العميد أحمد علي ينعي الضابط الذي ''نذر روحه للدفاع عن الوطن والوحدة ضد الخارجين عن الثوابت الوطنية''    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    يجب إقامة المشانق لمن يستوردون لأطفال الجنوب ألعاب الشذوذ والمثلية الجنسية    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    وزارة الخدمة المدنية تعلن الأربعاء إجازة رسمية بمناسبة عيد العمال العالمي    استهداف سفينة حاويات في البحر الأحمر ترفع علم مالطا بثلاث صواريخ    واشنطن والسعودية قامتا بعمل مكثف بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    منازلة إنجليزية في مواجهة بايرن ميونخ وريال مدريد بنصف نهائي أبطال أوروبا    الهجري يترأس اجتماعاً للمجلس الأعلى للتحالف الوطني بعدن لمناقشة عدد من القضايا    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    وفاة ''محمد رمضان'' بعد إصابته بجلطة مرتين    «الرياضة» تستعرض تجربتها في «الاستضافات العالمية» و«الكرة النسائية»    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    بين حسام حسن وكلوب.. هل اشترى صلاح من باعه؟    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    مشادة محمد صلاح وكلوب تبرز انفراط عقد ليفربول هذا الموسم    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجحملية .. اليمن الصغرى
أشهر حارة على الإطلاق
نشر في الجمهورية يوم 27 - 06 - 2007

الجحملية من أحياء تعز..يعود تاريخ عمارتها إلى القرن الثامن الهجري أيام الملك المجاهد علي بن المؤيد داوود بن المظفر الرسولي ،وكان لها سور يحيط بها.»كما جاء في معجم البلدان والقبائل اليمنية لإبراهيم المقحفي « .ولايوجد أثر اليوم لبقايا السور،ولايوجد من أرخ لها،مع أنها هي أهم حارة يمنية مر بها وعاش فيها التاريخ أجمل أيامه،لكنه سرعان ماتنكر لها،فلم يترك ورقة واحدة عنها وربما يعود ذلك إلى أن تاريخ الحارات غير مدون ،حتى الروايات التي كُتبت لم تُركز على حارات وأسواق المدن وإنما تمحورت حول أشخاص وسلوكيات وغلب عليها طابع الشكوى والنقمة على ماكان أو مدحه والحنين إلى عودته ،ولم تركز على حياة الناس العادية.
أغلب ساكني الجحملية من تعز وصنعاء وإب وحجة ،وهناك ممن سكنوا فيها من لحج،وفيها أيضاً من الأتراك الذين بقوا في اليمن بعد انتهاء نفوذ الخلافة الإسلامية العثمانية والتي كانت اليمن جزءاً منها،والجحملية على حد قول عبدالله الوتيري وهو أحد سكان الجحملية حيث قدم إليها منذ صباه قبل الثورة اليمن الصغرى،ويعود وجود أولئك الناس من مختلف المناطق فيها إلى ارتباطهم بالوظيفة العامة إبان حكم الإمام أحمد حميدالدين،والذي اتخذ من تعز مقراً شبه دائم لحكمه ،بعد أن غادر صنعاء التي استقر فيها حكم والده ليرتاح من البهائم السبع فقد كان يبحث عن منطقة يستطيع أن يدير منها أمور الدولة بهدوء وخاصة أنه كان يتوجس خيفة من الاحتلال البريطاني في جنوب اليمن ،فوفرت له تعز ما أراد ،وبنى في الجحملية ماكان يسمى »المقام« »المتحف الوطني بمدينة تعز الآن« واستقر في الجحملية مع حاشيته »والعكفة« أو مايسمى بالحرس الخاص .وبنى إلى الجنوب من المقام قصر صالة فاختلطت حاشيته بأهل الجحملية حيث وزع عليهم الإمام الأراضي ليبنوا فيها مساكنهم ويستقروا فيها،ومن أطرف ماروي في تلك الفترة أن رجلاً من حاشية الإمام جاء إليه ليشكو زوجته التي هربت من بيتها في المدينة إلى الجحملية ولم يستطع أن يعيدها إلى البيت.فقال له الإمام اتركها »لقد تجحملت جحملها الله.
