هل سألت نفسك يومًا من الذي يُدجّن وعي الشعوب العربية؟ من الذي يثبّطها ويكبح جماحها؟ من الذي يحرّضها على بعضها البعض ويمنعها من التوحّد؟ الإجابة، في أغلب الأحيان، تتجه إلى الأنظمة العربية الحاكمة. هذه الأنظمة التي يتفق غالبية العرب على أنها المسؤولة عن تدهور الأوضاع، وأنها لا تملك إرادة التغيير أو الاستفاقة. بل يرى الكثيرون أن الحل الوحيد لاستعادة الأمة كرامتها وعافيتها هو بزوال هذه الأنظمة واقتلاعها من جذورها. لكن، في خضم هذا الوعي المتنامي، يظهر من بيننا من يحاول تبرير الوضع باسم الدين. يرفع شعار "طاعة ولي الأمر" ويعتبر الخروج على الحاكم "كبيرة" وجريمة. كيف يمكن لهذا المنطق أن يستقيم؟ هذا الشخص نفسه قد يحدثك طوال الوقت عن قاعدة "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". لكن عندما يتعلق الأمر بحاكم عربي خائن، متآمر، وموالٍ لأعداء الأمة، تتبدل القاعدة ليقول لك: "أطع الأمير ولو جلد ظهرك أو أخذ مالك!". ألا يتعارض هذا مع الواقع؟ * غزة تُذبح وتُحاصر وتُجوّع وربما تتعرض للإجتياح والتصفية على مرأى ومسمع من هؤلاء الحكام، بينما تُنفق أموال المسلمين على مواسم الترفيه والضياع. * المراقص والملاهي تُعمَّر بقرارات ملكية، بينما تُهمل المساجد والجوامع. * الفتن تُشعل كل يوم، ومع ذلك يطالبونك بالطاعة. * الهوية الإيمانية والقيم الإسلامية تُطمس لتتماشى مع "رؤى تحديثية"، ومع ذلك يصرّون على الطاعة. * الإسلام ذاته في خطر بسبب سياسات هؤلاء الحكام المنافية لقيمه، ومع ذلك يُصرّون على وجوب طاعتهم. إذا كان هذا هو فهمهم للإسلام، فهم واهمون ومخطئون. أما إذا كانوا يقولون ذلك نفاقًا لإرضاء الحكام، فإن اللعنة التي حلت على اليهود على لسان أنبيائهم وعلى جبابرة الجاهلية أمثال أبي لهب وأبي جهل وكل من على شاكلتهم هي جزاؤهم. لا يمكن للإسلام أن يكون أداةً لتبرير الاستبداد والفساد. إن "طاعة ولي الأمر" يجب أن تُفهم في سياق يخدم الأمة ويحافظ على كرامتها، لا أن تكون غطاءً للخيانة والذل.