- عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    مغالطات غريبة في تصريحات اللواء الركن فرج البحسني بشأن تحرير ساحل حضرموت! (شاهد المفاجأة)    الإنتقالي يرسل قوة امنية كبيرة الى يافع    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    "صفقة سرية" تُهدّد مستقبل اليمن: هل تُشعل حربًا جديدة في المنطقة؟..صحيفة مصرية تكشف مايجري    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    إلا الزنداني!!    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    البحسني يشهد تدريبات لقوات النخبة الحضرمية والأمن    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    الشيخ الزنداني رفيق الثوار وإمام الدعاة (بورتريه)    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    "جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    المجلس الانتقالي بشبوة يرفض قرار الخونجي حيدان بتعيين مسئول أمني    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوقتُ بخطواتٍ عجُولة (3)


المركزي والسينما
أن تأتي كلمة "مركزي"، في سياقِ حديثٍ في مدينة تعز، فإنها تشير صراحةً إلى السوق الأشهر فيها الذي نشأ على تخوم "المدرسة الأحمدية"، والتي صار اسمها لاحقاً "مدرسة الثورة الابتدائية"، تمييزاً لها عن "مدرسة الثورة الثانوية" التي بناها المصريون في 1963، في منطقة المُصلى غرب المدينة.
بالقرب من السوق وفي جهته الشرقية تماماً، أنشئت سينما شعبيةٌ بجدرانٍ من الأسمنت وأَسْقُفٍ من الزنك المقوَّى. عُرفتْ هذه السينما باسم "سينما بلقيس المدينة"، تمييزاً لها عن "سينما بلقيس الجحملية". وكانت كلمة "سينما" من أكثر الكلمات التي شيْطَنَها الكبارُ في أذهاننا، فصارت في مُدركاتنا الصغيرة رمزاً للانحلال. ومع ذلك، لم يمنعنا، في مرورنا السريع المرتبك أمام مبناها، من التلصُّص على "أفيشات" الأفلام التي تعلَّق على عوارضَ خشبيةٍ في مدخلها وفي واجهتها الرئيسة، لالتقاط ما يمكن التباهي به أمام الأقران، أو اختزال لقطةٍ فوتوغرافيةٍ لمشهدٍ ساخنٍ جاذب. ونتلصّص أيضاً على لاعبي ال"جيم" الصغار، وعلى لاعبي الحظ "طير وكتابة" على المسطحات الأسمنتية جوار مدخليها الشمالي والغربي، والتي كانت تُعرف بلعبة "قمار البُقَش". ومن الأخيرة، لم تزل محفورةً في ذهني مشاهدُ بعض فتيات الحارة الشابات، بلباسهنّ التعزي المعروف (الزنة "البلدي" والسروال الواسع بثنياته أسفل الساق، و"مقرمة" وعصابة الرأس الملونة)، يشاركْن الشبانَ لَعِبَهم، وبتنافسٍ وانفعالٍ، دون أي غضاضة في ذلك سوى في "تركيمها" المضاعف لصور العيب في أذهاننا الصغيرة.
لم أزل أتذكر كيف أن النساء غير "المنقبات"، وبذات اللباس التعِزّيّ، من حارة المدرسة والحواري المجاورة، مثل المدينة القديمة والضبوعة ووادي المدام وشارع 26، كُنّ يذهبْن للسينما في معظم العصاري برفقة الأطفال الصغار. وكانت "بلوكونات" السينما تُحجَز لهن خصيصاً، ويدخلن من الباب الشمالي للمبنى. وكانت السينما تزدحم أكثر بالنساء، مع عرض الأفلام الرومانسية المصرية وبعض الأفلام الهندية، أو في عصاري الجُمَع، حين يخرجن من الحواري، بكامل أناقتهن، جماعاتٍ، وأفواهُ بعضهن لا تخلو من القات.
كانت التسمية الرسمية للحارة، التي توجد بها السينما، "حارة المدرسة". وفي الوعي الشعبي تسمى حارة "الجزارين"؛ لأن بعضاً من سكان الحارة الأصليين يمتهنون الجِزَارةَ في السوق القريب. وكانت التسمية، بمحمولها "التحقيري"، الجزء الناشط من التلاسن والعراكات التي تنشأ بين أبنائها وغيرهم من أبناء الحواري الأخرى.
في ذات الحارة، وبالقرب من السينما، كان المقر القديم لنادي "الطليعة" الرياضي، الذي أسسه القوميون منتصف الستينيات. وكان في تلك الفترة يشكل، مع "النادي الأهلي"، قُطبَيْ منافسات كرة القدم في المدينة، ورمزاً للوجه الآخر منها. وبسبب اهتمامي الباكر بالرياضة، كنت أحد مشجعي النادي المتعصبين. وكانت تبهرني صورُ الكؤوس المتواضعة التي يعلوها الغبار، وجرائد الحائط الملونة، وصور اللاعبين ملتصقةً بالخشب المشكَّل، وطاولة التنِس الخضراء في الحُجرة الوحيدة الواسعة، والمشبَّعة برائحة الرطوبة ونشارة الخشب التي تدخلها، عبر النوافذ الواطئة، من ورش النجارة القريبة.
