قامت في مصر ثورة، عرفت بها أن ما سبقها من ثورة يوليو 1952م إنما كانت خدعة أو تمهيدا للثورة إن أحسنا الظن، وكانت هذه الثورة تعزيزا للثورة الأم في تونس ونظر العالم كله إلى هذه الثورات متوجسا أن المنطقة قد تسفر عن أوضاع جديدة، أوضاع تكون من صنع أهل المنطقة وليست نتيجة لما يخططه لنا الغير. ترقب الناس أن ما يطلق عليه زورا وكيدا بالشرق الأوسط الذي هو الشرق الإسلامي. ترقب الناس أنه سيفاجئ العالم بما لم يكن يتوقعه. وسقط طاغية مصر، وسقطت معه بعض رموزه واتضح فيما بعد أن ما سقط لم يكن إلا لإلهاء الشعب المصري. استبشرنا وانتظرنا الخير كله، ولكن أركان ذلك النظام المرفوض جمع فلوله وكتل صفه وأراد أن يهدم هذه الثورة وأن يصيب آمال وأحلام الشعب المصري ومعه كل الشعوب العربية. أراد أن يصيبها في مقتل، وجاءت انتخابات رئيس الجمهورية ففوجئنا بصاعقة وهي ترشيح أحمد شفيق من أكبر دعائم النظام الذي أسقطته ثورة الجماهير في مصر. وقلنا في حينه: كيف تجرأ مثل هذا لترشيح نفسه وهو يرى سيده خلف القضبان وهو ينتظر حكم المحكمة فيه أو عليه؟ وقلنا: ولكنه سيرتد خاسئا ذليلا حين يرى النتيجة، حيث لن يحصل على صوت واحد ولكننا فوجئنا وما أعظم ما فوجئنا به، إذ حصل على الدرجة الثانية أي أنه أصبح قاب قوسين أو أدنى من النجاح. وحينئذ علمنا أنه لم يرشح نفسه إلا وقد نسق مع أيتام العهد السابق. وقد أغراه هذا ليتبجح في مقابلة تلفازية، فعمل مقارنة بينه وبين الإخوان المسلمين فوصف نفسه بكل الحسنات ورمى من اختارهم الشعب المصري بكل السيئات. هكذا أغراه الخط الأعمى أو المتعامي ليشتط ويمتدح بدلا من أن يتوارى خوفا ورعبا، وحين سمعت هذا الكلام منه وهو يتبختر قلت: هكذا الخونة الأقزام حين يأمنون ويظفرون بتأييد من يشاركهم في الخيانة، وبتأييد المغرر بهم من الجماهير البريئة التي لا تدري أن من تظن فيهم خيرا هم الذين يبيتون لها الشر ويدبرون لها المخططات الإجرامية التي لو أطلقت عليها هذه الجماهير لرمتهم بالحجارة، بدلا من اختيارهم للإمارة. وهنا زاد ألمي وكذلك جميع الأحرار لا بد أن يحيط بهم الألم، كيف قامت ثورة وسقط فيها شهداء فإذا ركن من أركان ذلك النظام الذي ثار عليه الشعب وأسقطه، إذا به يرشح نفسه وكأن ما حدث ليس إلا لعبة صبيانية. إن مصابنا في ثورة مصر لا سمح الله مصاب جلل، لأن مصر هي رائدة العالم العربي بل والإسلامي فإذا صلحت مصر فلا شك أن العالم الإسلامي سيعمه الصلاح، وإذا فسدت -كما حدث في الماضي القريب- فسد كل العالم الإسلامي. ثم قلت: إذا كان أعداء الثورة قد ظنوا أنهم بترشيح هذا الذي أفلت من العقاب، فإن الشعب الذي قدر على إسقاط حسني مبارك لن يعجز عن إسقاط مسمار صغير في الألة التي كانت تدير مصر. وهنا نقول: إن الأمر سهل وسهل جدا فليجتمع الأحرار وليعودوا إلى ميدان التحرير لإنقاذ ثورتهم من خفافيش الظلام الذين يتآمرون على شعب مصر، ويبيتون له المكر، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال، ولكن شعب مصر أقوى من الجبال، وهو الذي سيحطم هذه الفلول الحاقدة، ولن يرضى لمصر إلا ما فيه أعظم فائدة، كيف يترشح من أفتى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور يوسف القرضاوي بوجوب إسقاطه وحذر أبناء الشعب المصري من عودة فلول النظام السابق إلى سدة الحكم، معربا عن اعتقاده بأن إسقاط الفريق أحمد شفيق كأحد رموز نظام مبارك واجب ديني وشرعي وخلقي. وقال القرضاوي من مسجد عمر بن الخطاب بالدوحة في قطر إن كل من يحرص على دينه ويعمل على إرضاء ربه ويعمل لآخرته ويعمل لصالح بلده، يجب عليه دينا وشرعا وخلقا أن يجتهد لإسقاط هذا الظالم أحمد شفيق ويجتهد بعد ذلك في اختيار من يحكم. وأضاف الداعية الإسلامي المعروف لدى الأوساط العالمية وسطيته واعتداله: شفيق وصل للمركز الثاني في الانتخابات بدعم الفلول من الحزب الوطني المنحل، وبدعم من رجال الأعمال، أعمال عصر مبارك، وملايين الدولارات التي منحها الخارج لإعادة نظام مبارك من جديد وهو ما يجب على الشعب المصري ألا يسمح به، حتى لا تختطف الفلول ثورتهم المجيدة، التي سقط فيها أكثر من ألف شهيد. وتابع القرضاوي: نؤيد الإسلاميين لأنها مرجع الحكم الإسلامي، ونحن لا نريد حكما ثيوقراطيا. نريد حكما مدنيا يكون مرجعه الإسلام. ثبت الله شعب مصر، ونصر شعب سوريا الذي ما يزال في قبضة الطغيان وبين فكي الباطنية أشد أعداء الإنسان.