وعلى حد قول عبدالله الوتيري أن أزهى عصر للجحملية كان في عهذ الإمام أحمد،حيث أن سكانها هم مسئولو إدارة الدولة ولم يكن فيها ازدحام سكاني مثل العهود التي تلت ذلك العهد،فقد كانت بيوتها معدودة ومتنوعة الأصول والمناطق فكانت خليطاً من البيوت الصنعانية والتعزية والتركية وغيرها،ولعل أسماء البيوت التي عددها لنا الوتيري فيها دلالة على ذلك منها :بيت الحمامي ،وبيت جمال،وبيت المرتضى، وبيت عباس،وبيت الذاري،وبيت الجرموزي ،وبيت القصوص وبيت الحاج/ محمد اليمني وبيت تقي ،وبيت الزواحي ،وبيت نصار،وبيت الهمداني،وبيت الجنيد،وبيت الوشلي ،وبيت الربيع،وبيت محرم ،وبيت السامعي ،وبيت الحلالي،وبيت القيسي ،وبيت نجاد،وبيت طربوش.
وسكن في هذه الحارة قادة ورجال دولة كثيرون ،أهمهم الإمام أحمد حميدالدين ،وفخامة رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح الذي بنى بيته في القرب من فرش الدباباتعلى »عكمة العكابر« (أكمة يطلق عليها أهل الجحملية عكمة) ،من سكنها لايستطيع أن ينساها فهي آسرة سكانها وإن رحلوا عنها!!
مميزاتها
فضل الناس السكن فيها لعدد من الأسباب ،أولها: انها مرتفعة عن المدينة ،وفر لها الارتفاع نقاء في هوائها العليل فكانت منطقة صحية ،بعكس المدينة التي كانت بها الكثير من الأمراض كالملاريا،وهناك قول مشهور مفاده:تعز لاتسكن بها وعن زبيد فانزجر فعش ذلك كدر وماء الأولى من صبر،فمن أمسى بها ليلة من غير سكانها بكر محموماً وربما يعود ذلك إلى أن المدينة لم يكن بها خدمات المجاري وغيرها ،وأيضاً من الميزات التي جذبت الناس لسكن الجحملية في ذلك الوقت وجود الماء العذب الذي يصلها من جبل صبل الذي يحتضنها بين يديه،ولوجود مقام الإمام فيها حيث كانت الخدمات متوفرة فيه وفيما حوله كالكهرباء وغيرها.
ما يميز الجحملية عن غيرها من حارات اليمن ،هو ماذهب إليه البعض بالقول انها أهم وأشهر حارة يمنية على الإطلاق لعدة أسباب منها:ذلك المزيج السكاني الذي كان لها قبل غيرها،فهي كما أشرنا خليط من سكان اليمن،هذا المزيج جعلها متميزة بمن فيها من أناس اجتماعيين تركوا مدنهم ومناطقهم واستوطنوا فيها،وهذا ما جعلهم يتعايشون بعيداً عن المشاكل التي تحدث في إطار الأهل والقبيلة الواحدة ،فتوجب عليهم الانفتاح على بعضهم البعض كي يشكلوا مزيجاً فريداً ،مكونين كتلة اجتماعية من الوجهاء،والعلماء والقضاة ، وهذا التنوع أوجد مشهداً مثيراً قلما نجد مثله ،وغلب على أهلها الطابع المدني،وتميزوا باللطف وخفة الدم وسرعة البديهة،والجرأة ،فقد امتزجت ثقافة العسكر الذين جلبهم الإمام إليها مع الجرأة والمغامرة،والمشاغبة والهدوء،والفوضوية ،لينتج عن كل ذلك ثقافة وليدة لانستطيع أن نطلق عليها إلا ثقافة الجحملية فكان أهلها اجتماعيين بكل ماتعنيه الكلمة،على حد قول عبدالله الوتيري،وعلى الرغم من تنوع سكانها إلا أنهم كانوا قلة مما جعلهم أكثر قرباً من بعضهم.
