لهذا السبب الغير معلن قرر الحوثيين ضم " همدان وبني مطر" للعاصمة صنعاء ؟    لو كان معه رجال!    أبناء القبطية ينفذون احتجاج مسلح أمام وزارة الداخلية الحوثية للمطالبة بضبط قتلة احد ابنائهم    أب يفقد جميع بناته الاربع بعد غرقهن بشكل غامض بأحد السدود بمحافظة إب .. والجهات الأمنية تحقق    الحوثيون يسمحون لمصارف موقوفة بصنعاء بالعودة للعمل مجددا    بالصور .. مقتل وإصابة 18حوثيا بينهم قيادي في كمين نفذه أحد أبطال الجيش الوطني في تعز    الدوري الايطالي ... ميلان يتخطى كالياري    مفاجأة وشفافية..!    تحرك نوعي ومنهجية جديدة لخارطة طريق السلام في اليمن    القوات الجنوبية تصد هجوم حوثي في جبهة حريب وسقوط شهيدين(صور)    عاصفة مدريدية تُطيح بغرناطة وتُظهر علو كعب "الملكي".    الدوري المصري: الاهلي يقلب الطاولة على بلدية المحلة    "هذا الشعب بلا تربية وبلا أخلاق".. تعميم حوثي صادم يغضب الشيخ "ابوراس" وهكذا كان رده    الحوثيون يطورون أسلوبًا جديدًا للحرب: القمامة بدلاً من الرصاص!    فوضى عارمة في إب: اشتباكات حوثية تُخلف دماراً وضحايا    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بعد فوزها على مقاتلة مصرية .. السعودية هتان السيف تدخل تاريخ رياضة الفنون القتالية المختلطة    كوابيس أخته الصغيرة كشفت جريمته بالضالع ...رجل يعدم إبنه فوق قبر والدته بعد قيام الأخير بقتلها (صورة)    بلباو يخطف تعادلًا قاتلًا من اوساسونا    إطلاق سراح عشرات الصيادين اليمنيين كانوا معتقلين في إريتريا    شاهد:ناشئ يمني يصبح نجمًا على وسائل التواصل الاجتماعي بفضل صداقته مع عائلة رونالدو    أطفال غزة يتساءلون: ألا نستحق العيش بسلام؟    الاحتجاجات تتواصل في الحديدة: سائقي النقل الثقيل يواجهون احتكار الحوثيين وفسادهم    مصر تحمل إسرائيل مسؤولية تدهور الأوضاع في غزة وتلوح بإلغاء اتفاقية السلام    احتكار وعبث حوثي بعمليات النقل البري في اليمن    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    المبيدات في اليمن.. سموم تفتك بالبشر والكائنات وتدمر البيئة مميز    السلطة المحلية بمارب: جميع الطرقات من جانبنا مفتوحة    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    سلطة صنعاء ترد بالصمت على طلب النائب حاشد بالسفر لغرض العلاج    اختتام دورة مدربي لعبة الجودو للمستوى الاول بعدن    توقعات بارتفاع اسعار البن بنسبة 25٪ في الاسواق العالمية    مقتل شاب برصاص عصابة مسلحة شمالي تعز    القيادة المركزية الأمريكية تناقش مع السعودية هجمات الحوثيين على الملاحة الدولية مميز    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل الأمني بمحافظة أبين    اليمن يرحب باعتماد الجمعية العامة قرارا يدعم عضوية فلسطين بالأمم المتحدة مميز    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    في لعبة كرة اليد: نصر الحمراء بطل اندية الدرجة الثالثة    أمين عام الإصلاح يعزي رئيس مؤسسة الصحوة للصحافة في وفاة والده    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    قوات دفاع شبوة تضبط مُرّوج لمادة الشبو المخدر في إحدى النقاط مدخل مدينة عتق    هل الموت في شهر ذي القعدة من حسن الخاتمة؟.. أسراره وفضله    اكلة يمنية تحقق ربح 18 ألف ريال سعودي في اليوم الواحد    الذهب يتجه لتحقيق أفضل أداء أسبوعي منذ 5 أبريل    وفاة وإصابة أكثر من 70 مواطنا جراء الحوادث خلال الأسبوع الأول من مايو    في رثاء الشيخ عبدالمجيد بن عزيز الزنداني    بسمة ربانية تغادرنا    بسبب والده.. محمد عادل إمام يوجه رسالة للسعودية    عندما يغدر الملوك    قارورة البيرة اولاً    رئيس انتقالي شبوة: المحطة الشمسية الإماراتية بشبوة مشروع استراتيجي سيرى النور قريبا    ولد عام 1949    بلد لا تشير إليه البواصل مميز    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل بوزارة الخارجية وشؤون المغتربين    الدين العالمي يسجل مستوى تاريخيا عند 315 تريليون دولار    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صمود نظام صالح: بين أخطاء المعارضة ورؤية الأغلبية الصامتة للأزمة
نشر في نبأ نيوز يوم 02 - 11 - 2011

عقب عودة الرئيس صالح إلى اليمن قادماً من السعودية بعد أشهر من العلاج جراء إصابته في حادثة جامع النهدين ، كان التساؤل الأبرز خلال البرامج الحوارية التي خصصتها قنوات فضائية كالجزيرة وال بي بي سي والعربية لمناقشة هذا الموضوع هو ما هية الأسباب الكامنة وراء صمود نظام صالح كل هذه الأشهر؟ بعكس الحال مع ما حدث لنظامي زين العابدين بن علي وحسني مبارك من سقوط سريع ، على الرغم من أن الوضع في اليمن يعتبر أسوء بمراحل عن الوضع في مصر وتونس حسب ما تظهره الأرقام والإحصاءات الرسمية سواءً من حيث تردي الوضع الإقتصادي أو اتساع شريحة الذين يعيشون تحت خط الفقر أو ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل ، أو استشراء الفساد وغيرها من المقارنات التي لن تكون في صالح نظام الرئيس صالح بالتأكيد ، وهو ما كان يفترض معه من حيث المنطق أن يسقط نظامه بصورة أسرع من تلك التي حصلت لنظامي بن علي وحسني مبارك ، لكن ذلك لم يحصل. الأمر الذي يثير المزيد من التساؤل حول أسباب ذلك ، كما أنه يكشف عن قصور واضح في رؤية الخارج وتقييمه للأزمة التي تعصف ببلادنا ، في حين أنه يؤكد حقيقة الإختلاف الجوهري للأزمةاليمنية كأزمة سياسية بالدرجة الأولى عما شهدته كل من تونس ومصر من ثورات شعبية ، والذي بدوره يشير أن أن حل الأزمة في اليمن سيكون مختلفاً عما انتهت إليه الثورتين المصرية والتونسية.
