كان وائل العبسي يعمل مصورا في إحدى معامل التصوير بين 4 جدران، حينها كان الوطن أيضا لا يزال بين 4 جدران عن تلك الفترة يقول وائل: " كنت أحب تصوير الأطفال.. أشعر بارتياح بالغ إذا نجحت في رسم ابتسامة في وجه طفل، ونجحت في التقاط ذلك". وعندما بدأت الثورة، سيتسمر وائل في التصوير كأحد أبرز ناشطي الثورة لتحرير الوطن السجن. لديه حس التقاط عال، جعله يحظى بمتابعة وسائل الاعلام المختلفة، أيام أحداث الثورة، كان وائل العبسي لا يفوت على كاميرته التي يحملها بين يديه بحنان، وأصبحت جزءا مهما من حياته، فرصة التقاط صورة تستدعي ذلك، أو تخدم الثورة، أو تلبي شغفه الفني والمهني، ومن أجل ذلك يذهب إلى أكثر الأماكن خطورة، شاب يتمتع بحيوية دائمة، حتى في الأوقات العصيبة جدا، باعتقادي هذا ما جعل وائل الآن أحد أهم موثقي أحداث الثورة الشبابية التي شهدتها اليمن خلال العام 2011. يقول بيرنيس ابوت، مصور الابيض والاسود الأمريكي الشهير أن: " التصوير الفوتوغرافي يُساعد الناس لكي يرون" ولدى وائل العبسي ما يزيد عن 200 الف صورة ستساعد الأجيال القادمة على رؤية تفاصيل ثورة الشباب السلمية في العام 2011، الحدث الأهم في تاريخ اليمن الحديث. المشاركة في الثورة كان وائل العبسي في الأيام الأولى من اندلاع الثورة الشبابية لا يزال يعمل في احدى معامل التصوير في صنعاء، يصور بين 4 جدران، "كنت أتابع باهتمام الأحداث الجارية, والمستجدات عبر وسائل الإعلام والقنوات الفضائية, أو عبر قيامي بالاتصال بأقاربي في تعز"، يقول وائل ويضيف "كنت أعمل وكلي شوق وتلهف للمشاركة في الثورة, أتواصل مع أصدقائي في تعز في ساحة الحرية وكنت أثناء ما اتصل أستمع للهتافات والأناشيد الثورية التي كانت تضج بها الساحة، وأظل استمع إليها عبر التلفون لأكثر من نصف ساعة". يتذكر وائل البدايات جيدا وكأنها حدثت للتو، وكيف أنه كان لا يستطيع مقاومة اغراءات المشاركة مع شباب صنعاء الذين كانوا يخرجون في الأيام الأولى، يطالبون صالح بالرحيل أثناء ما كانوا يمرون من أمام مكان عمله، قال أنه كان يترك العمل ويخرج معهم يردد الهتافات بحماس، وكانت بدايات الثورة صعبة على شباب صنعاء، حيث "البلاطجة" أعوان النظام، كانوا يعتدون على المتظاهرين، ويطلقون عليهم النار. وفي احدى تلك الأيام سيسقط الكثير من الجرحى، نتيجة اعتداء بلاطجة على متظاهرين في حي الجامعة والأحياء المجاورة "ساحة التغيير حالياً", ومن حينها سيقرر وائل السفر إلى تعز، للمشاركة في الثورة التي كانت قد بدأت تشتعل هناك، وأيضا من أجل نقل أحداثها للعالم، كون معظم وكالات الأنباء والمصورين المحترفين يتمركزون في صنعاء، يتذكر: " سافرت ظهرا إلى تعز، وكان شباب الثورة في صنعاء قد بدأوا حينها بنصب خيام ثابتة وترتيب أوضاع الساحة، بينما ساحة تعز كانت قد أنشأت قبل أيام". وصل إلى تعز ليلا، وفورا ذهب إلى ساحة الحرية، ومنذ تلك اللحظة بدأ وائل مهمته الحقيقية إلى جانب مشاركته في أحداث الثورة، بتوثيق تفاصيلها لحظة بلحظة في مدينة تعز، التي شهدت جانب كبير من الأحداث. توثيق تفاصيل الثورة "أكثر المشاهد تستهويني هي الحشود الكبيرة، والحشود النسائية، تعبيرات الوجوه، وصور جيفارا التي كان يحملها المحتجون في مظاهراتهم دائما، كنت ألتقط صور أخرى لهذه المشاهد كل يوم". ليس هذا فقط ما يستهوي وائل، أو ما يسعى لإلتقاطه فقد ظل يصور حتى عندما أخذت الأحداث منحى مختلف، بعد احراق ساحة