مضامين المرحلة الألى من اتفاق وقف اطلاق النار بغزة..وما سيليها    غزة بين نيران الحرب وصفقات السلام هل يعيد اتفاق ترامب تشكيل وجه المنطقة    المنتخبات المتأهلة لكأس العالم 2026    مباراة مصيرية لليمن ضد بروناي في تصفيات كأس آسيا 2027    ناشط يتهم سلطة الأمر الواقع في تعز بإصدار توجيهات بتصفيته وأسرته    تواصل محادثات شرم الشيخ بشأن غزة.. وأنباء عن تقدم إيجابي وسط انضمام وفود فصائل فلسطينية    الاعتداء على فعالية نسائية بالمكلا.. الانتقالي يتبنى نهجاً معادياً للسياسة    لابورتا: مباراة برشلونة في ميامي ستكون استثنائية    البرلمان الإسباني يُقرّ قانوناً يحظر تصدير الأسلحة ل"إسرائيل"    المقالح: انفصاليو الشمال غضبوا من الدعوة لانضمام تعز إلى الجنوب    الفنان أحمد الحبيشي يدخل العناية المركزة في أحد مستشفيات صنعاء    دوغاريك يعلن إفراج سلطة صنعاء عن موظف أممي    منتخب مصر يتأهل إلى كأس العالم 2026    وقفة في أمانة العاصمة بالذكرى التاسعة لجريمة استهداف الصالة الكبرى    اليمن يواجه بروناي بالزي الاحمر    اتحاد الأكاديميين العرب يمنح عضويته للدكتور ناجي الشدادي ويكلفه بإدارة فرع المركز العربي للتنمية الزراعية والبيئية باليمن    جنوبيون يدعون للاحتشاد في الضالع وحضرموت تلبيةً لدعوة الرئيس عيدروس الزُبيدي    صاعقة رعدية تودي بحياة مواطن في الزهرة بالحديدة    شركة المقبلي للطاقة المتجددة الراعي الذهبي للمعرض الثاني للطاقة الشمسية والري الحديث بصنعاء    فعالية خطابية في صنعاء بأربعينية الشهيد الدكتور رضوان الرباعي    نقابة فلسطينية تطالب بمحاسبة إسرائيل على جرائمها بحق الصحفيين    هاني البيض يطعن الجنوب ويبيع تضحيات أبيه من أجل وهم الوحدة    منتخبنا الوطني الأول أمام بروناي غدًا في الدور النهائي للتصفيات الآسيوية    المتحذلق الذي رأى وهمه حقيقة    فريق كتائب القسام يحرز كأس ذكرى عملية "طوفان الأقصى"    مكتب التجارة يواصل حملته الرقابية لضبط الأسعار في المنصورة    محافظ حضرموت ومؤسسة الكهرباء يبحثان احتياجات قطاع التوليد    بن بريك: استئناف المشاورات مع صندوق النقد خطوة لإعادة الثقة بالمؤسسات الاقتصادية اليمنية    الرئيس الزُبيدي يُعزّي في وفاة الشيخ كمال الجبني    تنفيذي جحاف يبحث الاستعدادات للاحتفال بذكرى 14 أكتوبر    منسقية كلية الحاسبات بجامعة حضرموت تختتم برنامج الطريق إلى سوق العمل التقني    إطلاق خارطة طريق علمية لمواجهة التحديات المناخية والبيئية في عدن    لو سمحتوا أعيدوا العصا الى يد المعلم؟ المجتمع في خطر    اجتماع بهيئة المواصفات يناقش سبل تطوير الأداء المؤسسي    "دبور الجولان" يقتل جندي إسرائيلي    تقرير أمريكي: إيران تزود الحوثي بأسلحة متطورة وحرب اليمن مستمرة    بعد 12 عاماً من الملاحقة القضائية.. تفاصيل جديدة في محاكمة فضل شاكر    ضبط المتورطين في تفجير قنبلة بجوار منزل وكيل النيابة في يريم    مستجدات المحادثات حول خطة ترامب لإنهاء حرب غزة    صباح الخير يارفيق ماجد زايد    السفيرة البريطانية: سلطات صنعاء تؤجج الأزمة الإنسانية وتعرقل المساعدات    من "لا يقاتل لن يلعب" - و"الغروريقتل النجاح" دروس فيلك بعد الهزيمة؟!    جامعة البيضاء تدشن أعمال المؤتمر العلمي السادس "البيئة في القرن ال 21"    النفط يواصل الارتفاع بعد زيادة إنتاج (أوبك+)    الرمان... الفاكهة الأغنى بالفوائد الصحية عصيره يخفض ضغط الدم... وبذوره لها خصائص مضادة للالتهابات    ما فوائد تناول المغنيسيوم وفيتامين «بي-6» معاً؟    