الأغلبية الصامتة :
 من أجل فهم الأسباب الحقيقية لصمود نظام الرئيس صالح ، لا بد من العروج أولاً إلى الشريحة الصامتة ، التي تمثل النسبة الأكبر من الشعب اليمني ورؤيتها للأزمة الراهنة ، وإلى أي من طرفي الصراع قد تميل أولاً أو بالأصح هل أبدت الأغلبية الصامتة أي نوع من التعاطف مع أحد طرفي الأزمة خلال الأشهر الماضية؟
 بالنسبة لي شخصياً من خلال ما سمعته وما شاهدته خلال تواجدي في الأماكن العامة ووسائل النقل ، ومن خلال متابعتي لمسار الأزمة منذ بدايتها، أكاد أجزم أن الأغلبية الصامتة تميل إلى صف الرئيس علي عبد عبد الله صالح ، حيث ظهر تعاطف الشريحة الصامتة بقوة مع الرئيس صالح في أكثر من مناسبة ، كالإستياء الشديد الذي ساد الشارع اليمني من تصريحات محمد قحطان الناطق الرسمي لأحزاب المشترك في الأشهر الأولى من عمر هذه الأزمة ، عندما هدد بالزحف إلى داخل غرف النوم الخاص بالرئيس ، أما المناسبة الثانية التي ظهر فيها ذلك التعاطف ، فكان عند تعرض الرئيس لمحاولة اغتيال مع كبار قادة الدولة في تفجير مسجد النهدين بدار الرئاسة مطلع يونيو الماضي ، وكان التعاطف داخل الشريحة الصامتة قد وصل إلى ذروته خلال الظهور الأول للرئيس بعد الحادث ، وآثار الحادث ما تزال ظاهرة بقوة عليه ، وما امتلاء ميدان السبعين عن آخره بأنصار الرئيس ومن المتعاطفين معه في الجمعتين اللتان تلتا خبر عودة الرئيس إلى أرض الوطن من السعودية ، إلا أكبر دليل على ميل الشريحة الصامتة نحو الرئيس ، والتي بدون كسب تأييدها أو تأييد الجزء الأكبر منها يستحيل على أي من السلطة أو المعارضة حسم الأزمة لصالحه.
 قد يقول البعض أن الذين يحتشدن في السبعين هم من أنصار النظام وليسوا من الغالبية الصامتة ، لكن الشواهد الكثيرة تؤكد على أن المؤتمر الشعبي على الرغم من تحسن أداءه إلى حدٍ ما خلال هذه الأزمة إلا أن نشاطه ما يزال يتسم بالآنية والظرفية ، وما يزال العمل التنظيمي فيه ضعيفاً ، بعكس الحال بالنسبة لأحزاب المعارضة المعروفة بقوة الإلتزام التنظيمي داخلها ، المهم أن كثير ممن يشاركون في أداء صلاة الجمعة في ميدان السبعين يذهبون بصورة عفوية وتلقائية وليس نتيجة التزامهم بتوجيهات الحزب الحاكم ، والسبب في ذلك إما حباً وتعاطفاً مع شخص الرئيس وكارزميته وتاريخه أو خوفاً من سيطرة المعارضة ذات السمعة السيئة لديهم على السلطة خاصة مع الأخطاء الكارثية التي ارتكبتها المعارضة خلال هذه الأزمة ، والتي أدت إلى رفع مستوى الخوف والقلق داخل هذه الشريحة على أمنهم ومستقبل البلاد عموماً.
 وفي الجانب الآخر يلاحظ أن المعارضة فشلت فشلاً ذريعاً في جميع محاولاتها لإسقاط النظام رغم تعدد الأساليب التي لجأت إليها ، ولعل أحد أبرز أسباب ذلك الفشل عدم تأييد الشريحة الصامتة لتلك المحاولات ، فقد فشلت في إسقاط النظام عبر التصعيد الميداني ودفع الشباب لمحاولة اقتحام المقار الحكومية ، كما فشلت في إسقاط النظام عبر اللجوء إلى محاولة اقتحام معسكرات الحرس الجمهوري في أرحب ونهم وتعز ومناطق أخرى ، كما فشلت في إسقاط النظام عبر الإنهاك الإقتصادي سواءً عبر محاولة تنفيذ عصيان مدني شامل ، ومع تحريض المواطنين على عدم دفع فواتير الكهرباء والماء أو عبر استهداف أنابيب النفط والغاز وقطع الطرق وشل الحركة التجارية في البلاد ، حتى مع ضراوة الحرب النفسية والإعلامية التي تشنها ضد النظام بهدف خلخلة وشق صفوفه على مدار الأشهر الماضية ، إلا أن جميع تلك المحاولات بائت بالفشل ، ولا يرجع السبب إلى قوة وتماسك النظام بقدر ما هو فشل ذريع للمعارضة في كسب دعم الشريحة الصامتة ، التي يستحيل إسقاط النظام من دون الحصول على مباركتها لذلك، مع ملاحظة أنه مع طول فترة الأزمة وما ينجم عن ذلك من استمرار معاناة الناس ، لذا فقد بدأت بعض الأصوات داخل الشريحة الصامتة ترتفع وتعبر عن ضيقها لعدم حسم الرئيس صالح للأزمة ، وبدا لسان حالها يقول فليرحلوا جميعاً من البلاد (أي السلطة والمعارضة) ، ونلاحظ هنا أن تبرم الشريحة الصامتة من النظام لعدم حسمه الأزمة لم يؤد إلى انتقال هؤلاء إلى صف المعارضة ، وإنما رأوا أن الأفضل للبلاد أن يغادروا مع الأخ الرئيس ، وهو ما يدل على أن الشريحة الصامتة لا يمكن أن تتقبل المعارضة في السلطة مهما كان.
 يبدو أن المعارضة بدأت تدرك لهذه الحقيقة ، وأصبحت مقتنعة أنها غير قادرة على كسب تعاطف الشريحة الصامتة خاصة مع عدم إبداء أي تعاطف داخل هذه الشريحة خلال أحداث القاع الأخيرة وما بعدها ، لذا إنتقلت المعارضة وبالذات حزب الإصلاح إلى محاولة إرهاب هذه الشريحة وإثارة مخاوفها وظهر ذلك جلياً في قذائف الهاون التي سقطت على عدة أحياء في صنعاء القديمة في ال 25 من أكتوبر الجاري.
