تُعتبر مناظرة يوم غد الاثنين 26 سبتمبر/أيلول 2016 بين المرشحين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية هيلاري كلينتون أكثر حدثٍ مرتقب في الحملة الانتخابية الرئاسية المليئة باللحظات الرائعة والغاضبة. ولكن إذا غير موسم المناظرات –بعد انتهائه– مسار السباق، ستصبح مفاجأة. ووسط كل هذه الضجة والحنق، يبدو أن التغييرات الآن تقع بمعدل ضئيل. يُنتظر من المناظرة الأولى، المنعقدة في جامعة هوفسترا، أن تكون عرضاً رائعاً. سيسعى ترامب – الذي يشبه صاروخاً غير موجَّه– لإبداء سلوك أكثر هدوءاً وللتقيد بالحقائق، بما يكفي على الأقل لطمأنة ناخبيه الذين يشككون في قدرته على أداء وظيفته. بينما ستسعى كلينتون –المتناظرة المجتهدة والمستعدة جيداً والتي لها خبرات عميقة في العديد من القضايا– لتجنب المزالق، ولتقديم رؤية أكبر وأكثر إيجابية، ومحاولة إثبات أن منافسها لا يصلح للعمل في المكتب البيضاوي. لن يكون مع ترامب جهاز تلقين –وهو ما وفر قدراً من الانضباط لحملته خلال الأسابيع القليلة الماضية– وبالتالي هناك القليل مما يمكن التنبوء به. لم يدخل ترامب في مناظرة وجهاً لوجه من قبل، على عكس كلينتون، ولم يواجه من قبل نموذجاً، على الأقل نظرياً، يهدف إلى إجبار المرشحين على التحدث بإسهاب في قضايا معينة.
توقعات وتحضيرات
التوقعات لكلينتون أعلى من ترامب. في النهاية، من المفترض لهذه المناقشات أن تكافئ أصحاب الخبرة، والقضايا والثبات المطلوب من الرئيس. ولكن مهارات التناظر لا تتعلق كثيراً بما يجعل الرئيس جيداً أو عظيماً. لم يخسر أوباما مناظرته الأولى مع ميت رومني في 2012 بسبب عدم إلمامه بالقضايا. كل ما في الأمر كان سلوكه وطاقته والتزامه. تُعتبر المناقشات بمثابة العروض النهائية في الحملات الانتخابية الرئاسية. وترامب يُعرف بكونه محترفاً في برامج تلفزيون الواقع. أشار فريق كلينتون إلى أنها تستعد لمواجهة أي شيء يصدر عن ترامب، من مرشح متعجرف وساخر كان متغطرساً مع منافسيه خلال المناظرات الجمهورية الأولية، وحتى المرشح الذي صار مُهدداً أخيراً وأصبح هدفه أن يثبت على كلينتون أي شيء خاطئ فعلته في السنوات الثماني خلال فترة أوباما، وإقناع الناس أن عليهم فعلاً أن يرغبوا بالتغيير. فريقها كذلك يعمل مع الإعلام كما لم يفعل أي مرشح من قبل. في إطار المبادئ التوجيهية للجنة المناظرات الرئاسية، يفترض من المنسقين –في هذه الحالة ليستر هولت مذيع NBC– دفع المرشحين للحديث لكن مع الإبقاء عليهم لاعبين ثانويين.
لا مثيل له رغم عدم تأثيرها
لكن هذا العام لا مثيل له من حيث التركيز على دور المنسقين. يطالب فريق كلينتون علناً أن يكون هولت مدققاً لحظة بلحظة في حقيقة ما يصدر عن المرشح –ترامب– الذي كانت علاقته بالحقيقة فضفاضة لدرجة أن الإعلام وعمليات تقصي الحقائق وصفته ببينوكيو وذي السروال المحترق مرات كثيرة. يريد فريق كلينتون من هولت أن يتحدى ترامب ويعلن عن الأمر كلما كذب بشأن سجلاته. يقول آخرون إنها مسؤولية كل مرشح أن يتحقق من نظيره، على الرغم من أن مخاطر ذلك هي نقاش يتحول إلى تبادل الاتهامات بالكذب، لا يفيد المشاهدين. أياً كان ما سيحدث يوم الاثنين، سيكون للخاسر فرصتان إضافيتان للتعافي. وبالنظر للتاريخ باعتباره مُرشداً، من المرجح أن يبدو السباق الرئاسي في نهاية المناظرات مُشابهاً لما يبدو عليه في عطلة نهاية الأسبوع تلك. في كتابهما "الجدول الزمني للانتخابات الرئاسية"، يدرس عالما السياسة روبرت إريكسون من جامعة برينستون وكريستوفر وليزين من جامعة تكساس، استطلاعات للرأي يعود تاريخها إلى عام 1960، عندما عُقدت أول مناظرة تلفزيونية. يقولان في الكتاب "من الواضح أن المناظرات لا يكون لها تأثير كبير بنفس درجة الاتفاقيات الحزبية". ويضيفان أن "الأمر غير الواضح هو ما إذا كان لها تأثير أكبر من الأحداث الأخرى خلال حملة الخريف". أرسلت لين فافريك، أستاذة العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، هذا التقييم عبر البريد الالكتروني: "هناك أدلة قليلة جداً على أن المناظرات تغير كثيراً فيما يتعلق بالخيار التصويتي. ربما تساعد في جذب بعض الأنصار الحزبيين.. لكنها نادراً ما تكون مغيرة لقواعد اللعبة، رغم ما يُعرف عنها تقليدياً". يُحذر كثيرون من أن ترامب مرشح غير تقليدي وأن السباق الرئاسي سيكشف عن ذلك بطرق غير متوقعة. كما قيل أن حملته لديها القدرة على تغيير الخريطة الانتخابية بطرق لم يقم بها المرشحون الجمهوريون السابقون – للأفضل وللأسوأ. هل حدث ذلك؟.