الحرية، وقصف أحياء المدينة، يصور الجرحى والقتلى، ويذهب إلى تلك الأماكن الخطرة وإلى المستشفيات، وكان يصور إلى جانب ذلك المظاهرات اليومية التي لم تتوقف، وينشر الصور على الفيس بوك، لتنتشر بدورها في مختلف وسائل الاعلام، وكان يرفض أن يأخذ مقابلا ماديا عن تلك الصور، يقول: "كنت أصور من موقع كوني مشاركا في الثورة، واريد أن أوصل أحداثها إلى كل العالم. لم أكن أقوم بعمل من أجل آخذ مقابل". الأرشيف الذي يحتفظ به وائل يبدأ من تاريخ 28/2/2011، عندما سالته عن عدد الصور التي يحتفظ بها، أجاب: "لا استطيع أن أعطيك رقما محددا عن عددها، كون الكثير من الصور في سيديهات وفي أماكن متعددة, ولكني أستطيع أن أقول أن عددها سيتجاوز 200 ألف صورة، منها ما يقارب 5000 صورة لمسيرة الحياة, و 400 صورة لمحرقة ساحة الحرية". حتى الآن لا أحد طلب منه تلك الصور، ولا توجد جهة محددة تعني بتوثيق أحداث الثورة، ولكنه شارك بعدد منها في معارض دولية، شارك بالصور ولم يحضر تلك المعارض، أبرزها "معارض عن ثورات الربيع العربي في أوتاوا, ولافال الكندية"، مشرفة أحد المعارض نقلت لوائل اعجاب سياسيين في كندا بصوره. وبجهود أصدقاء، أقيم معرض لصور وائل في ساحة الحرية في تعز، أستمر أيام، في بداية العام 2012، وأقيم معرض آخر في صنعاء، بجهود أصدقاء ايضا. مشهد الحريق كانت صفحة وائل العبسي على "فيس بوك" أيام أحداث الثورة بمثابة مزار لوسائل الاعلام المحلية والعالمية، وأيضا المهتمين من كل مكان. في حديثنا معه ذكر لنا وائل حكاية الأمريكي الذي ظل يبحث عنه أشهرا لأخذ الأذن منه في وضع احدى صوره غلافا لكتابه الذي يتحدث عن اليمن. الصورة التي شدت انتباه الباحث الأمريكي كانت لمشهد حريق، أثناء اقتحام ساحة الحرية في تعز (مكان الاعتصام) منتصف العام 2011، من قبل قوات الأمن التي قتلت عدد من المحتجين، وأصابت عددا أكبر. يظهر في الصورة شابا يحاول اطفاء حريق هائل ببطانية، كان مشهدا مؤثرا، فيه مقاومة واصرار عجيبين، لكن الحريق أتسع بعد ذلك وشمل الساحة ونجحت القوات في طرد المحتجين. قال وائل أن الأمريكي عثر على الصورة في موقع اخباري يمني، "كان اسم كتابه (الاقليمية والتمرد في اليمن) بحسب ما اخبرني في مراسلاته، وقد صدر في شهر ديسمبر من العام الماضي 2012، ولا أعتقد أن يكون قد ترجم إلى العربية". سجل حافل بالاعتداءات سجل وائل في الاعتداءات التي تعرض لها حافل هو الأخر، بل ومزدوج، فقد تعرض لاعتداءات كثيرة من قبل أدوات قمع النظام السابق، وتعرض لاعتداءات أيضا من قبل شركاء الثورة، ناشطين يتبعون الاصلاح. تعرض للاعتداء الأول في بداية شهر مارس 2011م في مسيرة لشباب الثورة في جولة حوض الأشراف، في مدينة تعز، كان يشارك في تغطيتها، وكانت المسيرة متجهة إلى مبنى المحافظة، وتم احتواؤها من قبل قوات الأمن المركزي التي توافدت إلى المكان بكثرة على ناقلات الجند. يقول: "آتى أحد الجنود أليّ وسحبني من يدي، ثم دفعني باتجاه بقية الجنود وهو يصيح بي "أمشي"، حينها أدركت بأني قد وقعت فعلا، كانت المرة الاولى التي أوجه موقفا كهذا، وكان كل شيء لا يزال مجهولا أمامي، ولكن حرصي كان أكبر على الكاميرا، وفي تلك الأثناء تدخل شاب من المحتجين لا أعرفه وحاول سحبي، قال للجندي بصوت هادئ: " أنه يقوم بعمله وفقا للقانون". ويواصل حديثه: "تعرفت على الشاب الذي عمل على تخليصي من بين يد الجندي بعد ذلك، كان الرفيق مطلق الأكحلي، ومن يومها