أخطاء المعارضة الكارثية وتأثيرها الواضح على موقف الأغلبية الصامتة من الأزمة :
 تؤكد الإحتجاجات التي تشهدها بلادنا منذ نحو (9) اشهر على حقيقة أن دخول أحزاب المعارضة على خط الأزمة والأخطاء الفادحة التي ارتكبتها كان كارثياً بكل ما تعنيه الكلمة للثورة ، حيث كانت هذه الأخطاء من أبرز الأسباب التي أثرت سلباً على رؤية الغالبية الصامتة للثورة الشعبية ، وجعلتها تميل إلى صف النظام ، ولولا هذا التدخل من المعارضة لكان هناك كلام آخر ، وبهذا فقد قدمت المعارضة خدمة جليلة للنظام من دون أن تقصد وساعدته على الصمود أمام عنفوان الثورة الشبابية ، ويمكن إيضاح ذلك من خلال استعراض أبرز الأخطاء الكارثية التي ارتكبتها المعارضة وتسببت في تشويه صورة الثورة الشبابية وأهدافها خاصة لدى الأغلبية الصامتة وكما يلي :
1. حرص المعارضة الشديد على استنساخ ثورتي تونس ومصر في بلادنا لتحقيق حلمها بالوصول إلى السلطة ، وإزاحة نظام الرئيس صالح عن الحكم ، متجاهلة الإختلافات الجوهرية بين الحالتين التونسية والمصرية والحالة اليمنية ، وهي الإختلافات التي كانت من الأسباب التي حالت دون نجاح الثورة في بلادنا إلى حد الآن ، فقد تجاهلت المعارضة حقائق منها أن ما تدعيه من حصول تجاوزات وخروقات في انتخابات العام 2006م لا يغير من النتيجة النهائية ، بفوز الرئيس صالح فيها ، وإن الغالبية الصامتة مقتنعة بحقيقة أن تلك الإنتخابات كانت ديمقراطية والأشد تنافسية من بين جميع الإنتخابات التي شهدتها بلادنا ، ما يكشف مغالطة المعارضة لنفسها وللآخرين عند تبريرها لمطالبتها الرئيس صالح بالرحيل ، بالقول إن الشرعية الثورية أزاحت الشرعية الدستورية ، بل إن ما تقوله من شرعية ثورية فيه مغالطة لتهميشه ملايين من أنصار الرئيس الذين يحتشدون في السبعين ، إضافة إلى المسيرات المؤيدة لصالح في محافظات عدة. المهم أن إزاحة رئيس منتخب عن منصبه لا يمكن أن يتم عبر الشارع وإنما عبر صناديق الإقتراع ، وهو ما ترفضه المعارضة.
كما تجاهلت المعارضة أن للرئيس ملايين من الأنصار لا يمكن تجاهلهم وإنكار وجودهم ، كما تناست أيضاً أن للرئيس إنجازات تاريخية لا يمكن إنكارها خاصة فيما يتعلق بتحقيق الوحدة والدفاع عنها ، رغم تقليل المعارضة من هذه الإنجازات إلا أن غالبية اليمنيين معترفين للرئيس بهذه الإنجازات.
أيضاً تعنتت المعارضة ولم تتجاوب مع التعاطي الإيجابي مع رؤية النظام للخروج من هذه الأزمة وبالذات فيما يتعلق بمقترح الذهاب إلى انتخابات مبكرة تحت إشراف دولي خاصة أن هذا المخرج ينسجم مع الديمقراطية ويحول دون إقصاء أو تجاهل حق ملايين من أنصار الرئيس في رسم ملامح النظام السياسي الجديد للبلاد.
2. تقديمها لمصلحتها الحزبية والشخصية على حساب مصلحة الوطن ، وذلك من خلال رفضها العملي لأي حل سياسي ، فرغم تجاوبها العلني مع المبادرة الخليجية لتفادي إغضاب الخليجيين والأمريكيين والأوروبيين لكنها ظلت تعمل على إفشالها عبر إصراراها على مطلب إسقاط النظام ورحيل الرئيس وعائلته ، وذلك بدفع أتباعها في الساحات للمطالبة بذلك ، وكذلك إعلان رفضهم لأي حلول أو تسويات بما فيها المبادرة الخليجية ، بحيث يكون تشدد الشباب في الساحات كذريعة لها لمقاومة الضغوط الخارجية ، وتبرير تشددها المصر على استقالة الرئيس قبل أي شيء آخر أمام القوى الخارجية إذا ما أرادوا إنجاح التسوية السياسية للأزمة ، كما أن المعارضة لم يكن لديها الرغبة الحقيقية في إنجاح التسوية السياسية للأزمة عبر تنفيذ المبادرة الخليجية ، فلو كانت حريصة على إخراج البلاد من هذا المأزق الذي تمر به وتجنيبه مخاطر الحرب الأهلية لما جعلت من بعض المسائل الشكلية سبباً لإفشال المبادرة كرفضها مثلاً التوقيع على المبادرة في القصر الجمهوري أو رفضها أن تؤدي الحكومة الإئتلافية اليمين الدستورية أمام الرئيس .
 كما تدرك أنها بمطالبتها للرئيس وأقربائه ورموز النظام بترك السلطة ومحاكمتهم والإستيلاء على أموالهم إنما تدعو إلى تفجير الوضع ، فهي بهذا الموقف وكأنها تقول للرئيس وأقربائه وكبار قادات النظام ليس أمامكم من خيار سوى القتال حتى آخر لحظة خاصة مع قناعة الرئيس صالح أنه رئيس شرعي ومنتخب ديمقراطياً ، المهم أنها لو كانت تقدم مصلحة الوطن على مصالحها لاستغلت هذه الإحتجاجات على إصلاح مكامن الخلل في النظام السياسي بدلاً من المطالبة بإسقاط النظام ، كون ذلك كفيلاً بتحقيق التغيير الآمن الذي ينشده جميع اليمنيين ، فمثلاُ كان على المعارضة أن تطالب بإصلاح النظام القضائي عبر المطالبة باتخاذ كل الخطوات التي تضمن استقلال ونزاهة القضاء ، لأن (العدل أساس الملك) ولن تصلح البلاد إلا إذا صلح القضاء ، كما كان عليها ان تطالب باتخاذ عدد من الإصلاحات الكفيلة بتفعيل البرلمان للقيام بدوره الدستوري كما يجب ، وكذا إدخال التعديلات اللازمة لتفعيل الهيئة العليا لمكافحة الفساد ، وتعديلات دستورية تضمن حرية الإعلام وحيادية الخدمة المدنية والمؤسسة العكسرية وتطالب بمواعيد زمنية واضحة ومعقولة لتنفيذ تلك الإصلاحات .
 أيضاً المطالبة بوضع معايير محددة وآلية واضحة عند اختيار الأشخاص لتولي المناصب القيادية في الدولة بحيث لا يتم حصر الإختيار على رئيس الدولة وإنما جعله غير ساري المفعول إلا بتصديق مجلس الشورى أو النواب عليه ، لإن اختيار الشخص المناسب يعتبر نصف الطريق للنجاح ، وغيرها من مكامن الخلل التي كان يفترض على المعارضة التركيز عليها لإصلاح النظام السياسي. لكنها تدرك أن إصلاح مكامن الخلل في النظام قد يعزز من مكانة الحزب الحاكم لدى اليمنيين على حسابها في الفترة المقبلة وهو ما لا تريد حصوله أبداً.
