بسبب جنى الأرباح.. هبوط جماعي لأسعار المعادن    غيل بن يمين وادي الإرهاب الخفي وملاذ للجماعات المتمردة والإرهابية    ناشطون: الموساد يُدير معركة حضرموت    المنتخبات المتأهلة إلى ثمن نهائي كأس الأمم الأفريقية 2025    احتجاجات واسعة في مقديشو تنديدًا باعتراف العدو الصهيوني بإقليم أرض الصومال    لسنا بنادق للإيجار.. كاتب جنوبي يؤكد الشراكة مع التحالف ويحذر من استهداف قضية الجنوب    الشرعية حين تتحول من مبدأ قانوني إلى أداة تعطيل    أكد موقف اليمن الثابت مع الصومال ضد العدو الاسرائيلي .. قائد الثورة: أي تواجد إسرائيلي في إقليم أرض الصومال سيكون هدفاً عسكرياً لقواتنا المسلحة    نائب وزير العدل يتفقد تجهيز مقرات المحاكم الابتدائية المنشأة حديثًا بأمانة العاصمة    وزارة الصحة: العدوان استهدف 542 منشأة صحية وحرم 20 مليون يمني من الرعاية الطبية    حمداً لله على السلامة    الإفراج عن 108 سجناء من الحديدة بمناسبة جمعة رجب    صحيفة بريطانية: توترات حضرموت تنذر بانفجار صراع جديد يهدد مسار التهدئة في اليمن    خلال تدشينه مشروع التحول الإلكتروني لصندوق التقاعد الأمني .. اللواء المرتضى: المتقاعدون يستحقون الاهتمام فقد أفنوا سنوات طويلة في خدمة الوطن    المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام ينفذ عمليات واسعة لإتلاف مخلفات العدوان بمحافظة الجوف    إيمان الهوية وهوية الإيمان    تكريم البروفيسور محمد الشرجبي في ختام المؤتمر العالمي الرابع عشر لجراحة التجميل بموسكو    مرض الفشل الكلوي (34)    حين يكون الإيمان هوية يكون اليمن نموذجا    الهوية والوعي في مواجهة الاستكبار    الطبيب الخزان يشكو ما تعرض له في مبنى قضائي بصنعاء للنائب العام    الدكتور هادي دلول أستاذ العلاقات الدولية والمستشار في الفيزياء النووية في طهران:نبارك اتفاق إطلاق الأسرى في اليمن وتنفيذه متوقف على مصداقية الطرف الآخر والتزامه    فلسطين الوطن البشارة    العليمي يشن الحروب على الجنوب لحماية سرقاته لنفط شبوة وحضرموت    المكلا حضرموت ينفرد بصدارة المجموعة الثالثة بدوري الدرجة الثانية لكرة القدم    العرادة يدشن حزمة مشاريع خدمية وتنموية لتعزيز البنية التحتية في مأرب    الشؤون الخارجية بالانتقالي تبحث التعاون مع المفوضية السامية وتؤكد احترام المجلس لحقوق الإنسان    الأرصاد: سحب منخفضة كثيفة على سقطرى والسواحل والمرتفعات المحاذية    منذ أكثر من شهر.. مليشيا الحوثي تمنع دخول عشرات الشاحنات المحملة بمادة الأخشاب    مجلس الأمن الدولي يعقد جلسة طارئة غدا لبحث الاعتراف الإسرائيلي ب"أرض الصومال"    ورشة حول الصحة والسلامة المهنية بصنعاء    بيان مليونية سيئون يجدد التفويض للرئيس الزُبيدي لإعلان دولة الجنوب العربي    ميلان يقسو على فيرونا بثلاثية ويعتلي صدارة "الكالتشيو" مؤقتاً    أمين العاصمة يتفقد أعمال صيانة شارع سبأ بمشاركة مجتمعية    خفر السواحل تحذر من السباحة قبالة سواحل عدن وأبين وشبوة    المحرّمي يطّلع على سير العمل في المؤسسة العامة للاتصالات وخططها المستقبلية    هل بات قادة اوروبا يخشون "سلام ترامب" في أوكرانيا؟!    نيجيريا تسقط تونس في مباراة مثيرة وتبلغ ثمن نهائي كأس أمم إفريقيا    هروب    الاعتراف الإسرائيلي بالصومال خطر يهدد الجنوب العربي وخليج عدن    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    رشاد العليمي يسهل لنجله عبدالحافظ سرقة نفط حضرموت    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    الصحفي المهتم بقضايا الناس وانشطة الصحافة الثقافية عبدالعزيز الويز    قراءة تحليلية لنص «صدمة استقبلتها بقهقهة» ل"أحمد سيف حاشد"    دوري روشن السعودي: اتحاد جدة يهزم الشباب بثنائية نظيفة    اكتشاف آثار حضارة متطورة في باكستان    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    اتحاد حضرموت بحافظ على صدارة المجموعة الثانية بدوري الدرجة الثانية    القيادة التنفيذية العُليا تناقش الجهود المبذولة لتأمين الخدمات للمواطنين ومراقبة أسعار الصرف    ما علاقة ضوء الشمس بداء السكري.. نصيحة للمصابين    العطاس: نخب اليمن واللطميات المبالغ فيها بشأن حضرموت"    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكرالعربي المغربي قطبي : الرئيس والجيش والشعب اليمني... يداً بيد لنكس الإرهاب...
