سيول الأمطار تجرف شخصين في إب    ساعر: واشنطن لم تبلغ تل ابيب بوقف قصفها على اليمن    تكريم طواقم السفن الراسية بميناء الحديدة    هيئة الرئاسة تقف أمام مستجدات الأوضاع الإنسانية والسياسية محليا وإقليميا    السياسي الأعلى: اليمن يتموضع بقوة في المنطقة ويواصل دعم غزة    السودان.. اندلاع حريق ضخم إثر هجوم بطائرات مسيرة في ولاية النيل الأبيض    صنعاء .. شركة النفط تعلن انتهاء أزمة المشتقات النفطية    لماذا تظل عدن حقل تجارب في خدمة الكهرباء؟!    صنعاء .. الافراج عن موظف في منظمة دولية اغاثية    مطار صنعاء "خارج الخدمة".. خسائر تناهز 500 مليون دولار    اليدومي يعزي رئيس حزب السلم والتنمية في وفاة والدته    إتلاف 600 لغم وعبوة ناسفة من مخلفات مليشيا الحوثي الإرهابية بشبوة    ناطق الحكومة : اتفاق وقف العدوان الأمريكي انتصار كبير لأحرار اليمن    الامارات تقود مصالحة سورية صهيونية    توقف الرحلات يكلف الملايين يوميا..انخفاضٌ بنسبة 43% في مطار اللد    السعودية: "صندوق الاستثمارات العامة" يطلق سلسلة بطولات عالمية جديدة ل"جولف السيدات"    المرتزقة يستهدفون مزرعة في الجراحي    قالوا : رجاءً توقفوا !    باريس سان جيرمان يبلغ نهائي دوري أبطال أوروبا    . الاتحاد يقلب الطاولة على النصر ويواصل الزحف نحو اللقب السعودي    الكهرباء أداة حصار.. معاناة الجنوب في زمن الابتزاز السياسي    التفاهم بين الحوثيين وأمريكا يضع مسألة فك إرتباط الجنوب أمر واقع    عدن تنظر حل مشكلة الكهرباء وبن بريك يبحث عن بعاسيس بن دغر    محطة بترو مسيلة.. معدات الغاز بمخازنها    بعد "إسقاط رافال".. هذه أبرز منظومات الدفاع الجوي الباكستاني    باجل حرق..!    شرطة آداب شبوة تحرر مختطفين أثيوبيين وتضبط أموال كبيرة (صور)    شركة الغاز توضح حول احتياجات مختلف القطاعات من مادة الغاز    التصعيد العسكري بين الهند وباكستان يثير مخاوف دول المنطقة    كهرباء تجارية تدخل الخدمة في عدن والوزارة تصفها بأنها غير قانونية    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الحاج علي الأهدل    سيول الأمطار تغمر مدرسة وعددًا من المنازل في مدينة إب    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    وزير الشباب والقائم بأعمال محافظة تعز يتفقدان أنشطة الدورات الصيفية    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض رسوم جمركية على بوينغ    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    الزمالك المصري يفسخ عقد مدربه البرتغالي بيسيرو    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    اليوم انطلاق منافسات الدوري العام لأندية الدرجة الثانية لكرة السلة    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسائل الإمام الشهيد حسن البنا (الحلقة العاشرة)
نشر في أخبار اليوم يوم 02 - 08 - 2012

