آفة تلاحق الأجيال على غير موعد، حطت بنا الرحال في هذه القرية بعد أن سمعنا عن تلك المأساة والحياة التي تشبه الجحيم عبر مؤسسة "وقف الواقفين العالمية" التي تقوم بين وقت وآخر بتنفيذ حملات إنسانية ومساعدات غذائية لسكانها.. وجدنا ما لم يخطر ببال أحد. أسئلة جمة واستفسارات يوجهها سكان القرية عندما تطأ قدميك أول منزل فيها لعلك تحمل إليهم بشرى سارة يمكن من خلالها استرداد بصرهم أو علاج يمكنهم من التخلص من هذا العمى خوفاً على مصير أطفالهم وأجيالهم. نبذ مجتمعي وإهمال حكومي هذا المرض متوارث من خلال الزواج من قبائل ومناطق أخرى. يقول الشاب حسن أحمد أحمد علي (30) عاماً-: "للأسف نحن منبوذون من المجتمع؛ فهم لا يقبلون بنا أزواجاً لبناتهم (يقصد القبائل الأخرى) ومنبوذون من خارطة اليمن، فلا تعتبرنا الدولة ضمن قرى اليمن، فقريتنا رغم هذا البلاء الذي ورثناه عن أجدادنا بفقدان أعيننا فلا يوجد في القرية حتى مشروع مياه ولا مدرسة ولا كهرباء، تحولت حياتنا إلى ظلام في ظلام". محمد الريح، منسق مؤسسة وقف الواقفين في المنطقة، أشار إلى أن معظم سكان الخزنة فقدوا نعمة البصر، والمبصرون فيها لا يتجاوزن أصابع اليد. ويضيف "الأهالي" أن سكان القرية عاطلون عن العمل "كونهم لا يرون وبالتالي فهم بحاجة ماسة إلى وقوف الدولة إلى جانبهم التي خذلتهم في الفترة الماضية وكذا الجمعيات والمؤسسات الخيرية". جهل وفقر وبطالة يخيم على سكان القرية الجهل والفقر والأمية خصوصاً وأن السكان يفقدون نظرهم في السنوات الأولى من العمر، فهم عاطلون عن العمل، لم يلتحقوا بالتعليم، وأصبحوا في تعداد الأمية دون أن توفر لهم الدولة مدارس خاصة كونهم من المكفوفين ويلزمهم التعليم عبر طريقة (برايل). إن المشكلة الأكبر والمعضلة العظمى أن هذا المرض أياً كانت أسبابه لم تتوقف عند أشخاص بعينهم بل تطارد أولادهم وفلذات أكبادهم، دون أن يجدوا تفسيراً لهذه الظاهرة المحيرة. التعايش مع الواقع الأعمى الحاج أحمد عثمان (50) عاماً، يقول أنه أصيب في السنوات الأولى من عمره وبدأ بصره يضعف تدريجياً، وما إن وصل عمره سبع سنوات حتى أصبح غير قادر على الرؤية في الليل؛ وفقد النظر تماماً في العاشرة من عمره. وهذا هو الحال ذاته مع غالبية سكان قريته. استطاعوا التعايش مع الواقع رغم مرارته الذي يفتقد لأبسط مقومات الحياة والفقر الذي لا يرحم البشر. عوامل وراثية حياة بسيطة يعيشها أبناء القرية، لا كهرباء ولا أجهزة اتصالات؛ ويقطنون بيوتاً من الطين والقش ولا يجدون تفسيراً لما حل بهم بعد أن عجز الأطباء عن علاجهم وتشخيص حالاتهم. حالتهم المادية متردية وتقف عائقاً أمام بحثهم عن علاج وأطباء أخصائيين لمثل هذه الحالات. يعزو أطباء سبب المرض إلى عامل الوراثة الذي ينتقل بينهم ويهاجم شبكية العين ويقضي عليها، خصوصاً وأن القبائل المجاورة لا تقبل بهم أزواجاً لبناتهم، فهم مجبورون على الزواج فما بينهم. التواصل عبر الحبال والأطفال للتواصل بين أفراد القرية حكاية أخرى، ويقول يحيى شوعي علي مهدي (65 عاماً) "نستطيع التواصل بواسطة الأطفال الذين لا يزالون يبصرون، إلى جانب استخدام الحبال التي يتم ربطها بين البيوت المبنية من القش والطين بشكل عجيب ثم يمسك الشخص به حتى يوصله البيت المطلوب زيارته". ويضيف قائلاً: "هناك جمعيات خيرية قليلة تقوم بتقديم معونات باستمرار، مثل مؤسسة وقف الواقفين العالمية، وهناك جمعيات أخرى مثل جمعية الإصلاح والهلال الأحمر الإماراتية قدمت معونات سابقة وتوقفت، ولكننا وعبركم نناشد كل المنظمات الإنسانية والإغاثية ومنظمات المجتمع المدني ذات الصلة بمد يد العون والمساعدة لهم بعد أن فقدنا بصيص الأمل الذي سلبنا ذلك المانع والمعطي رب العباد ونحن على ثقة أنه لن يضيع عباده".