عامان كاملان على رئاسة المشير عبدربه منصور هادي.. وما زلنا نجهل ماذا يريد، وما مشروعه، وما هو مطبخه، وإلى أين يمضي بنا، وكيف يتخذ قراراته، وعلى من يعتمد، ومن هم رجالاته؟! صالح كان واضحا.. مشروعه التوريث ومطبخه قذر ويقود اليمن إلى الهاوية ويتخذ قراراته بناء على المعلومات الاستخباراتية، ويعتمد على أقربائه ومن أبرز رجالاته علي الآنسي وعبده بورجي وعلي الشاطر وعبدالله البشيري ورشاد العليمي والراعي والبركاني وغيرهم.. بخلاف هادي حيث لا يزال الغموض سيد الموقف وسط تحليلات متباينة ومتناقضة ومعظمها تكهنات بدون دليل.. هناك من يراه بلا مشروع ولا رؤية وهذا مستحيل، وهناك من يعتقد أن مشروعه هو البقاء في السلطة تحت يافطة التمديد، وقلة تذهب بعيدا حد اتهامه بتبني مشروع خطير لتقسيم اليمن إلى دويلات وهذا اتهام غير منطقي وشخص بحجم وتأريخ هادي لا يمكن أن يسمح بتمزيق البلد في عهده، ومن المبكر الحكم على نظام الأقاليم بأنه المسمار الأخير في نعش الجمهورية اليمنية.. المؤكد هو أن الرئيس هادي يتخذ قراراته بناء على آليات قاصرة، ويعتمد على أشخاص ليسوا بالمستوى المطلوب ومطبخه غير مرتب ويفتقر لفريق متكامل ومؤهل ومحترف، وهذا ما تؤكده القرارات الجمهورية الصادرة منذ ثورة 11 فبراير حيث مثلت بعضها إساءة بالغة للرئيس هادي ونظام حكمه وأظهرته خارج نطاق التغطية، وعدد كبير من القرارات تعيد إنتاج أسوأ ما في نظام سلفه المخلوع!! وبخصوص رجالاته يشاع أنه يعتمد بدرجة رئيسية على نجله جلال الذي مهما كان ذكاؤه وقدراته لن يكون بمقدوره سد الفجوة القائمة في ظل غياب المؤسسات، وخبرته ليست كافية ليقوم بدور كهذا هام.. والمهووسون باللواء علي محسن يشمون رائحته مع كل قرار جمهوري وهذا نوع من المبالغة ودوافعه سياسية وطائفية والأقرب للواقع أن الرئيس يستعين به في القضايا القبلية والقرارات العسكرية نظرا لخبرته الطويلة في هذا المجال وانتماؤه لمنطقة احتكرت المؤسسة الأمنية والعسكرية ولديه ما يستفيد منه هادي في هذه المرحلة لكن دوره محدود لأن الرئيس رجل عسكري ويعرف شؤون الجيش، وذراعه الأيمن وزير الدفاع اللواء محمد ناصر أحمد له باع في الوزارة وله تأثير مباشر وقوي على قرارات الرئيس بحكم قربه منه وبالذات المتعلقة بالشأن العسكري والخاصة بالمحافظات الجنوبية التي يشرف على إدارتها شقيق الرئيس وكيل جهاز الأمن السياسي لمحافظات "عدن، لحج، أبين" اللواء ناصر منصور هادي.. التأثير الكبير عادة ما يكون من نصيب الدائرة المحيطة، وبدون شك فإن لسكرتيره الخاص محمد هادي منصور تأثير قوي، ولا أثر يذكر لأمين عام رئاسة الجمهورية د. علي منصور بن سفاع، وسكرتير الرئيس الصحفي يحيى العراسي يرافقه منذ أن كان نائبا لرئيس الجمهورية ويؤثر على قراراته أيضا ودعم ترشيح مقربين منه لمناصب عليا ومنهم زميل له رشحه لإدارة مؤسسة إعلامية وهو غير جدير بالمنصب ودخل بصراع مع وزير الإعلام بسببه لكن يؤخذ على الصحفي العراسي أن لديه موقف سلبي تجاه أحزاب المشترك وتحديدا حزب الإصلاح.. كانت التوقعات أن يقدم مدير مكتب رئاسة الجمهورية الأستاذ نصر طه مصطفى إضافة نوعية للرئاسة والرئيس باعتباره شخصية سياسية وإعلامية تمتلك كاريزما، وتحظى باحترام وتقدير الجميع وله علاقات واسعة ومشهود له بالكفاءة والأخلاق.. لكن طابورا خامسا في الرئاسة خاف من سحب البساط عليه فبدأ بشن حملة إعلامية ضده، وكان القرار الملغي بتعيين الزميل معاذ بجاش وكيلا لجهاز الرقابة والمحاسبة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير حيث انسحب الأستاذ نصر من المشهد لقطع الطريق على الصيادين في الماء العكر، واكتفى بأداء واجبه في المكتب ويبذل جهدا جبارا في العمل مع الرئيس هادي.. وأما ما يشاع عن تأثير لعدد من المشايخ فهو نوع من المزايدة والتوصيات المسربة لبعضهم ليست حجة أو ملزمة فقط مجرد عرف قبلي، وبالنسبة لمستشاري الرئيس فهم مجرد ديكور ليس إلا.. ***** علاقات هادي القديمة تلعب دورا