منذ أن اشتعل فتيل السابع من أكتوبر قبل عامين دخلت غزة في أتون مواجهة مفتوحة مع الاحتلال الإسرائيلي مواجهة حملت وجوهًا متعددة من القتال إلى الحصار إلى الدمار الكارثي لكنها لم تنجح في فرض واقع جديد على الأرض اليوم وبعد مرور عامين على تلك اللحظة التاريخية تعلن الوساطات الدولية عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يدخل حيّز التنفيذ عند الساعة الثانية عشرة من ظهر اليوم فيما يُنظر إليه كتحول استراتيجي يحمل في طياته فرصًا وتحديات المفاجئ في هذا الاتفاق ليس فقط مضمونه بل الشخصية التي تتصدر مشهده السياسي إذ يعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الواجهة من بوابة غزة حاملًا خطة معقدة وتصورًا جديدًا لما سماه السلام الحقيقي في الشرق الأوسط ويبدو أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه جاء بعد سلسلة من المفاوضات المكثفة بين أطراف إقليمية ودولية أبرزها مصر وقطر وتركيا والولايات المتحدة في ظل تعقيدات ميدانية وإنسانية شديدة التعقيد حركة حماس من جهتها رحبت بالاتفاق باعتباره ثمرة لصمود الشعب الفلسطيني وصبره الأسطوري واعتبر عضو المكتب السياسي عزت الرشق أن ما فشل الاحتلال في تحقيقه بالإبادة لم يتمكن من تحقيقه بالتفاوض مؤكدًا أن الاتفاق ليس منّة من أحد بل هو تتويج لإنجاز المقاومة في السابع من أكتوبر وأوضح أن الحركة كانت تضع عيونها وقلوبها على غزة طوال مراحل التفاوض وأن الدماء الزكية التي سالت لن تُفرط فيها القيادة الفلسطينية تحت أي ظرف أما القيادي موسى أبو مرزوق فقد كان أكثر وضوحًا إذ أكد أن حماس لن تلقي السلاح طالما أن الاحتلال لا يزال قائمًا وأن أي حديث عن إدارة غزة وإعادة إعمارها يجب أن يكون ضمن توافق وطني فلسطيني لا بإملاءات خارجية وهو موقف يؤكد أن الحركة ترى في وقف إطلاق النار خطوة مؤقتة وليست نهاية لمسار المقاومة وأنها ترفض تحويل الهدنة إلى وسيلة لفرض شروط سياسية من خارج السياق الوطني في المقابل يطرح ترامب خطة مثيرة للجدل تتألف من عشرين بندًا تتضمن انسحابًا جزئيًا للقوات الإسرائيلية بنسبة سبعين في المئة من غزة يتبعه انسحاب كامل في مراحل لاحقة في حال تنفيذ الالتزامات المقابلة من الجانب الفلسطيني كما تتضمن الخطة تشكيل مجلس سلام دولي يقوده ترامب بنفسه يشرف على مرحلة إعادة الإعمار بالإضافة إلى عفو دولي مشروط عن عناصر من حماس ممن يعلنون تخليهم عن السلاح والانخراط في الإدارة المدنية للقطاع هذا التصور الذي يقدمه ترامب لقي دعمًا أوروبيًا وتركيًا حيث عبّرت ألمانيا عن دعمها للمقترح واعتبرته خطوة في الاتجاه الصحيح فيما أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه تفاهم مع ترامب حول مبادئ الحل العادل للقضية الفلسطينية لكنه أكد أيضًا أن السلام لن يكتمل دون إنهاء الاحتلال وضمان حقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة في هذا السياق ينتظر أن يشهد معبر رفح تحركًا خلال الساعات المقبلة حيث أعلنت مصادر ميدانية أنه سيتم فتحه ذهابًا وإيابًا أمام الجرحى والمرضى كخطوة إنسانية أولى تمهيدًا لتنفيذ بنود الاتفاق وهو أول اختبار عملي لجدية الالتزام بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه غير أن المشهد لا يخلو من التحديات إذ تبقى الفجوة كبيرة بين رؤية المقاومة التي ترى في السلاح ضمانًا للبقاء وورقة ضغط سياسية وبين الأطراف الدولية التي تحاول خلق واقع جديد في غزة بعيدًا عن منطق المقاومة ومرتكزًا على مشاريع إعادة إعمار مشروطة بترتيبات أمنية صارمة في ظل هذا التباين تبرز ثلاثة سيناريوهات محتملة للمستقبل القريب الأول أن يؤدي الاتفاق إلى سلام فعلي طويل الأمد في حال حدوث توافق سياسي واسع والثاني أن يتحول إلى هدنة طويلة مشروطة بالتهدئة مقابل المساعدات أما الثالث وهو الأخطر فهو انهيار الاتفاق وعودة التصعيد في حال فشل التنفيذ أو استمرار الاستفزازات على الأرض في المحصلة فإن الاتفاق وإن كان يفتح نافذة أمل للمدنيين في غزة إلا أنه لا يلغي الأسئلة الكبرى المتعلقة بمصير المقاومة ومستقبل القضية الفلسطينية كما أنه يضع الأطراف أمام اختبار صعب حول مدى استعدادهم للانتقال من مربع النار إلى مربع التفاوض دون التفريط بالثوابت أو السماح بتحويل المعاناة إلى مكسب انتخابي أو سياسي لأي طرف يبقى أن نتابع الساعات القادمة بعين يقظة فربما تكون هذه اللحظة بداية تحوّل حقيقي وربما تكون مجرد استراحة قبل عاصفة جديدة هل ستكون غزة هذه المرة مع نهاية للنفق أم أن الضوء الموعود لا يزال بعيد المنال