تشكل الاعتداءات الإرهابية التي نفذها محمد مراح وخلفت مقتل سبعة فرنسيين بين مدنيين وعسكريين في تولوز بداية نهاية شهر العسل بين قطروفرنسا بعدما كان قد وجد كل واحد في الآخر المخاطب الرئيسي في الربيع العربي، ومن علامات ذلك منع الداعية السني يوسف القرضاوي من زيارة باريس وتجميد الدوحة لاستثمارات كانت ستقوم بها صالح الجالية الإسلامية في ضواحي باريس وتراجع الجزيرة تحت الضغط على بث أشرطة تصور الجرائم المذكورة. وسجلت العلاقات القطرية- الفرنسية تطورا مثيرا خلال سنة 2011 وخاصة إبان التنسيق في الملف الليبي ثم السوري واليمني حيث، ثم الاستثمارات القطرية في فرنسا واستقبال قطر لفروع الشركات الفرنسية بل وحتى الجامعات. لكن يبدو أن التطورات الأخيرة جعلت هذا الأسبوع منعطفا في هذه العلاقات الثنائية. إذ سجلت هذه العلاقات خلال يومين تطورات مثيرة بعدما كانت مثالية بين دولة غربية مسيحية وأخرى عربية إسلامية وأصبحت صورة الرئيس ساركوزي والأمير حمد بن خليفة تتصدر الجرائد ونشرات الأخبار في وقت الأزمات في الربيع العربي. وفرنسا التي كانت تعتبر نفسها في منآى عن العمليات الإرهابية بسبب دورها في تبني الربيع العربي وتحسن صورتها نسبيا أمام الرأي العام العربي، وجدت نفسها فجأة ضحية الإرهاب ولم يتردد بعض صناع القرار في الأجهزة الأمنية والاستخبارات والدبلوماسية من توجيه أصابع الاتهام الى جهات متعددة من ضمنها ما يدور في فلك قطر من إعلام ودعاة. وكانت البداية مع قرار فرنسا منع الداعية السني يوسف القرضاوي من زيارة باريس للمشاركة في أشغال اتحاد الجمعيات الإسلامية في فرنسا، وتبنى الرئيس ساركوزي الملف شخصيا بعدما أبلغ الأمير حمد بن خليفة آل ثان القرار. وكتبت الجرائد المحافظة وخاصة ‘لوفيغارو' المقربة من قصر الرئاسة أن القرضاوي مسؤول عن تطرف جزء من الجالية الإسلامية بسبب الحوارات التي تجريها معه قناة ‘الجزيرة'. واعتبرته امتدادا للدبلوماسية والمخططات السياسية في الخارج. وحصل التطور الثاني منذ يومين عندما أبلغت باريس الدوحة أن إقدام قناة ‘الجزيرة' على بث أشرطة جرائم محمد مراح التي قتل فيها جنودا فرنسيين من أصل عربي وأربعة يهود فرنسيين بالعمل غير المقبول. وكانت الجريدة الرقمية ‘ألف بوست' قد تحدثت أول أمس الثلاثاء عن تهديد فرنسي مبطن لقطر أن بث هذه الأشرطة ستكون له انعكاسات سلبية على العلاقات الثنائية، وقالت صحيفة ‘لوفيغارو' الفرنسية المحافظة في عددها الصادر امس الاربعاء إن ثمة اعتبارات تجارية ودبلوماسية لعبت دورا في قرار قناة ‘الجزيرة' القطرية الخاص بعدم بث اللقطات التلفزيونية للهجمات التي نفذها المسلح محمد مراح في تولوز ومونتوبان وأدت إلى مقتل سبعة أشخاص. وربطت الصحيفة بين الاستثمارات المالية الكبيرة لقطر في فرنسا وبين مطلب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الملح إلى الشبكات التلفزيونية عدم نشر الصور ومقاطع الفيديو التي التقطها مراح أثناء قتله لثلاثة أطفال وثلاثة جنود وحاخام يهودي. وكانت ‘الجزيرة' قالت في بيان أمس عن هذا القرار إنه ‘طبقا لميثاق الشرف الإعلامي، ونظرا لأن شرائط الفيديو لا تضيف أي معلومات'، فإن القناة ‘لن تبث محتوياتها'. وأشاد ساركوزي بقرار ‘الجزيرة'، متوعدا بالتشويش على أي قناة تبث لقطات الفيديو الخاصة بحادث تولوز. غير أن الصحيفة رأت أنه في بعض الظروف فإنه يجب على وسائل الإعلام إعطاء الأولوية ‘لحق الصمت على حق المعلومة' مشيرة إلى أن عدم بث مثل هذه المشاهد يمكن أن يرجع كذلك إلى احترام مشاعر أٌقارب الضحايا كما أن نشرها يمكن أن يترتب عليه نوع من ‘تمجيد الإرهاب'. وتبقى آخر حلقة من نهاية شهر العسل الفرنسي- القطري هو تجميد استثمار الدوحة خمسين مليون يورو في ضواحي باريس لصالح الجالية المغاربية. ويأتي التأجيل بسبب الانتخابات الرئاسية التي ستجري في ايار (مايو) المقبل وبسبب الحملة التي يشنها اليمين المتطرف الممثل في ‘الجبهة الوطنية الفرنسية' بزعامة ماري لوبين التي تعتبر أن هذه الاستثمارات سياسية ودينية لأن قطر اختارت مناطق سكن المهاجرين المسلمين. كما انتقد أعضاء من الحزب الفرنسي سياسة قطر الاستثمارية في ضواحي باريس. وتعتبر ضواحي باريس مصدر قلق لفرنسا بسبب التهميش المطلق التي ينتج التطرف. وقررت قطر تأجيل انشاء صندوق استثمارات مثير للجدل بقيمة 50 مليون يورو لمساعدة سكان الضواحي المحرومة الى ما بعد الانتخابات الرئاسية في فرنسا، كما ذكر الاربعاء مسؤولون محليون. واعلنت قطر في كانون الاول/ديسمبر انشاء صندوق بقيمة 50 مليون يورو لتمويل مشاريع اقتصادية يستفيد منها سكان في ضواحي فرنسا. وقال كمال حمزة رئيس جمعية ‘أنالد' والمستشار البلدي للحزب اليميني ‘الاتحاد' ان قرار تأجيل انشاء الصندوق الى ما بعد الانتخابات الرئاسية في نيسان/ابريل وايار/مايو والانتخابات التشريعية في حزيران/يونيو اتخذ ‘لكي لا تستغل هذه المبادرة من قبل الاحزاب السياسية'. وصرح لوكالة ‘فرانس برس'، ‘نريد ان يتم ذلك في اجواء هادئة وليس وسط جدل' في حين تعرضت مبادرة قطر لانتقادات خصوصا من قبل زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن. وانتقدت لوبن ‘النفوذ القوي لدول اجنبية ترغب (من خلال هذا المشروع) في تطوير الاصولية الاسلامية'. ودولة قطر شريك سياسي واقتصادي ومالي وعسكري مميز لفرنسا. فقد اشترت قطر 1′ من مجموعة لوي فويتون المتخصصة قي المنتجات الجلدية و2′ من مجموعة توتال النفطية ورفعت حصصها في مجموعة لاغاردير الدفاعية الى 12,8′. وقطر التي تستضيف كأس العالم في كرة القدم في 2022، اشترت ايضا في حزيران/يونيو 2011 فريق باري سان جيرمان من خلال شركة قطر سبورتس انفستمنتس. وينتقل التعارض الى ملفات كانت حتى الأمس القريب أساس اللقاء ومن ضمنها الملف الليبي، حيث كتبت جريدة ‘لوفيغارو' أمس أن الإدارة الفرنسية قلقة أحيانا من السياسة التي تتبعها قطر في ليبيا لأنها غير مناسبة بالمرة. وهكذا، فقد حملت التفجيرات الإرهابية في تولوز بداية خفوت شهر العسل السياسي والدبلوماسي بين الدولة وباريس.