( ه ) إلى القوة من جديد :و لكن هذا العدوان الصارخ و الاستهتار بالعهود و المواثيق أحرج الصدور و أثار النفوس , فهبت هذه الأمم تطالب باستقلالها و تجاهد لاسترداد حريتها و مجدها , و اشتعلت فيها الثورات لهذا المعنى , فثارت تركيا و ثارت مصر و ثارت العراق و سوريا و تكررت الثورات في فلسطين و الريف في بلاد المغرب , و عمت اليقظة في النفوس كل مكان , و وصلت شعوب الإسلام بذلك إلى بعض الحقوق , فاستقلت تركيا في حدودها الجديدة , و اعتبرت مصر و العراق دولتين مستقلتين , و قامت في الحجاز و نجد دولة السعوديين , و حافظت اليمن و إيران و أفغانستان على وضعياتها , المستقلة , و قاربت سوريا أن تسلب الاعتراف باستقلالها , و لفتت فلسطين أنظار العالم إليها بكفاحها , و خطا المسلمون و لا شك خطوات طيبة و أن كانت قليلة و بطيئة نحو الأهداف الكريمة التي قصدوها من استعادة حريتهم و استرداد مجدهم و بناء دولتهم , و لئن اتجهت هذه الخطوات إلى المعنى القومي الخاص و طالبت كل أمة بحقها في الحرية كأمة مستقلة , و تعمد كثير من العاملين لهذه النهضة أن يغفل فكرة الوحدة فإن مصير هذه الخطوات سيكون و لا شك التجمع و عودة الأمة الإسلامية كدولة متحدة تضم شتات شعوب العالم الإسلامي و ترفع راية الإسلام و تحمل دعوته , فليس في الدنيا أمة يجمعها ما يجمع المسلمون من وحدة اللغة و الاشتراك في المصالح المادية و الروحية و التشابه في الآلام و الآمال .

( و ) حرب جديدة:و لقد خرجت الدول الأوربية من الحرب العالمية و بذور الحقد و البغضاء متأثرة في صدور الكثير منها , و جاء مؤتمر الصلح و معاهداته لطمات قاسية لبعضها و خيبة أمل مؤلمة لكثير منها , هذا إلى ظهور كثير من الفكر الجديدة , المبادئ المتعصبة شديدة التعصب , و لابد أن تنتهي هذه الحال بهذه الأمم إلى خلاف جديد و حرب طاحنة ضروس تبدد شملهم و تمزق وحدتهم و تعيدهم إلى رشدهم و تردهم عن ظلمهم , و تهب لأمم الإسلام فرصة أخرى تسوي فيها صفوفها و تجمع شملها و تستكمل حريتها و استقلالها و تسترد دولتها و وحدتها تحت لواء أمير المؤمنين :
(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ , وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ) (القصص:5-6) .



7 صراع اجتماعي

حضارة جديدة : إن الأمم الأوربية التي اتصلت بالإسلام و شعوبه في الشرق بالحروب الصليبية , و في الغرب بمجاورة عرب الأندلس و خالطتهم , و لم تستفد من هذا الاتصال مجرد الشعور القوي أو التجمع و التوحد السياسي , و لكنها أفادت إلى جانب ذلك يقظة ذهنية و عقلية كبيرة و اكتسبت علوما و معارف جمة , و ظهرت فيها نهضة أدبية و علمية واسعة النطاق , و قامت الكنيسة تناقض هذه الظاهرة الغريبة , و قامت الكنيسة تناقض هذه الظاهرة الغريبة بكل ما أوتيت من قوة , و تذيق رجالها من الأدباء و العلماء مر العذاب , و تعتدي عليهم محاكم التفتيش و تثير ضدهم الدول و الشعوب , و لكن ذلك كله لم يجدها نفعا و لم تثبت تعاليمها أمام حقائق العلم و كشوفه , و خرجت النهضة العلمية منتصرة كل الانتصار و تنبهت الدولة بذلك , فصارعت الكنيسة هي الأخرى حتى صرعتها , و تخلص بذلك المجتمع الأوربي تخلصا تاما من سلطانها و طارد رجالها إلى المعبد و الأديرة و ألزم البابا الإقامة في الفاتيكان , و حصر عمل رجال الدين في نطاق ضيق من شؤون الحياة لا يخرجون عنه و لا يتطلعون إلى سواه , و لم تبق أوربا على المسيحية إلا كتراث تاريخي , و عامل من عوامل تهذيب البسطاء و الأغرار من دهماء الشعوب , و وسيلة من وسائل التغلب و الاستعمار و قضاء المآرب السياسية .

