من قلب فندق موفمبيك بالعاصمة صنعاء، حيث تجري أعمال مؤتمر الحوار الوطني، أطلق رئيس فريق القضية الجنوبية القيادي في الحراك الجنوبي محمد علي أحمد، (25 يونيو) تصريحات مفاجئة غير معهودة عنه، دعا فيها إلى طي صفحة الماضي التي قال إنها "شوهت الوحدة العظيمة بالممارسات الخاطئة من قبل عناصر الظلم والطغيان والهيمنة وسرقة الثروات". بن علي قال في كلمة له بالمؤتمر إن المتحاورين جاءوا لحل الأزمة شمالا وجنوبا "ولم يحضروا للتعقيد والتعطيل". مضيفا: "نحن نعرف أن الظلم في الشمال أكثر من الجنوب". محمد علي، وهو الذي اتخذ خلال الفترة السابقة لذبك التاريخ مواقفا متشددة تفاوتت بين مطالب "الانفصال، فك الارتباط، استعادة الدولة، حق تقرير المصير،.."، وهي الفترة التي تمكن خلالها من البروز والصعود على حساب كيانات الحراك وتياراته، لدرجة احتكاره صفة تمثيل الحراك والجنوب أيضا. وفي آخر أيام شهر يوليو2013م أعلن الرجل وهو السياسي العصري العسكري القديم، من على منصة قاعة المركز الإعلامي لمؤتمر الحوار، أن الحراك الجنوبي "أتى إلى الحوار وهو يعلم أنه يحاور تحت سقف الوحدة"، مضيفا أن هدف الحراك من المشاركة في المؤتمر "هو الوصول إلى تحقيق وحدة حقيقية وفق عقد اجتماعي جديد، يقوم على العدالة والشراكة في السلطة والثروة". لكن التفاؤلات التي تخلقت من رحم تلك التصريحات لم تدم طويلا، فالرجل سريع التقلب وصاحب المواقف المتناقضة الأشبه بحجر النرد الذي يستخدم في ألعاب مفتوحة الاحتمالات عشوائية النتائج، لم يحتمل مرور كثير من الوقت ليعود لعادته مشترطا ما وصفه بالندية في الحوار مستعيدا الحديث حول "استعادة الدولة". بعث محمد علي من محل إقامته بالعاصمة البريطانية التي يمتلك الجنسية البريطانية، منتصف أغسطس المنصرم، رسالة مطولة إلى الرئيس هادي ورئاسة مؤتمر الحوار مدججة بشروط معقدة للعودة إلى الحوار. من بين تلك الشروط: أن ينتقل الحوار إلى تفاوض ندي بين الشمال والجنوب "وحق شعبنا في تقرير مصيره واستعادة دولته الجنوبية المستقلة كاملة السيادة على حدود 1990م وعاصمتها عدن.. نقل عملية التفاوض إلى دولة محايدة". وعاد ليقول إن الهدف من المشاركة في الحوار هو "إثبات عدالة قضيتنا وتحقيق هدف شعبنا في الجنوب الذي ناضل وقدم في سبيل ذلك الشهداء والجرحى". وتابع متعهدا: على الجميع أن يثقوا بأننا لن نساوم ولن نتراجع عن هدفنا وخيارنا الذي يرتضيه شعبنا وإن موقفنا وخيارنا واضح وهذا قرار لن نتراجع عنه". وتحت ضغوط محلية وخارجية عاد بن علي إلى صنعاء، وعقد سلسلة لقاءات لا تزال تبارح مكانها حتى اليوم. ودعا بن علي، السبت الماضي، الأعضاء المشاركين في الحوار باسم الحراك الجنوبي لعدم العودة إلى "عدم الالتفات لأي دعوات مشبوهة للعودة إلى جلسات مؤتمر الحوار والاستمرار بموقفهم حتى يتم تنفيذ مطالبهم التي تضمنتها الرسالة". وأضاف في تصريح صحفي "أدعو الجنوبيين المشاركين في الحوار باسم الحراك الجنوبي إلى التمسك بموقفهم حتى يتم تنفيذ مطالبهم وتوجه لهم دعوة رسمية من قبل قيادة المؤتمر