قبل أكثر من 20 شهراً أصدر زعيم جماعة الحوثي قراراً بتعيين تاجر السلاح المدرج ضمن القوائم السوداء فارس مناع، محافظاً لمحافظة صعدة التي لا يزال يديرها دونما صدور قرار رسمياً بتعيينه في منصبه. في مارس 2011م اضطر محافظ صعدة السابق طه هاجر تحت ضغط التمدد المسلح للحوثي لمغادرة المحافظة، كان انسحابه هادئاً إعلانا لخروج المحافظة من تحت سيطرة الدولة ووقوعها رهينة بيد الجماعة المسلحة، ولا تزال إلى اليوم. كان على مناع الموصوف بالذراع الأيمن لعلي صالح وشريكه في صفقات الأسلحة إنهاء علاقته الحميمية بحزب المؤتمر الشعبي العام خطياً وتقديم الولاء والطاعة بين يدي الحاكم الفعلي للمحافظة أبو علي الحاكم، تم تنصبه يومئذ محافظاً "مؤقتا" كجائزة رمزية نظير ما قدمه للجماعة خلال جولات ست من الحرب الغامضة. مذاك، ومناع يدير المحافظة وعليه الظهور كبطل في مسرحية مملة ممتدة الفصول الغارقة في التناقض والاسفاف المتجلي في خضوع الجميع لواقع القوة والسطوة والضجيج الهائل. الاعتراف الممنوع شيئاً فشيئاً غادرت وسائل الإعلام الرسمية مربع الحياء والمسئولية وأوغلت ولا تزال في مقلب التماهي مع الواقع اللامقبول قطعاً في عهد ما بعد رحيل صالح وعصر مغاير طفى حاملاً صك التغيير وراية المتغير الذي يتمسكن ببطء بغية أن يتمكن ويتموضع في مكانه السوي المستقيم. تتوالى الأخبار والتغطيات تترى في الشاشات والصفحات والمواقع الافتراضية الرسمية حاملة أكواماً من عبارات التلميع والتبجيل لمعاليه وهو يتحرك على المسرح المنصوب على (11375 كم²) وتزيد وتنزل عند نزوة من ناموا خشوعاً لشعائر التمثيل دونما مراعاة لآلام وآمال من فروا طفشاً من مشاهد وفصول الدمار والدماء. يتعدى اللوم الوزير المحسوب على الثورة والحاكم باسمها، وصولاً إلى حكومة صعدت من قلب الساحات ونظام انتقالي يدعي تطهير ما أفسده الماضي. السؤال الصارخ: كيف تحول تاجر السلاح من معتقل في قصر صالح وسجين بأمره إلى محافظ حر آمر ناه في عهد حكومة الثورة التي تصر على منحه صلاحيات كاملة تمكنه من تسلم موازنة المحافظة وقيادة سلطتها المحلية. الرجل الغارق في شبهات صفقات وعمولات الأسلحة والذي غادر العاصمة متخفياً في عهد صالح يعود إليها في ظل حكومة الثورة كمحافظ في دولة صديقة/ شقيقة، يستقبل بترحاب في مكاتب وبيوت رجالات الدولة. ناقل تحيات "السيد" لا يخجل الرجل من الجهر بولائه ل"السيد"، ويظهر على قناة "المسيرة" التابعة للحوثي مفتتحاً مشاريع رمزية ممولة من خزينة الدولة متبجحاً بأنه يفعل ذلك "بتكليف من السيد" متعمداً إخلاء الأمكنة من العلم الجمهوري أو صور الرئيس هادي الممنوعة بالأصل.. يحضر فعاليات حوثية ناقلاً لهم تحيات "السيد عبدالملك" أيضاً. إنه يمثل صوت وقرار الدولة في المحافظة، ومن المفترض أن تكون الإدارات والمرافق والهيئات محكومة للدولة، فهو رئيس المجلس المحلي ورئيس اللجنة الأمنية، وكل السلطات الحكومية مفترض أن تكون خاضعة له بما فيها 6 ألوية للجيش التي صارت بمقام "رهينة" لدى الحاكم الفعلي في الجمهورية المجاورة. انتهاء سنوات العسل ترأس الرجل المثير للجدل فارس مناع -مواليد 8 فبراير 1965- لجنة وساطة رئاسية تم تشكيلها عام 2010م إبان الحرب الخامسة في صعدة للوساطة بين الحكومة والحوثيين.. أدار وهو وكيل شركة "ميجا" للسلاح الروسي عددا من صفقات الأسلحة التي اشترتها الدولة، وبالشراكة مع صالح وأفراد في عائلته جنى الطرفان أرباحاً وعمولات هائلة مكنتهم من إثراء أرصدتهم وأموالهم. مع أن علاقته بصالح وحزب المؤتمر كانت أكثر من جيدة، إلا أن يوم (28 يناير 2010) كان مفصلياً في تاريخ تلك العلاقة التي انفضت يومئذ بعد استدعاء صالح لشريكه للحضور إلى مقر جهاز الأمن القومي (الذراع القمعي في عهد صالح) وفشل لقاء مطول بين الرجلين في لملمة الخلاف