عندما يقال إن لكل ثورة بلد خصوصيتها التي ترتبط بخصوصية ذلك البلد فذلك لا يعني إيجاد تعليلات أو تحليلات لتأخر أو فشل أو تطور تلك الثورة في أي منحى في ذلك البلد. وإنما فعلا لكل بلد خصوصيته من حيث الموقع والأعراق والطوائف الدينية والتاريخ الإنساني والحضاري. وحين نتأمل الثورة السورية ينتابنا الكثير من الحزن والصدمة نظرا لطول مدة تلك الثورة مقارنة بأخواتها وتأخر حسمها ولبشاعة ودموية نظامها في مقابل سلمية ورقي أصحابها وتمدنهم وبعدهم عن السلاح والعنف مقارنة باليمن كشعب مسلح، وأيضا وجهتها نحو ذلك المنحى الخطر الذي بدأ كحرب أهلية تأكل الأخضر واليابس. فهل كون سوريا بلد يتملكه نظام غاشم وظالم دخلت بسببه في أتون الحرب الكاسحة وذهبت البلاد والعباد كوقود متجدد لهذه الحرب، أم إن البلاد وطبيعتها العقائدية من اختلاف في المذاهب كان سببا حاضرا بقوة في نشوب واستمرار الحرب بكل هذه الوحشية والحقد العجيب! سنجد أن أغلب الثورات العربية وثورات العالم منيت بنظام غاشم وظالم لا يرحم أحدا ويقاتل بشراسة مميتة للحفاظ على بقائه مستخدما كل وسائل الحرب من خدعة وإبادة ومداهنة وافتراء. إلا أن كل تلك الثورات يبزغ فيها فجر الحرية مع خسائر بشرية وتدميرية أقل وفي وقت أقل نظرا لصمود الجميع أو الأغلب في خندق واحد ضد هذا النظام. ولكن في سوريا ووضع سوريا الخاص تختلف القصة والنهاية، ففيها القصة لم تعد قصة الحاكم المستبد أو الخائن العميل أو البائع للوطن، فقد أصبحت حرباً عقائدية بين فرقتين متضادتين كانتا كمن ينام على الجمر فنفخ فيه فأصبح نارا مستعرة بين حق وباطل. ولعل أقوى الحروب وأشدها وأبشع الإبادات البشرية وأقساها ما كان عقائديا أو عرقيا. وحين تأتي الأنظمة المدلسة لتحكي عن هذا الصراع على أنه ثورة ضد حاكم طاغية يجب أن يتنحى في النهاية فهي تجحف في حق بحور الدماء الذي أريقت وآلاف الأرواح التي أزهقت كونها فقط سنية وهي بانتظار القصاص لا التنحي. وكونها من طائفة مكروهة من النظام المدعوم من أكبر الدول المصدرة للإرهاب الديني (إيران) التي تقمع وتقتل كل من يخالفها مبتعدة عن سماحة الدين التي تدعي إنها تعتنقه. لعل أمريكا التي قررت أخيرا دعم الثورة السورية بعد أن وصل إلى مجال حسها الإنساني رائحة القتل بالسلاح المحظور والكيماوي قد لا تكون مهتمة بنجاح الثوار بل مهتمة أكثر بمن هم الثوار الذين سينجحون ويصلون ربما للسلطة. ونظام أمريكا كأي نظام دولي قاصر يأتي متأخرا عن وقته، ففي مناطق الصراع تنشط خلايا المجاهدين من القاعدة وهذا هو رعب أمريكا الحقيقي، وبالتالي فوجود نشاطهم يؤثر سلبا على الإسلام المعتدل الذي تسعى له سوريا، وتبدأ هنا مشكلة أي ثورة عربية وهو التدخل الأجنبي الغربي الذي يفرض شروطه وقرارته على سير الثورة، ونجد هذه الثورة إما تموت أو تصبح مشلولة كالثورة اليمنية. قد يبدو لنا أن أمريكا تقف إلى جوار الضعفاء أو تهتف بنصرة الشعوب المغلوبة، لكنها أبدا لا تفعل ذلك، وإنما تبحث عن مصلحتها الشخصية وتمشي وفق نظامها الداعم للمثل والقيم التي تحترم الحريات ظاهريا، لهذا هي مضطرة لدعم الثورات التحررية والتغييرية في موازنات تحفظ أمنها واستقرارها العالمي. وإلا فإن أمريكا من حيث ميلها إلى أي الفرق الدينية الطائفية فإنها تميل إلى الفكر الشيعي المغلوط والبعيد عن روح الإسلام الحقيقي الذي يشبه المسيحية المحرفة في مغالطاته. لنا أن نخشى من أي تدخل في مجرى الثورة السورية تحت أي ظرف، فأسود الشام قد أوشكوا أن يقطفوا ثمرة صبرهم لأكثر من ثلاث سنوات، فلماذا بعد كل تلك العذابات قرر العالم أن يساندهم؟ وماذا تعد أمريكا وإيران وروسيا من طبخة تحرم الثوار حلاوة النصر؟ إن الثورة السورية هي بداية النهاية، ومن أرض الشام ستنطلق ثورة تصحيحية تجوب العالم وليس الوطن العربي فحسب، لذا يخشى عليها من ضغوط الخارج والداخل ومن تدخلات الأصدقاء والأعداء ومن يريد بها شرا في ظاهره خير.