لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الريال يخطط للتعاقد مع مدرب مؤقت خلال مونديال الأندية    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    نقابة الصحفيين تدعو إلى سرعة إطلاق الصحفي المياحي وتحمل المليشيا مسؤولية حياته    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    الحكومة تعبث ب 600 مليون دولار على كهرباء تعمل ل 6 ساعات في اليوم    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    مئات الإصابات وأضرار واسعة جراء انفجار كبير في ميناء بجنوب إيران    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    السوبرمان اليهودي الذي ينقذ البشرية    لتحرير صنعاء.. ليتقدم الصفوف أبناء مسئولي الرئاسة والمحافظين والوزراء وأصحاب رواتب الدولار    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ محمد بن محمد المهدي في حوار خاص مع مجلة البيان

يُعَد الشيخ (محمد بن محمد المهدي) عضو المجلس العلمي بجمعية الحكمة اليمانية الخيرية ورئيس فرع إب، من القامات العلمية والسياسية الكبرى في اليمن؛ وذلك لسعة علمه وخبرته بالشأن اليمني الذي تمخض من خلال تجارب طويلة عايشها الرجل، وقد كان من العلماء السابقين في نشر الدعوة السلفية في اليمن، والشيخ بقدر
اهتماماته العلمية والدعوية الكبيرة من خلال الإسهام في تأسيس كثير من المؤسسات السلفية المعنية بهذا الشأن التي كان لها دور بارز في أحداث وجود قوي للسلفيين في اليمن ولا سيما جمعية الحكمة. غير أن هذه الاهتمامات وهذه الجهود لم تشغله عن المشاركة في المشهد السياسي اليمني.
وقد صدر له كثير من الفتاوى والكتابات التي تكشف الواقع اليمني بعين رجل مطَّلع، وأُجري معه كثير من المقابلات في هذا الشأن. ونستطيع أن نقول: إن الشيخ هو الأكثر حضوراً من بين المشايخ السلفيين في كشف حقائق الحرب المشبوهة على الدعوة هناك. وقد استطاع الشيخ من خلال مشاركاته المستمرة أن يرسم صورة ذهنية واقعية لما يحدث في المشهد اليمني على كافة الأصعدة، وفي حوارنا معه حاولنا التقاط صورة واقعية لما يجري في ربوع موطن التاريخ والعراقة (اليمن)، وصورة أخرى نقرأ من خلالها مستقبل اليمن في ظل مشاكل الجنوب والشمال.
في البداية نرحب بك على صفحات البيان ونبدأ حوارَنا بالمشكلة الحوثية؟
مجلة البيان: مرَّت الفتنة الحوثية في اليمن بمراحل كثيرة، وفي كل مرحلة تتكشف حقائق جديدة؛ إلا أن الصورة الحقيقة لم تتضح؛ بمعنى أن هناك ملابسات من حيث حقيقةُ مذهبهم، ومصادرُ دعمهم، والمواقفُ المتباينة في تحديد أسباب الفتنة؛ فهل من وَصْف يختزل كل ملابسات هذه الفتنة؟ وما هو دور العلماء؟
الشيخ محمد المهدي: أما بالنسبة للعلماء فإن علماء الزيدية في بداية ظهور حسين الحوثي وظهور أشرطته وبعض آرائه التي كان يطعن فيها بالمذهب الزيدي في جوانب معيَّنة: مثل تقاربهم مع مذاهب أهل السُّنة، وعدم شجاعتهم في الطعن بالمخالفين لأهل البيت من الصحابة (كما يزعم): كأبي بكر وعمر وعائشة - رضوان عليهم - وغيرهم من أهل السُّنة، وكان ينتقد علم الكلام عند الزيدية ويقول: إنهم أخذوه من المعتزلة؛ لكونه يرى أن المعتزلة من أهل السُّنة، وهو يقصد أنهم ليسوا مع الشيعة أو الجارودية في الطعن في الصحابة وإن كان عندهم مسائل في العقيدة خالفوا فيها أهل السُّنة وهي معروفة. فكان علماء الزيدية المعاصرون في البداية ينتقدون حسيناً الحوثي ولا ينتقدون أباه العلاَّمة بدر الدين الحوثي، الذي استقى هذه المعلومات كلها منه. لكن بعدما بدأت الحروب مع الحوثيين سكت كثير من علماء الزيدية، وبعضهم كان يشارك مع الحوثي ويتبنى المواقف الدفاعية عنه، ويرى أن حرب الحوثيين حرب على المذهب الزيدي، وهذا الخطاب استخدمه بعض العلماء منهم كالدكتور المحطوري وبعض السياسيين؛ ولذلك لم يكن لعلماء الزيدية موقف ثابت؛ وإنما كان لهم موقف مؤقت انتقدوا فيه حسيناً الحوثي لانتقاده المذهب الزيدي في بعض المسائل فقط.
