لم يغب عن ذاكرة الجنوبيين، وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود، سجل الانتهاكات والانقضاض العسكري والسياسي الذي مارسه حزب الإصلاح (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن) منذ اجتياح الجنوب عام 1994م. حيث لم تقتصر جرائم الحزب على تدمير البنية التحتية ونهب ثروات الدولة، بل تعدّت ذلك إلى تصدير الإرهاب وزرع خلاياه في عمق الجنوب، مستهدفًا العسكريين والمدنيين على حد سواء. وفي الوقت الذي كانت فيه التحذيرات الجنوبية تتعالى منذ سنوات من خطورة توظيف الإرهابيين ضمن مؤسسات الدولة، عاد إلى الواجهة اسم العميد أمجد خالد، القائد السابق لما يُعرف ب"لواء النقل" في الحماية الرئاسية، كواحد من أبرز المتورطين في عمليات إرهابية مدعومة من حزب الإصلاح، وفق تقارير أمنية وإفادات رسمية.
تسريبات تفضح المستور فجّر أمجد خالد، أواخر يونيو المنصرم، قنبلة سياسية من العيار الثقيل، بعد ظهوره في مقطع فيديو مصوّر يهدد بكشف ما وصفه ب"التفاهمات" والصفقات السرية مع قيادات حزب الإصلاح، في حال لم يتحرك الحزب سريعًا لاحتواء الموقف. وقال خالد: "لدي عهود واتفاقات موثّقة مع الإخوة في حزب الإصلاح، من أكبر قيادي إلى أصغر عنصر، وإذا لم يتم لملمة الأمور فسأكشفها للناس حتى لا يُقال إننا خرجنا عن طوع مشايخنا وقيادتنا". هذه التسريبات وضعت حزب الإصلاح في موقف حرج، خصوصًا أنها جاءت على لسان أحد أبرز أدواته في الجنوب، والذي لطالما حظي برعاية سياسية وأمنية وعسكرية مباشرة. من الحماية إلى التخلّي.. نهاية ورقة محترقة وبالرغم من أن حزب الإصلاح ظل لسنوات يحمي أمجد خالد، ويوفر له الغطاء الرسمي والملاذ الآمن في مناطق سيطرته، إلا أن الأمر تغيّر بشكل مفاجئ بعد انكشاف العلاقة بينه وبين مليشيات الحوثي. حيث سارع الحزب إلى التنصل منه، بل وبدأت وسائل إعلامه بشن حملة لإدانته، في محاولة لتقديمه ك"كبش فداء" لتبرئة الحزب من التورط المباشر في دعم الإرهاب. وبحسب مصادر أمنية، فقد سهّل حزب الإصلاح خروج أمجد خالد وعدد من عناصره إلى مناطق الحوثيين، وتحديدًا في تعز، بعد طرده من عدن إثر سلسلة عمليات إرهابية، وجرى استقباله في قرية "التربة" التي تعد أحد المعاقل الإخوانية. سجل دموي موثق يمتلك أمجد خالد سجلًا حافلًا بالجرائم والانتهاكات، حيث بدأت أولى فصولها عام 2019م، عندما عثرت قوات الأمن في عدن على جثامين ثلاثة جنود داخل منزله في مديرية دار سعد. ومنذ ذلك الحين، ارتبط اسمه بعمليات اغتيال وتفجير استهدفت قيادات أمنية وعسكرية ومدنيين وإعلاميين جنوبيين. اللجنة الأمنية العليا كانت قد كشفت عن إدارة خالد لشبكة إرهابية على ارتباط مباشر بقيادات حوثية، من بينها رئيس أركان الحوثيين محمد عبدالكريم الغماري، ونائب رئيس جهاز الأمن والمخابرات الحوثي عبدالقادر الشامي. ووفقًا للتقرير الأمني، فقد ساهم خالد في التنسيق بين الحوثيين والتنظيمات الإرهابية، ونفّذ عبر شبكته عدة عمليات، أبرزها اغتيال مؤيد حميدي، مدير برنامج الغذاء العالمي في تعز، منتصف 2023. غضب شعبي ومطالبات بالمحاسبة أثار تورط أمجد خالد موجة غضب شعبي عارم في الجنوب، وخرجت دعوات واسعة لمحاسبته على الجرائم المتعددة التي ارتكبها، والتي طالت العشرات من المدنيين والعسكريين، بينهم أطفال ونساء وقيادات إعلامية. وأكدت هذه المطالبات على ضرورة تسليمه للسلطات الأمنية في عدن، وفتح ملف تحقيق شامل معه، وتقديمه إلى محاكمة علنية عادلة. أهالي الضحايا شددوا على أن جرائم خالد لا تسقط بالتقادم، وأن التعامل معه كفردٍ فقط لا يكفي، بل لا بد من محاسبة الجهة التي صنعته ومكّنته وساهمت في حمايته. حملة إلكترونية تحت شعار: #الإخوان_منبع_الإرهاب بالتوازي مع التصعيد الشعبي، أطلق ناشطون وإعلاميون جنوبيون حملة إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم #الإخوان_منبع_الإرهاب، تهدف إلى فضح الدور الحقيقي لحزب الإصلاح في دعم الإرهاب وتجنيد الإرهابيين وتوفير الغطاء لهم. وتركّز الحملة على العلاقة العضوية بين الحزب وأمجد خالد، بدءًا من منحه رتبة "عميد"، ودمجه ضمن الألوية الرسمية، وتوفير الدعم المالي والإداري له، وصولًا إلى تأمين خروجه من عدن بعد تنفيذ عمليات إرهابية، واستقباله في مناطق خاضعة لنفوذ الإخوان. وأكد المشاركون في الحملة أن العلاقة بين الإصلاح والحوثيين ليست جديدة، وأن التخادم بينهما لم يكن خفيًا، بل تم توثيقه منذ سنوات. كما شددوا على أن محاسبة أمجد خالد وحده لا تكفي، بل يجب محاسبة الحزب نفسه كونه الراعي الرسمي للمشروع الإرهابي. دعوات لمحاسبة منظومة الإرهاب السياسي يرى مراقبون جنوبيون أن حزب الإصلاح لم يعد مجرد حزب سياسي، بل تحوّل إلى مظلة للإرهاب والتطرف، يعمل بعقيدة تبرر كل الوسائل في سبيل تحقيق أهدافه، حتى وإن كانت على حساب دماء الأبرياء. وطالب هؤلاء المجتمع الدولي بعدم الانخداع بمسرحية التبرؤ من خالد، مؤكدين أن كافة التحركات التي يقوم بها الحزب حاليًا تأتي في سياق التملّص من المسؤولية، والظهور بمظهر الحزب المدني، في حين أن تاريخه وممارساته تثبت عكس ذلك. واختتمت الحملة بالتأكيد على أن حماية مستقبل الجنوب تبدأ من محاسبة منظومة الإرهاب السياسي، وعلى رأسها حزب الإصلاح، الذي لا يمكن بناء دولة مستقرة في ظله، طالما ظل يوفر الحماية والدعم لعناصر متورطة في الدم والإرهاب.