نشر في الأضواء يوم 08 - 05 - 2014

لاحظنا في الأيام والأسابيع الماضية تطوراً وتطويراً نوعياً في عمليات الجيش اليمني وفق استراتيجية الهجوم الاستراتيجي على فلول وتجمعات العصابات الإرهابية، وهنا نلفت إلى أن الدفاع الاستراتيجي الذي تم تنفيذه فيما مضى كان يتضمن بعض العمليات والمعارك والمواقع الهجومية، وأيضاً الهجوم الاستراتيجي الحالي يتضمن الدفاع التكتيكي في بعض المناطق والمواقع والمعارك وأعمال القتال، وهنا التطوير في التكتيك، وهذا ما نلاحظه إذ يأتي العصابات الإرهابية من حيث لا يحتسبون وهذا ما جعلهم الآن في حالة شلل وصرع وفوضى وتشتت.
ولابد أن نقرّ ونؤكد أنّ الوضع الذي تعيشه اليمن، يصبح فيه الالتفاف حول رئيس الدولة ''عبد ربه منصور هادي'' كرمز للسلطة واجباً لحماية الوطن، ليس هذا هو الموقف المبدئي الصحيح فقط، بل هو أيضاً الاختيار العملي والمنطقي لحماية الذات أي اليمن والشعب والدولة، فمن بين كل الاحتمالات المتصورة يصبح استمرار النظام مع الالتزام بإصلاحات راديكالية هو البديل الأفضل حتى ننتقل إلى مرحلة أكثر استقراراً وأكثر ديمقراطية...
يظن البعض أنني كمغربي ليس من حقي التدخل في الشؤون اليمنية، وأنا أقول: هذا هراء، إن الذي يجب منعه هو التدخل بالسلاح والمال لتدمير اليمن لكونه جريمة كبرى وانتهاكاً للسيادة الوطنية، أما المشاركة في مشاكل وهموم اليمن فهي واجب ومسؤولية عربية، فالتخلي عن اليمن في مواجهته لعدوان الإرهاب هو خيانة وطنية وقومية لا يمكن غفرانها كما أنها نذالة أخلاقية وعدم وفاء.
فالتطور النوعي الآن هو أن اليمن بعد أن عمل على استقرار خط الجبهات السياسية والاقتصادية والإعلامية والأمنية والعسكرية الداخلية والإقليمية والدولية بدأ بالانتقال إلى الهجوم الاستراتيجي بعد إعادة تعزيز الحالة الوطنية والاستناد إلى مواطن القوة الاستراتيجية، وهذا ما ظهرت مؤشراته ومبشراته خلال الأسابيع الماضية وتجلّت مؤشراته بالمبادرة الاستراتيجية للجيش اليمني بنوعية عملياته وهادفيتها وبالحالة الشعبية التي باركها الرئيس المناضل ''عبد ربه منصور هادي'' وحدد ملامحها عندما أكد أن الشعب هو حامل وعامل الانتصار الأهم، ووضع برسم حماة اليمن القضاء على ما تبقى من فلول الإرهاب...