3. تشويه المعارضة لصورة الثورة الشبابية السلمية وإثارة الشكوك في تحقيق أهداف الثورة وكما يلي :
‌أ. إنضمام شخصيات لا أقول غير مقبولة لدى الرأي العام وإنما مكروهة بكل ما في الكلمة من معنى في الشارع اليمني ، وذلك كونها كانت جزء رئيسي من النظام أو باعتبارها من الشخصيات المعروفة بتورطها في قضايا فساد كبيرة أو في نهب الأراضي أو تلك الشخصيات التي تظهر من خلال سلوكها وتعاملها مع الآخرين وكأنها فوق القانون ، والتي تحدثت الكاتبة الألمانية ساندرا إيفانس في مقالها (اليمنيون يحفرون قبورهم) المنشور في نبأ نيوز بتاريخ 20/10 عن انضمام هذه الشخصيات الدموية والفاسدة إلى الثورة بقولها إن صالح رمى بقمامة نظامه إلى الشارع فتلاقفتها المعارضة بغباء ، المهم أن وجود هذه الشخصيات في صفوف الثوار وتقديم نفسها كقيادات قائدة للتغيير المنشود أدى إلى تشويه صورة الثورة الشبابية في نظر الغالبية الصامتة وما قد يتمخض عنها من نظام جديد وجعلهم يفضلون بقاء النظام الحالي ورموزه في الحكم على النظام الجديد إذا ما قادته مثل هذه الشخصيات خاصة أن الأغلبية الصامتة تنظر بإيجابية للرئيس وأقربائه مقارنة بهذه الشخصيات الثورية والأمثلة التالية توضح ذلك :
- تسامح الرئيس ودموية خصومه :
o يعرف عن الرئيس لدى الشارع اليمني أن أحد أهم ميزاته هو التسامح مع خصومه ، وقد أكد على هذه الميزة خلال الأزمة الراهنة ، حيث أكد نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي في تصريحات سابقة له أن الأمر الوحيد الذي ظل الرئيس يؤكد عليه بعد إصابته في حادثة النهدين هو ضرورة وقف إطلاق النار.
o أيضاً عقب عودته من السعودية أكد الرئيس في تصريح صحفي أنه عائداً وفي يده غصن الزيتون وعلى كتفه حمامة السلام ، كما وجه بتفعيل عمل اللجنة التي شكلها نائبه لإزالة مظاهر التوتر وتهيئة الأجواء للحوار ، وفي المقابل نجد أن الشائع لدى الشارع اليمني عن علي محسن الأحمر هو دمويته ، ويبدو أن دوره القيادي في حرب صيف 94م وحروب صعدة كانت من أسباب هذا الإعتقاد ، في حين تكشف التسجيلات المنسوبة لصادق الأحمر خلال الإشتباكات المسلحة في الحصبة عن دمويته ، وعدم تردده في توجيه أتباعه بقتل جنود محاصرين ومدنيين من سكان المنازل المجاورة لبيته خلال تلك الإشتباكات ، وهذه التسجيلات منشورة في أكثر من موقع إلكتروني كالبيضاء برس لمن أراد الإطلاع عليها.
التوريث لدى المعارضة :
- نأتي لقضية التوريث ، فالمعارضة عملت على استغلال هذه القضية لتأليب اليمنيين ضد الرئيس صالح منذ وقت مبكر واعتبرتها أحد أهم مبرراتها للخروج عليه ، على الرغم من أن الرئيس صالح لم يعلن عن مثل هذا التوجه صراحة ، ومع ذلك فإن وجود علي محسن كرجل ثاني في النظام خلال حكم الرئيس وسعيه لأن يكون هو من يخلفه في الحكم ، بل إن علي محسن بتوجيهه ثلاثة خطابات إلى اليمنيين في الأشهر الماضية يكون كمن نصب نفسه رئيساً جديداً لهذا البلد رغماً عن أنف الجميع ، ويبدو أنه بخلعة للبزة العسكرية وارتدائه زياً مدنياً خلال خطابه عشية عيد الفطر المبارك يعتقد أنه قد حقق لليمنيين التغيير الذي ينشدونه.
- أما أبناء الأحمر فالتوريث عندهم واضح للعيان ، فهم يحتكرون الدوائر الإنتخابية في مناطق واسعة في محافظتي عمران وحجة ، ولا يترددون في استخدام أي شيء للقضاء على كل من تخول له نفسه منافستهم على تلك الدوائر ، وهم يعتبرونها حق طبيعي لهم كسادة لتلك المناطق ، كما هو الحال في نظرتهم لمنصب شيخ مشائخ حاشد ، بل إنهم ينظرون إلى رئاسة مجلس النواب من ذات المنظور ، أيضاً إن افتقار خصوم الرئيس صالح الرئيسيين لما يتمتع به من كاريزما وفن خطابة ، يعقد من قدرتهم على إقناع البسطاء بتقبلهم كبديل له.
الفساد ونهب الأراضي :
- في قضية الفساد ونهب المال العام والأراضي ، فما شاء الله فاللواء علي محسن يتصدر قائمة ناهبي الأراضي بجدارة لدرجة أن الشائع لدى الرأي العام أن نصف أراضي اليمن بحوزته ، كما أن صهره طارق الفضلي يحتل مرتبة متقدمة في قائمة كبار ناهبي الأراضي في البلاد ، وإذا كانت المعارضة تتهم الرئيس كمظلة للفاسدين فإن علي محسن هو أكثر الأشخاص الذين استظلوا تحت هذه المظلة ، وإذا كانت المعارضة تتهم الرئيس بأنه تاكسي لناهبي الأراضي فإن علي محسن هو أكثر الأشخاص مشاويراً بهذا التاكسي وإلى جميع محافظات البلاد (طبعاً لم يدفع حتى ثمن هذه المشاوير). في حين نجد حميد الأحمر يأتي كثاني شخصية متهمة بالبسط على الأراضي في محافظة الحديدة حسب تقرير لجنة مجلس النواب العام الماضي ، وإذا كان الفساد مستشري في النظام كما هو الحال وفي معظم أنظمة العالم بما فيها أمريكا ، التي أعلنت لجنة الدفاع بالكونغرس بتاريخ 31/8/2011م أن البنتاغون بدد أكثر من 30 مليار دولار في إبرام صفقات مع شركات لتوفير احتياجات القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان من دون مناقصات ، أنا هنا لا أدافع عن الفساد في الحكومة بل أنا من أكثر الناس اقتناعاً أن استشراء الفساد في مفاصل النظام هو ما أوصلنا إلى هذا الوضع ، وإن كان الفساد مرفوضاً في النظام فإن الأمر الكارثي أن يكون قادة التغيير والنظام الجديد هم رموز الفساد ، ولعل ما يتسرب من داخل المعارضة حول توتر العلاقات بين حميد الأحمر وعبد الوهاب الآنسي وقيادات أخرى في الإصلاح على من يحق له الإشراف و التصرف في مئات الملايين من الريالات التي جمعت عبر هيئات ومنظمات خيرية تابعة للإصلاح تحت يافطة إغاثة نازحي أبين وأرحب والحصبة و ... ، ومساعدة أسر القتلى والجرحى في التظاهرات لهو أسوأ أنواع الفساد ، حيث لا يعرف مصير الجزء الأكبر من هذه الأموال .
