في التاسع من ذي الحجة كانت أيدي الحجيج ترتفع متضرعة إلى الله، وأبصار المسلمين وقلوبهم في أنحاء العالم معلقة على أستار الكعبة الطاهرة. في خضم هذا المشهد البديع لم يكن أي من العقيد علي عبدالله مرشد اليمني (أحد ضباط الأمن السياسي بمحافظة ذمار) والمقدم الركن عبدالله صالح أحمد السعيدي (مساعد مدير أمن محافظة ذمار) يدري أن هذا اليوم العظيم وان تلك الدقائق بعد نزول خطيب عرفات من المنبر ستكون فيها النهاية لحياتهما وبتلك الطريقة البشعة.. فبينما كان الخطيب ينزل من على المنبر كان هناك من يتربص بهم للقضاء عليهم، وعندما وضع الخطيب يده على عصاه ليتوكى عليها، كان أحدهم يضع سبابته على الزناد مصوباً فوهة مسدسه نحوهم، الخطيب ينزل من على سلم المنبر درجة درجة، كان القاتل يبدأ العد التنازلي، عندما وطأت قدما الشيخ المحراب كانت إصبع القاتل تضغط على الزناد لتطلق من فوهة المسدس رصاصات الموت.. لم يكتف القاتل بإطلاق رصاصة واحدة على رأس العقيد علي اليمني بل واصل إطلاق النار عليه لتستقر في رأسه ست طلقات قاتلة، أما رفيق دربه المقدم عبدالله السعيدي الذي كان بجواره فقد استقرت برأسه رصاصتان قاتلتان. يقول شهداء عيان كانوا على مقربة من مكان الحادث بأن شخصاً يرتدي بدلة رسمية ترجل من على دراجة نارية يحمل مسدساً في الشارع العام جوار «فرزة صنعاء وعلى مقربة من مقر حزب المؤتمر ومقربة من إدارة الأمن وإدارة المرور، سارع بعد توقف إجباري لسيارة العقيد علي اليمني والذي كان برفقته المقدم عبدالله السعيدي لازدحام خط السير في تلك المنطقة خصوصاً وأن ذلك اليوم كان في اليوم الأول قبل عيد الأضحى ومعظم الباعة المتجولين يفترشون الطريق لكسب رزقهم من الناس، أثناء وقوف السيارة حصلت الجريمة التي هزت بشاعتها محافظة ذمار بأكملها. بينما يذهب الأطفال مع آبائهم في هذا اليوم لشراء ملابس العيد وشراء «جعالة» العيد والفرحة تملأ وجوههم تبدل حال أطفال الشهيدين من فرحهم بقدوم العيد إلى حزن عميق ذبح صدورهم وتركها مفتوحهً ومفتوحة للأبد وحملهم بدلاً عن تلك الفرحة هموماً لا يعلمها إلا الله، حالة الحزن ليست فقط محصورة على أبنائهما بل وصلت إلى أقاربهما فعلى سبيل المثال عم الشهيد علي اليمني توفي بعد ثلاثة أيام من الدفن متأثراً بنوبة من الحزن على فراق ابن أخيه الذي كان له نعم السند ونعم العون.. بعد أن نفذ المجرم جريمته تلك وبالطريقة التي رواها شهود العيان لنا ركب دراجته النارية ومضى في طريقة دون أي اعتراض باستثناء بعض المحاولات الفردية من البعض لإيقافه ولكن لا صوت يعلو فوق صوت المسدس الذي صوب باتجاههم ليفروا من أمام ذلك الوحش البشع ليذهب هو في طريقه، ويبقى الشهيدان مضرجين بدمائهما وصدمة المشهد على وجوه الحضور، إذ لم يتم إسعافهما إلا بعد فوات الأوان. يحدثني أحد أقرباء الشهيد علي اليمني فيقول: «لم يكن للشهيد أي عدو غيرهم»، في إشارة منه إلى جماعة الحوثي أو ما يطلق عليها بأنصار الله ونظام المخلوع علي صالح، وعند استفساري لماذا هذا الاتهام؟ فأجاب بقوله «الشهيد رحمة الله عليه يكره الحوثيين ويبغض أفكارهم ويكره نظام علي صالح بكل ما تحمله كلمة الكراهية. حيث كان يقوم بكتابة منشورات ضدهم وضد أفكارهم على صفحته في الفيس بوك منها: «اليمن بحاجة إلى تنظيف من هذه الكائنات الخبيثة لينعم بالاستقرار»، ومنشور كتبة الشهيد عن المخلوع علي صالح نصه «لعنة الله عليك يا عفاش زعيم عصابة» فهذه دلالات وإشارات على أنه إن كان للشهيد غريم فإنه سيكون وبلا شك علي عبدالله صالح وأتباع عبدالملك الحوثي.. -بحسب حديثه. مدير الأمن الذي لا يوفر أمنا العميد عبدالكريم عبد الواحد العديني مدير أمن محافظة ذمار تولى هذا المنصب في يوم عطلة رسمية لدى كل المسلمين في مختلف دول العالم وهي يوم الجمعة، حيث تم تعيينه من قبل المخلوع علي عبدالله صالح في جمعة النصر في الأيام الساخنة للثورة الشعبية، بعد أن تم إقالة المدير السابق محمد مسعود المدير الذي أثبت جدارته ولا زال الذماريون على كل أشكالهم وألوانهم السياسية