الوطني لشعب الجنوب". وتتحدث معلومات حصلت عليها "الأهالي" عن تقديم بن علي حزمة من الاشتراطات لمنحه والقيادات المقربة منه والمحسوبة عليه حصصا من المناصب القيادية العسكرية والمدنية العليا في أي محاصصة قادمة. المعلومات ذاتها أفادت أن بن علي اشترط على الرئيس هادي منحه: 4 وزراء، 4 محافظين، منطقة عسكرية وقيادة عدد من ألوية الجيش، شركة نفط، شركة اتصالات.. لكن هادي رفض تلك الشروط، الأمر الذي تسبب في تمسك بن علي بموقفه والاستمرار في مقاطعة الحوار. *** حضور في صنعاء وغياب في عدن مقابل الحضور الذي حققه خلال الفترة الماضية يشهد مؤتمر بن علي انقساما يهدد بتفككه. ويواصل عددا من أعضاء المؤتمر حضور جلست الحوار رافضين تعليق المشاركة، من بينهم: ياسين مكاوي.. في وقت يغيب أعضاء عن الحوار ملتزمين الصمت، من بينهم: تمام وهشام باشراحيل. وانسحب العميد خالد باراس، نائب رئيس مؤتمر شعب الجنوب، من فريق الحراك وانضم إلى المطالبين بإقليم شرقي. هناك تناقضا في تصريحات ومواقف مكون الحراك من التطورات الأخيرة في المؤتمر. تصريحات المسئول الاعلامي لمؤتمر الجنوب أحمد القنع، تؤكد التشققات داخل التكتل.. القنع قال في تصريحات له إن هناك "استنساخ واضح داخل الحوار، وهناك أيدي وقوى تريد أن تجعل جنوبيين منتمين لأحزاب سياسية هم البديل في حالة عدم مواصلة مكون الحراك في الحوار". ومقابل الحضور الإعلامي والأدوار التي يلعبها محمد علي، على المستوى السياسي في صنعاء مستندا إلى فصيل الحراك الذي يقوده والأموال التي بيده وتحت تصرفه والإسناد اللوجيستي من اللجان الشعبية، إلا أن الرجل يفتقد إلى الحضور الشعبي في المحافظات الجنوبية، فجماهيريته تكاد تكون منعدمة، إنه لا يستطيع أن يقيم مهرجانا ولا يستطيع أن يلقي خطابا في فعالية جماهيرية أو يحرك مظاهرة أو مسيرة في عدن أو محافظة جنوبية أخرى. *** الملياردير الذي عاد بتذكرة دين يصف السفير عبدالوهاب طواف، محمد علي أحمد، بالملياردير الذي عاد من بريطانيا بتذكرة دين. طواف، وهو سفير سابق لليمن في سوريا ورئيس اللجنة التحضيرية للحراك الشمالي، كشف مؤخرا تسلم بن علي "منذ بداية رمضان مائة وخمسون مليون ريال، إضافة لمستحقات خمسة ألف فرد بما يسمى اللجان الشعبية لأبينوعدن.. ومع ذلك كل يوم يهدد بالانفصال". وأضاف طواف في حائطه على الفيس بوك أن بن علي يتسلم اعتمادا شهريا ثلاثمائة ألف دولار (ما يعادل 64 مليون و500 ألف ريال يمني). *** تمتلك ترسانة من الأسلحة وتتلقى أموالا ضخمة، وبين كشوفاتها مئات الأسماء الوهمية.. اللجان الشعبية.. ذراع للنفوذ أوكل لمحمد علي، وهو شخصية عسكرية، مهمة الإشراف على اللجان الشعبية التي شكلت في محافظتي أبين وشبوة ومحافظات أخرى خلال المواجهات التي بدأت في 12 مايو 2012 واستمرت لأكثر من شهر بين الجيش وعناصر "أنصار الشريعة" التابعة لتنظيم القاعدة. وتمتلك اللجان الشعبية التي شكلت بهدف مساندة الجيش ترسانة من الأسلحة المختلفة ولا تزال تفرض سيطرتها على كثير من المناطق في أبين ومناطق أخرى وتقوم بمهام