حين أضاعوا الجنوب وراحوا ينتظرونه محملًا بأحلامهم    اليهود في القرآن...!!    إِنَّا عَلَى العَهْدِ    مرض الفشل الكلوي (22)    محمد عبده الفنان السادس على مسرح البواردي    وادي التماثيل في جزيرة قشم.. بقايا ظواهر رسوبية وجدران طبيعية مذهلة    كاد تهرب المسؤول أن يكون كفرا    جريمة قتل جماعي قرب حقل مياه عدن.. دفن نفايات شديدة الخطورة في لحج    مأرب.. تكريم الفائزين بمسابقة شاعر المطارح    بدء توزيع الزكاة العينية للأسر الفقيرة في مديرية اللحية    رئيس إصلاح المهرة يدعو إلى الاهتمام بالموروث الثقافي واللغوي المهري    في 2007 كان الجنوب يعاني من صراع القيادات.. اليوم أنتقل العلة إلى اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين يتحوّل السكن إلى أزمة .. مغالاة الإيجارات في إب وغياب آليات الضبط الرسمية
نشر في يمنات يوم 05 - 07 - 2025

في إب، المدينة الخضراء التي طالما تغنّى بها اليمنيون، تعيش آلاف الأسر تحت وطأة أزمة سكنية خانقة، لم تعد تخفى على أحد. الإيجارات في تصاعد مستمر، والأعباء تثقل كاهل المواطنين في ظل ظروف اقتصادية صعبة، وغياب أنظمة رقابية فاعلة تضبط الأسعار وتضع معايير عادلة للتأجير.
شقق متواضعة في أطراف المدينة تُعرض بإيجارات تصل إلى 100 أو 140 ألف ريال شهريًا، دون احتساب الماء أو الكهرباء، وكلاهما من القطاع الخاص وبأسعار باهظة. ما جعل السكن – أحد الحقوق الأساسية للمواطن – خارج متناول شرائح واسعة من المجتمع.
ولا يقتصر الأمر على ارتفاع الأرقام، بل يمتد إلى ما يصفه البعض ب"شروط قاسية": دفع عدة أشهر مقدمًا، ودون عقد قانوني منصف، في ظل محدودية التدخل المؤسسي لحماية حقوق المؤجر والمستأجر معًا.
فراغ تشريعي أم قصور في التنظيم؟
الواقع يُظهر أن ما يجري في سوق الإيجارات ليس بالضرورة نتيجة قرار سياسي، بل قد يكون انعكاسًا لفراغ تشريعي، وغياب آليات ضابطة للسوق العقاري، في مرحلة طارئة تمر بها البلاد، أضعفت فيها الحرب القدرة الإدارية للدولة وأثّرت على فاعلية أجهزتها الخدمية.
لقد أتاح هذا الفراغ – عن قصد أو عن غير قصد – الفرصة لعدد من الملاك والدلالين لفرض رسوم عالية، تصل أحيانًا إلى نصف مليون ريال كمبلغ أولي لاستئجار شقة صغيرة، تشمل الإيجار، التأمين، و"دلالة" السمسار.
وما يزيد من صعوبة الوضع، اشتراط ضمانات تجارية لا تتوفر إلا لفئة محددة، ما يفتح الباب لممارسات تمييزية غير مقصودة ضد محدودي الدخل، ويجعل من أزمة السكن أزمة مركبة تمس الكرامة المعيشية والاجتماعية للمواطن.
الأجهزة الرقابية مدعوّة للتدخل الإيجابي
في ظل هذا الواقع، تُطرح تساؤلات مشروعة عن دور الأجهزة الرقابية والتنظيمية، وسبل تفعيل مبدأ التوازن بين الحقوق والواجبات في سوق السكن.
إذ يُفترض – بحسب قواعد الإدارة العامة – أن يكون للدولة دور تنظيمي لا يتعارض مع اقتصاد السوق، لكنها تُسهم في حماية المستأجر من الاستغلال، كما تحمي المؤجر من التعثر، عبر تشريعات واضحة وآليات تطبيق فعالة.
السكن مسؤولية اجتماعية قبل أن يكون سلعة
ما ينبغي التذكير به أن السكن ليس مجرد معاملة تجارية، بل هو أحد أساسيات الحياة الكريمة، ومؤشر على مدى التماسك الاجتماعي. وارتفاع الإيجارات بشكل غير منضبط قد يقود إلى آثار اجتماعية واقتصادية سلبية، لا تتوقف عند اضطراب معيشة الفرد، بل تمتد إلى تهديد الاستقرار الأسري والمجتمعي.
ويأمل المواطنون أن تبادر الجهات المختصة لوضع معايير عادلة تحد من الانفلات السعري، بما يراعي الظرف الاقتصادي الاستثنائي للبلد، ولا يُثقل كاهل المواطن البسيط، ولا في الوقت نفسه يجحف بحقوق المالك.
