أحمد سيف حاشد زمن يتقادم وعهود تمضي دون وفاء.. آمال تتآكل وأحزان تحتل مساحات القلب.. أوجاع منتشرة كالسرطان.. أنياب ومخالب.. آلام لاسعة كالنار.. وجدان يتألم وذاكرة تتعذب وأحلام تتلاشى، ووعود سراب ذهبنا إليها بشغف بالغ، وبعد بذل ونزيف حصدنا الخيبات بعدد حباة الرمل التي مشينا عليها. ألسنة تقطر شهدا، وفي الشهد سم وأفاع.. عناق يتبدى بشوق عارم، وتحت الشوق خناق وهرس عظام.. يد تصافحك بحرارة والأخرى تخفي خنجر.. زيف وخداع.. لؤم وخساسة.. طعنة غدر تساوي ألآف الطعنات. الأوغاد أحتلوا مدينتنا.. عاثوا فيها إفساد وخراب.. من يسمع صوتي.. صرخات وجعي.. حشرجة صوتي في حنجرتي.. حرب وجودي، وكرامة تأبى الذل والتدجين في حلبات السرك وترويض الدببه..؟! *** سمع صديقي صوتي الدامي .. صوتي المخنوق.. صوتي الباحث عن نجده.. أحياء فيني أملا كاد يموت.. كان نجاتي في لحظة يأس كدت فيها أن أستسلم.. كدت أن احتج في دنياي لآخر مرة. صديقي معجزة جاءت في لحظة يأس قاتل.. كسر الممكن لمحال فرضته الغلبه.. دهشة حلم يتحقق بعد يأس طال وتناسل.. بشارة ميلاد تحكي مازال في العمر بقية.. دورة حياة أخرى في وجه الموت. هرولت إليه بفرحة طفل، وما أدهشني وأفرحني أكثر إن صديقي كان فرحانا أكثر مني.. ابتهج بي حتى كاد يطير.. وجدت لديه ما أرجوه وأكثر.. صديقي وفيا وقت الشدة.. حميم فذ.. فضاء واسع.. مأوى يأويني من خساسة تتشفى.. قلبه أبيض كالفل.. لا ابيض منه ولا أوسع. قال بطيبة قلب وحشد شهامة أسكن ما شئت عام أو اثنين.. لا تكترث ولا تهتم.. دسيت يدي في يده وقلت له: خذ الأن هذا الحاصل، والباقي سيأتيك على أقساط.. إصبر علي بعض الوقت لعل قدر يأتي ويفرجها.. أحتج وعتب ولام كلامي، ثم جزم على نحو قاطع وأقسم بيمين الله ما يأخذ فلس؛ فختمت اللحظة المترعة حياء وحرج: إعتبرها دينا حتى تفرج. *** صديقي هذا يبحث عني إن غبت.. يقرأ صفحة وجهي وتفاصيلي.. يسبر أغواري.. يحفظ خجلي ومداءات حيائي.. يعرف كم أنا مكروب منكوب.. صديقي يعرف أثقال الحزن على قلبي المتعب، وما أدركني من نكران وجحود، وما عشته من خذلان وشدائد. يعرض خدماته صباحا ومساء.. يسألني أكثر من مرة في اليوم ماذا تريد وما تحتاج؟؟ يمنحني هداياه بطيبة نفس.. خجلي يقاوم رغبة كرمه.. حيائي يستسمحه عذرا، فيفرضها بسخاء كأمر واقع.. أحذيتي.. قمصاني.. بنطلوناتي.. جواربي وحزامي.. الشامبو والصابون ورغوة ذقني ومعجون الأسنان. فغر فاهي وأنا أشاهد على المعطف سعره بالدولار.. ثلاثمائة وثمانية وستين.. قمصان وبناطيل سعر الواحد يزيد عن الستين، وحذاء جلدي وثير ومريح.. أحس وانا أمشي بنوابضه تحت الأقدام.. حذاء لم أعتاد عليه.. أزهو فيه و ألمحه بخيلاء وأنا أمشي وأنتشر فرحا إكراما لصديقي الطيب الذي يفرح أكثر مني وهو يراني مبتهجا اتدفق فرحا وسعادة.. أنا من بلاد "إغسل وإلبس"، لا أفهم لغة "الماركات".. أنا ما زلت أحسبها بالريال اليمني فأشهق أحيانا، واحيانا يصعقني السعر بفلت الضغط العالي فأقع من طولي.. أخر صريعا حتى يمضي وقت الصدمة، وأستوعب مايحدث بعد ذهول وإفاقة. أنا إنسان بسيط جدا ليس لي في "الماركات" كلام.. ليس لدي فيها أدنى خبرة.. أسعار الماركات تستفز حواسي الخمس.. البساطة تبسطني جدا، ولكن من أجل صديقي قبلت ولبست.. صديقي كريم جدا.. يفرح أكثر مني، فوجب أن أفرح من أجل صديقي.. صديقي بألف صديق. صديقي ليس مليارديرا ولا مليونيرا.. صديقي يعمل ثلثي اليوم ليل ونهار .. يكدح ويكد.. كريم ومحب.. يسأل عني في اليوم عدة مرات ويكررها ماذا تريد.. ما تحتاج..؟؟ ياليت سلطات الأمر الواقع مجتمعة بقض وقضيض تساوي ظفر صديقي. ***