- وفي سياق متصل تثير تجربة أحمد علي عبد الله صالح في قيادة قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة الإعجاب لدى الكثير من اليمنيين وبالذات في صفوف الشريحة الصامتة ، فقد أقام بنية تحتية قوية لهذة القوات منذ تسلمه مهام قيادتها ، كما حرص على تحديث أسلحة هذه القوات وإخضاع عناصرها للتدريب الجيد ، كما أنه قطع خطوات كبيرة في سبيل تأمين الحاجات الأساسية لأفراد هذه القوات وبالذات فيما يتعلق بالجانب الصحي ، وذلك من خلال إنشاء مستشفى 48 الذي أثار إعجاب الكثير من اليمنيين ، كما أنه قطع خطوات نحو إقامة مدينة سكنية لأفراد الحرس الجمهوري وغير ذلك ، وإذا ما قارنا وضع قوات الحرس بوضع الفرقة الأولى مدرع ، فإن البون شاسع فلا تدريب للأفراد ولا تحديث للأسلحة ، كما تفتقر معسكراتها للبنية التحتية اللازمة ، إضافة إلى أن هناك آلاف الأسماء الوهمية في كشوفات الفرقة ، والتي تذهب المخصصات المالية إلى جيوب قيادة الفرقة، مع العلم أن القناعة السائدة لدة قيادات في الحرس الجمهوري أن الفرقة لن تصمد حتى ساعتين من الزمن إذا ما حصلت مواجهة مسلحة بينهما.
- أما بالنسبة لحميد الأحمر فكونه رجل أعمال فذلك لا يعفيه من كونه أحد الفاسدين الكبار في هذا البلد ، فهو من أكبر المتهربين من دفع الضرائب للدولة ، والتي تبلغ المليارات ، كما أنه يدفع رشاوي ويمارس الإبتزاز من أجل احتكار المناقصات لشركاته خاصة في مجالات الإتصالات والنفط والإسمنت ، وكما هو معروف لدى غالبية اليمنيين من أن ثروة بيت الأحمر جاءت من خلال استغلالهم لنفوذهم داخل الدولة لتضخيم ثروتهم ، ومع ذلك فلا نجد لهم اليوم مشروع خيري يمكن أن يشفع لهم أمام الناس ، حتى في مناطق نفوذهم في عمران ، بعكس الحال مع أصحاب رؤوس المال الآخرين كبيت هائل ، الذين لهم عشرات المشاريع الخيرية في كثير من المناطق ، ولا رغبة لهم في السلطة أو يحاولون تحدي الدولة أو التهرب من دفع الضرائب أو الجمارك، كما أن جل ما يهمه حميد هو تنمية موارده قبل أي شيء آخر ، فمثلاً كان الموضوع الأهم الذي طرحه حميد في لقائه الأول مع المبعوث الأممي جمال بن عمر هو مطالبته التدخل لدى الحكومة لإعادة خدمة التجوال الدولي ,الهاتف الثابت المقطوعة عن شركة سبأفون لأسباب أمنية ومخالفات ، في حين كان يفترض به كأحد أبرز زعماء المعارضة بحث سبل إخراج البلاد من هذه الأزمة ، بل ان العد اليومي الذي تورده قناة سهيل في شريطها الإخباري أسفل الشاشة عن الأيام التي مرت منذ قطع خدمة التجوال الدولي عن سهيل ، يؤكد أن كل ما يهم حميد الأحمر هي مصالحه و شركاته والأموال التي سيجنيها.
- أما تعالي أولاد الأحمر واعتقادهم أنهم فوق القانون فهو معروف للجميع خاصة مع تجهيلهم واستعبادهم للمواطنين في مسقط رأسهم والمناطق المجاورة لها في عمران وبصورة أسوأ مما كان عليه وضع الناس أيام حكم الإمام أحمد ، والمتداول بين العامة أن أعلى طموح لدى الإنسان في تلك المناطق أن يصبح مرافقاً مع أحد أولاد الشيخ عبد الله ، كما أن ما يتعرض له المواطنون من اعتداءات خلال مرور مواكب أبناء الأحمر في شوارع العاصمة أصبح مألوفاً في حين لم يسمع أحد بأن حادثة مماثلة تمس أي من أقرباء الرئيس.
‌ب. أزال ركوب المعارضة للثورة الشبابية طابع السلمية عنها ، فانشقاق علي محسن بالفرقة الأولى ، وانضمام مسلحي حزب الإصلاح وأولاد الأحمر إلى الثورة ومهاجمة هؤلاء لمعسكرات الحرس الجمهوري في أكثر من منطقة ، واحتلال مسلحي الأحمر لعدد من الوزارات والمؤسسات العامة ، وإضافة إلى مرافقة مسلحين للمسيرات ، كل ذلك جعل الثورة الشعبية أقرب ما تكون إلى الإنقلاب العسكري منه إلى الثورة السلمية. وهو بمثابة مبرر قد يستخدمه النظام إذا ما قرر استخدام القوة ضد معارضيه.
‌ج. منذ انظمام المعارضة والمستقيلين من مناصبهم الحكومية ومن الحزب الحاكم والشكوك هي الحاضرة بقوة لدى الغالبية الصامتة حول إمكانية تحقيق الثورة الشبابية لأهدافها ، وفي مقدمتها إقامة الدولة المدنية ، فإذا كان الزنداني قد أعلنها صراحة عن رفضه للدولة المدنية وسعيه لإقامة دولة إسلامية في اليمن ، فإن شخصيات عسكرية كعلي محسن وقبلية كصادق الأحمر لا يمكن أن تكون مؤهلة لوضع أسس الدولة المدنية ، ففاقد الشيء لا يعطيه ، كما أن هذه الشخصيات كانت وما تزال العائق الحقيقي الذي حال دون إقامة دولة مدنية في اليمن إلى حد الآن ، ولا ننسى أن الإعتداء الذي طال الناشطات عند مدخل الساحة على أيدي عناصر الفرقة واللجان الأمنية التابعة للإصلاح يقدم مؤشراً لوضع المرأة في المستقبل إذا ما حكم هؤلاء.