لقد تصدت الدولة اليمنية لكل الضربات المتكررة للعصابات الإرهابية وفق استراتيجية وطنية مبتكرة قاعدتها الحالة الشعبية الوطنية ومركزها الجيش اليمني التي استطاعت تقدير الموقف الاستراتيجي والسياسي والعسكري وكشفت أهداف العدوان وفككت خططه ونياته واتخذت المواقف والمواقع السياسية والعسكرية الصحيحة وتصدت بإبداع لمراحله بتدرج واستنزاف قواه وأفشلت مناوراته وأوجعت أخطر مرتكزاته وقصمت ظهر وكلائه وعملائه ومرتزقته حتى يمكن القول أنّ مشروع العدوان أخذ يلفظ أنفاسه ويضع أوزاره ويفلس ويبحث عن مخارج.
وما رسخه الجيش اليمني من وقائع على الأرض، مادية ومعنوية، في المواجهات الضارية التي يخوضها ضد العصابات الإرهابية، يمكن البناء عليه مادياً من حيث تحقيق الأهداف النهائية للتطاحن في اليمن، والاستناد إليه بثقة والاستنتاج منه بدقة معنوياً، نظرياً وعملياً، في كل ما يتعلق بالحرب والمواجهات المستمرة مع المسلحين ومن ورائهم وبنتائجها النهائية وبالخيارات السياسية المستقبلية في اليمن...
لا سيما بعد أن عمد من خطط وجيَّش وموَّل وسلَّح واستعدى ضد اليمن كلها إلى تكريس خيار العسكرة والمواجهة الدموية والتدمير الشامل للدولة في نهاية المطاف، وسلوك السبل المؤدية من وجهة نظرهم إلى هزيمة الجيش اليمني وتدميره بكل ما يحمل من رمزية لليمن ومن نتائج عليها، وإقامة ما يشاؤون من أنظمة ودويلات وعلاقات مع الكيان الصهيوني على أنقاض اليمن السعيد الدولة والجيش والشعب الموحَّد، بكل ما يمثله اليمن وما يمثله جيشه في الماضي والحاضر من مواقف وثوابت وخيارات سياسية، وما يُبنى على استمرارهما ''الجيش والوطن'' هوية ونهجاً عربياً وقوة حامية ورادعة في المستقبل.
وكما أنه لا يجوز التقليل من قيمة التخطيط والتنفيذ في أية مواجهة أو معركة من المواجهات بأنواعها وأشكالها، فإن مواجهات الجيش اليمني ومعاركه على الأرض اليمنية تدخل في هذا المضمار، ومن ثم فلا يمكن التقليل من شأنها، لا مادياً ولا معنوياً، في كل ما يتعلق بما تحقق أو أسس لتحقيقه على الأرض في كل تلك المواقع التي خاضها الجيش...
وكما أن كل رسم هندسي ورقم حسابي في تصور إبداعي يجسد رؤية معمار، وكل حبة رمل وقطرة ماء ولبنة أو حجر أو كمية حديد واسمنت توظف لتحقيق ذلك... هي مهمة وضرورية ويتشكل من تراكمها المدروس هيكل البناء الشاهق وثباته وجماله... كذلك الأمر بشأن كل خطوة تكتيكية وخطة عسكرية وأمر تنفيذ عملياتي، وكل تضحية من أي نوع وفي أي مستوى وكل قطرة عرق ودم ورفاة شهيد يتكون منها جميعاً الإنجاز العسكري مرحلة بعد مرحلة، لترفع في نهاية المطاف راية النصر ويفتخر الشعب بأبنائه الذين يشكلون جيش الوطن ودرعه وحصنه الحصين.
هكذا يمكن أن ننظر إلى سلسلة المواجهات العسكرية خلال الأزمة/الحرب ضد الإرهاب، من دون أن نغفل ما شكَّل ويشكَّل الحوافز والحواضن ومعالم الطريق والمؤشرات ذات الدلالات الكبرى المتصلة بذلك كله... وفي هذا السياق نضع معارك محاربة الإرهاب والإرهابيين بمناطق القطر العربي اليمني جنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً.