نحو مراجعة شاملة
اطّلعت قناة بوابة القانون والقضاء اليمني على نماذج من عقود إيجار وُصفت بأنها تفتقر إلى التوازن القانوني، حيث يُفرض على المستأجر شروط تجديد سنوية تُمكّن المؤجر من رفع الإيجار أو إنهاء العلاقة التعاقدية بسهولة، دون ضمانات كافية للطرف الأضعف.
ويُضاف إلى ذلك ما يُتداول عن امتناع بعض الملاك عن تأجير مساكنهم لموظفي الدولة، ومنهم القضاة، خشية تعثرهم في السداد في ظل توقف المرتبات. هذا ما يستدعي – من باب المسؤولية الوطنية – تدخلًا من الجهات المعنية لإعادة الثقة بين جميع أطراف المعادلة.
خسارة لا تُقاس بالمال
لطالما كانت محافظة إب مهوى أفئدة الزائرين، تُستقبل بالترحاب كما تُستقبل الغيوم، ويُحتفى بالضيف فيها كما يُحتفى بالقَطر بعد القحط. كانت تُعرف بكرمها لا بأسواقها، وبأهلها لا بعقاراتها، وكانت تُضرب بها الأمثال في الضيافة لا في المضاربة.
أما اليوم، ومع تفشي المغالاة في الإيجارات، وغياب التراحم بين السكان، تفقد إب تدريجيًا هذه السمعة التي كانت تاجًا على جبينها. لم تعد المحافظة كما كانت؛ الوجه الباسم لليمن، بل تحوّلت عند البعض إلى سوق مغلقة على الربح المجرد، لا تسأل من الذي يدفع، ولا كيف.
وهذه خسارة لا تُقاس بالريال، بل تُقاس بما يتسرّب من القيم، وبما يتفتت من المروءات في زحمة اللهاث وراء العائد السريع. فالمكان الذي يفقد صفاته الأخلاقية، يفقد معه تاريخه، وهويته، ومكانته في وجدان الناس.
أخلاق الاستثمار
ليس السكن مجرد استثمار عقاري، وليس العائد الإيجاري مكسبًا صرفًا في ظرف كهذا. في بيئة يعيش فيها غالبية المواطنين تحت خط الحاجة، يتحوّل التسعير المجحف إلى فعل خارج عن نطاق التوازن المدني، ويقترب – وإن لم يُقصد – من حدود الاستغلال البشري.
في مدينة إب، وغيرها من المدن، أصبحت القيمة الإيجارية المفروضة على الشقق السكنية تُقتطع لا من فائض الدخل، بل من أساسيات الحياة: من ثمن الرغيف، ودواء الطفل، ونفقة المرأة، ومصاريف الدراسة. فالأجرة الشهرية التي تُقرّ بعين المالك من الخارج، تُجمع هنا من قوت الداخل، على هيئة دين، أو إذلال، أو حرمان.
من هنا، فإن المسؤولية لم تعد قانونية فقط، بل أخلاقية قبل كل شيء. فمن يملك العقار، يملك – بحكم الواقع – جزءًا من مصير من يسكنه، وعليه أن يدرك أن كل تسعيرة مبالغ فيها قد تعني ليلة جوع، أو انسحاب طفل من المدرسة، أو أمًا مضطرة لتختار بين دوائها وإيجار سقف يؤويها.
وليس من المقبول – في بلد تخلّت فيه الدولة مرحليًا عن ضبط السوق – أن يتحول غياب القانون إلى مبرر لتغوّل الأسعار. فحيث يغيب التنظيم الرسمي، يجب أن يُستدعى الضمير. وحيث تتعطل الرقابة، ينبغي أن يحكم المالك ضميره لا شهوته في الربح.
وهنا تبرز الإشارة – بلا تعميم – إلى بعض المغتربين من ملاك العقارات، ممن يتلقون تحويلاتهم شهريًا دون أن يسألوا أنفسهم: كيف دُفعت؟ وما الذي اقتُطع من حياة الناس ليُرسل إليهم هذا العائد؟ في بلد كاليمن، الاستثمار العقاري لا يخلو من وجه اجتماعي، ومن يرفض رؤيته، ينتهي به الأمر – من حيث لا يدري – إلى المتاجرة بأوجاع الناس.
والدعوة ليست للإعفاء ولا للتبرع، بل للحد من المغالاة، وللتفكير بمفهوم الربح المعقول، الذي يحترم كرامة الإنسان، ويضمن استقرار المجتمع، ويمنح المستثمر ربحه دون أن يسلب من الآخرين شرط بقاءهم.
ما تحتاجه اليمن اليوم ليس فقط استثمارًا في المال، بل استثمارًا في الأخلاق.
والأوطان لا تُبنى بجدران تملؤها الأرباح، بل بضمائر تُبقي الإنسان في صلب المعادلة.
المصدر: قناة بوابة القانون والقضاء اليمني على التلغرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.