- كما تثار الشكوك حول نية المعارضة ترسيخ النهج الديمقراطي في البلاد مستقبلاً ، وإذا كانت أحد مبررات المعارضة للإنقلاب على النظام هو رفض ما يعتبرونه ديمقراطية شكلية ، قام المؤتمر الشعبي العام بتفصيلها على مقاسة بحيث تؤدي نتائجها إلى تجديد شرعيته فقط ، فإن الأمر لن يختلف كثيراً إذا ما سقط النظام ، ويشير إلى ذلك الديمقراطية الديكورية التي تم إنتهاجها لتشكيل المجلس الوطني ، وفرض حميد الأحمر إرادته على الجميع ، كما أن الممارسات الإقصائية التي مارسها الإصلاح ضد الشباب داخل الساحات ومصادرته لعدد من المطبوعات المخالفة له في الرأي ، وسيطرة أتباعه على المنصة داخل الساحات ، كل ذلك يكشف عدم إيمان الحزب بالديمقراطية الحقة وحرية الرأي والتعبير ، وإن كل ما يرفعه مجرد شعارات خادعة ومزيفة.
‌د. إعتمد حزب الإصلاح في الأشهر الأولى من عمر الأزمة على السيطرة على الساحات من داخلها ، وذلك من خلال العمل على إفشال كل الجهود الرامية إلى توحيد الشباب في كيان واحد ، وكان يغذي كل عوامل الخلافات فيما بينهم ، وذلك من أجل ضمان عدم قيام تكتل شبابي ينافس تكتل الشباب المنتمين له ، ومن ثم ضمان التحكم بالساحات من داخلها وهو ما ساعده في إخماد وهج الثورة الشبابية وإضعاف حماس الشباب وتجميد الفعل الثوري مراراً من أجل ترك المجال أمام أحزاب المعارضة للمناورة السياسية في صراعها مع الحزب الحاكم ، وقد أدى سلوك المعارضة وبالذات حزب الإصلاح داخل الساحات إلى انسحاب غالبية الشباب المستقل من داخل الساحات والعودة إلى منازلهم ضرراً كبيراً بالثورة ، وما إحراق الشاب اليمني هارون الشرعبي لنفسه قبل أيام داخل الساحة بصنعاء إلا دليل على أنه إذا كان هناك حاجة إلى ثورة شبابية شعبية في بلادنا ، فإنها ستكون ضد القوى الرجعية والقبلية والإنقلابية التي كانت وما تزال سبب ما تعانيه البلاد من أمراض وأزمات وتخلف.
- المهم أن هذه السياسة كانت من أهم الأسباب التي أدت إلى إطالة عمر الثورة بهذا الشكل. خاصة أن استعجال الإخوان المسلمين للسيطرة على الساحات وما يعنيه ذلك من تلهفهم للسيطرة على النظام الجديد بعكس تروي جماعة الإخوان المسلمين في مصر التي حرصت على تطمين الشارع المصري والمجتمع الدولي من قيام نظام إسلامي ، وذلك من خلال إعلان الجماعة عدم تقديم مرشح عن الإخوان في الإنتخابات الرئاسية المقبلة ، وكذا عزمها المنافسة على ثلث مقاعد البرلمان المقبل فقط رغم إدراكها بقدرتها على الفوز بنسبة أكبر لو أرادت ، المهم أن الأخوان في اليمن أظهروا عكس ذلك وأنهم حريصون على السيطرة على السلطة بمجرد سقوط النظام ، المهم أن هذه السياسة قد ألحقت ضرراً كبيراً بالثورة الشبابية ، وكانت من أهم الأسباب التي أطالت عمرها بهذا الشكل.
4. أسوأ من النظام :
أثار سلوك وأداء المعارضة خلال هذه الأزمة مخاوف الغالبية الصامتة من قيام دولة بوليسية بغطاء ديني في اليمن إذا ما نجحت المعارضة في إزاحة النظام عن الحكم ، وما يعنيه ذلك من ارتفاع احتمال وقوع انتهاكات وتجاوزات لأمنهم الشخصي ولحقوقهم المدنية من قبل قادة مثل هذا النظام البوليسي ، ويرجع ذلك إلى اعتقاد الكثيرين في صفوف الشريحة الصامتة من أن المعارضة تتساوى في المسئولية إن لم تكن قد فاقت نظام الرئيس صالح في ارتكاب الأخطاء والتجاوزات والإنتهاكات القانونية وأعمال العنف والقتل والتخريب التي شهدتها البلاد في الأشهر الماضية وذلك من أجل كسب صراعها مع نظام الرئيس صالح ، ويمكن إيضاح ذلك من خلال التالي :
‌أ. المتاجرة بدماء الشباب ، حيث ترى الأغلبية الصامتة أن المعارضة تتحمل جزء كبير من مسئولية مقتل مئات الضحايا الذين سقطوا خلال المواجهات التي جرت بين المتظاهرين وقوات الأمن في أكثر من مدينة يمنية خلال الأزمة الراهنة ، رغم اجتهاد المعارضة على تحميل النظام مسئولية ذلك ، لكن توقيت حدوث تلك الصدامات الدامية التي كانت تأتي متزامنة مع بحث موضوع اليمن من قبل المجتمع الدولي ، يدل على أن المعارضة كانت تتعمد تحريك الشارع ، ودفع المسيرات للإصطدام بعناصر الأمن المنتشرين عند خطوط التماس المعروفة ، وما قد ينجم عنه من سقوط قتلى وجرحى في صفوف الشباب ، لتحقيق أهداف سياسية ، لما يعنيه ذلك من تأليب المجتمع الدولي ضد النظام الوطني ، فمثلاً أحداث العنف الأخيرة في القاع جاءت متزامنة مع مشاورات مجلس الأمن الدولي لإصدار قرار دولي بشأن الأزمة في اليمن ، أيضاً كانت الأحداث الدامية التي شهدتها صنعاء خلال الفترة من 18 21 سبتمبر المنصرم متزامنة مع اجتماع مجلس حقوق الإنسان حول اليمن ، وقبله تصعيد متزامن مع اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي وهكذا .
- ولم تكتف المعارضة بذلك ، فقد عمدت في الفترة الأخيرة تحت مبرر حماية المسيرات على تسيير عناصر من الفرقة بآلياتهم العسكرية خلف المظاهرات وكذا مرافقة مسلحين من الإصلاح على جانبي المسيرات ، وهو ما يعني وضع المتظاهرين العزل بين فكي كماشة ، حيث بمجرد أن يحدث الإصطدام بين المتظاهرين وعناصر الأمن يتم تبادل إطلاق النار بين المسلحين وعناصر الأمن ويكون الشباب في وسط معركة دامية يكون هم ضحيتها الأولى ، بل إن تسجيلات مصورة لبعض الشباب موجودة في اليوتيوب تثبت بالدليل القاطع وقوف قناصة تبع الفرقة والمعارضة وراء قتل المتظاهرين ، وليس خافياً أن المعارضة تدرك أنها لن تثير غضب الداخل والخارج ضد النظام إلا عبر سقوط مزيداً من الضحايا بين المدنيين ، لذا فهي تحرص على القيام بغزواتها على فترات متقطعة وفي مناسبات مختلفة.
