مديرية الوازعية ... مديرية نائية تقع في الجنوب الغربي لمحافظة تعز ، وهي احدى اصغر مديريات المحافظة مساحة وسكانا وأكثرها فقرا وحرمانا. الاوضاع الاقتصادية والانسانية في مديرية الوازعية الواقعة غرب محافظة تعز, لم تكن بخيرا, غير أنها ازدادت سواء عقب اندلاع الحرب الاخيرة التي فجرتها مليشيا صالح والحوثي قبل نحو عام وضاعفت الاعباء والتكاليف على المواطنين الفقراء في مديرية الوازعية الذين يعتمدون في الغالب على الرعي والزراعة الموسمية, ومعهم جميع ابناء اليمن. بالنسبة لأهالي الوازعية فان ال29من سبتمبر المنصرم ، كان يوما استثنائيا مثل بداية فصل جديد من المأساة, إذ اقتحمت مجاميع كبيرة من مليشيا علي صالح والحوثي المديرية بآلياتها العسكرية ومدافعها ، جالبة معها الموت ، والدمار ، والرعب كعادتها. تمكنت من السيطرة على المجمع الحكومي في "الشقيراء" بالمشاولة, بعد أن قتلت 6 من الأهالي حاولوا مقاومتها وجرحت اخرين فيما لازال مصير البعض غامضا. وتيرة الاشتباكات اشتدت عصر ذلك اليوم بين مليشيا علي صالح والحوثي ورجال المقاومة من ابناء الصبيحة في مركز المديرية ومناطق محيطة تابعة لمديرية المضاربة ، وتزامن مع تلك الاشتباكات تحليق كثيف لطيران التحالف العربي وغارات مركزة ، الامر الذي زاد من الخطر على السكان المدنيين . واضطرت عشرات الأسر الى مغادرة منازلها _مستغلة الهدوء النسبي الذي يحدث بين الفينة والاخرى _ تاركين أمتعتهم ومواشيهم وكل ما يملكون ، متوجهين الى الشعاب والأودية القريبة التي تعد آمنة نسبيا مقارنة بقراهم ، ليبيتوا ليلتهم الأولى في العراء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ، تتربص بهم القوارض والضواري ، ويهددهم الرصاص والقذائف الطائشة من مواقع الاشتباك . صبيحة اليوم التالي بدت القرى خالية من سكانها الا قليل من الاسر التي تعذر عليها الخروج او الرجال الذين آثروا البقاء لحراسة المنازل والمواشي ؛ مركز المديرية " السوق المكتظ عادة " أشبه ما يكون بمدينة أشباح ، فكل المحال التجارية والمرافق الخدمية وحتى الصيدليات مغلقة ، والشوارع والطرقات خالية إلا من أطقم المليشيا التي تجوب المنطقة ناقلة المقاتلين والتعزيزات الى الجبهة ، وأسر تبحث عن ذويها المفقودين منذ الثلاثاء ، من ضمن هذه الأسر أسرة مسن ستيني يدعى "محمد طربوش " اختفى في ظروف غامضة اثر دخول المليشيا الى المديرية . بعد يومين وجدت جثة المسن ملقية على قارعة الطريق العام ، وعلم بعض ذوي المفقودين أن من يبحثون عنهم مختطفون لدى المليشيا ، وأنهم محتجزون في مسجد في قرية " الحضارة" حولته المليشيا الى محبس وأن بعضهم جرحى وحالتهم خطرة . حجم المأساة عدد الضحايا يزداد كلما اتسعت رقعة المواجهات ، فقد نزحت عشرات الأسر من مناطق البوكرة شرق الوازعية ، بعد أن وصلت الاشتباكات الى قراهم ، وأجبروا على المغادرة تحت قصف كثيف لمدفعية المليشيا طال منازلهم لتحترق العديد منها وهم ينظرون . من تبقى من السكان من القرى المحيطة بمركز المديرية يتأهبون للذهاب الى الجامع الكبير لاداء شعائر صلاة الجمعة ، لكنهم فوجئوا بالمليشيا تغلق ابواب المسجد في وجوههم وتمنعهم من اداء الصلاة ، ثم طلبت ممن تبقى من السكان مغادرة القرى " متذرعة بأن بقائهم يشكل خطرا على حياتهم " بعد أن عززت مواقعها المحيطة بقراهم ، لتختفي بذلك كل مظاهر الحياة وتبقى فقط مليشيات الموت جاثمة على المنطقة ، بعد أن نزح سكانها ليرتفع بذلك عدد النازحين الى مئات الأسر . أضطر الجميع لمغادرة المنطقة حاملين معهم ما امكن من متاع مصطحبين مواشيهم ، في ذات اليوم " الجمعة 2 اكتوبر " الناشط طارق العكبري من مدينة هجدة ( 40كيلو شمال الوازعية ) يكتب على حائطه بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك " هجدة تكتض بالنازحين والأمس واليوم وصل إلينا نازحون جدد من الوازعية ...). وإذ غادر البعض المديرية ، نزح آخرون الى المناطق الأكثر أمانا فيها " حنة ، الردف ، شعبو ، الغيل ، الظريفة "؛ بصوت يغلب عليه البكاء قال أحد النازحين: " أننا احياء, ونعيش بلا مأوى ، البعض بنى " ديم " ليأوي إليها النساء والأطفال. واضاف: " عشرين مواطن ينامون في ديمة صغيرة. وعند سؤاله عن احتياجاتهم قال : " نحتاج كل شيء ، ليس لدينا شيء نحتاج الى غذاء وماء ودواء وبطانيات خصوص أن الشتاء قادم, وقال إن نساء كثر وضعن حملهن في تلك المناطق المقفرة وأنهم لم يستطيعوا ان يجدوا لهن " إبر (حقن ) حق النزيف أو مهدئ للوجع ( الألم ) " ، طالبا ايصال صوتهم وتبليغ معاناتهم " للمنظمات واصحاب الخير " . وبالرغم من المناشدات الكثيرة التي وجهها النازحون لاغاثتهم لم تستجب أي جهة الى الان فيما تتفاقم مأساتهم يوما بعد يوم ، وكل يوم تنضم اليهم قوافل جديدة من النازحين خصوصا بعد أن وصلت الاشتباكات الى مناطق جديدة مثل الظريفة ، والعلقمة ، وراسن التي كانت تستقبل النازحين من قبل .