صُنع في الجحملية
لو مررت بالجحملية وحلف لك أحد أبناء صنعاء الذين يقطنون فيها مائة يمين أنه من صنعاء فإنك لن تصدقه،فالختم الرسمي الذي تراه يغطي ابتسامته السوداء يجعلك تقول »صُنع في الجحملية« ويدعي أنه من صنعاء!!.ويعود ذلك إلى مشكلة الأملاح الزائدة،التي عملت على تلون الأسنان باللون البني الغامق المائل للسواد أو كما يسميه أهل الجحملية »ذحل الأسنان« .ذلك الذحل ،على حد قول أحدهم،شوه كثيراً من جميلات الجحملية اللاتي كان جمالهن متنوعاً صنعانياً وتركياً وتعزياً وإبياً..جميلة إلى حد لايصدق لكن لابريق لثغرها،وهذا القول ليس هو الأصل فذلك شيء بحسب الأمزجة فالجمال ليس موحداً في نظر الناس.
كلهم أهلي نحن أسرة واحدةهكذا قال فؤاد اليمني أحد شباب الجحملية واصفاً أهل حارته ، فهو لم ينس أيام طفولته حيث كان يأكل في كل بيت من بيوت جيرانه وكأنه في بيته،وليس ذلك فحسب فقد كان ينادي نساء الجيران كما ينادي أمه فيقول لجارتهم أمي فلانة،والأغرب من ذلك أن تسمى الأم باسم ابنها الأكبر فيقال لأم عادل أم عادلولأم علي أم علي،وهكذا كانت التسميات تطلق من قبل أولاد الحارة على نسائها،فقد كانوا يعتبرونهن أمهاتهم.
مساجدها
أشهر جوامعها جامع عباس ،وجامع العرضي،وجامع الحسين بن علي »رضي الله عنهما« وجامع نصار،وقد بنيت على الطراز الصنعاني، كما هو الحال في الجامع العرضي المبني بالحجر الأسود »حبش« وفيه باحة كبيرة تشبه باحة الجامع الكبير ( منقول بالنص) فهو يشبهه من حيث التصميم وقد بناه الإمام أحمد على غرار الجامع الكبير بجوار المقام،
الطراز المعماري الصنعاني الذي غلب على معظم البيوت فيها له نكهته الخاصة فما أجمل أن تزور صنعاء،وأنت في تعز،المشربيات الصنعانية مازالت تُزين بعض تلك البيوت،وكذلك القمريات ،فقد حافظت الجحملية على تراثها المعماري الشعبي ردحاً من الزمن،حتى جاءت سنوات المسخ فتغير الكثير من المعالم،ليس فيها وحدها بل في معظم أرجاء البلد،فكل واحد يصنع لبيته الشكل الذي يعجبه،لتضيع الأصول المعمارية وسط لفيف مخيف من الأشكال غير المتناسقة ،كما أن أهل الجحملية قد حافظوا على الزي والتراث الشعبي،فالزي اليمني الأصيل المكون من الثوب والجنبية والكوت مازال ملبوس كبار السن فيها.