لينتهي الأمر بإيداع مناع خلف قضبان سجون الأمن القومي، وكيلت له تهم مختلفة من بينها؛ تزويد جماعة الحوثي بالأسلحة، والتخابر مع دول أجنبية وما إلى ذلك. وبعد ما يقرب من 4 أشهر من السجن والتنقل بين قاعات المحاكم قضت "توجيهات عليا" يوم (الأربعاء 16 يونيو 2010) بالإفراج عنه ليتوجه إلى صعدة متخفياً في صفقة لم تكشف تفاصيلها بعد. ليعود في أغسطس 2010 معلناً من وسط العاصمة "مؤتمر السلام الوطني" الذي رفع شعار السلام في صعدة. حصانة عابرة للقارات أصدرت جهات رسمية يمنية في أكتوبر 2009 قائمة سوداء بعدد من تجار الأسلحة والمستوردين لها من الخارج وعلى رأس تلك القائمة فارس مناع. فيما قررت لجنة مجلس الأمن الدولي في أبريل 2010م إدراج اسمه ضمن قائمة المتهمين بتهريب الأسلحة للصومال وارتيريا رغم المنع الأممي بحسب القرار 751 لعام 1992، والقرار 1907 لعام 2009م. وأضاف قرار مجلس الأمن: إنه منذ عام 2008 هر�'ب شحنات أسلحة غير مشروعة للقرن الأفريقي وشحنة أخرى للصومال عن طريق القوارب، بالإضافة إلى استيراد شحنة أسلحة من شرق أوروبا يعتقد أنها دخلت إلى الصومال، كما أنه بذل جهودا لشراء الأسلحة من أوروبا الشرقية، وخطط لبيعها إلى الصومال. تلى ذلك إعلان وزارة الخزانة الأمريكية تجميد أرصدته وأصوله، بموجب قرار الأممالمتحدة. إدراج اسم مناع ضمن القوائم السوداء لم يمنعه من السفر إلى ألمانيا مطلع فبراير المنصرم في ظل تكتم عن أهداف وبرنامج الزيارة التي تحدثت معلومات أنها كانت في مصلحة جماعة الحوثي والبحث عن سند دولي لها. رئيس و2 محافظين يتولى عبدالملك الحوثي إدارة شئون المحافظة ومناطق مجاورة، ويعمل تحت إدارته مناع كمحافظ مهمته استخراج موازنة المحافظة من صنعاء فيما يبقى أبو علي الحاكم الحاكم الفعلي، يتباهى مناع وهو يقف إلى جوار "الحاكم" ويرافقه في الزيارات الميدانية واللقاءات الحاملة لافتة "السلطة المحلية". تقول المعلومات إن الخزينة العامة للدولة لم تتسلم منذ سنوات أية عوائد وإيرادات من صعدة، فواردات الزكوات والضرائب والجمارك والرسوم وغيرها تورد إلى خزينة "السيد" بموافقة مناع. تؤكد مصادر في وزارة المالية ل"الأهالي نت" إن الوزارة عاودت صرف موازنة محافظة صعدة للعام 2012م بعد توقيفها في 2011م، المصادر تتحدث عن اختلالات مالية جسيمة في المحافظة ومماطلة في رفع التقارير المفروضة وعدم تقديم الموازنات المختلفة. فوق ذلك يشارك مناع في تمرير تعيينات محلية وأمنية وبعض العسكرية لموالين للجماعة وإبعاد كل المناوئين لها. تبقى تحركاته ونشاطاته المحدودة محكومة بأمزجة الجماعة، وتصل حد اضطراره للاستئذان من "الحاكم". ليس غريباً أن تستبدل شعارات "الموت" بالأعلام الوطنية الممنوعة هناك، وأن يستبدل طلاب المدارس النشيد الوطني بما تسمى "الصرخة" وتأكيد الولاء لأبناء بدر الدين الحوثي. لا يفرق مناع بين سجون الدولة وسجون الجماعة التي تحبس أنفاس المواطنين وتخضعهم لأشد أنواع التعذيب وتروع الأطفال وتطلق ضحاياها بعاهات دائمة وقاتلة. لقد طوع كل إمكانيات ومؤسسات الدولة في خدمة الجماعة وسيدها. يبقى بطل المسرحية شاهداً على ضعف وركاكة الدولة وافتقادها لمؤهلات اتخاذ القرار وفرض تنفيذه وبسط النفوذ على كل شبر في الوطن.. إنه أشبه بمراسل بين الجماعة وحكومة صنعاء. المنزل الخالي من العلم الوطني يحكي منزل فارس بحي مازدا بمنطقة الحصبة بصنعاء قصة أخرى من العلاقة الحميمة بينه والجماعة، حراسة المنزل -الذي لم يمس بأي أذى خلال الموجهات في الحصبة- يتجاوزون المائة فرد -ربما- يحملون شعارات الحوثي على أسلحتهم وأحزمتهم "الجنابي"، ولا وجود للعلم الوطني. ويقيم أثناء تواجده في صنعاء متنقلاً بين منزله بالحصبة ومنزله الواسع في منطقة حدة وتبته الشهيرة ب"تبة مناع" في منطقة السنينة غرب العاصمة.