لقد حقق الجيش اليمني انتصارات ليست لشخص ولا لطائفة ولا لحزب ولا لمذهب ولا لمنطقة ولا... ولا... لأنها ببساطة لجيش الوطن الذي يلخص كيان اليمن كله، وللشعب كله بكل أبنائه الذين يشكلون لحمة الوطن وسداه... والجيش هو المنتصر في المعارك والمؤهل لكسب الحرب مع أنها حرب لا رابح فيها لأنها حرب في الوطن وعليه ومن يخوضونها هم في معظمهم أبناؤه بعضهم ضد بعض الجيش هو الذي يمكن أن يحقق النصر النهائي اليوم، والتحرير للأرض المحتلة غداً، وهو في النتيجة من يصنع القرار والتوجه السياسي والخيارات المبدئية سواء قبلنا ذلك أم رفضناه.

فتلك من الثوابت في اليمن منذ قيام الدولة تقريباً وهي من الثوابت العربية والإقليمية إلا ما رحم ربك والاستثناء ليس قاعدة، والجيش هو من يحمي الثوابت الوطنية للشعب والبلد بقرار أو يغيرها بخروج على قرار، ويفعل ذلك في الأغلب الأعم من دون صراخ أو ادعاء، وتدخل خدمته للأهداف الرئيسية والقرارات السياسية المصيرية، تدخل عمليًّا في باب: ''خادم القوم سيدُهم'' بالمعنى العملي النظيف الذي نشهده في بلدان وأزمان...
والجيش في اليمن هو خلاصة، أو جوهر خلاصات الشعب، والقوة التي تنبع منه وتحميه وتنتصر له أو تنتصر به، من دون أن تفقد البصيرة أو يغيب عنها التبصر... هكذا كان ينبغي أن تنظر كل الأطراف اليمنية المعنية بالسياسة، المنتمية فعلاً للأرض والتاريخ الحضاري، الحاملة للهوية القومية والعقيدة المهيمنة بالمفهوم الديمقراطي لشعب ذي رأي وصوت ومكانة وقرار في وطن حر سيد مصون الكرامة والاستقلال والحدود يسكنه أحرار لهم كل الحقوق ولديهم كل الفرص لأنواع الإبداع...
لا أن يحاول البعض منها أو من غيرها أن يشخصن الجيش والشعب والوطن، أو أن يستعدي عليهم القوى الخارجية بحماسة أو شر وشراسة، أو يخطط لهزيمتهم وتدميرهم بأي وسيلة وأي ثمن، أو أن يضعف ذلك كله بتدمير غبي أعمى للجيش الذي هو درع الوطن وخلاصة جوهرية من خلاصات الشعب... ذلك لأن الجيش اليمني هو حامي الوطن وملك الشعب وليس جيش أي كان من أبناء الشعب مهما كان.
ومن هنا ينبغي أن تأتي مسببات الحكم ومقوماته وقوته وأنواعه ومقاديره على عسكرة الحراك القائل بالتغيير في اليمن، وعلى كل من دعا إلى العسكرة واتخاذها مظلة للتدخل العسكري في الشأن اليمني، بتدخل مجموعات مسلحة عبر تنظيمات موظفة لهدف واضح... لا أن يأتي الحكم السلبي على العسكرة مجرد اعتراف متأخر لتبرئة الذمة، من بعد ما جرَّته العسكرة من ردود فعل ومن كوارث، وما أثبتته وتثبته من فشل يوماً بعد يوم، وبعد ما آل إليه أمرها وأمر الداعين إليها، ومن ثم أمر البلد الحبيب، اليمن السعيد، من دمار، وما أصاب شعبه من جراح ومآسٍ وتشرد وجوع ومرض ومعاناة...
لأن العسكرة ضد الوطن هي في نهاية المطاف معادة للجيش الذي اختار رفض العسكرة في الوطن، والدفاع ضد التدخل الخارجي المتلطي في ظلالها، وضد الفوضى والإرهاب واستخدام السلاح القاتل من معارضات أو باسم معارضات، تحت راية تحقيق مطالب يمكن تحقيق المشروع والمنطقي منها بغير السلاح والقتل والتدمير وتخريب البلد، وبغير أسلوب الاستعداء على البلد... والعسكرة ضد الجيش هي محاولة صريحة لإضعافه وكسره، ومن ثم فهي معاداة لما يمقله أي للشعب والوطن والقانون في نهاية المطاف، وهي محاولة مفضوحة لكسر الجيش، مما لا يقره قانون ولا يقبله عقل ولا يجيزه شرع في بلد تحتل عصابات إرهابية بعض أرضه ولا يحميه ويقيمه سوى قوة ممثلة بالجيش؟!