وأما السياسيون منهم فكانوا يسيرون في نُصرته بكل ما أُوتوا من قوة؛ ولذلك حُبس بعض الصحفيين منهم، وحُوكم بعض العلماء، واتُّهم بعضهم بالارتباط بالسفارة الإيرانية، وهذا مثبَت في المحاكم. وقد سُجِن الخيواني مراراً بسبب استماتته في نصرة الحوثي وأتباعه في وسائل الإعلام، وهو حَنِقٌ جداً على أهل السُّنة.
ومهما يكن من شيءٍ فإن موقف السياسيين وكثير من علماء الزيدية كان مؤقفاً مناصراً للحوثي بأسلوب أو بآخر وقليل منهم من ظل مؤقفه ثابتاً ضد الحوثي.
وأما بالنسبة لعلماء السُّنة فهناك تفصيل: فبعض علماء السُّنة مرتبطون بأحزاب، وهؤلاء صامتون في الموقف الذي يصمت فيه الحزب ومتكلمون في الموقف الذي يتكلم فيه الحزب. والحقيقة أن أحزاب المعارضة من حيث الجملةُ لم تكن لها كلمة صريحة في معارضة الخروج بالسلاح من قِبَل الحوثي على الدولة.
وهناك علماء ليسوا متحزبين كانت لهم بيانات ومواقف انتقدوا فيها الحوثي لخروجه على الأمة بالسلاح ولم يكن كلامهم منصبّاً على المذهب الزيدي الجارودي الذي يتبناه الحوثي. لكن كانوا معارضين لخروجه بالسلاح، وقتله للجنود، ولمن خالفوه من القبائل، وهذا هو الموقف العام لعلماء اليمن.
واجتمع علماء اليمن مرات في صنعاء وفيهم الصوفيون والسلفيون، وفيهم العلماء المستقلون الذين هم من حيث الجملةُ من علماء السُّنة، وبعض الزيدية الذي كانوا يدعون الحوثي لترك السلاح، ويدعون الدولة لمعالجة الوضع بما يمكن بأقل الأضرار فإذا اضطرت إلى السلاح فذاك وإلا فالحوار هو الأولى.
