♥كم أكره الحديث عن المناطق، ﻷنه مظنة التعصب، وكم هي بغيضة إلى قلبي العصبيات بكل أنواعها، وكم أتوجس خيفة من اللغة المناطقية التي تسري في يمننا الحبيب في هذه اﻷثناء كسريان اﻷفعى، غير أن هذا ﻻ يعني أن نبخس الناس أشياءهم وأن نتجاهل خﻻئق بعض المناطق المهملة، كنوع من اﻹشادة بما لها من محاسن، في وقت تواجه فيه جحافل الشر وألوية التآمر، وفرق الموت. ♥ سأكتب في مقالتي هذه عن محافظة تعرضت للتجاهل الذي يشبه الجحود، رغم أنها (بيضاء) اﻻسم والخﻻل والفعال، بل و(بيضت) الوجوه، وأثلجت الصدور، وأقرت اﻷعين!
♥إنها محافظة البيضاء التي تعرضت - وما تزال - ﻹعصار داحشي مدمر، حيث يحاول العفاشيون والحوثيون اجتثاثها من طريق أحﻻمهم، التي ترجموها إلى حرب، وجسدوها في جحافل أرسلوها ﻹرساء السيطرة، وتوسيع الهيمنة، وتعميق الفساد في اﻷرض!
♥لقد وقفت (البيضاء) في مهب العاصفة، وثبتت في قلب الدوامة، وسارت عكس التيار الجارف، عندما كان الجميع يتأخرون أو يتوقفون للتفكير والتقاط اﻷنفاس، فمن اندفع قبل البيضاء لمناوئة اﻻنقﻻب؟ ومن ينافسها على صدارة الصمود، وعلى ابتداء التصدي للدواحش اﻻنقﻻبيين؟!!
♥ومنذ أن فض الحوثيون بكارة صنعاء، وأحرار البيضاء ماسكين على الزناد، رغم قلة العدد والعتاد، حيث ضحوا بكثير من رجالهم الميامين الذين حصدتهم رغبات الموت الداحشية، لكنهم ضحوا مقابلهم بكثير من الدواحش الذين حصدتهم إرادة الحياة البيضاوية، حدث ذلك قبل أن يرميها المجرمون عن قوس واحدة، مستظلين بحماية الطائرات اﻷمريكية التي هي بﻻ طيار وبﻻ ضمير!!
♥إن البيضاء استحقت أن تكون بيضاء بفضل مقاومتها الجسورة، التي لم تحسب حساب موازين القوى، ولم تهب المنايا الزاحفات تحت ظﻻل وضﻻل المؤامرة المحبوكة داخليا وخارجياً حتى ﻻ تقبل اﻻنكسار!
♥ لقد انبعثت البيضاء من بين رماد المؤامرة كالعنقاء، وانطلقت من مرابضها، بفضل مرابطيها اﻷشاوس، وذلك أثناء ظﻻم صدمة اﻻنقﻻب، فأسرجت فتيل القوة، وأشعلت مصابيح المواجهة، وأثبتت للمنبطحين أن (البيضاء) إنما تتوهج في (الليلة الظلماء)!
♥كيف ﻻ تسميها أقﻻم القدر البيضاء، وقد كانت محجتها بيضاء منذ البداية، ولم يزغ عنها إﻻ حثاﻻت من الهلكى، كالقربي وياسر العواضي، حيث سارت في طريق المقاومة الذاتية، وذلك عندما كان الدواحش يخرجون مسيرات من المرتزقة في محافظات عدة، للترحيب بالظﻻم، واﻻحتفاء بالكهنوت، تحت ألوية الحداثة، وبيارق التقدمية، وﻻفتات المدنية؟!!
♥كيف ﻻ تكون بيضاء وقد بيضت وجوه اﻷحرار، ورفعت رؤوسهم، وطأطأت رؤوس الدواحش، وسودت وجوههم وحياتهم، ولم ينلهم من بياضها إﻻ بياض الشعر نتيجة أهوالها العظام؟!!
♥لقد ﻻحظت تميز البيضاء في ثورتها منذ ربيع 2011، حيث ضمت في أكنافها ساحتين في البيضاء ورداع، وكانت مميزة بفعالياتها، بعناوينها، بشعاراتها، بحشودها الضخمة مقارنة بسكانها، حتى باسم ساحتها الرئيسية:(ساحة أبناء الثوار)، فهم من أصﻻب ثوار عظام ومن رحم الثورة خرجوا!
♥ لقد رأيت تدابير القدر واضحة في تقاسيم البيضاء اسما ومسمى، حيث سودت بخﻻلها البيضاء أنصع صفحات المجد، وسطرت صفحات من تراتيل الرجولة وتسابيح التضحية، وكان أحرارها بحق بيض الصحائف، سود الصفائح، إذ أذاقوا المتجبرين القتل اﻷسود والموت الزؤام!
♥ﻻ أريد أن أمضي في سرد خﻻل ومآثر البيضاء، فهي أكثر من تحصى، أردت من هذه المقالة فقط أن ألفت النظر إلى هذا العمﻻق، الذي يتعرض لمؤامرات تنوء عن حملها الجبال الرواسي، في محاولة لتركيعها؛ ﻷنها أول الثائرين ضد الدواحش، ومن أكثر الذين جلبوا لهم المهالك، وﻷنها في منطقة تماس طائفي منذ قرون، وظلت شوكة في حلوق الكهنوت اﻹمامي، وزاد في اﻷيام اﻷخيرة عامل جديد في إذكاء الحقد، وهو الهزائم المروعة التي قابلت الدواحش في المحافظات الجنوبية، مما أشعل جنونهم، ومواقد حقدهم، وجمرات انتقامهم، ضد أهل البيضاء، وكأنهم يطفؤون غيظهم بسفك دماء رجال البيضاء.
♥لقد بيض البيضاويون وجوه أحرار اليمن، وهم بحاجة اﻵن إلى أن نرد الجميل، بأن نشكل رأيا عاما ضاغطا على حكومة الشرعية والتحالف العربي، من أجل إمداد رجالهم بالسﻻح الفتاك، ورفدهم بسائر مقومات النصر المؤزر، حتىيتحقق بأقل كلفة ممكنة، فما دفعته البيضاء إلى اﻵن يشفع لها لمدة قرن، هي وشقيقة القلب واﻹقليم مأرب، فهل نحن فاعلون؟!!