"تبدأ الحرية حيث ينتهي الجهل".. هوغو كما كان متوقعاً، نجح زعيم الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي في اختبار الحشد، لكنه رسب في اختبار الوطنية. نعم، صار لديه حشود كبيرة يستطيع أن يتباهى بها أمام العالم، لكن في المقابل هناك حشود ليست بالقليلة تعارضه وتقاومه، ما لم يفهمه السيسي أن لا أحد في هذا العالم الحر إلا ويحتقر حشود السلطة إلى أبعد مدى. حسناً، يمكننا أن نرى صورة مصر ما بعد الانقلاب لنتأكد كيف أنه لا يمكن أن تكون هناك سلطة انقلابية تحترم الحد الأدنى من الحقوق والحريات. في السنة التي حكم فيها محمد مرسي، لم تكن كل الأمور تسير بطريقة جيدة، لكن كان هناك ما يثير الإعجاب، لقد ظل ذلك الشخص الذي حاول اقتحام قصر الرئيس ب "الونش" حديث الصحافة المصرية لعدة أيام بوصفه قام بعمل شجاع. كان مرسي يحقق هذا النوع من الحرية التي قد تصل لرمي القصر الجمهوري بزجاجات "المولوتوف"، وقطع الطرق، واقتحام مقرات إدارات المحافظات، مهما كنت معترضاً على أداء مرسي، فإنك ستذكره كأحد أبرز بناة الحرية، هذه الحقيقة التي يود خصومه دفنها. أما في عهد السيسي، فلا توجد حرية إلا للذين يحتفلون مع جنوده بغزواته في رمسيس وميدان النهضة والنصب التذكاري، وأمام استراحة للحرس الجمهوري. يمكن أن يتحدث السيسي أمام شاشات التلفزيون بلغة رومانسية خادعة عن مصر المستقبل، لكن الحقيقة التي لا يريد تصديقها أنه لم يعد هناك ما يثير الإعجاب: قضاء مسيس، وشرطة باطشة، وإعلام عنصري يتكلم بصوت واحد وباستعلاء، ونخبة سياسية فاشية. مئات الشهداء والجرحى سقطوا منذ الانقلاب، ولا أحد يمكنه أن يشير بأصبعه إلى القاتل، إنها مصر الجديدة التي يتم فيها الحديث عن ثوار يناير بوصفهم مرتزقة، ويتم فيها اتهام الرئيس بالتخابر مع حركة حماس، مثل هذه الاتهامات لا توجد إلا في قاموس الانقلابيين. ربما يحتاج المصريون لبعض الوقت ليفهموا أن الانقلاب لا يمكن أن ينتج إلا الاستبداد، وها نحن نرى كيف أنه في عهد ديمقراطية العسكر فقط، يتكفل الصحفيون بتحريض وزارة الداخلية لارتكاب مزيد من المذابح بحق المعارضين للسلطة القائمة. إن الحرية المتاحة اليوم في مصر أن تنافق العسكر وتهاجم الضحية.