الضغوط النفسية التي تعرض لها وما زال يتعرض لها المواطن اليمني طوال 35 عاماً هي ضغوط نفسية هائلة وقوية، وأي مواطن في دولة أوروبية أو أسيوية أو أفريقية إذا تعرض لنفس الضغوط التي تعرض وما زال يتعرض لها الشعب اليمني لكان في حاجة للعلاج في مصحات نفسية ولفترات طويلة وتحت إشراف أفضل الأطباء، قد يقول قائل ما هذه المبالغة؟ وما هذه الضغوط التي تقصدها؟ على مدار 35 عاماً وثروات اليمن تنهب من جميع القائمين على الحكم؛ وحتى يومنا هذا.. ثرواتنا النفطية تباع ولا يدخل إلى خزينة البلاد إلا الشيء اليسير، فقط (13%) من قيمة نفط البلاد تدخل إلى خزينة الدولة و(87%) تدخل في جيوب الشركات وجيوب الفاسدين.. ألا يدعو ذلك إلى الاكتئاب!؟ الغاز تم بيعه كما يقولون بالعامية "بيعة سارق" فسعره العالمي 15 دولار وتم بيعه بثلاثة دولارات لشركة توتال الفرنسية وبعض الشركات الكورية الجنوبية مقابل رشوة تردد أنها دفعت للقيادة السياسية في ذلك الوقت قدرت ب(6) مليارات دولار ولمدة 25 سنة قادمة، ألا يقود ذلك إلى الاكتئاب!؟ الأراضي اليمنية التي تم التنازل عنها للجيران تعادل نفس مساحة اليمن الحالية وهي أراضي غنية جداً بالنفط وبمقابل رشوة قدرت بأكثر من عشرة مليارات دولار استلمها المسئولين عن إدارة الدولة في ذلك الوقت وبدون أي امتيازات للمواطن اليمني وبخلاف ما نصت عليه اتفاقية الطائف للعام 1934 التي تنص على أن يعامل المواطن اليمني معاملة المواطنين في الدول الجارة من حيث الإقامة والتوظيف والدخول والخروج، ونصت اتفاقية الطائف أيضاً أن يتحمل جيراننا ميزانيات التعليم والدفاع والصحة في اليمن!! ألم يكن الأجدر والأشرف بالقيادة السياسية السابقة أن تمدد اتفاقية الطائف لعشرة أو عشرين أو حتى خمسين سنة قادمة بدلاً من أن تتنازل عن نصف اليمن مقابل رشوة لا يستفيد منها سوى عدة أشخاص فاسدين؟ ألا يدعو ذلك للاكتئاب؟؟؟ دولة طوال 35 عاماً لم يفكر مسئولوها في إقامة مشاريع طويلة الأمد لخدمات الكهرباء والمياه والمجاري، وكان جل تفكيرهم كيف ينهبون ثروات هذه البلاد الغنية بثرواتها وشعبها العظيم صاحب التاريخ الحضاري؛ فحولوها إلى دولة فقيرة مهانة ملفوظة وشعبها من كل جيرانها ومن كل دول العالم، فأصبحت شوارعنا وبيوتنا مظلمة وأكبر فرحة للأطفال عندما يُطل علينا التيار الكهربائي لساعات قليلة قبل أن يختفي مجدداً ولم تسلم من انقطاع التيار الكهربائي حتى أشد المحافظات حرارة.. وإذا كان لديك قدرة لشراء مولد للتيار الكهربائي فلن تجد له الوقود اللازم بل قد لا تجد الوقود اللازم لتحريك سيارتك لتصل إلى محطات الوقود؛ وإذا وصلت لمحطات البترول فإما أنك تجدها مغلقة أو تجد طوابير طويلة جداً جداً وستقف لساعات طويلة وأحياناً لأكثر من يوم.. ألا يدعو ذلك إلى الاكتئاب؟ عندما تجد نفسك محاصراً في العاصمة أو في بعض المدن المحيطة بها لا تستطيع أن تخرج من بيتك بسبب الحرب الدائرة أو تضطر للهجرة من المدينة التي أنت فيها مثل: صعدة وحجة وعمران وأرحب وهمدان والجوف ومأرب وشبوة وأبين وحضرموت والضالع، إلى مدن قريبة أخرى هرباً من الحروب وبحثاً عن الهدوء والأمان. هذه الحروب التي اندلعت هنا وهناك بسبب جماعات مهوسة تعتقد أنها أولى بالخلافة وبالحكم وتريد أن تحكم اليمن بقوة السلاح لتعيده للقرون الوسطى ولا تؤمن بأن الوصول للحكم يجب أن يكون عبر صناديق الاقتراع، لأن الديمقراطية ليست في قاموسها أصلاً ولا من أدواتها، وفي نفس الوقت نرى قيادتنا السياسية مستسلمة وصامتة صمت الرضى والموافقة عما يحدث ويدور من حولها معتقدة خاطئة بأن هذا السكوت المتعمد عن هذه الحروب سيقضي على وسيطيح ببعض الجماعات الإسلامية المعتدلة وسيبعدها من الساحة السياسية؛ وهذه نصائح خارجية، وإيمان القيادة السياسية بهذه النصائح المستوردة خطأ استراتيجي واعتقاد خاطئ تماماً.. لقد أثبتت الأحداث في العديد من الدول العربية والأفريقية التي مرت بظروف مشابهة لليمن أن إطالة أمد الصراع المسلح في هذه الدول أدى إلى تقوية هذه الجماعات؛ بل وولد العديد من جماعات مسلحة أخرى أصبحت تتخذ من الحروب مهنة لها، وهذا يحدث نتيجة التدخلات الخارجية ومصالح الدول الدولية والإقليمية المتضاربة والصومال، وسوريا والعراق نماذج حية وواضحة.. هذا السكوت وعدم المبالاة من قيادتنا السياسية في هذا الأمر الحيوي والخطير للغاية والذي يصيب الأمن الاستراتيجي لليمن في مقتل وعدم استماع هذه القيادة لنصح وإرشاد بعض المستشارين المخلصين سيؤدي لا محالة إلى حرب أهلية لا يعلم إلا الله كم ستستمر ومتى ستنتهي وإلى أي كارثة ستأخذنا.. ألا يدعو ذلك إلى الاكتئاب!؟ عندما تقف بسيارتك في الإشارات أو التقاطعات المختلفة أو تدخل إلى المساجد أو تدخل إلى المتاجر الكبيرة أو المطاعم أو في مراكز التسوق أو حتى في الشوارع الرئيسة تشاهد المئات من الفقراء يمدون أيديهم ليحصلوا على الفتات الذي يعينهم على ألم الجوع؛ والدولة غافلة أو متغافلة عنهم، أو عندما تقرأ تقارير الأممالمتحدة والمنظمات الدولية المعنية التي تشير إلى أن 54% من الشعب اليمني أصبح بفساد حكامه تحت خط الفقر حتى الموظفين في الدولة برواتبهم المتدنية جداً أصبحوا يمدون أيديهم إما طلباً للرشوة أو السرقة والشرفاء منهم يمدون أيديهم طلباً للمساعدة.. ألا يدعو ذلك للاكتئاب!؟ لقد وعد فخامة الرئيس، في سبتمبر 2013م عقب انتهاء مؤتمر الحوار بقرارات قوية وفورية وحاسمة لتصحيح المسار وإبعاد الفاسدين؛ وانتظر الشعب على أحر من الجمر هذه القرارات التي كانت ستضع اليمن على المسار الصحيح لتخرجه من أزمته الأمنية والاقتصادية والسياسية ومر أكثر من تسعة أشهر ولم يتخذ فخامته شيئاً أو قراراً يذكر؛ وكل ما اتخذه من قرارات كانت لتدوير الفاسدين وإعادة لإنتاج دولة الفساد السابقة، ولو كان قد اتخذ فخامته مثل هذه القرارات المصيرية في حينها لما وصل الحال إلى ما هو عليه الآن من حروب وأزمات ومعاناة شعب بأكمله بسبب أيادي مرتعشة غير قادرة على اتخاذ القرارات المصيرية وحكمة مصطنعة ومضرة وتأني في غير مكانه.. ألا يدعو كل ذلك إلى أن نسمي دولتنا الحبيبة بدولة الاكتئاب!؟