مجلة البيان: في أطروحتكم الجديدة التي فرقتم فيها بين الزيدية والإثني عشرية من أي الاتجاهين سيكون الحوثيون؟
الشيخ محمد المهدي: كتبت رسالة بعنوان (التشيع في اليمن بين الزيدية والإمامية وجوه الاتفاق والافتراق) وهي مطبوعة. ومن خلال قراءتي لكتبهم وملازمهم رأيت أن الحوثيين ليسوا إثني عشرية ولكنهم زيدية جارودية، فليسوا من الزيدية المعتدلة التي تنتسب إلى الإمام زيد بن علي - رضوان الله عليه - لأنهم يطعنون في الخلفاء الثلاثة ويُنكِرون خلافتهم قبل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ويفسِّقون بعض الصحابة، ولا نستطيع أن نقول: إن حسيناً الحوثي إثنا عشري على الإطلاق؛ لأنه يختلف معهم في بعض الأصول: كالقول بتحريف القرآن، والتقية، وغيبة المهدي في السرداب... وغيرها. نعم، هو يسير على خطى أبيه الشيخ بدر الدين الحوثي الذي له قِدَم في المذهب الزيدي، وله مؤلفات كثيرة ولكنه كان معادياً لأهل السُّنة، وموقفه من الصحابة يجنح إلى الطعن والتفسيق لبعضهم كالجارودية. ونحن نعلم أن الإمام زيداً - رضي الله عنه - دافع عن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - عندما طلب الرافضة منه أن يشتمهما فترضى عنهما، ولمَّا فعل ذلك تبرؤوا منه لرفضه شتمَهما فقال: اذهبوا فأنتم الرافضة. وسواء تسميتهم رافضة لرفضهم إمامة زيد، أو لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر. وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى القولين، فالشيخ بدر الدين الحوثي ينص في كتاب (إرشاد الطالب ص16 - 17) على أن (الولاية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي - عليه السلام - ومِنْ بعده لأخيار أهل البيت الحسن والحسين وذريتهما الأخيار، والولاية لمن حكم الله بها له في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم رضي الناس بذلك أم لم يرضوا؛ فالأمر إلى الله وحدَه ولا دخل للشورى)؛ أي إنه لا يقر بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - قبل علي، رضي الله عنه. وكان صريحاً في طعنه في كثير من الصحابة، ومن تلك الأمثله أنه: وَصَف أبا موسى الأشعري بأنه منافق ضال لم تثبت عدالته، فقال في كتابه تحرير الأفكار (ص494): «وقد كان حكماً ضالاً مضلاً؛ سواء صحت الرواية أم لا. فلا خلاف أنه حكم بخلع أمير المؤمنين، عليه السلام».
وقال (ص494) في معرض كلامه على قصة التحكيم: «وبما ذكرنا من أمارات بغضه لعلي - عليه السلام - مع ما تقرر من أنه لا يبغضه إلا منافق، تتأكد الرواية الدالة على أنه منافق». يقول هذا وهو أحد رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن الداعين إلى الإسلام.
وقال أيضاً (ص 498): «أما الدفاع عن أبي موسى الأشعري فلا موجب له؛ لأنها لم تثبت عدالته حتى يدافَع عنه» إلى أن قال: «فأما التمحُّل لكل مسلم أو لكل من يسمونه صحابياً فليس من النصيحة للدين؛ لأنه يؤدي إلى قَبُول روايات المفسدين للدين بالروايات المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا المعنى تكلَّمنا في أبي موسى والدين النصيحة» اه.
وهو ينكر عدالة الصحابة - رضوان الله عليهم - ففي كتابه (تحرير الأفكار) مبحث بعنوان: فساد القول بعدالة كل الصحابة (ص351) ينكر فيه عدالتهم.
مجلة البيان: هل هو ينقل مذهب الزيدية على أن فيه طعن في الصحابة؟
الشيخ محمد المهدي: لا. المعروف عن الزيدية أنهم كانوا يفضلون علياً ابن أبي طالب ويرونه أحق بالإمامة ولكن يرون صحة إمامة الشيخين أبي يكر وعمر - رضي الله عنهما - على قاعدة معروفة عندهم وهي (صحة إمامة المفضول مع وجود من هو أفضل منه)؛ إذا ما أعرضنا عن الغلاة منهم كالجارودية، وهذا الذي ذكره العلاَّمة الكبير يحيى بن حمزة في رسالته المعروفة (الوازعة للمعتدين على صحابة سيد المرسلين) ونقل عن آبائه من علماء الزيدية وأهل البيت أنَّ لهم مذهبين معروفين: مذهب يقول بالترضي على الصحابة، ومذهب يقول بالسكوت وعدم الترضي وعدم الشتم، وأما شتمهم فهذا ليس على منهج أهل البيت والزيدية، وهذا الكلام نقله بعده الشوكاني في (إرشاد الغبي) وذكره الأستاذ محمد عزان وهو زيدي معاصر في كتابه (الصحابة عند الزيدية). فبدر الدين الحوثي لم يكن إثني عشرياً بالمفهوم المعروف؛ يعني لم يحصرها في ولد الحسين، ولم يقل بعصمة إثني عشر إماماً، ولم يعتقد بطلان الإمامة في غيرهم كما يعتقد الإثنا عشرية.