وحين يدين بعض المعارضين اليمنيين اليوم عسكرتهم أو سكوتهم على عسكرة التحرك الذي بدأ بمطالب التغيير، ويرون في ذلك بعض وجوه الكارثة، إنما يفعلون ذلك بعد أن وقفوا على كم هائل من النتائج السلبية التي أصابتهم وأصابت سواهم، وعلى وما يمكن أن يستخلصه العاقل بمنطق من استنتاجات تُبنى عليها نتائج فيما هو قادم من أيام وأحداث.
وهنا لا نتكلم ولا نريد أن نتكلم عن المؤامرة، ولا أن نترافع أمام من تماهى معها وشارك فيها وأسس لها ويذهب في الغلو إلى حد إنكارها، مستهيناً بالوقائع وعقول الناس... ونحن إذ نختار ذلك إنما نختاره لكي نعطي فرصة للبناء على افتراض حسن نية بعض اليمنيين الذين ورطوا غيرهم وتورطوا في الدم والإثم والجرم، ونستثني من افتراض حسن النية ذاك يمنيين باعوا واشتروا في القيم والوطن والفكر والدين والناس، وبرعوا كعادتهم في البيع والشراء، وخانوا الخبز والملح والعيش المشترك وقيم المواطنة وأسسها، وران على قلوبهم طمع وطموح ودينار ودولار، ومن أولئك بعض اليمنيين الذين يلخص تاريخُهم السياسي والاجتماعي تبعيةً دغمائية أيديولوجية وثقافية عمياء تحت ذرائع ومسميات عدة، خنع لها ساسة ومثقفون وسكتوا عن ممارسيها رغبة ورهبة أو تجنباً للدخول في مسافهة يترفع عنها العقلاء...
ولأولئك فيما تبنوه وبرعوا فيه فيها دور المروِّج الغبي المتشنج لسياسة آخرين وبضاعتهم، الذي يعتمد الفوضى ويستبيح كل وسيلة وأداة ليؤسس لضعف اليمن وللفوضى فيه، لأنه إنما يعيش على نشرهما فيه، ويستمطر شآبيب رحمة من يوظفونه لتلك الأمور، ويبقيه منفوخاً ومعزولاً عن مواجهة حقيقة نفسه وحقائق الحياة توهّم كبير بأنه العلم والعقل والمعرفة والوطنية و... بل ويعلن فريق من أولئك عصموية واحتكاراً للفكر والوطنية ويتهمون سواهم بما تفيض به أنفسهم؟!
إنهم يفعلون ذلك نفسياً من باب تعويض المفتقَد، وما الشخص من أولئك، في حقيقة الأمر وواقع التجربة ووقائع التاريخ، سوى عامل في خدمة وطن غير وطنه، وإيديولوجية تتناقض مع هويته، ومتبنٍ لطوباوية تتجاوز ما لدى إفلاطون صاحب الجمهورية من طوباوية مع ادعاء عريض بالواقعية وبما هو أكثر؟! وهذان النوع والنهج في حالتنا اليمنية معاديان للوطنية بكل مفاهيمها المتعارف عليها بشرياً، ولا يتقن الواحد من أولئك سوى القرع على الطبل الرجوج للدعاية والادعاء، مع عجز عن التمييز والأداء والتقدم والبناء... وما ذلك في حقيقة الأمر سوى تعالم الجاهلين في وسط أو مجتمع تشمرخ فيه الانتهاز والفساد...
وما تلك إلا نتيجة قصر نظر وطول ادعاء ودويّ طبول أصوات فارغات في متاهات خَواء... وقد ساهم أولئك إلى حدٍ كبير، كما ساهم غيرهم من الغلاة في أوساط أخرى، في تأجيج النار وتصعيد الاستفزاز حتى ولغوا وولغ غيرهم ممن تورطوا وفيهم حسن نية من اليمنيين، في الدم والإثم، سواء بدخولهم على ساحة صنع الوقائع الإجرامية المادية أو في التأسيس لها من خلال الدعوة والحشد والاتصال والاستعداء والتمويل، ورسم صور للواقع والحال والمآل ليست هي الواقع ولا يجوز أن تكون الحال والمآل.