خريطة انتخابية
يتفوق ترامب في ولايتي أيوا وأوهايو –ولايتان فاز فيهما أوباما مرتين. فلوريدا بها منافسة شديدة، وكذلك ولاية كارولينا الشمالية. لكن طريقة أخرى للنظر إلى هذا السباق هي باعتباره إعادة لانتخابات عام 2012، مع عامل إضافي هو عدم التأكد بشأن تأثير ترامب على الناخبين البيض. على ما يبدو أن الولايات التي كانت دائماً قريبة هي قريبة هذا العام. كان أكبر هامش فوز في ولاية فلوريدا خلال الانتخابات الأربعة الماضية خمس نقاط فقط، في عام 2004، ولكن خلاف ذلك كان بثلاثة نقاط أو أقل. في 2012 فاز أوباما بأقل من نقطة واحدة. يجب أن تكون مرة أخرى قريبة من النهاية. فاز أوباما بولاية كارولينا الشمالية بثلاثة أعشار في المئة في عام 2008 وخسرها بنقطتين في عام 2012. يمكن أن تكون متجهة نحو نهاية أخرى كذلك هذا العام. يمكن أن يفوز ترامب بولاية أيوا، وهي ولاية فاز بها الجمهوريون مرة واحدة في الانتخابات الأربعة الماضية. تتألف مشاكل كلينتون هناك من شقين. الشق الأول هو النسبة المئوية العالية للبيض غير الحاملين للشهادات الجامعية. الثاني، كما يقول الديمقراطيون، هو مقدار اكتساح الجمهوريين لها خلال الحملة التي اندلعت في وقت مبكر من عام 2015 وحتى فبراير\شباط من هذا العام. توجد معارك جارية في الولايات المتأرجحة الأخرى. تبدو ولاية نيفادا تنافسية للغاية. فاز بها أوباما مرتين، ولكن بوش فعل ذلك هو الآخر. تستولي كلينتون على ولاية نيو هامبشاير، التي صوتت لصالح بوش في عام 2000 ولكنها أيدت الديمقراطيين منذ ذلك الحين. ولاية نيفادا بها عدد أقل من الناخبين ذوي التعليم الجامعي، لذلك ستكون فرصها أفضل لترامب. صوتت ولايتا كولورادو وفيرجينيا لصالح بوش في فترتي رئاسته ولأوباما في فترتيه أيضاً. أُحكمت ولاية كولورادو أكثر الآن مما كان يأمل الديمقراطيون. تواصل كلينتون أيضاً الفوز بولاية فرجينيا. ويُعبر فريقها وغيرهم من الديمقراطيين عن ثقتهم بأنها سوف تفوز في كليهما، بفضل التركيبة السكانية. إذا كان الأمر كذلك، فسيحطم هذا آمال ترامب في الفوز.
أمرٌ حاسم
الأمر الحاسم في هذه المرحلة هو أن ترامب لم يفز في الولايات التي كانت دائماً في جانب الديمقراطيين في الانتخابات الأخيرة. على سبيل المثال تزيد نسبه في ولايات بنسلفانيا وميشيجان وويسكونسن، وكلها ولايات تساعده فيها التركيبة السكانية – كبار السن والناخبون البيض وأعداد كبيرة من الناخبين غير الحاصلين على شهادات جامعية. خسر بوش ولاية ويسكونسن مرتين بأقل من نقطة. لكن البرامج الحوارية الإذاعية المحافظة في الولاية كانت تحتج ضد ترامب لعدة أشهر. كانت ولاية ميشيجان الأفضل من بين هؤلاء في الغرب الأوسط من حيث الأداء الديمقراطي في السباقات الرئاسية. تقترب استطلاعات الرأي هناك، ولكن الاقتراب لترامب ليس كافياً. يجعل هذا ولاية بنسلفانيا محوراً أساسياً. وهي دائماً ما تجذب الجمهوريين، ولكن متوسط الهامش الديمقراطي هناك عبر الانتخابات الأربعة الماضية يُعادل 5.6 نقاط. على ترامب أن يغير من معادلة الناخبين هناك للفوز بالولاية. بدونها، لا يزال طريقه صعباً للغاية. هذا هو سياق النقاش يوم الاثنين، فوز على المستوى الوطني لكلينتون بفارق طفيف وعديد من الولايات التنافسية تسابق مع بقاء خريطة الولايات في صالحها. هل يستطيع ترامب تغيير ذلك –وأن يتحدى التاريخ- مع أدائه في المناظرات؟ هل يستطيع تحريك الناخبين البيض الذين يحتاجهم للفوز؟ هذا هو سبب احتمالية أن يكون جمهور يوم الاثنين ضخماً.