والإثنا عشرية يعتقدون كُفر الإمام زيد إذا كان قد دعا إلى نفسه. أما أن يكون دعا إلى ابن أخيه أحد المعصومين كما يقولون فهذا أمر آخر، كذلك لا يمكن أن نقول: إن الحوثيين إثنا عشرية بمعنى أنهم يعتقدون حصر الإمامة في إثني عشر إماماً، أو أنهم جعفرية يقولون: إن الإمامة في جعفر. أو يعتقدون أيضاً أن أئمة الزيدية على مر التاريخ كانوا أئمة غير شرعيين، وأنهم كفار لأنهم ادَّعوا ما ليس لهم. كما ورد في الكافي (1/372) أن من ادَّعى ما ليس له من الإمامة فهو كافر. ومن هنا كفَّروا أئمة الزيدية. وحسين الحوثي والحوثيون ليسوا من هذا القبيل؛ فكثير من البدع التي يمارسها الإثنا عشرية ليست موجودة عند الحوثيين. نعم، الحوثيون حقدوا على أهل السُّنة، ونقموا على الصحابة، وتعاونوا مع مرجعية الشيعة لكن في حدود أن كلاً منهم يظن أنه يخدم مصلحته، والذين تشيعوا الآن وصاروا إثني عشرية في اليمن معرفون محددون وليسوا من الحوثيين.
نعم. قد يكونوا منسِّقين ولهم عدو مشترك يسمونه (الوهابية) كما يطلقون على أهل السُّنة؛ هذا وارد، لكن أن نقول: إن الحوثيين إثنا عشرية فأمر فيه نظر. فهم جارودية غالية في العداء لمخالفيها؛ حتى إنهم يتقاتلون مع تلاميذ الشيخ مجد الدين المؤيدي وهم زيدية، من أبرزهم الشيخ عبد العظيم الحوثي وهو عالم زيدي معارض للحوثيين قال عنهم: إنهم أكفر من اليهود والنصارى كما في حوار معه في صحيفة الديار.
مجلة البيان: ننتقل من الشمال إلى الجنوب: هناك في الجنوب عن طريق ما يسمى الحَراك الجنوبي مطالبات المستمرة بالانفصال، ما هي أسباب هذه المشكلة؟ وهل لها أجندة خارجية؟
الشيخ محمد المهدي: هذه قضية قد تكلمتُ عنها في قناة المستقلة وفي كثير من الحوارات، وبيَّنت أن هذا التحرك منه ما قد يكون عفوياً، ومنه ما قد يكون له أسباب داخلية، ومنه ما قد يكون له دوافع خارجية؛ ولذلك نجد الذين يثيرون القضايا من الخارج منقسمين كالانقسام في الداخل؛ وكأن هذا الانقسام بحسب توجُّهات الدافعين لهم؛ فهناك من هو متهم من جهة إيران، وهناك من هو متهم بأنه مدفوع من جهة الغرب، وهناك من هو متهم بعلاقته مع بعض الدول الأخرى. والإشكال هنا ليست المطالبة بحل الإشكالات ورَدِّ المظالم. فقد توجد بعض المظالم لكن المشكلة أنه يتكلم من لا يريد الخير للبلد؛ فمثلاً هناك من يطالب بالانفصال وهذا ليس ناصحاً لأمته ولا لدينه؛ فقد خالف نصوص الاجتماع على الحق التي تذم التفرق كما قال - تعالى -: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وقال - تعالى -: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46]، وأيضاً بلغت العصبية والغلو عند بعضهم أنه ينفي يمنيَّة جنوب اليمن، مخالفاً بذلك التاريخ العربي