القُفف المقيتة
الزواج في الجحملية ليس كالزواج في غيرها من الحارات، فكل أناس أتوا بعاداتهم التي حملوها من مناطقهم، لتختلط مع بعضها مكونة عادات تميزها عن غيرها، أهم مافي هذا الزواج أنه ألغى الطبقية والمناطقية التي كانت تتجذر في أعماق المجتمع اليمني بشكل عام، فيقام العرس في إحدى البيوت، والجميع يشارك في تجهيزات العرس، فتفتح بيوت الجيران لاستقبال الضيوف، تصل العروس إلى بيت الزوجية التي تتكون من غرفة داخل بيت أسرة العريس، فهي انتقلت من بيت أهلها إلى بيت أهلها فالجميع أسرة واحدة، وتقام الاعراس عند الجميع بنفس الطريقة التي تقام بها الأعراس الصنعانية، فالزفة وملابس العريس »والعزجة« العمامة والسيف كلها صنعانية، وعممت تلك العادات على الجميع،
المضحك المبكي في الأمر أن بعض العائلات من أهالي صنعاء كانوا مرتبطين بمناطقهم وقبائلهم فكانت تحدث بعض الزيجات لبناتهم على أقربائهن في صنعاء ولكنها سرعان ماتفشل، لتخرج العروس بأجمل ماتكون لتعود إلى الجحملية مطلقة بعد فترة معينة، ويرجع البعض ذلك إلى عدم التناسب مع العريس وأهله، فهي متعلمة على الاغلب ومدنية في تعاملها، وليست معقدة بعقدة »القفف المقيتة« وجريئة في طبعها تتكلم وتعبر عن نفسها، وتزف لزوج منغلق على نفسه، له نظرته الخاصة للحياة »وللحرمة« التي يجب أن تلتزم الصمت وتطيع الأمر بدون أن يكون لها كيان،ومع ذلك لم يتعظ بعض الآباء من تكرار الفشل في الزواج فتكررت تلك الزيجات الفاشلة، حتى أنها خلفت وراءها الكثير من المطلقات.
رمضان
لرمضان نكهته في هذه الحارة ففي السابق كان الناس يضيئون خارج بيوتهم إحياء للياليه المباركة، يقول الزميل طلال جامل رئيس تحرير صحيفة الشوروي، وهو من أبناء الجحملية :- كنا نجمع العلب الفارغة »علب الفول« ونمسك بكل يد علبة ونطرقهما مع بعض ونردد: يا مسا الخير يامسا.. يامسا جئنا نمسي اليوم عندكم.
ويضيف: كنا نزور كل بيوت الحارة، فيعطوننا محلبية أو فلوساً،أو شعوبية، ونظل على هذه الحالة إلى أن نمر على كل بيوت الحارة.
الفتوة
حارة الجحملية كانت مشهورة بإثارة المشاكل وتشكيل العصابات، وللاقتراب أكثر نشير هنا إلى نص كتبه أحد أبناء الجحملية هو فتحي القطاع في أحد منتديات الانترنت، إذ يقول واصفاً حال حارته:» كان طبيعياً أن تقترن فيها البلطجة بالتفوق الدراسي والابداع.
من أبنائها من أكمل المسيرة في الطريق الصحيح، ومنهم من جرفه تيار الشقاوة إلى طريق الانحراف، وكانت هناك أسر مشهورة بالبلطجة، هذه الحارة كانت خليطاً من الجن والملائكة فيها الاتقياء، وفيها الاشقياء، وكان الوضع طبيعياً ومألوفاً عندهم، كل بيت في حالة، واللصوص كانوا لايسرقون بيوت الحارة »شرفاء!«.
