الفساد في اليمن له صور متعددة ومختلفة وبأسباب تبدو وجيهة ومبررة، وهو فساد يلتهم تقريبا نصف موازنات الباب الأول والثاني للموازنة العامة للدولة، ومنه على سبيل المثال لا الحصر، اعتماد مكافآت خيالية لكبار مسؤولي المؤسسات الحكومية حيث تجد وكيل مصلحة يتقاضى أربعة ملايين ريال شهريا بينما يتقاضى معظم الموظفين عشرة آلاف ريال كحافز ويأتي بعد شهور من موعده وبعد اقتطاع الضريبة.. اعتماد القيادات الأولى ومدراء مكاتبهم في كل كشوفات الصرف ولو كان الكشف خاصا بمكافأة لعمال النظافة.. تجزئة المشتروات خاصة من باب موازنة السلع والخدمات هروبا من قانون المناقصات.. تصفية الاعتمادات بفواتير مزورة في الأشهر الأخيرة من العام المالي نتيجة الاختلالات القائمة في الموازنة العامة وغياب الرقابة والمحاسبة.. ومن صور الفساد اليمني عُهد مالية لإنجاز مشاريع غير منجزة وتقدر بالمليارات وفي نهاية المطاف تتم تصفيتها بحيل وتزوير.. السفريات التي لا حصر لها ولا قيمة منها.. وأحدث مثال لفساد المكافآت هو توجيه رئيس الوزراء باسندوة، جزاه الله خيرا، بصرف 120 مليون ريال للجنة حكومية كبدل أتعاب عن التفاوض مع شركة موانئ دبي لإنهاء التعاقد على تشغيل ميناء الحاويات في عدن رغم الغموض والفساد الذي اكتنف الصفقة والشكوك حول الصفة القانونية للشركة المشغلة.. ويا ليت الوزراء اكتفوا بهذا القدر من النهب المنظم ولم يستفزوا مشاعر العامة بالظهور في إعلانات تجارية مدفوعة الثمن!! جزء كبير من هذا الفساد المهول مشرعن للأسف مثل النفقات الغير مبوبة، واعتماد بند في الموازنة للحلويات والشوكلاتة، وبند للهدايا وآخر للمرافقين يأكلها المسؤول ويفترض أنها تمنح للمرافقين مباشرة، وبند غريب تحت مسمى "تسهيلات" وهي رشوة رسمية بامتياز حيث تتحصل بعض الإدارات على مبالغ مالية ضخمة بدعوى تمرير معاملات في جهات حكومية كاستخراج القسط المالي من البنك المركزي أو اعتماد درجات وظيفية في الخدمة المدنية، والأصل أن هذه جهات رسمية تتعامل مع جهة رسمية وأي عرقلة لمعاملاتها تقابل بالحزم لا أن تصرف مئات الآلاف رشاوى بدعوى تسهيلات!! ومن العجب العجاب في هذه البلاد أن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة يتهم على سبيل المثال جهة رسمية بسرقة عشرين مليون فيقوم مسؤولو الجهة بتشكيل لجان للرد، ويتم صرف مبلغ ثلاثة ملايين ريال لاجتماعات وتسيير عمل هذه اللجان وبعد اكتمال الرد يتم صرف مبلغ أربعة ملايين ريال مكافأة للجان مقابل انجاز الرد.. ويذهب الرد إلى جهات الرقابة والمحاسبة والتي بدورها تعمل عليه ملاحظات وتعيده إلى الجهة التي تحيلها فورا إلى اللجان مجددا للرد على هذه الملاحظات ويصرف مبلغ مشابه وهكذا بدلا من استرجاع العشرين المليون المسروقة يتم صرف عشرة ملايين ريال جديدة لنفس السرق.. كل الطرق تؤدي إلى جيوب الحيتان الكبيرة!! هذه الاختلالات الواضحة والفاضحة لم تعالجها حكومة الوفاق الوطني رغم أنها حكومة جاءت نتاج ثورة شعبية ويفترض أنها مختلفة عن الحكومات السابقة والمواطن ينتظر منها تغييرا وأداءً مختلفا، والمشكلة أن وزير المالية صخر الوجيه الذي يقول إنه قادم من ساحة التغيير وأحد مؤسسي منظمة برلمانيون يمنيون ضد الفساد لم يعرها أي اهتمام وكأنها ليست أبوابا واسعة لهدر المال العام ويجب أن تغلق فورا بل إن الوزير فاجأنا بالتراجع عن قراره الرائع بإلغاء المبالغ المعتمدة من قبل الرئاسة للمشايخ والمرتزقة من السياسيين والصحفيين، ولا زال موقفه متراخيا إزاء تطبيق قانون ضريبة المبيعات والإعفاءات الممنوحة لبعض المشاريع الاستثمارية بدون وجه حق.. وسمعنا مؤخرا أن وزارته اعتمدت مبلغ 903 ملايين ريال لمجلس النواب بواقع ثلاثة ملايين لكل نائب لشراء سيارات وهذه مصيبة ليس فقط لأنها ستذهب لأشخاص لا يستحقون ريالا واحد وأصبحوا عبئا على المواطن والوطن وإنما أيضا لأنها خصصت لشراء سيارات في وقت يبحث الناس عن لقمة تسد رمقهم، وتتحدث التقارير الدولية عن وضع إنساني خطير في البلد ونصف اليمنيين على مشارف مجاعة بحسب تقرير حديث للأمم المتحدة.. معالي الوزير صخر الوجيه: كنت سوطا في البرلمان ضد الفاسدين والمفسدين والكل لا يزال يتذكر مقارعاتك للوزراء السابقين، وعولنا كثيرا على تسلمك لحقيبة المالية كونها مستنقع فساد وأنت رجل عصامي لكن بعد عام لم نلمس أثرا يذكر لإصلاحاتك في هذا المجال الحيوي والهام، والموازنة العامة للدولة التي ستقدمها بعد أيام إلى البرلمان ستكشف المزيد.. نخشى أنك قد بدأت تشتغل سياسة، تراعي مراكز النفوذ وتضرب بمصالح الشعب عرض الحائط، ونخشى أيضا أننا قد فقدناك كنائب بارع وفقدنا آمالنا في إحداث إصلاح حقيقي في جهاز الدولة المالي. عن صحيفة الناس الأسبوعية