والإسلامي والجغرافي وما ذكره علماء اللغة والأدب والشعر والرحلات التاريخية العلمية إلى كل هذه المناطق التي يجمعها اسم اليمن، فكان الدكتور علي اليافعي يستقي هذه الفكرة من معارضي الخارج كأحمد الحسني وأمثاله عندما يطلقون مصطلحات: (الاحتلال اليمني، الجنوب العربي)، ونسي هؤلاء أن الإنجليز دخلوا عدن في فترة محددة في القرن الثالث عشر الهجري وكانت ذات سيادة يمنية يحكمها الولاة والأئمة، والحزب الاشتراكي لما حكم جنوب اليمن كان اسم دولته: (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية)، فخالف هؤلاء المعقول، والواقع، والمنقول، والتاريخ، واللغة، ونفوا يمنية هذه المناطق، هذا هو منتهى الغلو!
مع العلم أنهم يدَّعون الكلام باسم الجنوب كله وهذا كلام غير صحيح؛ فالحضارمة لهم رأيهم، وأهل أبيَن لهم رأيهم، وأهل الضالع لا يعبِّر عنهم غيرهم. فلو افترضنا أنه حصل انقسام فلن تكون هذه دولة واحدة أبداً. نعم، هناك مظالم حصلت، وهناك حقوق يجب ردُّها لأصحابها لكن نحن ضد المبالغات وتقسيم الأمة إلى دويلات.
مجلة البيان: كيف كانت نتائج الملتقى السلفي العام الذي أدارته جمعية الحكمة غطته وسائل الإعلام؟ وهل من خطواتٍ عمليةٍ لتنفيذ توصياته؟
الشيخ محمد المهدي: هذا لقاء جمع رؤوس السلفيين في اليمن وتبنَّته جمعية الحكمة، وكان يهدف لبيان موقفنا من المطالبة بالانفصال، وبيان رفضنا للتدخل الخارجي أيّاً كان نوعه (إيرانياً، أو صليبياً، أو من أي جهة كانت). وبعد هذا الملتقى تعرضنا لحمالات كثيرة، من المعارضة ومن بعض الكتَّاب في صحف الدولة، وهم يخدمون الغزو الخارجي لبلاد المسلمين، انتقموا منَّا لأننا اعترضنا على التدخل الخارجي، وكتب بعض مدراء التحرير سلسلة حلقات فيها هجوم على السلفيين. وبعض كتَّاب المعارضة كتبوا في بعض الصحف المحسوبة عليهم التي يديرها بعض المنتمين للحركة الإسلامية، وكتبوا عنَّا كلاماً كثيراً، وظهر هؤلاء بخلاف ما يدَّعون من أنهم يؤمنون بحرية الرأي، ويؤمنون بأن الإنسان له حق التعبير حتى لو تحول عن الإسلام، لكن ليس له حرية أن يبيِّن موقف المذاهب الأربعة أو غيرها من أهل السُّنة بعدم جواز الخروج على الأمة بالسلاح، وأن لا تعالَج المفاسد بمفاسد أكبر منها.
مجلة البيان: جمع الملتقى كثيراً من السلفيين في اليمن؛ فهل يُعَدُّ ذلك بداية لتنسيق جاد بين علماء الدعوة السلفية في اليمن؟
الشيخ محمد المهدي: هناك جهود، ولقاءات بين المشايخ، وإذا ما استثنينا بعض المجموعات السلفية التي لا تقبل الحوار للأسف، فإن الحوار بين التجمعات السلفية القائمة اليوم في اليمن موجود، ونحتاج إلى توسيع دائرته، لكن من حيث المبدأ اللقاءات حاصلة وإن كانت لم تصل إلى المستوى المطلوب.