في بداية السبعينيات نشأ فيها جيل »البلطجة« واستمر هذا الجيل إلى نهاية الثمانينيات، فاشتهر سائقو الموترات والتكاسي بأنهم يسكرون، ويجلسون في بعض الدكاكين لمعاقرة الخمر ولعب البطة، وفي تلك الفترة خرج منها بعض الفتوات أشهرهم البارود، بحسب الزميل طلال جامل، حيث عزا ظهور الفتوات إلى كرة القدم التي كانت في فترة زهوها وتفرغ الشباب لها لاعبين ومشجعين، حيث تكون النادي الأهلي في الجحملية،ليقابل نادي الصقر ونادي الطليعة العدواللدود للنادي الاهلي وكان الاهلي دائماً يفوز على الجميع، وفي إحدى المباريات مع نادي الصقر فاز الصقر على الاهلي فحدثت مهاترات واحتجاجات بين المشجعين، وكان صادق الشابع، أشهر مشجعي الاهلي، من أكثر المنزعجين من تلك الهزيمة، وما ان أطلق الحكم صفارة انتهاء المباراة حتى نزع محمد ناجي، حارس الاهلي، قفازات يديه وهجم على أحد لاعبي الصقر، فاشتبك اللاعبون بالجماهير، وسرعان ماظهر البارود الذي كان يلقبه الناس بالمتوحش، وأبلى البلاء الحسن في تلك »المضرابة« البارود قتل أحد المتضاربين معه، وهو لايبالي فكان هو فتوة الجحملية بدون منازع، العساكر يطاردونه إلى مشارف الجحملية ولكنهم لاينزلون إلى أزقتها مترجلين خوفاً من تكتل أهلها الذين كانت مواقفهم موحدة تجاه أي كان، وكانت الجحملية مشهورة بالعصابات.. وأزقتها الضيقة مثل أزقة صنعاء القديمة ساعدت العصابات في التصدي للعساكر وغيرهم ،وفي نهاية السبعينيات عمل العسكر كميناً للبارود وقتلوه في الشارع.
أطفال الجحملية كانوا عصابات مثل الكبار، يحكي لنا طلال جامل عن ذلك بقوله: كنا نأتي بالعصي، أو القطع الحديدية ونهجم على حارة وادي المدام، حيث كان هناك صعاليك لابسين »المعاوز« وتنتهي المضرابة بإطلاق النار وصياح يملأ الأسماع ويخيف الأهالى على الأبناء.
بعد عام 1985م تغيرت توجهات الشباب والفتوات،فقد جاءت فترة الجهاد في أفغانستان، فتوجه الكثير منهم إلى الشيخ عمر أحمد سيف »رحمه الله« في الحديدة، ليجهزهم للذهاب إلى الجهاد، الكثير منهم استشهدوا، وعاد الباقون، محملين بصور الجهاد والمعارك الدامية هناك، وأقاموا معارض و صور الجهاد في المدارس بما سمي معارض »أفغانستان« وحتى في حرب الافغان الأخيرة ذهب شباب من الجحملية لمقاتلة الأمير كان واستشهد مصطفى الشرعبي أحد لاعبي النادي الأهلي في معركة تورا بورا. . وفي التسعينيات عموماً اختفت عصابات الجحملية،وتفرق الشطار باحثين عن مستقبل أفضل..
الطائفية
في أيام الطائفية التي برزت في عام 1968م ومابعدها كانوا يطلقون على سكان الجحملية »بني حشيش« لكثرة سكانها من أهل صنعاء، وسمي أهلها» زيود تعز« أو »الجالية الزيدية في تعز«، ولكن هذه النبرة لم تكن بين سكانها، ولكن من سكان الحارات الأخرى في المدينة، والذين كانوا ينظرون إلى سكان الجحملية على أنهم مختلفون عن بقية سكان المدينة، وكان العامة والأطفال هم من يرددون مثل تلك الكلمات، لدرجة أن الطلاب من الحارات الأخرى كانوا يتشاءمون من المرور وسط الجحملية إلى مدرسة الكويت بالقرب من صالة، فقد كانوا يتأهبون »للمضرابة« مع أبناء الجحملية الذين لايتركونهم يمرون بدون أن يسمعوهم كلمات تستفزهم، مثل »وين رايحين يا مبنطلين « المبنطلون لابسو البنطلونات، وفي تلك الفترة كان أهل الجحملية يغلب عليهم لبس الثياب والجنابي ويرون العيب في لبس البنطلون، ولكن سرعان ماتراجع العيب، لم يكن المشهد الطائفي قد أتى من فراغ ولكن كانت له تداعياته في تلك الحقبة من الزمن، ويغذيه الجهلة من كل طرف، لكن أهل الجحملية لم يكونوا بنفس منطق الطائفيين، وقد كانوا أبعد مايكونون عن العقد المناطقية والقروية والأسرية التي كانت على أشدها في ذلك الوقت، فقد كانت ثقافتهم موحدة فلا فرق بين تعزي ولاصنعاني ولاعديني، فالكل سواسية، وكأنهم عشيرة واحدة.