يكنون له كل الاحترام والتقدير لأنه أحدث تغييراً ملموساً، إلا أن هذا الكفؤ قد تم إقالته من منصبة بتوجيه من المحافظ العمري بعد رفضه رفضاً قاطعاً لمقترح تقدم به مجموعة من الناس إلى المحافظة لاقتحام الساحة، الأمر الذي رفضة مدير الأمن السابق، تم تغييرة في تمام الساعة الواحدة بعد منتصف ليل الخميس بداية يوم الجمعة، ولا ندري كيف صدر قرار التعيين الجديد للعميد العديني ومن الذي أصدره في ذلك الوقت المتأخر من الليل، العميد العديني وللأسف الشديد لم ينجز إلى الآن أي شيء ولم يوفر الخدمات الأمنية للمواطنين في النهار فضلاً عن الحماية في الليل، وزد على هذا أنه لم يستطع حماية ضباط الأمن الذين يعملون تحت إمرته. من الأمور المتعارف عليها في كل دول العالم أنه وفي حال حدوث أي جريمة في أي مكان يهرع الأمن إلى المكان ويتم تطويق المكان من كل النواحي وتغيير حركة السير إلى طريق آخر ليستطيع أفراد الأمن والشرطة أداء عملهم على أكمل وجه وفي أحسن صورة والبدء في جمع دلائل ومعاينة مكان الحادث ورفع تقرير إلى جهات الاختصاص إلا أن العميد العديني لم يرسل حتى شرطياً راجلاً إلى المنطقة ولم يرسل طقماً لتعقب الجناة واكتفى بإرسال فريق البحث لتصوير الجثث ولا أكثر من هذا إلا حضوره لمراسيم التشييع والاكتفاء ببيان إدانة وشجب، وكأنه تحول من مسئول أمني إلى مسئول في حزب سياسي. ولأن المتعارف عليه في محافظة ذمار أن المنطقة التي حدثت فيها الجريمة منطقة شديدة الازدحام في الأيام العادية فضلاً عن أيام العيد وهو وقت الجريمة فمع ذلك لم تقم إدارة المرور بإرسال من ينظم حركة السير في تلك المنطقة لتظل المنطقة كما هي عليه من الازدحام. مدير أمن ذمار العميد عبدالكريم العديني ليس غريباً عن ذمار لنقل أنه يجهل طبيعة هذه المحافظة والوضع الجغرافي لها، فقد سبق وأن كان قائداً لشرطة النجدة في محافظة ذمار فهو يعرف ذمار جيداً ويعرف مداخلها ومخارجها، ويعرف حتى الوجهاء والشخصيات الاجتماعية فيها، ومع ذلك لم يطلب منهم مساعدة في حفظ السكينة العامة وتظافر الجهود من أجل حماية المواطنين وحتى في تعقب الجناة الذين لازالوا إلى الآن طلقاء يسرحون ويمرحون بدون أي رقيب أو حسيب، واكتفى بتناول القات معهم في منزله العامر.. أفسحوا الطريق للمحافظ العمري المحافظ يحيى علي العمري من الشخصيات التي سمعت عنها ذمار قبل أن تعرفها فعلى ما يبدو أنه استعان بجن سليمان لتجميل صورته لدى أبناء ذمار قبل أن يصبح محافظاً لها، إلا أنه فشل فشلاً ذريعاً وانعكس المؤشر ضده لاحقا. فلا تزال ذمار تعيش على المشاريع التي قدمها المحافظون السابقون، والجانب الأمني الذي يتطلب منه أن يهتم به لم يفعل فيه شيئا، حتى في ذلك الحادث الذي شهدته المحافظة تصرف وكأنه لم يعلم شيء وكما يحلو للذماريين القول: «رحم الله امرئ شغل الدرنة» ولم يكلف نفسه حتى بالذهاب إلى المشفى لرؤيتهم فلم يزرهم إلى ثاني أيام العيد. قام المحافظ أخيراً بتشييع الضابطين في جنازة رسمية أقيمت في صنعاء، بعد تنسيق مسبق مع رئيس جهاز الأمن السياسي اللواء غالب القمش وقيادات عسكرية وأمنية، حيث وكان مقررا أن يصلى عليهما في تمام الساعة التاسعة في مسجد مجمع العرضي، إلا أن المحافظ قام بتغيير المكان والزمان (إلى جامع الشهداء في تمام الساعة الثامنة قبيل وصول اللواء القمش) واكتفى بحضور الموجودين لأسباب لا زلنا نجهلها، وعند عودة موكب الجنازة إلى ذمار قال أقارب للشهيدين بأن العمري أراد استمالتهم بالصلاة عليهما عند وصلولهم ذمار «10:30» صباحاً مع أن موعد الدفن بعد الظهر، لعلمه بأن محبي الشهيدين سيتجمعون بكثرة، وهو ما تم فعلاً حيث غصت شوارع المدينة بالقادمين للتشييع، فأراد أن يستبق الحدث عليهم ودفنهم قبل الموعد، إلا أنهم رفضوا رفضاً قاطعاً عند وصولهم إلى المسجد، فاستجاب إلى قرارهم وإلا فإن هتاف «ارحل» سينفجر في وجهه وسيظل في موقف لا يحسد عليه. في السياق وحتى الآن لم يجتمع المحافظ مع اللجنة الأمنية للمحافظة رغم مرور ثلاثة أسابيع على الحادث واكتفى بحضور الجنازة.