لا يخفى على احد حجم المأساة التي تعيشها محافظة حجة البطلة، كما كان يحلو للمخلوع تسميتها، وهي تمنحه وحزبه دعمها وتأييدها المفرط الذي ليس له حدود دون مقابل.. تولعت به حد الجنون وتشبعت به حتى النخاع..ولم يستحثها أو يستنهضها قبوعها في ذيل المحافظات اليمنية على الجفاء أو الانتفاض أو التغيير على الرغم من تصدرها المؤخرة وبلا منافس في كل المستويات وحرمانها من معظم المشاريع الحيوية والخدمية والاقتصادية..وندرة تمثيلها في المناصب العليا والدنيا للدولة، ولعل الشيء الوحيد الذي تميزت به عن غيرها من المحافظات اليمنية. (وأخيرا حجة)، وذلك في كل شيء دون استثناء حتى على مستوى نشرات الأخبار. حجة لم يشفع لها حجم ولائها السياسي للنظام السابق، ولا موقعها الجغرافي المتميز، ولا شريطها الساحلي، ولا منافذها البرية والبحرية في استدرار خزينة الدولة لتمويل مشاريعها المختلفة التي تحتاجها أكثر من غيرها والتي تخص بالذات بنيتها التحتية من قبل الحكومات المتلاحقة للنظام الراحل.. بل عانت الحرمان والتهميش وسوء الإدارة على مدار السنوات الماضية..ولم تشهد المحافظة أي تحول اقتصادي أو تنموي أو حيوي أو نهوض عمراني أو حضاري.. حتى مطلع عام 2011 واندلاع ثورة الشباب السلمية في 18 فبراير التي شملت معظم محافظات الجمهورية والمحافظة لا تزال تحتل المرتبة الأخيرة بين أخواتها. ثار الشعب من أقصاه إلى أقصاه وخرج الرجال والنساء والأطفال إلى الشوارع في مشهد سلمي حضاري أبهر العالم يطالبون بإسقاط النظام ورحيل الرئيس علي صالح بعد ان وصل الساسة والنظام إلى طريق مسدود وأصبحت البلاد على شفا جرف هار، وكانت محافظة حجة في طليعة تلك المحافظات التي امتطت صهوة النضال الوطني و التغيير السلمي..حيث تدفق الشباب الثائر لساحة الحرية بحجة من قمم الجبال والسهول وبطون الأودية ملبين نداء ثورتهم المباركة.. وتقاطروا من كل المديريات والعزل والقرى والمدن متطلعين إلى حلم جديد ومستقبل أفضل يحترم آدميتهم.. يسيرون بكبرياء وشموخ نحو أهدافهم العظيمة المتمثلة في يمن جديد واعد بالخير والمنجزات وخال من الفساد والظلم صامين آذانهم عن نعيق غربان الشؤم والتخلف التي استحمرها الاستبداد ونصبها لتنال من الآمال المتحررة.. التي لفظت القُبح المستحكم في الأرجاء وثارت على الأنماط العرجاء الحاكمة؛ التي نهضت بهم إلى الوراء، وقادتهم إلى التخلف، وصبغت حياتهم بالذل والهوان. ثاروا من اجل أن يعيشوا بأمن وسلام ورخاء وتقدم وبناء.. ثاروا من أجل إسقاط الشرعية المطلقة للفرد.. ثاروا لتحقيق هذا الحلم الجميل، ومن يتوهم عكس ذلك فقد جافى الحقيقة التي خرجوا من اجلها... ثاروا لأنهم تجرعوا البؤس والإهمال والحرمان..ثاروا لان محافظتهم كانت ولا تزال خارج نطاق التغطية الحكومية.. ثاروا من اجل إزاحة خفافيش الظلام التي نهبت الأخضر واليابس وصادرت الأمل والطموح وزرعت الإحباط واليأس في النفوس والقلوب والعقول والخيال والطموح.. التي عمّرت ذواتها على حساب حقوقهم ومصالحهم الخاصة والعامة. إن إعادة أولئك المشوهين وتلك الأنماط والكيانات المريضة والهزيلة -ربيبة الاستحمار- الراحل الذي نشّأها على الدون وحب الذات.. يعتبر انقلابا على أهداف ثورة الشباب التي كان من أولى أولوياتها التخلص من هذا الإرث الثقيل الذي أنتجه النظام الراحل تحت دائرة المحسوبية والولاءات الخاصة ومراكز القوى لا على أسس الكفاءة والأفضلية.. ويعد خروجا سافرا عن ثوابتها التي قامت من اجلها.. كما اننا نحذر من الممارسات الطفولية التي يمارسها بعض المراهقين سياسيا الذين لم يعوا بعد ان الأوضاع قد تغيرت وانه ما كان ممكنا بالأمس لم يعد اليوم ممكناً أو حتى مقبولاً.. وان ثمة وضع جديد يفرض نفسه رويدا رويدا نحو مرحلة جديدة وعهد جديد يتشكل، يحمل الخير والعدل والمساواة والبناء والنهوض لكل اليمنيين ويضع مداميك التحول الحضاري والتنموي والنهوض العلمي والإبداعي في شتى مناحي الحياة. إن بقاء الأجسام الموبوءة التي لا ينتظر منها إصلاح أو نهوض ولا يرتجى منها تطور أو تقدم يعتبر خيانة لدماء الشهداء الطاهرة... ماذا تنتظرون منها؟ ان ترشدنا إلى الظلام أو تسير بنا إلى الهاوية، ان تزين لنا القبح.. انت تحاكم نضالاتنا وتستهجن تضحياتنا التي استعظمها العالم وأشاد بها القاصي والداني! لا تنتظروا منها شيئاً.. لأنها عقيمة أصلاً وثبت ذلك بما لايدع مجالاً للشك عبر تاريخها الطويل الحافل بالحرمان، والمثل الشعبي يقول "فاقد الشيء لا يعطية". لقد انتظرنا طويلا وصبرنا كثيراً ولكن دون جدوى. فهذه العقول البلهاء من العار علينا ان تحكمنا كجيل متحرر، ومن العيب علينا بعد ما رأينا منها ما رأينا ان نسلمها زمام قيادتنا لتقتل آمالنا وتغتال أحلامنا المتحررة والمنعتقة من ظلم وضلالات أسيادها التي صادرت عزتنا ونهضتنا وحضارتنا ردحاً من الزمن، انها عبارة عن معلبات بشرية صماء تدار يريموت كنترول من وحدة الفساد والاستبداد المركزي التي شيدها لنا التخلف الأرعن الجاثم على صدورنا والخانق لآمالنا على مدار الأعوام الماضية. أيها العابثون لن توقفوا زحف ثورتنا المقدس..احتفظوا بما سرقتموه من عرقنا ولا تبخسوا منه شيئاً... فسيأتي يوم تدفعونه لشعبكم وانتم صاغرون.. وستجدون أنفسكم يوما ما تسيرون بقوة مذهلة.. ولكن إلى مزبلة التاريخ. الأمور بخواتيمها والساذجون يتعبون عقولهم والآخرين بأحكامهم الغبية من الوهلة الأولى وما ان تظهر لهم النهايات وتتضح لهم النتائج حتى يتبين لهم زيف ما شيدوه وهشاشة ما بنوا عليه.. فتصعقهم الحقيقة فيندمون حينها ولات حين مندم.