بقلم : النائب علي أحمد العِمراني عرفت المرحوم الأستاذ / فيصل بن شملان لأول مرة عندما كنت في مكتب وزير المالية في العام 1992 ، وقد لفت أحدهم نظري إلى وجوده في المكتب واقفا بأدب جم وبساطة لا تتناسب مع ما إلفناه في سمة وسلوك كثير ممن يعتبرون أنفسهم كبار ... ومع أننا اجتهدنا في الإحتفاء بالرجل ، فقد كان بعض ممن في المكتب حينها لا ينزلون كثيرا من الناس منازلهم ،ربما إنطلاقا من فلسفة خاطئة ترى أن الغلظة وشىء من الفضاضة هي من سمات القائمين على شؤون المال ! كنت أسمع عن بن شملان أنه مستقيم ونزيه ومتدين .. وجلست معه ، أول مرة ، بعد إتنخابات 1993 ، في مقيل الدكتور المرحوم محمد بن يحيى الشرفي ... ومع أن بن شملان كان له موقف مبدئي من القات ، فقد لفت نظري أنه تناول سيجار أعطاه إياه الدكتور الشرفي يرحمها الله... ولفت نظري أيضا – أنه - وهو الذي سمعت عنه التدين والإستقامة - حالق اللحية والشارب أيضا...ومعروف أن كل ذلك بعيد عما ما نألفه في واقعنا ، حيث يظن كثيرون ويفتون أيضا أن التدين بقدر ما هو جوهر فلا بد أن يكون له شكل ومظهر ، حتى صار يطغى المظهر على الجوهر ، وصارت المعارك اليوم محتدمة بين المتدينين أصحاب المظهر المتشابه والجوهر المختلف ، وبين بعض منهم وبقية خلق الله... كنت ولا زلت أرى أن التدين والإلتزام والإستقامة أفضل ما تكون عندما لا يدل عليها مظهر أو شكل أو جلبة ، ولا يصاحبها استعلاء أو تجهم أو كراهية لأحد...وأفهم أن التدين جوهره الرحمة لكل بني البشر " وما أرسلناك إلا للعالمين"... كان بن شملان وطنيا ونزيها بحق ولكنه ظل أبعد ما يكون عن الإدعاء أو الدعاية لذلك ... في مجلس النواب ، تجسد في بن شملان دور وحقيقة النائب المستقل فعلا ، ولم يكن بن شملان يتحدث في كل شيء كما يروق لكثيرين منا ، لكنه عندما يتحدث نسمع ، ولا يتحدث إلا في أمر ذي أهمية خاصة ، وكان يطيل الحديث غالبا ، غير أن الشيخ عبد الله لا يقطع حديثه ... كان حديثه سياسة وفِكْرا عميقا ...وظل أبعد ما يكون عن المناكفة والمزايدة ، رفض التصويت ذات مرة على الموازنة[ ربما آخر مرة حضر نقاش الموازنة في المجلس ] لأنها لم تتضمن أي معالجات لمشلكة القات ! انسحب بهدوء من المجلس إثر التمديد لمدة المجلس عامين في التعديلات الدستورية لكنه عدل عن ذلك وعاد يحضر بناء على تدخل الشيخ عبد الله الذي كان يحترمه كثيرا لكن الشيخ أعلن وقوفه إلى جانب الرئيس صالح في انتخابات الرئاسة 2006... ولأن بن شملان كان مستقلا برايه ومواقفه بالفعل ، فلم ينصفه أحد سوى وقوف غالبية مواطني دائرته الأنتخابية الطيبين معه لمرتين ، ولكن خذله غالبيتهم في الثالثة ، ولم يقف معه المشترك الذي أسهب قادته في الحديث عن مزاياه الحقيقية عندما ترشح للرئاسة في 2006 بعد أن غلبته الأحزاب جميعها في 2003.. ومثلما كان المشترك ينكر أي مزية أ و نجاح سابق على الإطلاق للرئيس صالح في أنتخابات 2006 فقد كنا نحن أيضا في المؤتمر ننكر على بن شملان أي مزية أو فضل أو صلاح، بل وصل بعضنا إلى حد شتم الرجل الشريف النظيف ... أكثر من أي شيء آخر ، كنت أتقرب إلى بن شملان المثقف ذي الأفق العالمي. وفي أواخر عام 1998 كنت أعد للسفر إلى بريطاينا وسألت الأستاذ بن شملان عما ينصح به من الكتب .. فقال لي : ““ The Future of Capitalism ( مستقبل الرأسمالية ) وجدته مع الدكتور فرج بن غانم ...وهو من تأليف أستاذ الإقتصاد في جامعة ““ M.I .T لاستر ثارو... عرفت اليمن ساسة مثقفين كبار من أبنائها مثل عبد الكريم الأرياني وياسين سعيد نعمان وأحمد الأصبحي وعلي لطف الثور وحسن مكي ويحيى المتوكل ومحسن العيني ، لكن أكثرهم قد توارى إما إلى الظل أو في الثرى ... وهناك مثقفون سياسيون آخرون -غير من ذكرت هنا - توراوا في الثروة والفساد ... والملاحظ أن الساحة السياسية صارت تفسح المجال وتحفل بأهل المال والجهل وتضيق ذرعا بأهل الفكر والعقل ... والنتيجة فساد كبير وانحطاط مروع وبلد مضطرب ... ولولا أنه قدر لبن شملان أن يكون مرشح المشترك لإنتخابات الرئاسة في 2006 ولابن غانم تولي رئاسة الحكومة لفترة قصيرة واستقال بشرف ، لما عرف عنهما أهل اليمن إلا الشئ القليل ، ولكان حظ كثير من الجاهلين ممن يجب يبقوا خارج وجدان الشعب والتاريخ أكثر من هذين السياسين العملاقين المثقفين الكبار ... رحم الله الراحل الكبير " ابا تمام " وادخله فسيح الجنات وأعلى الدرجات... ربنا أغفر لنا وله و لا تحرمنا من أجره ولا تفتنا بعده والهمنا الصبر والرشاد والسداد ... (نقلاً عن المجلس الوطني اليمني)