ثمة متابعين يسوغون لقرار رفع الاعتصامات المؤيدة لصالح المزمع تنفيذه خلال هذا الأسبوع بحسب ما ذكره الجندي بشحة الامكانات المادية نظراً لما تكلفه تلك الاعتصامات من مبالغ باهظة لاسيما بعد استبعاد معياد من المؤسسة الاقتصادية اليمنية التي كانت الممول الرسمي لتلك النفقات اليومية لتلك المخيمات على مدى ما يقرب من عام ونصف، وهذا التفسير وإن كان له وجاهته إلا أن المتتبع لبعض الجزئيات الأخرى للمواقف السياسية خلال الفترة الماضية يجد أسبابا وجيهة كذلك ربما تكون هي المبرر لاتخاذ قرار صالح برفع الاعتصامات وفي هذا التوقيت بالذات الذي تم اختياره بعناية لاقترابه من حلول ذكرى حادثة النهدين التي تم فيها استهداف صالح وكبار معاونيه وكذلك لتزامنه مع انطلاق الحوار الوطني القادم. تساءل كثيرون خلال الفترة الماضية عن سر سكوت صالح ومعاونيه عن التباكي على حادثة النهدين وعدم توظيفها بشكل كبير لصالح النظام السابق رغم قوة تأثيرها على جوانب متعددة؛ وبعيداً عما يسوقه إعلام صالح منذ وصوله اليمن بعد حادثة النهدين عن تسامحه ورغبته في عدم فتح ملف النهدين حرصاً على الخروج بالبلد بأقل التكاليف وحفاظاً على عدم سفك الدم اليمني المترتب على فتح ذلك الملف. إذ تبدو سذاجة هذا الطرح واضحة قياساً على ما يعرفه الجميع من صفات صالح الذي أثبتت مواقفه الغير مسئولة في مواجهته الوحشية للاحتجاجات منذ بدايتها على أن الرجل مستعد للتضحية بكل شيء مقابل الحفاظ على سلطته، وكذلك بدليل نفسيته الحقودة على خصومه التي ظل يعبر عنها في خطاباته ومقابلاته قبل حادثة النهدين وإذا كان الأمر كذلك فكيف تحول صالح بعد حادثة النهدين إلى حمامة سلام وسفير نوايا حسنه.إذاً المسألة لا تتعلق بسماحته ولا بحرصه على اليمن واليمنيين. وإذا كنا لا نعارض تفسيرات بخصوص عدم ذكر صالح لملف النهدين والتمترس خلفه خلال الفترة الماضية لظروف تتعلق بتورط المقربين منه في تلك الحادثة وعدم توفر أي دليل على علاقة خصومه بذلك، أو تلك التسريبات التي تحدثت عن وجود ضغوط خارجية لعدم فتح هذا الملف؛ برغم ذلك كله تظل هنالك فرضية مفادها أن صالح لم ولا ينوي إغلاق ملف حادثة النهدين إنما يعتبرها ورقة رابحة لم يحن الوقت المناسب لاستخدامها. وليس إعلان رفع الاعتصامات المتواجدة في التحرير وعصر ومدينة الثورة الرياضية مع اقتراب ذكرى حادثة النهدين خلال الأيام القليلة القادمة إلا إحدى المؤشرات على نية مبيتة لدى صالح للبدء باستخدام هذه الورقة، ولهذا الطرح مبرراته الموضوعية فالجميع يعرف قدرة صالح على المراوغة واعتقاده بأنه ما زال بإمكانه تحقيق مكاسب أكثر خصوصاً بعد استنفاده معظم إن لم يكن جميع أوراقه وهو ربما يعتقد أنه باستثماره لهذه الذكرى الحزينة على قلبه سيعزز موقفه على غرار استثمار خصومه لذكريات جميع المواقف والأحداث التي تورط فيها صالح خلال فترة الاحتجاجات بدءاً بمحرقة تعز ومروراً بذكرى جمعة الكرامة وليس انتهاءً بذكرى مجزرة الملعب وبنك الدم. وبتزامن مرور ذكرى حادثة النهدين بانطلاق الحوار الوطني الذي من مصلحة صالح التشويش عليه فإن ذلك يؤكد بأن الرجل يسعى لإقامة فعاليات مختلفة ومسيرات منددة بحادثة النهدين والمطالبة بالقبض على خصوم صالح سيما وأنه بدأ بقرار رفع الاعتصامات كخطوة استباقية لتحسين صورته وإثبات حسن نيته في محاولة منه ليجعل نفسه وكأنه بعيد عما سيتم تنفيذه من مسيرات واحتجاجات تحت ذريعة عاطفة أنصاره بحلول ذكرى حادثة النهدين، بل ربما لن يتوقف الأمر عند هذا الحد إنما ستكون تلك الفعاليات تهيئة لإقامة اعتصام مفتوح في أماكن وشوارع حساسة بذريعة أن المشترك لم يرفع الاعتصامات كما بادر هو بذلك، وربما سيستند إلى بعض النصوص في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي يفسرها بتعارض إقامة الحوار الوطني في ظل وجود الساحات وبالتالي إلقاء التبعة على المشترك لأنه خالف المبادرة وآليتها. ويؤكد ما ذهبنا إليه ما ذكره الجندي بأنهم سيواجهون الشارع بالشارع والخيمة بالخيمة ولازلنا نتذكر كلام صالح في إحدى مقابلاته بأنه سيتحول إلى المعارضة ويواجه المشترك بنفس أدواته التي استخدمها في إشارة إلى الاعتصامات بعد أن تأكد تورطه في إعاقة عمل الحكومة وعرقلة خدمات المواطنين الحيوية، ومما يؤكد أيضاً نية صالح تحريك ورقة النهدين ما تم خلال الأسابيع الماضية من تهيئة لذلك بإقامة فعاليات في ميدان التحرير تطالب بالقبض على المتورطين في الحادثة وإعلان التضامن مع المزعوم الزعيم. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما يقال عن تنسيق مستمر بين صالح والحوثيين لخدمة مصالح الطرفين فسنجد أن الحوثيين قد اشترطوا لدخول الحوار استمرار الثورة وعدم الارتفاع من الساحات ربما في توقع منهم لرفع الساحات تدريجياً مع انطلاق الحوار الوطني وهذا دليل إضافي على خطة مرسومة بين الطرفين لسد فراغ الشارع وحينها سيتكلمون باسم الساحات التي باتت رمزاً للثورة السلمية والمسنودة بشرعية شعبية؛ وفي تلك الحالة ستتبنى تلك الساحات الصالحوثية مطالباً تحقق مصالح الطرفين ليس مطلب محاكمة بعض الشخصيات التي يقولون أن لها علاقة بكل من حاثة النهدين ومحاربة الحوثيين إلا واحدة منها.