و امتد أمام الأوربيين رواق العلم و انفسح مجال الاختراع و الكشف , و ضعفت الماكينة الإنتاج و وجهت الحياة وجهة صناعية , و سار ذلك جنبا إلى جنب مع نشأة الدولة القوية و امتداد سلطانها إلى كثير من البلاد و الأقطار , فأقبلت الدنيا على هذه الأمم الأوربية و جبيت إليها ثمرات كل شيء , و تدفقت عليها الأموال من كل مكان , فكان طبيعيا بعد ذلك أن تقوم الحياة الأوربية و الحضارة الأوربية على قاعدة إقصاء الدين عن مظاهر الحياة الاجتماعية و بخاصة الدولة و المحكمة و المدرسة و طغيان النظرية المادية و جعلها المقياس في كل شيء ... و تبعا لذلك صارت مظاهر هذه الحضارة مظاهر مادية بحتة تهدم ما جاءت به الأديان السماوية ، وتناقض كل المناقضة تلك الأصول التي قررها الإسلام الحنيف، وجعلها أساساً لحضارته التي جمعت بين الروحانية والمادية جميعها، ومن أهم الظواهر التي لازمت المدنية الأوروبية:
1 الإلحاد والشك في الله وإنكار الروح ونسيان الجزاء الأخروي والوقوف عند حدود الكون المادي المحسوس: (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) (الروم:7).
2 الإباحية والتهافت على اللذة والتفنن في الاستمتاع وإطلاق الغرائز الدنيا من عقالها، وإشباع شهوتي البطن والفرج، وتجهيز المرأة بكل صنوف المفاتن والمغريات، والإغراق في الموبقات إغراقا يحطم الأجسام والعقول ويقضي على نظام الأسر ويهدم سعادة البيوت: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) (محمد:12).
3 الأثرة في الأفراد ، فكل إنسان لا يريد إلا خير نفسه، وفي الطبقات، فكل طبقة تتعالى على من سواها وتود أن تحظى بالمغانم دونها، وفي الشعوب، فكل أمة تتعصب لجنسها وتنتقص غيرها وتحاول أن تلتهم من هي أضعف منها.
4 الربا والاعتراف بشرعيته واعتباره قاعدة التعامل، والتفنن في صوره وضروبه وتعميمه بين الدول والأفراد.
وقد أنتجت هذه المظاهر المادية البحتة في المجتمع الأوروبي فساد النفوس، وضعف الأخلاق، والتراخي في محاربة الجرائم ، فكثرت المشكلات ، وظهرت المبادئ الهدامة ، واشتعلت الثورات المخربة المدمرة ، واضطربت النظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فلم تستقر على حال، وتمزقت الدول بالطوائف والأحزاب ، وتناحرت الشعوب على المطامع والأحقاد ، وأثبتت هذه المدنية الحديثة عجزها التام عن تأمين المجتمع الإنساني ، وإقرار الطمأنينة والسلام فيه ، وفشلت في إسعاد الناس ، رغم ما فتحت عليهم من حقائق العلم والمعرفة ، وما وفرت لهم من أسباب الغنى والثراء، وما مكنت لدولها في الأرض من قوة وسلطان و لما يمض عليها قرن كامل من الزمان .


