يتجه المرشحان الرئاسيان باجي قايد السبسي والمنصف المرزوقي إلى جولة الإعادة بعدما لم يتمكن أي مرشح من الفوز بأكثر من 50 في المئة من أصوات الناخبين في الجولة الأولى. وأعلن مدير الحملة الانتخابية لمرشح الرئاسة في تونس، الباجي قائد السبسي، أنه متقدم عن منافسيه في عملية الفرز الأولية للأصوات في انتخابات الرئاسة. وفي مؤتمر صحفي، قال مدير الحملة محسن مرزوق إن "السيد باجي قائد السبسي هو الأول في السباق، بفارق كبير عن أقرب منافس، بحسب النتائج الأولية." وأوضح مرزوق أن "هناك فرق 10 نقاط على الأقل بين المرشح الأول والثاني"، معبرا عن الشكر للشعب التونسي على "ثقته". وهذه أول انتخابات في تونس منذ ثورة 2011 التي أشعلت انتفاضات الربيع العربي. وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية 54 في المئة، ولم تسجل فيها أي أعمال عنف. ومن أبرز المرشحين في هذه الانتخابات الرئيس المؤقت، منصف المرزوقي، والباجي قايد السبسي المعروف بمعارضته للإسلاميين. وأعلنت حملة المرزوقي أيضا فوزه بأعلى نسبة من الأصوات، ولكن الطرفين يتوقعان إجراء جولة إعادة، الشهر المقبل. وستعلن النتائج النهائية والرسمية هذا الأسبوع، وإذا لم يفز أي مرشح بنسبة تفوق 50 في المئة من الأصوات، ستجرى جولة إعادة يوم 31 ديسمبر/ كانون الأول. وتعد هذه الانتخابات جزءا من المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد، بعد إسقاط حكم الرئيس السابق، زين العابدين بن علي. ومع دخول الحملة الانتخابية الرئاسية منعرجها الأخير، يسير المشهد السياسي التونسي نحو حالة استقطاب ثنائي حاد، يمثله الباجي قائد السبسي، رئيس حركة نداء تونس من جهة، ومنافسه المنصف المرزوقي، مؤسس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية من جهة ثانية. ويسعى بقية المرشحين إلى الاستفادة من المنافسة القوية بين المرزوقي والباجي في محاولة للنفاذ إلى المشهد السياسي، آملين بقلب الأوضاع لصالحهم في آخر لحظة. كما تدفع عدة قوى سياسية نحو التصويت الإيجابي خلال الانتخابات الرئاسية التي تجري يوم 23 من الشهر الحالي، وهو ما يعني ضمنيا تمهيد الطريق أمام الباجي قائد السبسي للفوز في الانتخابات الرئاسية، وربما حسم الأمر من الدور الأول بالحصول على نسبة 51 في المائة من أصوات الناخبين. ويتنافس على كرسي الرئاسة 27 مرشحا، من بينهم 16 مستقلا، والبقية؛ أي 11 مرشحا، تدعمهم أحزاب سياسية، لكن الكفة تميل لفائدة المرشحين المدعومين من أحزاب سياسية قوية، خصوصا تلك الفائزة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وتركز الحملة الانتخابية للمرزوقي على التخوف من عودة الهيمنة والاستبداد وفكرة الاستفراد الممكن بالسلطة، من خلال سيطرة حركة نداء تونس على كافة المؤسسات الدستورية، وهو ما دفع بالمرزوقي إلى حد وصف خصومه ب«الطاغوت» في محاولة منه لتخويف التونسيين من عودة النظام السابق، كما استغل المرزوقي أصوله الجنوبية (من مدينة قبلي) لإثارة مسألة التفاوت بين ساحل مسيطر على الحكم منذ الاستقلال، وجنوب وجهات غربية للبلاد مبعدة عن السلطة. وفي المقابل، تعمل إدارة الحملة الانتخابية للسبسي على التذكير بضرورة الاستماع المباشر لمشاغل المواطنين، بعيدا عن لغة التقسيم إلى مناصرين ومعادين للثورة، كما تنادي بلم شمل التونسيين والعمل يدا واحدة من أجل مصلحة كل طبقات الشعب. ولم تحظ حركة نداء تونس، الفائزة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بتأييد واسع في الجنوب التونسي، وذهبت معظم أصوات الناخبين لفائدة حركة النهضة، وأعقب هذه النتيجة جدل حول إمكانية معاقبة تلك الجهات بسبب عدم تقديم دعمها لحركة نداء تونس. وعلى صعيد متصل، استفادت عدة أطراف من الأوضاع السياسية التي تسبق الانتخابات الرئاسية؛ حيث قدم موقف «النهضة»، المؤيد لعدم دعم أي مرشح للرئاسة، خدمة كبرى لحركة نداء تونس التي تحاول الاستفادة القصوى من هذا الموقف، وبالتالي نزع الغطاء السياسي الذي كانت تخشاه «نداء تونس» عن المنصف المرزوقي، وينذر هذا الوضع بتأجج الصراع من جديد بين التيار الليبرالي والتيار الإسلامي إلى أعلى درجاته. وأبدت عدة أطراف سياسية مخاوفها مما سمته «انزلاقات الحملة الانتخابية»، وسردت مجموعة من الانحرافات التي رافقت الحملة التي انطلقت في الأول من الشهر الحالي، وانتقدت بشدة اللجوء إلى معجم المجموعات الإرهابية، من تهديد ووعيد بهدف ضمان أصوات الناخبين. واستغل معظم المرشحين للرئاسة، وخصوصا المستقلون منهم، زلة اللسان التي رافقت الحملة الانتخابية للمرزوقي في اجتماع بمدينة القيروان، عندما استخدم لفظ «الطاغوت» بهدف زيادة حجم التأييد، وكسر منطق الاستقطاب الثنائي بين المرزوقي والباجي، وإثر ذلك توالت ردود الفعل المناهضة للغة التخويف والتهديد، وصدرت انتقادات حادة من طرف منافسين على الانتخابات الرئاسية، خصوصا من طرف مصطفى كمال النابلي، والهاشمي الحامدي، وسمير العبدلي، والباجي قائد السبسي، وكمال مرجان، وحمة الهمامي، ومحرز بوصيان. على صعيد آخر، تستعد تونس لاستقبال عودة سليم شيبوب، صهر الرئيس التونسي الأسبق، زين العابدين بن علي، المقررة بعد غد الثلاثاء، وبدأت السلطات التونسية في توفير استعدادات أمنية كبرى في محيط مطار تونسقرطاج تحسبا لأي طارئ، وفي حال تأكيد هذه العودة، فإن السلطات الأمنية تتوقع حدوث مواجهات منتظرة بين المناصرين لعودته، وهم من أنصار نادي الترجي التونسي (أحد أكبر أندية كرة القدم في العاصمة)، لأنه ترأسه لمدة 15 سنة، وبين الرافضين لعودته والمطالبين بمحاكمته باعتباره شريكا في منظومة الفساد، ووفق متابعين للمشهد السياسي، فقد تكون عودة شيبوب مؤثرة للغاية على مسار الانتخابات الرئاسية، وقد تدعم حظوظ المنصف المرزوقي الداعي إلى محاسبة رموز النظام السابق. ووفق مصادر قضائية تونسية، فإن السلطات الأمنية ستلقي القبض على شيبوب بمجرد وصوله إلى المطار، نتيجة صدور 3 مذكرات تفتيش ضده في السابق، وكان شيبوب قد صرح لصحيفة «جون أفريك» أن علاقته ببن علي قد انقطعت منذ سنوات، وأنه يثق ثقة كبيرة في القضاء التونسي لإنصافه