- ومع إدراك المعارضة بفشلها في الحصول على تعاطف الأغلبية الصامتة ، إنتقلت إلى مرحلة إرهاب وتهديد هذه الشريحة ، وذلك عبر استهداف المدراس بقذائف الهاون من أجل إفشال العام الدراسي ، وكذا إرهاب العلماء ورجال الدين عبر إدراج إسماء بعضهم في القائمة التي أصدرها الشباب في الساحات لما أسموه بمجرمي الحرب وبلاطجة نظام صالح ، إضافة إلى إطلاق عدة قذائف هاون على صنعاء القديمة في 25 أغسطس ، كل ذلك هدفه تخويف المواطنين البسطاء والحيلولة دون الإنحياز إلى جانب النظام.
- كما لا يقتصر الأمر على ذلك فهي تدفع مسلحيها القبليين إلى مهاجمة المعسكرات بهدف إسقاطها ثم تتباكى على ما يحدث وتتهم معسكرات الحرس الجمهوري بقصف القرى ومنازل المواطنين وبالذات في أرحب ونهم وتعز ، وتتجاهل حقيقة أن ما تقوم به تلك المعسكرات هو لمنع مسلحي المعارضة من اقتحام تلك المعسكرات ، ولا تلتفت نهائياً للرد على تساؤل إذا كانت قوات الحرس تتعمد قصف القرى والمنازل في أرحب ونهم ، فلماذا لا تقوم بنفس الشيء في المناطق الأخرى ؟ والجواب بكل بساطة لأن المناطق الأخرى لا يتم فيها مهاجمة معسكرات الحرس الجمهوري المتواجدة في تلك المناطق ، أما حادثة تفجير مسجد النهدين ومحاولة قتل الرئيس صالح وكبار قيادات الدولة فقد أكدت على تفوق المعارضة على النظام في أعمال القتل وإراقة الدماء والإرهاب سيما بعد أن أصبح تورط كبار قيادات المعارضة في الحادثة أمر مؤكد.
‌ب. جهاز أمني مخيف (عسس الإصلاح) : دأبت قناة سهيل منذ بداية الأزمة وحتى الوقت الراهن على إيراد أخبار عاجلة على شاشتها تتحدث عن أسماء قيادات في المؤتمر وفي السلطة خلال تجميعهم لمجموعة من المسلحين (بلاطجة) في مناطق مختلفة من العاصمة ، والقول أنهم يحضرون للإعتداء على ساحة التغيير ، والملاحظ أن القناة تورد مجموعة متتالية من هذه النوعية من الأخبار خلال دقائق معدودة ، المهم أن حصول القناة على مثل هذه المعلومات الأمنية الميدانية أوحى للكثيرين بامتلاك المعارضة والإصلاح على وجه الخصوص مئات من العيون الأمنية في مختلف شوارع صنعاء ومدن أخرى ، وبصورة تفوق حتى مقدرة الدولة بأجهزتها الأمنية المختلفة ، بل أنها تتفوق على تجربة الحزب الإشتراكي في الجنوب قبل الوحدة عندما كان الزوج يخشى من تجسس زوجته عليه والأخ من أخيه ، كما أن الإعتقالات والإعتداءات التي طالت كل من يعارض الإصلاح داخل وخارج الساحات أو من الصحفيين العاملين في الإعلام الرسمي أو المحسوبين على النظام كما حصل مع مراسل وكالة رويترز محمد صدام ، الأمر الذي أثار مخاوف البسطاء من أن هذا مؤشر على الدولة البوليسية التي تعتزم جماعة الإخوان المسلمين إقامتها في اليمن بعد إسقاط نظام الرئيس صالح، بل إن تهديد عبد الله صعتر خلال مشاركته في أحد برامج سهيل في شهر سبتمبر الماضي لموظفي الدولة بالعقاب في الدنيا والآخرة إذا لم يؤيدوا الثورة بل إنه هدد الشعب اليمني كله بذلك ، أيضاً أن إصدار شباب المعارضة لقائمة أولية تحوي أسماء بلاطجة علي صالح وأسرته ، والتي ضمت أسماء صحفيين بارزين معروفين كفكري قاسم ونايف حسان ونبيل سبيع ونبيل الصوفي وجمال عامر ، وكثيرين آخرين لا لشيء إلا لحياديتهم ورفضهم لكل الممارسات الإقصائية والدموية التي يمارسها الإصلاح ، ودعمهم لإقامة دولة مدنية ورفضهم لتكميم الأفواه ، كل ذلك يكشف عن ملامح الدولة البوليسية التي يسعى الإصلاح لإقامتها في البلاد ، ويبدو أن حرية الرأي والتعبير ستكون أحد أثمان التغيير الذي ينشده الإصلاح.
‌ج. عدم تردد المعارضة في ممارسة كل أنواع الكذب والخداع في إعلامها وبالذات في قناة سهيل من أجل تأليب الرأي العام الداخلي والخارجي على نظام صالح منتهكة جميع القوانين وأخلاق المهنة واستخفاف مريع بعقلية المشاهدين ، فمثلاً نجد أن قناة سهيل حرصت في الأشهر الأولى من الأزمة على الترويج للأخبار تفيد باستقالات المئات من القيادات المدنية والعسكرية وفي المؤتمر الشعبي ، وكثير من المشائخ الموالين للنظام ، وذلك للإيحاء للآخرين أن الجميع يقفز من السفينة وترك النظام يغرق وحيداً ، كما أتحفنا إعلام المعارضة بترويجه لمصطلحات غير واقعية مثل بقايا النظام ، فلول الحرس الجمهوري .. ضمن الحرب النفسية المضللة ، وفجأة يعلن علي محسن أن إجمالي من انضم من أفراد الحرس الجمهوري والأمن المركزي والنجدة بلغ (سبعة آلاف) عسكري ، ورغم نفي مصدر عسكري لذلك ، لكنه حتى لو كان صحيحاً فإنه يكشف زيف إعلام المعارضة ، فقوات الحرس الجمهوري لوحدها تتجاوز ال (200) ألف جندي ، ومن ثم لا يمكن اعتبارهم فلول بعد انضمام ال (7) ألاف. ونظراً لتجاوز الكذب الحدود المعقولة ، فقد ارتد في الآونة الأخيرة على المعارضة ، وكشفت عن حقيقتها أمام الرأي العام الداخلي ، وأصبح التندر في الشارع يتضمن سؤال طفل أباه عن مصير الكاذب هل يدخل النار؟ فيجيبه الأب بل يذهب سهيل.