8 طغيان المادة على بلاد الإسلام

وقد عمل الأوروبيون جاهدين على أن تغمر موجة هذه الحياة المادية ، بمظاهرها الفاسدة وجراثيمها القتالة ، جميع البلاد الإسلامية التي امتدت إليها أيديهم ، وأوقعها سوء الطالع تحت سلطانهم ، مع حرصهم الشديد على أن يحتجزوا دون هذه الأمم عناصر الصلاح والقوة ، من العلوم والمعارف والصناعات ، والنظم النافعة ، وقد أحكموا خطة هذا الغزو الاجتماعي ، إحكاماً شديدا ً، واستعانوا بدهائهم السياسي ، وسلطانهم العسكري ، حتى تم لهم ما أرادوا.
أغروا كبار المسلمين بالاستدانة منهم والتعامل معهم ، وسهَّلوا عليهم ذلك وهوَّنوه عليهم ، واستطاعوا بذلك أن يكتسبوا حق التدخل الاقتصادي ، وأن يغرقوا البلاد برؤوس أموالهم ومصارفهم وشركاتهم ، وأن يديروا دولاب العمل الاقتصادي كما يريدون ، وأن يستأثروا دون الأهلين بالأرباح الطائلة ، والثروات العظيمة ، وتمكنوا بعد ذلك من أن يغيروا قواعد الحكم والقضاء والتعليم ، وأن يصبغوا النظم السياسية والتشريعية والثقافية بصبغتهم الخالصة في أقوى بلاد الإسلام .
وجلبوا إلى هذه الديار نساءهم الكاسيات العاريات ، وخمورهم ومسارحهم ومراقصهم وملاهيهم، وقصصهم وجرائدهم، ورواياتهم وخيالاتهم ، وعبثهم ومجونهم ، وأباحوا فيها من الجرائم ما لم يبيحوه في ديارهم ، وزينوا هذه الدنيا الصاخبة العابثة ، التي تعج بالإثم وتطفح بالفجور ، في أعين البسطاء الأغرار من المسلمين الأغنياء ، وذوي الرأي فيهم ، وأهل المكان والسلطان .
ولم يكفهم هذا حتى أنشأوا المدارس والمعاهد العلمية والثقافية في عقر ديار الإسلام، تقذف في نفوس أبنائه الشك والإلحاد وتعلمهم كيف ينتقصون أنفسهم، ويحتقرون دينهم ووطنهم، وينسلخون من تقاليدهم وعقائدهم، ويقدسون كل ما هو غربي، ويؤمنون بأن ما يصدر عن الأوروبيين وحده هو المثل الأعلى في هذه الحياة.
واحتوت هذه المدارس على الطبقة العليا وحدها وصارت وقفاً عليها، وأبناء هذه الطبقة هم العظماء والحكام، ومن سيكون بيدهم بعد قليل مقاليد الأمور في هذه الأمم والشعوب، ومن لم يتم نضجه في هذه المعاهد الموضعية، فإن في البعثات المتلاحقة ما يكفل لهم التمام.
ونجح هذا الغزو الاجتماعي المنظم العنيف أعظم النجاح، فهو غزو محبب إلى النفوس، لاصق بالقلوب طويل العمر، قوي الأثر، وهو لهذا أخطر من الغزو السياسي والعسكري بأضعاف الأضعاف .

و تغالت بعض الأمم الإسلامية في الإعجاب بهذه الحضارة الأوربية و التبرم بصبغتها الإسلامية , حتى أعلنت تركيا أنها دولة غير إسلامية و تبعت الأوربيين بعنف قاس في كل ما يصنعون , و حاول ذلك أمان الله خان ملك الأفغان فطاحت تلك المحاولة بعرشه , و ازدادت في مصر مظاهر هذا التقليد و استفحلت حتى استطاع رجل من ذوي الرأي فيها أن يجهر بأنه لا سبيل إلا الترقي إلا بأن نأخذ بهذه الحضارة خيرها و شرها و حلوها و مرها و ما يحب منها و ما يكره و ما يحمد منها و ما يعاب , و أخذت تنتقل في سرعة و قوة من مصر إلى ما جاورها من البلاد حتى وصلت إلى أقصى المغرب , و طوفت بالمشاعر المقدسة في ربوع الحجاز .
ونستطيع أن نقسم البلاد الإسلامية بحسب تأثرها بهذه الحضارة المادية و طغيان مادتها عليها إلى ثلاثة أقسام :

1 - بلاد بلغ هذا التأثر مبلغا عظيما يصل إلى القلوب و المشاعر , كما غير الأوضاع و المظاهر , و من هذه البلاد تركيا و مصر , فقد انحسر ظل الفكرة الإسلامية في هذه البلاد عن كل الأوضاع الاجتماعية , و طوردت الفكرة الإسلامية لتقبع في المساجد و الزوايا و الربط و التكايا .
2 - بلاد تأثرت بهذه الحضارة في أوضاعها و مظاهرها الرسمية , و لكنها لم تتغلب فيها على المشاعر القلبية كإيران و بلاد المغرب و شمال أفريقيا .
3 - بلاد لم تتأثر بهذه الحضارة فيها إلا طبقة خاصة من المثقفين و الحكام دون العامة و الدهماء كسوريا و العراق و الحجاز و كثير من أجزاء الجزيرة العربية و بقية ممالك الإسلام .