أصبحنا أصدقاء، ولم نكن نفترق معظم الوقت، شهدنا معا أغلب الأحداث التي وقعت بعد ذلك اليوم". المرة الثانية التي تعرض فيها وائل للاعتداء، كانت في بداية شهر ابريل 2011، عند خروجه لتغطية الحشود القادمة من المديريات إلى ساحة الحرية في تعز لأداء صلاة الجمعة، التي كانت أحد أشكال الاحتجاج الكبيرة، أعتدي عليه من قبل افراد النقطة العسكرية في نقطة الضباب، المدخل الغربي لمدينة تعز، أثناء ما كان يقوم بتصوير جنود النقطة وهم يطلقون النار باتجاه المحتجين لمنعهم من التقدم، والدخول إلى المدينة. وعن هذه الحادثة يقول: " تم الاعتداء عليّ بالضرب في أنحاء متفرقه من جسدي ، محاولين أخذ الكاميرا فتمسكت بها بشدة فتم سحبي الى الخيمة التابعة للنقطة بعيداً عن أنظار الناس وتم ركلي بأقدامهم، مصرين على أخذ الكاميرا، وبعد نصف ساعة من تمسكي الشديد بها أتى شخص محام ومعه أحد رجال المرور وأقنعوا الجنود بإطلاق سراحي مقابل مسح الصور التي كنت قد ألتقطها". بعد منتصف ليل 7 يوليو من العام 2011، كان القصف شديدا على ساحة الحرية وعدد من أحياء المدينة، وفي تلك الليلة سيتعرض وائل للاعتداء الثالث، لأنه أراد آخذ مقاطع فيديو للقصف، يتذكر: "ذهبت إلى حارة فندق الأخوة، كون المكان يطل على ساحة الحرية ومستشفى الثورة الذي تحول حينها الى ثكنة عسكرية، وكانت تلك الثكنة مصدرا لأغلب القصف الذي أستهدف المدينة، كنت قد بدأت تصوير القصف في تلك الليلة وإذا بشابين، يمنعاني، واستدعيا أربعة شباب أخرين كانوا مسلحين". ويتابع "أخذ الشباب يتهكمون عليّ ويشتمونني، محاولين الاعتداء عليّ بأسلوب همجي واستفزازي واخذوا مني كاميراتي الفيديو وأخذوا كاميراتي الفوتوغرافية وبقية اغراضي التي كانت في الحقيبة، لحسن الحظ كان هناك شباب أخرون في الحارة تعرفت عليهم في الساحة (مأمؤن المقطري وأخوانه ورفيق العبسي) وبعد تدخلهم، خلصوني من بين أياديهم، وحاولوا إعادة كاميراتي وأغراضي من المسلحين إلا إنهم أصروا على مواقفهم واستفزازهم". عاد وائل في ذلك المساء بعد أخذ تطمينات من الشباب بأن الكامرتين ستعودان اليوم الثاني، لكنه لم يستعيدهما إلا بعد أيام، وكان قد تم تحطيم الكاميرا الفيديو. آخر اعتداء تعرض له المصور وائل العبسي كان قبل أشهر من قبل شخص في ساحة الحرية يدعى عبدالله عبدالولي، وهو شخص يشكل عصابة مع آخرين بمساندة من حزب الاصلاح، وتم الاعتداء عليه بعد أن تم اتهامه بتصوير النساء، كانوا يعنون النساء في الساحة وليس في صالة أعراس، كان ذلك بعد أن خفتت الثورة، وعن هذا الاعتداء يقول وائل العبسي: "ثلاثة أشهر وأنا أتابع قضية الاعتداء الأخير، أمام الجهات المختصة، لكن دون فائدة، فالمعتدون لا يزالون هناك في ساحة الحرية يمارسون اعتداءات على ناشطين، بين وقت وأخر". بطاقة وائل منصور محمد أحمد من مواليد قرية دعان أعبوس مديرية حيفان متزوج وأب لثلاثة أطفال: نقاء، معاذ، جيفارا ينتمي سياسيا للحزب الاشتراكي اليمني تلقى تعليمه الأساسي والثانوي بمدرسة التحرير مشاوز أعبوس, كان يهوى التصوير, ويمارسه خلال العطل الصيفية في مراحل تعليمه الثانوي. بعد أن أتم دراسته الثانوية, غادر قريته إلى تعز, وحصل على عمل في أحد معامل التصوير, وبدأ بتنمية قدراته, تقدم للدراسة في أحد المعاهد، ولظروف خاصة لم يستطع مواصلتها، لكنه واصل عمله كمصور في عدد من معامل التصوير في تعزوصنعاء، وكان غالبا ما يتم اختياره لتصوير الحفلات والمناسبات.