لم تكن القوات البرية اليمنية بمعزل عن العبث والفساد الذي ينخر صلب المؤسسة العسكرية؛ بل كانت أكثر جهة تطالها يد المخرّبين والمتاجرين، وكثيراً ما استرضى الرئيس صالح شيوخ القبائل بتعيينهم أو تعيين أنجالهم قادة لمعسكرات ووحدات عسكرية، وأحياناً كان يبعث لهم كميات ضخمة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة كهدايا لكسب ولائهم أو لكف شرّهم، ومن النادر أن تجد في اليمن شيخاً قبلياً لا يحمل السلاح بعشرات المرافقين، بل إن معظمهم يتسلّم معونات مالية شهرية تُصرف لهم آنذاك من رئاسة الجمهورية، رغم ما يتقاضونه من أموال عبر “مصلحة شؤون القبائل ” وهي هيئة تصرف أموالاً للشيوخ فقط دون مسوغ قانوني أو أخلاقي، وطالما طالب شباب ثورة التغيير بإسقاط تلك المصلحة العنصرية، إلا أن شيوخ القبائل المؤيدين للثورة والمناصرين لنظام الرئيس السابق اتفقوا على بقاء المصلحة التي تدرُّ عليهم الأموال..!!. وبالغ نظام الرئيس السابق باسترضاء شيوخ القبائل، ووصل الأمر إلى اعتماد ميزانية معسكرات وكتائب متفرغة لحراستهم، من ذلك تقاضي الشيخ الراحل عبدالله الأحمر مستحقات 3000 جندي هم قوام لواء الزبيري المتفرّغ لحراسته. وفي منتصف العام الجاري قال الرئيس هادي إنه يوجد أكثر من 100 ألف اسم جندي وهمي في القوات البرية يتقاضى رواتبهم وأسلحتهم قادة تلك الوحدات العسكرية، وأعلنت وزارة الدفاع وجود 50 ألف اسم وهمي في قوات الحرس الجمهوري، ولم تعلن الرقم الوهمي في قوات الفرقة الأولى مدرّع سابقاً التي كان يقودها اللواء علي محسن الأحمر، قائد ومؤسس الجيش المؤيد لثورة التغيير. التعقيدات الكبيرة والمتداخلة في القوات البرية اليمنية جعلت الرئيس هادي يستعين بخبرات أمريكية وأردنية لإعادة هيكلة الجيش، وإنهاء الاقتسام الحاصل داخله بين قائد الحرس الجمهوري سابقاً العميد أحمد نجل الرئيس السابق، وقائد الفرقة الأولى مدرّع سابقاً اللواء علي محسن، وأفرزت الهيكلة عن إلغاء التسميتين: «الحرس والفرقة» وتقسيم القوات البرية إلى سبع مناطق عسكرية، وتوحيد لباسها وإلحاقها بوزير الدفاع مباشرة. ووفقاً للهيكلة المعلنة في أبريل تم تعيين العميد أحمد علي، سفيراً لليمن لدى دولة الإمارات، وتعيين اللواء محسن، مستشاراً لرئيس الجمهورية لشؤون الدفاع والأمن. الترهُّل في إدارة القوات البرية كان ولداً شرعياً للفساد، وقاد إلى إهمال مخازن وزارة الدفاع، وتم بيع جزء من سلاح الدولة إلى مؤسسة القبيلة، وكلما فاحت رائحة فساد جاءت انفجارات المخازن لتغطّي عليها حتى كثرت وتكاثرت «من انفجار مخزن جبل حديد بعدن، إلى انفجارين في مخازن جبل نقم بصنعاء، إلى مخازن الصواريخ بمقر الفرقة الأولى مدرّع سابقاً». وفي ديسمبر الماضي قال وزير الدفاع اللواء محمد ناصر أحمد إنه لا يوجد غير 10 % من قوام عتاد اللواء الأول حرس جمهوري، والبقية تم نهبها، وهو ما يستدعي خطوات عاجلة لإعادة النظر في قرارات الهيكلة، وإيقاف نزيف المؤسسة العسكرية. [email protected]