و مع هذا فالموجة تمتد بسرعة البرق لتصل إلى ما لم تصل إليه بعد من النفوس و الطبقات و الأوضاع .
ولقد استطاع خصوم الإسلام أن يخدعوا عقلاء المسلمين وأن يضعوا ستاراً كثيفاً أمام أعين الغير منهم، بتصوير الإسلام نفسه تصويراً قاصراً في ضروب من العقائد والعبادات والأخلاق، إلى جانب مجموعة من الطقوس والخرافات والمظاهر الجوفاء، وأعانهم على هذه الخديعة: جهل المسلمين بحقيقة دينهم، حتى استراح كثير منهم إلى هذا التصوير واطمأنوا إليه ورضوا به، وطال عليهم في ذلك الأمد، حتى صار من العسير أن نفهم أحدهم أن الإسلام نظام اجتماعي كامل يتناول كل شؤون الحياة.

نستطيع بعد ذلك أن نقول: إن الحضارة الغربية بمبادئها المادية، قد انتصرت في هذا الصراع الاجتماعي على الحضارة الإسلامية، بمبادئها القويمة الجامعة للروح والمادة معاً في أرض الإسلام نفسه، وفي حرب ضروس، ميدانها نفوس المسلمين، وأرواحهم وعقائدهم وعقولهم، كما انتصرت في الميدان السياسي والعسكري، و لا عجب في هذا، فإن مظاهر الحياة لا تتجزأ، والقوة قوة فيها جميعاً، والضعف ضعف فيها جميعاً كذلك: (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران:140) , وإن كان مبادئ الإسلام وتعاليمه ظلت قوية في ذاتها فياضة بالخصب والحياة، جذابة أخاذة بروعتها وجمالها، وستظل كذلك، لأنها الحق ولن تقوم الحياة الإنسانية كاملة فاضلة بغيرها، ولأنها من صنع الله وفي حياطته: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) , (وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة:32) .

يقظة: و كما كان لذلك العدوان السياسي أثره في تنبيه المشاعر القومية , كان لهذا الطغيان الاجتماعي أثره في انتعاش الفكرة الإسلامية , فارتفعت الأصوات من كل مكان تطالب بالرجوع إلى الإسلام و تفهم أحكامه و تطبيق نظامه , و لابد أن يأتي قريبا ذلك اليوم الذي تندك فيه صروح هذه المدنية المادية على رؤوس أهلها , و حينئذ يشعرون بسعير الجوع الروحي تشتعل به قلوبهم و أرواحهم و لا يجدون الغذاء و الشفاء و الدواء إلا في تعاليم هذا الكتاب الكريم :
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ , قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس:57-58).

9 دعوتنا دعوة للبعث والإنقاذ

( أ ) تركة مثقلة : وهكذا أيها الإخوان أراد الله أن نرث هذه التركة المثقلة بالتبعات ، وأن يشرق نور دعوتكم في ثنايا هذه الظلام وأن يهيئكم الله لإعلاء كلمته وإظهار شريعته وإقامة دولته من جديد : ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز .

( ب ) أهدافنا العامة : ماذا نريد أيها الإخوان ؟ أنريد جمع المال وهو ظل زائل ؟ أم سعة الجاه وهو عرض حائل ؟ أم نريد الجبروت في الأرض : إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده الأعراف . ونحن نقرأ قول الله تبارك وتعالي (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص:83).
شهد الله أننا لا نريد شيئاً من هذا وما لهذا عملنا ولا إليه دعونا ، ولكن اذكروا دائما أن لكم هدفين أساسيين :
1 - أن يتحرر الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي وذلك حق طبيعي لكل إنسان ، لا ينكره إلا ظالم جائر أو مستبد قاهر .
2 - أن تقوم في هذا الوطن الحر دولة إسلامية حرة تعمل بأحكام الإسلام وتطبق نظامه الاجتماعي وتعلن مبادئه القويمة وتبلغ دعوته الحكيمة الناس ، وما لم تقم هذه الدولة فإن المسلمين جميعاً آثمون مسؤولون بين يدي الله العلي الكبير عن تقصيرهم في إقامتها وقعودهم عن إيجادهم . ومن العقوق للإنسانية في هذه الظروف الحائرة أن تقوم فيها دولة تهتف بالمبادئ الظالمة وتنادي بالدعوات الغاشمة ولا يكون في الناس من يعمل لتقوم دولة الحق والعدالة والسلام .
نريد تحقيق هذين الهدفين في وادي النيل وفي بلاد العروبة وفي كل أرض أسعدها الله بعقيدة الإسلام : دين وجنسية وعقيدة توحد بين جميع المسلمين .

( ج ) أهدافنا الخاصة : ولنا بعد هذين الهدفين أهداف خاصة لا يصير المجتمع إسلامياً كاملاً إلا بتحقيقها . فاذكروا أيها الإخوان أن أكثر من 60% من المصريين يعيشون أقل من معيشة الحيوان ، ولا يحصلون علي القوت إلا بشق النفس ، وأن مصر مهددة بمجاعة قاتلة ومعرضة لكثير من المشكلات الاقتصادية التي لا يعلم نتيجتها إلا الله ، وأن مصر بها أكثر من 230 شركة أجنبية تحتكر كل المرافق العامة وكل المنافع الهامة في جميع أنحاء البلاد ، وأن دولاب التجارة والصناعة والمنشآت الاقتصادية كلها في أيدي الأجانب المرابين ، وأن الثروة العقارية تنتقل بسرعة البرق من أيدي الوطنيين إلى أيدي هؤلاء ، وأن مصر أكثر بلاد العالم المتمدين أمراضاً وأوبئة وعاهات ، وان أكثر من 90% من الشعب المصري مهدد بضعف البنية وفقد الحواس ومختلف العلل و الأمراض ، وأن مصر لا زالت إلى الآن جاهلة لم يصل عدد المتعلمين فيها إلى الخمس بما في ذلك أكثر من مائة ألف شخص لا يتجاوز تعليمهم برامج مدارس الإلزام ، وأن الجرائم تتضاعف في مصر وتتكاثر بدرجة هائلة حتى أن السجون لتخرج أكثر مما تخرج المدارس ، وأن مصر لم تستطع إلى الآن أن تجهز فرقة واحدة في الجيش كاملة المعدات ، وأن هذه المعاني والصور تتراءى في كل بلد من بلدان العالم الإسلامي ، فمن أهدافكم أن تعملوا لإصلاح التعليم ومحاربة الفقر والجهل والمرض والجريمة وتكوين مجتمع نموذجي أن ينتسب إلى شريعة الإسلام.

( د ) وسائلنا العامة : كيف نصل إلى هذه الأهداف ؟ إن الخطب والأموال والمكاتبات والدروس والمحاضرات وتشخيص الداء ووصف الدواء كل ذلك وحده لا يجدي نفعاً ولا يحقق غاية ولا يصل بالداعين إلى هدف من الأهداف ؛ ولكن للدعوات وسائل لا بد من الأخذ بها والعمل لها . والوسائل العامة للدعوات لا تتغير ولا تتبدل ولا تعدو هذه الأمور الثلاثة :
1 - الإيمان العميق .
2 - التكوين الدقيق .
3 - العمل المتواصل .
وتلك هي وسائلكم العامة أيها الإخوان فآمنوا بفكرتكم وتجمعوا حولها واعملوا لها واثبتوا عليها .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.