خلف النادي من الجهة الشمالية، افتتح حسين الدقمي معملاً صغيراً لتحضير الآيسكريم، فشكَّل ذلك حدثاً استثنائياً في الحارة الشعبية. وكنا نجمع العيدان الخشبية المسطَّحة المرمية بعد الاستهلاك، من أجل الحصول على قطعة مجانية من الآيسكريم الملَّون؛ يصر عامل المحل، محمد الأخرط، على أن تكون نظيفة ليسهل إعادة استخدامها.
كنا نفضل هذا النوع من الآيسكريم لطعم الحليب الطافح فيه، على آيسكريم البيوت الذي لم يكن سوى قطعةٍ من الثلج مشبَّعةٍ بالسكر المصبوغ. وقتها، لم يكن آيسكريم "نانا" قد غزا الأسواق.
كنا ننهض باكراً، مع صلاة الفجر، لنقوم بمهامنا في الدكان؛ مثل إحضار الماء من حنفية سوق السمك المجاور، والإفطار من المطاعم القريبة، والذي لم يكن يتعدى الفاصوليا الحمراء و"الروتي" الساخن؛ وهذا يتمّ بعد قيامنا برصّ بعضِ أنواع البضائع، من المكانس وأواني الزيوت، في مدخل الدكان.
كان أولَ من يصل إلى السوق الصّبرِيّات ب"قُفَفِهِنّ" المملؤة بالنعناع و"المشاقر" والفواكه، يجلبنها من مناطق ثَعَبات التاريخية وقرى أسفل الجبل. وحتى الآن، لم تغادر أنفي الروائحُ المنبعثة من تلك ال"قُفَف"، ولم تغادرها روائحُ البن والشاي في صباحات السوق الباكرة.
في المدخل الضيق المؤدي إلى سوق السمك، والزقاق المؤدي إلى شارع التحرير الأعلى، جوار مبنى البلدية، كان نساءٌ أخرياتٌ ممن يسكنَّ حارة الحواري القريبة يفترشن الأرض لبيع الفواكه الموسمية والفطير واللبن الرائب و"المشاقر". وحتى الآن، لم يزل بعضُ المُسنّات منهنّ أحدَ المعالم البارزة في السوق. أما بائعات القات الصبري، فكنَّ يرِدْن ب"قففهن" إلى السوق قبيل الظهر بقليل، وكان لهنّ مواضعهن المعروفة، ويكون أغلب زبائنهن في انتظار القات ("المثاني" أو المبرَّح" أو "الشرو" أو "الجدَّة")، المقطوف من الجبل حسب موسمه.
لم نكن نعيش في إطار أُسَرٍ وعائلات؛ فأمهاتنا في القرى، ونقيم مع أهلنا في بيوتٍ بائسةٍ مستأجرةٍ، أقرب إلى الخرابات أو دكاكينَ بلا مراحيضَ في الحواري القريبة، "الضبوعة" غالباً. وكان ذهابُنا إلى بيوت بعض زبائن الدكان، من الأسر الميسورة والمدنية المنتقلة من عدن، لإيصال طلباتها، يشكِّل -في وعينا- اللحظاتِ الفارقةَ فيما نظنه ترفيهاً استثنائياً. روائح البخور وتناول العصائر الباردة (ال"فينتو" وال"أورنش")، مع قطع ال"كيك" التي تتكرم بها علينا نساء البيوت الطيبات.. كان ذلك بالنسبة لنا البذخ الفارِه. وحتى وقتٍ قريبٍ، كنتُ كلما أمر بالقرب من عمائر "الغنامي" بشارع 26 سبتمبر، تقودني الذكريات إلى تلك الأيام بقساوتها اللذيذة. أما العمارة التي تقع بمدخل شارع السينما من جهة شارع جمال، فلم تزل تُذكّرني بتلك الأسرة العدنية التي كانت تمُتُّ بصلة قرابةٍ لأحد جيراننا في القرية. وكانت فتياتُه يمثّلْن اللحظةَ الفارقةَ للتمدن الجميل في الحارة الشعبية.
مع تباشير الثمانينيات وبدايةِ المدِّ الأصولي، بفعل الظاهرة الخُمَيْنيّة وتفشي الوَهّابيّة كوباءٍ، بدأتْ هذه المظاهرُ تبْهُت شيئاً فشيئاً حتى انطفأتْ؛ فلم تعد نساءُ الحارة يذهبْن إلى السينما، والصبريات صِرْنَ صوراً باهتةً ومقلَّدةً من نساءٍ في المدينة، يجلبْن بضائعَهُنّ من أسواق الجملة ويبعْنَها باعتبارها من منتجات الجبل، تماماً كما كانت تفعل الصبريّات الأصليات بالحُليّ المقلَّدة التي كنّ يلبسْنَها للَفتِ الأنظار إليهن. وذابت بعضُ الأسر العدنية في مزاج المدينة المنكفئ، وأكثرها غادر إلى مستقراتٍ جديدةٍ في الخليج وأوروبا.
السينما أغلَقتْ أبوابَها من سنواتٍ، والسوقُ صار مزدحماً ولا يطاق. أما الشارع الذي يقْسِمه نصفيْن وكانت تمرّ منه السياراتُ المحمَّلة بالبضائع إلى المحلات على الجانبين، ونمارس فيه في المساءات -بعد أن يقوم "عُطعُط" وزوجته بكنسه بالمكانس الخشبية الهندية- لعبَ كرةِ القدم، فصار موقفاً للعربات اليدوية والبسطات والمفارش العشوائية، ولا تصل إليه يدٌ حانيةٌ لتنظيفه.
المادة من موقع خيوط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.