مجلة البيان: ما هي أهم مراحل الدعوة السلفية في اليمن؟ وهل أنتم راضون عما قدمتم إلى الآن؟
الشيخ محمد المهدي: الدعوة السلفية في اليمن كان هناك من يريد ألا تكون، وهناك من يحاربها منذ البداية، وإذا لم تنضم إلى الحزب الفلاني فإنك تؤذى ويُضيَّق عليك، وكانت هذه الأساليب الحزبية مما وسَّع الهوة بين الدعاة إلى الله، عز وجل. ولكن عموماً الدعوة السلفية تجاوزت تلك المرحلة والحمد لله، وأصبحت لها وجودها ومؤسستها وأعمالها وهي في اتساع، ولا سيما أنها لم تدخل في صراع: لا مع الجهات الرسمية ولا مع عامة الناس، ولم تنافس الناس على أعمالهم ومراكزهم الاجتماعية؛ وإنما شقت طريقها في المجتمع ووصلت مستوىً لا بأس به في جوانب التعليم والدعوة وإخراج حفاظ القرآن والصحيحين وحافظي متون العلوم في العقائد وغيرها، وتأهيل الدعاة إلى الله.
أما بالنسبة لسؤالك: هل نحن رضوان عن ذلك؟ أقول: لا، أبداً فالمسلم لا يقتنع ولا يرضى إلا أن يكون الدين كله لله، وعندما يرى عقائد الناس صحيحة، وعلى عبادة سليمة، وعندما يرى الناس على منهج السلف الصالح في التلقي والاستدلال والعبادات والأخلاق وهكذا، وعندما يشاهد شريعة الله تنفَّذ في الأرض فحينئذٍ سيرضى. أما الآن فهذه خطوات لن نقتنع بها ولكن تتبعها خطوات أخرى ونطمع أن يهدي الله أهل الأرض إلى الإسلام.
مجلة البيان: هل من خطوات للتنسيق بين أطياف الدعوة في اليمن؛ لكي يتم الخروج برأي موحد في كافة القضايا الموجودة فيه؟
الشيخ محمد المهدي: إلى الآن لَمَّا يحصل المطلوب بَعْدُ؛ لكن هناك لقاءات جزئية بين جميع هذه المجموعات - سواء من الأحزاب السياسية أو غيرها - في بعض الموقف التي لا بد منها، وهو في نطاق ضيق ولكن لم يحصل ما نريده.
مجلة البيان: كيف تقرأ مستقبل اليمن في ظل الخلاف بين المعارضة والسلطة؟
الشيخ محمد المهدي: الأوضاع السياسية أحياناً تخيف ولكن سرعان ما توجد المصالح تجمع الأطراف المتنازعة وبسرعة يلتقون، فأنا أرى انقساماً واضحاً بين المعارضة والحزب الحاكم، وأعتقد أن المصلحة ستجمعهم في كثير من المواقف، وعند ما يأتي الضغط الخارجي فحينئذٍ يجتمعون وتنتهي الخلافات بينهم، والمعارضة نفسها مختلفة المصالح والأهداف.