قهوة مخسو
أربعة دكاكين هي التي كانت توفر للناس حاجياتهم في السابق، وهي دكان الدعنان، ودكان الكوكباني، ودكان هزاع، أقدم عاقل حارة في الجحملية، ثم خلفه عبده محمد، أو كما يطلق عليه أصحاب الجحملية، »عبده مربع«» ودكان البعداني«، وأهم معالمها فرن الكدم ويعود إنشاؤه إلى العهد العثماني في اليمن، ظل هذا الفرن إلى العهد القريب وهو يزود الناس بالكدم، فكانت الطوابير على شبابيكه صباحاً ومساءً لاتنقطع، ولكنه الآن صار مهملاً يشكو من انقطاع الزوار، على بعد أمتار من الفرن كانت تقع قهوة »سنهوب« المشهورة، ويقدم فيها إلى جانب القهوة والشاي القديد والزبيب، ومازالت قهوة »مخسو« تفتح مع الفجر وقبل المغرب ليشرب الناس الشاي بالحليب وكذلك القهوة، وإلى جانب مخسو بوفية »محمد صغير« وفيها يباع عصير الشعير المخلوط بالفمتو ويسميه كوكتيل، يفتح البوفية من العاشرة صباحاً إلى الرابعة عصراً حيث يتمتع زبائنه بالكوكتيل والاستماع إلى إذاعة لندن، ودقات »بيج بن« التي ألفها كل من تعود على الذهاب إليه، أما برعي بيت »مبخوت« فهو وجبة مفضلة مع الكدم وكاسة شاي بالحليب تعدل الدماغ.
الحب البوذي
سينما الجحملية كانت من أبرز المعالم فيها، يتوجه الشباب والكبار »ليُسينموا« في الصالة، ليتركوا البلكون للنساء والبنات »ليُسينمن«،لم يكن دخول السينما عيباً في الجحملية كما كان في الحارات الأخرى، فأهلها متحضرون متمدنون بطبيعتهم، فكان يستهويهم الفن السابع، ويحبذون مشاهدة الأفلام الهندية ويفضلونها على غيرها من الأفلام، كالأفلام المصرية »البائخة« التي كانوا يترفعون عن مشاهدتها، إذ كانت في تلك الأيام تنتشر أفلام المقاولات، كما يسميها المصريون أنفسهم، فلم يكن فيها قصة ولا ابداع ولاشيء مما يجذب المشاهدين، إلى ذلك يشير الأستاذ طلال جامل بقوله: لقد أثرت الأفلام الهندية في الناس حتى أن الشباب والبنات كانوا يتغنون بالأغاني الهندية ويحبون الرقص الهندي والملابس الهندية.
الحزن البوذي وجلد الذات أوجدتها تلك الأفلام، يتضح ذلك من قصص العُشاق المليئة حزناً وأسى بوذياً، فالحب على الطريقة البوذية أقرب إلى الحب العذري عند العرب، وهو نوع من أنواع العذاب الذي حطم قلوب البنات والشباب، لتلقيهم ركلات الواقع التي لاترحم أحداً.
شباب الجحملية هم من أطلقوا أسماء على أبطال السينما الهندية فقد أطلقوا اسم »شاكا« على دارا مندرا ،و»السلاسل« على اميتا باتشا، وغيرها من الاسماء لتنتشر عند بقية الناس.
- عن مجلة الحكمة بتصرف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.