاد الحديث عن تقديم “كبش فداء”، وفي ظل تمسّك حسّان دياب بالسلطة مدعوماً من حزب الله والتيار الوطني الحر، فلا بأس برياض سلامة. وفور تبيان حقيقة ما يرمي إليه حزب الله ورئيس الحكومة، حطّ البطريرك الماروني الكاردينال ماربشارة بطرس الراعي في قصر بعبدا، محذّراً من رمي التهم على شخص واحد بدلاً من “كلّن يعني كلّن”، ورفع الرئيس سعد الحريري الصوت واصفاً التهويل بإقالة سلامة بأنه “جنون اقتصادي وسياسي ودستوري سيذبح الاقتصاد اللبناني من الوريد إلى الوريد”، متهماً ” العهد وحكومة العهد بقيادة اللبنانيين إلى المجهول وتحويل الاقتصاد رهينة تصفية الحسابات السياسية”. وأبرز المواقف التي اعترضت على تغيير سلامة كانت موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي تقصّد الإدلاء برأيه من قصر بعبدا عقب اجتماع ثلاثي شارك فيه إلى جانب رئيسي الجمهورية والحكومة، حيث قال “نحن بحاجة الآن إلى جميع الناس وليس الاستغناء عنهم”. وبنتيجة جلستي مجلس الوزراء والمشاورات التي استمرت طوال النهار والتي دخل على خطها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، تقرّر تخفيض قيمة الدولار إزاء العملة اللبنانية بدءاً من الإثنين، إلى ما دون 4000 ليرة للدولار الواحد، وصولاً إلى 3200 ليرة لبنانية للدولار. كذلك تمّ الاتفاق على مخاطبة صندوق النقد الدولي بلغة واحدة، برعاية المجلس النيابي. ومن ضمن المقررات تكليف وزيرة العدل، وسنداً للمادة 14 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، الطلب من النائب العام التمييزي إجراء التعقبات بشأن ما أثير ويُثار من وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة لإحداث التدني في أوراق النقد الوطني، وتشكيل خلية أزمة برئاسة وزير المالية وعضوية وزير الاقتصاد والتجارة، وزير الدولة لشؤون التنمية الادارية، وزير الصناعة، وزيرة الإعلام، حاكم مصرف لبنان، رئيس جمعية المصارف، نقيب الصرافين في لبنان والمدير العام للأمن العام تكون مهمتها متابعة تطورات الوضعين المالي والنقدي وتطبيق القرارات، على أن تجتمع هذه الخلية في وزارة المالية مرتين في الأسبوع على الأقل، ويقدم من خلالها حاكم مصرف لبنان تقريراً مفصلاً عن تلك التطورات وترفع خلاصة عملها بشكل دوري الى رئيس مجلس الوزراء تمهيدا لعرض الموضوع على مجلس الوزراء.