مجلة البيان: شهدت اليمن في الآونة الأخيرة احتجاجات واسعة، أين موقف السلفيين منها؟
الشيخ محمد المهدي: أكثر السلفيين يرون أنه يجب أن يكون مطلبُها تطبيق الشريعة، وأن تتخلى عن المكايدات السياسية أو المطالب غير المشروعة وغير الواقعية التي لا تخدم المسلمين، وأن تكون سلمية خالية من التصرفات الطائشة من قتل وتخريب وإثارة للغوغاء. ولا بد من النظر في المآلات والمصالح والمفاسد؛ حتى لا تؤول المطالبات إلى الوضع الأسوأ، وأدعو إلى الاستفادة وأخذ العبرة مما حصل في تونس ومصر وليبيا؛ من محاولة الغرب استثمار تحركات الشباب لصالحهم؛ لأن القاعدة العامة والمطردة أن الغرب ينظر إلى تحقيق مصالحه ولا يهمه سقوط الأنظمة العربية التي كان يسلطها على شعوبها، وإذا قاربت السقوط ترك الحكام يواجهون مصيرهم وحدهم، ويبحث عن أصدقاء آخرين أقوى مراعاة لمصلحتهم الخاصة. مع العلم أن ما تحقق في تونس ومصر من حرية محمودة موجود في اليمن بدون احتجاج.
مجلة البيان: هل لكم دور في الاحتجاجات الموجودة؟
الشيخ محمد المهدي: أكثر السلفيين العاملين في إطار دار الحديث بمأرب، وجمعية الإحسان، وجمعية الحكمة. وبعض المؤسسات الأخرى يتدارسون الوضع بصورة مستمرة، وقد كنا نُعِد لإقامة الملتقى السلفي العام الثاني في صنعاء ولكن تسارع الأحداث والمتغيرات جعلتنا نؤجله حتى تتضح الأمور وما زلنا نتعامل مع الأحداث بتأنٍّ، ولقاءاتنا مستمرة بفضل الله وقد وضَّحنا موقفنا ببيان هيئة علماء اليمن، وخلاصة الموقف الذي يراه السلفيون هو الدعوة إلى الحوار والمصالحة. وهناك مجموعة علماء سلفيين ضمن لجنة الحوار المنتخبة للمصالحة بين الحكومة والمعارضة: كالشيخ أحمد المعلم والشيخ محمد بن موسى البيضاني والشيخ مراد القدسي... وغيرهم. والأزمة تحتاج إلى جهود ومساعي أكبر؛ لأنها عميقة ولها أطراف كثيرة مؤثرة، نسأل الله - تعالى - أن يوفق كلَّ مساعي الإصلاح، وأن يدفع عن المسلمين وبلادهم الفتن.
مجلة البيان: ما هي الدعوة التي تقدمونها للخروج من الأزمة مع الحكومة أو المعارضة؟
الشيخ محمد المهدي:
أولاً: أن يفهم الحكام أن تطبيق الشريعة الإسلامية هو المسؤولية العظمى على عاتقهم في ما ولاهم الله عليه في بلاد المسلمين. وهي الكفيلة برضا الله - تعالى - ورضا المسلمين عن الحاكم، واستقراره في الحكم.
ثانياً: رفع المظالم عن أبناء الشعب بأنواعها المختلفة من حقوق وأراضٍ، أو مسجونين أبرياء، أو قضايا مرهونة في المحاكم.
ثالثاً: إصلاح الإعلام الرسمي الذي يمثل الدولة وثقافة المسلمين مما فيه من فساد وإفساد، وتسخيره في غرس أخلاق الإسلام وقيمه وثقافته التي يؤمن بها. ولا يجوز أن يكون الإعلام آلة فساد لأبناء المسلمين؛ بل وظيفة الإعلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة لعامة المسلمين.
رابعاً: إصلاح وضع منظمات المجتمع المدني التي تسير بموجب إملاءات غربية، وتسعى إلى تشويه الإسلام، وإفساد المرأة والشباب، وتغيير القوانين الموافقة للشريعة، وتغيير المناهج التعليمية.
خامساً: ضبط تصريحات المتكلمين باسم الحكومة: فهناك من المسؤولين من يطلقون العِنان للسان، ويُخرجُون ما في صدورهم من الغل على بعض العلماء من أهل السُّنة بتصريحات غير مسؤولة.
سادساً: تصفية الحكومة من المفسدين الذين يشوهون النظام الحاكم بظلمهم وجورهم، ويعتدون على أموال الناس بغير حق، ويهضمونهم حقوقهم.