الجيش والأمن والسلطة المحلية. وكانت تلك اللجان -ولا تزال- محلا للمخاوف من تحولها إلى جماعات مسلحة وإلى ذراع عسكري لقوى الانفصال. وسبق وصدرت توجيهات عسكرية بتجنيد عناصر تلك اللجان وضمهم إلى وحدات الجيش. ومقابل النفوذ الكبير الذي تلعبه تتلقى اللجان الشعبية التي تضم آلاف المجندين أموالا ضخمة. وسبق وتحدثت معلومات عن تلقيها مليار ريال شهرياً من إحدى دول الجوار وأن عدد الأسماء الوهمية في كشوفات اللجان تزيد عن ال20 ألف. **** فر مع "الزمرة" إلى صنعاء وعاد إلى عدن كوسيط.. لكنه انضم إلى "الطغمة" وقاتل مع البيض حتى النهاية، ليعود مجددا إلى صنعاء بعد أقل من شهر من تولي هادي الحكم.. العودة إلى «الزمرة» مساء يوم الاثنين ال 26 مارس 2012، كان اللواء الركن ناصر منصور هادي وكيل جهاز الأمن السياسي، شقيق الرئيس هادي، يقف في صالة الاستقبال بمطار عدن منتظرا وصول أحد أعضاء قائمة ال(16) المحكومين بالإعدام المشمولين بعفو رئاسي، محمد علي أحمد العوذلي، وهو من مواليد 1940م قرية امشعه بمديرية لودر محافظة أبين، الذي عاد بعد غياب لنحو 18 عاماً. انتقل بن علي برفقة شخصيات من أبين وتحت حراسة أمنية مشددة إلى منزله في منطقة جبل هيل بمديرية التواهي مدينة عدن. قال يومها إنه كلف بالنزول لعقد لقاءات مع الجنوبيين لتأسيس هيئات للمجلس الوطني الجنوبي، نافيا إن تكون عودته مرتبطة بالحوار الوطني. عودة بن علي جاءت في وقت كانت الخلافات والتباينات بين قوى ومكونات الحراك وصلت ذروتها، وبعد أقل من شهر على انتخاب هادي رئيسا توافقيا (فبراير 2012). كان بن علي، عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني، أحد قيادات تيار "الزمرة" بقيادة علي ناصر محمد، ورفقة عبدربه منصور وقيادات عسكرية ومدنية بارزة، التي كانت تحكم في جنوب البلاد وفرت إلى صنعاء (الشمال سابقا) إبان أحداث يناير 86م الدامية. وتتحدث معلومات أن محمد علي عاد إلى عدن في إطار وساطة تم اختياره لها، لكنه لم يعد وانضم إلى تيار "الطغمة" التي يتزعمها علي سالم البيض الذي كان يحكم في الجنوب آنذاك. عين بن علي محافظا لمحافظة أبين قبل عام 90م ثم عين وزيرا للداخلية في حكومة الانفصال، ليكون بعد ذلك أحد القيادات العسكرية التي قاتلت في صف الانفصال حتى اللحظات الأخيرة قبل أن يتمكن من الفرار عبر البحر. ورافق عودة بن علي حديث عن إعادة تحالفات "الزمرة"، وأن عودته جاءت برغبة رئاسية رأت أنه الرجل الأنسب للعب مهمة تكتيكية تتركز فصولها في تفريخ مكونات الحراك، وتشكيل كيانا جديدا للانخراط في العملية الانتقالية والمشاركة في الحوار الوطني. وتم الإعلان (الثلاثاء 18 ديسمبر 2012) عن إنشاء المؤتمر الوطني لشعب الجنوب برئاسة رجل الأعمال أحمد الصريمة ونيابة بن علي. وأقرت الهيئات القيادية للمؤتمر (7 مايو) تكليف محمد علي بالقيام بمهام رئيس المؤتمر، وتم اختياره رئيسا لفريق القضية الجنوبية، بعد إعلان الصريمة انسحابه من الحوار ومغادرته إلى سلطنة عمان. ويضم التكتل عددا كبيرا من ممثلي الحراك في مؤتمر الحوار