وهنا لا نتكلم عن دور غير اليمنيين في الأزمة اليمنية لا لأنهم أبرياء أو لأن ليس لهم دور في هذا الداء وما نتج عنه من وباء، فالعدو لا يعاتب ولا يستدرج للخير حين تكون طبائع الشر... إنما نتكلم عن أنفسنا حصراً لأننا الجرح والسكين، ولأننا من يستطيع أن يواجه بحكمة ومسؤولية وعقل ووعي وقوة أطماع الطامعين وعدوان المعتدين وتدخل المتدخلين في الشأن اليمني، صغر ذلك الشأن أم كبر...
هذا إذا كنا مخلصين للوطن والشعب والأمة والعقيدة في الانتماء والولاء... وهذا ما يبدو أننا بحاجة لمقاربته أكثر وأكثر، وللعمل من أجله بصورة متواصلة لكي ينتُج هنا في أرض الحضارة مناخ آخر، فيه مسالك إلى الوعي المسؤول وولوج فيها، ومن ثم وصول إلى حقن الدم ووضع حد لتفاقم الفتنة.
إن قوة الجيش اليمني وصموده ثم تصديه ومبادراته الناجحة لا سيما في معاركه التي يخوضها ضد عصابات القاعدة وأخواتها، لا تنبع فقط من كونه المدرب المسلح المؤمن بعقيدة والمنوط به حماية الشعب والوطن وتحرير الأرض، ولا من كونه يلقى تأييد أكثرية أبناء الشعب اليمني الذين يعقدون عليه الآمال ويعمل هو على تحقيق آمالهم بدفع كبير منهم وبتأثير ذلك التأييد، ولا من كونه صاحب القوة الحاسمة التي يتضح تصميمها وتفوقها مرحلة بعد مرحلة في المعارك، ولا صاحب الاختيار السياسي الذي يقرر الكثير بشأن القرار والمصير فيما بعد الوصول إلى النتيجة النهائية للمعارك والمواجهات الساخنة...
بل لأنه كل ذلك ولأنه يجد نفسه في تحدٍ مكشوف يستهدف كينونته وقوته وبُناه وحياة أفراده... ولذلك يمضي في الطريق المفروضة أو المختارة، ويتحمل ما يحتمل ووزر بعض ما يزر، ولكن من يناصبه العداء ويريد تهشيمه يتحمل وزر عمله ونتيجة ما تسفر عنه لغة القوة من موت ومن معاناة لمن بقي على قيد الحياة بعد حصاد الموت، وتتحمل اليمن الدولة التي على رأسها مكوناتها الشعب أعباء كل ذلك...
وأنا على يقين أنّ القيادة اليمنية ممثلة في الرئيس ''عبد ربه هادي منصور''، وفي القوى اليمنية، السياسية والقبلية والمجتمعية، الواعية والمخلصة والحريصة على مصالح اليمن الوطنية، والتي أثبتت قدرتها على بناء التوافق الوطني اليمني في إطار مؤتمر الحوار، قادرة بالفعل على مواجهة كل التحديات وكل محاولات إغراق اليمن في دوامات الإرهاب، ولكن النجاح في مواجهة ذلك يتطلب حشد كل طاقات تلك القوى والأطراف، بخاصة في هذه المرحلة، حتى يمكن إحباط كل تلك المحاولات، المباشرة وغير المباشرة. ومن المهم ان تساند مختلف الأطراف الإقليمية والدولية هدف الحفاظ على اليمن قوياً وموحداً ومتمتعاً بالتوافق بين أبنائه جميعهم، لان ذلك يمثل بالتأكيد مصلحة إقليمية ودولية، بقدر ما هي مصلحة يمنية، ولكن الأمر يحتاج إلى الكثير من القدرة على تجاوز المصالح الضيقة فهل يتحقق ذلك، الأغلب انه سيتحقق.
بقلم: مصطفى قطبي
* امين عام رابطة الصحافة القومية في القطر المغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.