أما نصيحتنا للمعارضة فهي: أن يحرصوا كل الحرص على صلاح الحاكم وإصلاح الحكم؛ لا أن يحرصوا على الوصول إلى كرسيه، وأن يحكموا الشارع بالحكمة، لا أن يحكمهم الشارع بالعجلة. وأن يحذروا من أساليب التدخل الخارجي أيّاً كان نوعه، وأن يطلبوا الأحسن والأفضل مما فيه مصلحة البلد، وأن يقبلوا الحوار مع الحكومة بالحق، وإذا وجدوا باباً للصلح عليهم أن يقبلوه ويدخلوا فيه؛ فالله - تعالى - أخبر عن نبيه شعيب - عليه السلام - أنه قال لقومه: {إنْ أُرِيدُ إلاَّ الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: ??]، وقال - تعالى -: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] ، وقال تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114]، وقال - تعالى -: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10].
مجلة البيان: كلمة أخيرة لشيخنا؟
الشيخ محمد المهدي: أسأل الله أن يجمع الأمة على الخير والهدى. وكلمتي هذه أوجهها للأمة الإسلامية كلها حكاماً ومحكومين، أن يعلموا أن الوضع الذي وصلنا إليه ليس في صالح الأمة، وليس في صالح العلماء، وليس في صالح الحكام؛ ففي السنوات الماضية احتُلت العراق، وقبلها أفغانستان، واليوم قُسِّم السودان، وانتُزِع الجنوب. وهناك سعي لانتزاع أجزاء أخرى، والخطط والدراسات الغربية لتقسيم المقسَّم وتجزئة المجزَّأ معروفة، وقد شُغل بعضنا ببعض، وشغلونا بما يسمى بالإرهاب، أو ما يسمى بالتطرف والتشدد، ونسينا أن الغلو عند عبَّاد الصليب وعند اليهود، وأن التطرف عندهم: في قتل الأبرياء، وغزو الأمة الإسلامية في عقر دارها. إنني أدعو الأمة حكاماً ومحكومين، علماء وعامة، إلى أن يشعروا بهذا الخطر وألا يضرب بعضهم بعضاً، وأن يسعوا إلى جمع كلمتهم. وإذا رضينا اليوم بتقسيم السودان، فسنرضى غداً بتقسيم البلدان الأخرى، وهذه الخطة الشيطانية لو تحققت لأصبحت الأمة شَذَر مَذَر وتفرقت أيدي سبا ووصلت إلى وضع أسوأ مما نحن علية اليوم من التشرذم.
إننا نتساءل: لماذا كثر الحديث عن الوسطية والاعتدال؛ وكل هذه الأحداث تدور حول المسلمين؛ فالمحجبة ليست من النساء الوسطيات، والرجل الملتحي والصالح ليس من الوسطيين، والمنفلت عن دينه هو الرجل الوسطي؟
لماذا لا نتكلم عن التشدد في المناهج اليهودية؟ والمناهج الصليبية؟ لماذا لم نتكلم عن عبَّاد البقر؟ ومن يسفكون دماء المسلمين في شبه القارة الهندية؟ لماذا الطيران الذي يقتل المسلمين بغير طيار في كثير من جبال باكستان وسهولها، لا نتحدث عنه؟ ونتحدث عن مسلمٍ أطال لحيته؟ أو درس عقيدتةً، أو قرأ القرآن وتدبره بأنه خطر على الأمة، وعلى المجتمع.
أدعوا إلى الرجوع إلى الكتاب والسُّنة، وفهمهما الفهم الصحيح الذي كان علية سلف الأمة وسار عليه أهل السُّنة والجماعة خلال العصور والدهور. والفرج قريب بإذن الله - تعالى - فقد قال - تعالى -: {إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح: ?]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «النصر مع الصبر»[1]. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهدية وسلم تسليماً كثيراً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.