‌د. إقتناع الغالبية العظمى من الشريحة الصامتة بتورط المعارضة ومشاركتها مع النظام في المعاناة الإنسانية التي يتكبدونها جراء ضرب أبراج الكهرباء وأنابيب النفط والغاز وقطع الطرق خاصة بعد ما ذكره مراسل قناة ال بي بي سي قبل أشهر من أن الشباب شكلوا لحنة منهم ونزلت إلى المنطقة التي تم فيها الإعتداء على الأبراج ، ومن خلال حديث المواطنين إليهم ظهر أن أتباع السلطة والمعارضة يتناوبون في استهداف الأبراج ، كما أن مجلس الأمن الدولي في قراره رقم (2014) حول الأزمة في اليمن حث في بنده الثامن من القرار جميع الأطراف على عدم استهداف البنية التحتية وهو بمثابة تأكيد دولي على تورط السلطة والمعارضة في استهداف البنية التحتية ، ومثل هذا الموقف الخارجي لا يمكن أن يحدث من دون أدلة وقناعة دولية بصحة ذلك.
‌ه. تورط المعارضة في التلاعب بأوراق شديدة الحساسية والخطورة على أمن واستقرار ووحدة البلاد ، فإذا كانت المعارضة تتهم نظام صالح بالتلاعب بأوراق الجنوب والحوثيين والإرهاب ، دون أن يكون لديها أي دليل يؤكد صحة كلامها ، لكن تحالفها مع تلك الجماعات أمر واضح سواء من خلال توقيع المعارضة وثيقة تفاهم مع جماعة الحوثي العام الماضي ، أو من خلال التنسيق الكبير مع قيادة الحراك في الداخل والتحالف المعلن مع قيادة المعارضة في الخارج ، أو من خلال العلاقات المعروفة مع الجماعات المتشددة.
5. أما الخطأ الخامس الذي وقعت فيه المعارضة فهو إرسالها رسالة متناقضة مع التغيير الذي ترفعه كهدف رئيسي لثورتها ، وذلك من خلال تقديمها لشخصيات تقليدية مرفوضة لدى الرأي العام كقيادات بارزة في النظام الجديد ، ومن هؤلاء علي ناصر محمد وحيدر العطاس وعبد الله عبد العالم ، للنظام القادم ، فناصر والعطاس تم اختيارهما لعضوية المجلس الوطني وكذا لعضوية المجلس الذي شكلته توكل كرمان ، في حين خاطب عبد الله عبد العالم الشباب في ساحة التغيير بمناسبة حلول ذكرى الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي في رسالة بعث بها إلى المعتصمين ، كما أن اختيار مثل هذه الشخصيات المرتبط إسمها بأحداث دموية شهدتها بلادنا (علي ناصر /أحداث 86م العطاس /مهندس حرب صيف 94م عبد الله عبد العالم/أحداث الحجرية في السبعينات) ، المهم أن وجود مثل هذه الشخصيات تثير مخاوف الكثيرين من أن النظام الجديد سيكون مصبوغاً بلون الدم والمقابر الجماعية.
 وأخيراً يمكن القول أن هناك شبه قناعة لدى الشريحة الصامتة أن التغيير الذي تدعو إليه المعارضة في حال حدوثه لن يكون تغييراً إلى الأفضل وإنما إلى الأسوأ ، وأنه في أفضل السيناريوها فإن التغيير سيحول اليمن إلى نظام مشابه للنظامين العراقي واللبناني أي نظام ديمقراطي مناطقي (جنوب وشمال) وديمقراطي طائفي (حوثي ، سلفي ، صوفي ..) ، فتدخل الخارج لا يؤدي إلى حل الأزمة وإنما ترحيلها إلى الأمام ، بحيث عندما تنفجر تكون أشد عنفاً وأطراف الصراع أقل قدرة على السيطرة على الإنفجار ، كما هو الوضع في لبنان والبوسنة والهرسك ، المهم أن مثل هذا النموذج يجعل من الحكومة المركزية هشة وغير قادرة على إدارة البلاد أو مواجهة التحديات الإقتصادية والأمنية و ... ، كما أن تشكيل الحكومة سيحتاج من قادة الطوائف والمناطق للإتفاق عليه أشهر عدة قد تتجاوز العام ، كما أن اختيار الأشخاص لتولي المناصب لن يكون على معايير الكفاءة والخبرة وإنما المحاصصة ، كما أن أي انتقاد أو إحالة لمسئول للتحقيق جراء تلاعبه بالمال العام لن يتم النظر إليه ضمن عملية مكافحة الفساد ، وإنما سينظر إليه على أنه استهداف للطائفة أو المنطقة التي ينتمي إليها.
 أما في اسوأ السيناريوهات فإن التغيير سيقود البلاد إلى التقسيم إما إلى شمال وجنوب أو إلى التقسيم إلى عدة دويلات متناحرة ، أو إلى انهيار البلاد والزج باليمن في حرب أهلية دامية قد لا تخرج منها نهائياً خاصة مع حقيقة اقتناع الشارع اليمني أن المعارضة المتباينة أيدلوجياً والمتصارعة تاريخياً لا يجمعها إلا هدف واحد هو إسقاط نظام صالح ، ومن ثم فإن رحيله ينهي الهدف المشترك فيما بينها ، ويعيدها من جديد إلى خانة الصراع والإقتتال ، ولا شك أنها ستجر البلاد معها إلى هذا الصراع في حال كانت في السلطة ، ورغم اقتناع الغالبية الصامتة بوجود عوامل داخلية عديدة تقف وراء نشوب الإحتجاجات في بلادنا ودول عربية أخرى ، إلا أن وجود أيادي خارجية تعمل على تأجيج الأوضاع الداخلية في الدول العربية أمر واضح ، ولعل ما عزز من هذه الشكوك الحماس الكبير الذي تعامل به التيار اليميني المتشدد داخل الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة مع هذه الثورات ، فكان جون ماكين منافس الرئيس أوباما في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة ، وأحد صقور التيار المتصهينين في أمريكا ، أول من قام بزيارة مصر وتونس وليبيا بعد سقوط الأنظمة فيها ، وها هو ماكين يجدد دعوته للرئيس صالح يوم 29/10 بترك السلطة ، كما عزز هذه الشكوك المفكر العربي الكبير محمد حسنين هيكل في حواره الصحفي الأخير مع صحيفة الأهرام عندما وصف ما يحدث من ثورات ربيع عربي على أنها سايكس بيكو جديدة للمنطقة ، أو قوله في حواره مع قناة الجزيرة يوم 28 أغسطس أن ما يحدث في اليمن ليس ثورة ولا يمكن أن يكون كذلك ، وأن ما يحدث هو قبيلة تحاول أن تكون دولة ، وهيكل الذي كان مؤيداً لهذه الثورات لا يمكن أن يتحدث عن هذه الثورات على أنها مؤامرة غربية ، ويضع نفسه في معاداة الشعب المصري وشعوب عربية أخرى إلا وهو مقتنع تماماً بما يقوله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.