في قراراته وباتت تشكل عبئا عليه وهو بحاجة ماسة اليوم لتفعيل العمل المؤسسي لبناء دولة مدنية حديثة، وبحاجة لخبراء في كل المجالات لتجويد قراراته ومهامه، ومعروف أن الرؤساء في العالم لديهم خبراء حتى في الملابس التي يلبسونها ويحددون الزي المناسب للمهمة التي سيقوم بها وكل حركة لها دلالة ومعنى.. حضر الرئيس لوزارة الدفاع أثناء الهجوم على مجمع العرضي وظهر في التلفزيون ببدلة رسمية، وقال أحد الخبراء إن الحادثة الخطيرة كانت تقتضي حضور الرئيس ب"شميز نص كم" طالما أن حضوره مفاجئا وإعطاء انطباع للمشاهدين أنه في وضع تحدي ووسط المعركة!! وإلى جانب الخبراء فالرئيس بحاجة قصوى لإعادة النظر في أدائه إذ أن التباطؤ في اتخاذ القرارات أصبح كارثة ونقطة ضعف قاتلة خصوصا في هذا الظرف الحساس يفترض أن يصدر قرارات يومية تربك تماما خصومه.. أضاع فرصا كثيرة للتغيير وحادثة كاقتحام مجمع الدفاع مثلا كانت فرصة لقطع عدد من الرؤوس الكبيرة الفاسدة لكنها مرت مرور الكرام وغيرها باستثناء حادثة اقتحام السجن المركزي بصنعاء التي أعقبتها قرارات جمهورية وإقالة عدد من المسؤولين الأمنيين في خطوة تحسب للرئيس ووزير الداخلية، ويجب أن تصبح تقليدا لكي يتحمل المسؤولون مسؤولية فشلهم وتقصيرهم.. لماذا لا يزور الرئيس وبصورة مفاجئة الوزارات والمؤسسات الحكومية ويطلع بنفسه على الأداء الرسمي ومدى الجاهزية، وفي حال وجد أي اختلال أو لم يجد المسؤول الأول يتخذ قرارا في نفس اللحظة بإقالته وستكون لهذه الخطوة البسيطة أثر كبير في إصلاح الأداء الإداري السيء للدولة؟! ***** نحن في مرحلة انتقالية وعلماء الاجتماع يقولون إنها مرحلة تبعث القلق لدى عامة الشعب، وصالح قد رسخ نظامه وثقافته خلال ثلاثة عقود الأمر الذي يستدعي وجود قائد استثنائي يقدم أداءً جديدا ومختلفا تماما عن سابقيه لطمأنة الناس بأن الماضي رحل للأبد.. فمن المعيب في هذه المرحلة أن يصمت الرئيس تجاه نشر شهادة جامعية مزورة لرئيس أهم مؤسسة اقتصادية في البلد، ولا يليق به أن يوجه الحكومة بمنع أي تغييرات أو تكليفات حتى الانتهاء من التعديل الحكومي وتمر أسابيع ولا يحدث تعديل وتصدر قرارات جمهورية بالمخالفة للتوجيه.. وعد وعلى الهواء مباشرة بإجراء تغييرات أمنية خلال ساعات ولم تحدث مما جعل المواطن العادي يقول إن هادي يقول ما لا يفعل مثل علي صالح.. يحكم المخربين وهذا يجعل الشارع لا يفرق بين النظام الجديد والقديم.. يلتقي ممثلي المحافظات في كل إقليم على حدة قبيل تشكيل لجنة الأقاليم ويوحي للرأي العام أن الأقاليم مفروضة سلفا وما اللجنة إلا تحصيل حاصل والأصل أن ينتظر حتى إقرارها ثم يجتمع بالممثلين.. يبث عبر الإعلام حديثه كاملا في لقاء عسكري وفيه من الشرح التفصيلي الذي لا يهم الجمهور إطلاقا كالحديث عن أنواع الخوف الذي استغلته صحف صالح للسخرية منه ويفترض عدم بثه بتلك الطريقة، وهلم جرا من هفوات رئاسية خلال الفترة الماضية أضعفت هادي ونتيجة طبيعية لغياب الخبراء والمتخصصين من حوله.. ***** ثمة تغيير حدث لا أحد ينكره وربما عامان لا تكفي أمام تركة صالح، ولا يزال الرئيس هادي رجل المرحلة والخيار الأول لكافة القوى السياسية لكن من المهم أن يستغل الوضع القائم والدعم المحلي والخارجي ويضع بصمته ويقدم أداء مميزا عن سابقيه.. يجب أن يعمل شيئا يلفت النظر وهذا يتطلب طاقما محترفا أولا وإحداث تغيير شامل وعاجل واختيار مسؤولين على قدر عال من النزاهة والمهنية في المفاصل الحساسة.. مجموعة من الشباب زاروا أحد المحافظين وطلبوا منه إجراء بعض الإصلاحات في المحافظة كثمرة من ثمار الثورة فرد عليهم "لو كانت في ثورة من صدق مانش عادنا محافظ للآن"!! باختصار.. إذا استطاع الرئيس هادي أن يشعر المواطن البسيط أنه مختلف وليس نسخة طبق الأصل من صالح، وأنه رجل دولة وقانون إذا قال فعل وتوجيهاته تقص المسمار وما يعرف المزاح وما فيش عنده "صفاط"، سيجد الناس كلها تلتف حوله وسيخلده التأريخ. * رئيس تحرير صحيفة الناس