"ثورة شعبية ضد الحوثيين"...قيادية مؤتمرية تدعو اليمنيين لهبة رجل واحد    رباعية هالاند تحسم لقب هداف الدوري.. وتسكت المنتقدين    فاجعةٌ تهزّ زنجبار: قتيلٌ مجهول يُثيرُ الرعبَ في قلوبِ الأهالي(صورة)    حقيقة وفاة محافظ لحج التركي    استهداف السامعي محاولة لتعطيل الاداء الرقابي على السلطة التنفيذية    " تصريحات الزبيدي خاطئة ومضرة وتخدم الحوثي!"..صحفي يحذر من تمسك الزبيدي بفك الارتباط    لماذا رفض محافظ حضرموت تزويد عدن بالنفط الخام وماذا اشترط على رئيس الوزراء؟!    الليغا: اشبيلية يزيد متاعب غرناطة والميريا يفاجىء فاليكانو    جريمة مروعة تهز شبام: مسلحون قبليون يردون بائع قات قتيلاً!    وفاة مريض بسبب نقص الاكسجين في لحج ...اليك الحقيقة    "جروح اليمن لا تُداوى إلا بالقوة"...سياسي يمني يدعو لاستخدام القوة لتحقيق السلام المنشود    ليفربول يعود إلى سكة الانتصارات ويهزم توتنهام    رصاصاتٌ تُهدد حياة ضابط شرطة في تعز.. نداءٌ لإنقاذ المدينة من براثن الفوضى    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ورشة في عدن بعنوان "مكافحة غسل الأموال واجب قانوني ومسئولية وطنية"    أين تذهب أموال إيجارات جامعة عدن التي تدفعها إلى الحزب الاشتراكي اليمني    السلطة المحلية بمارب توجه بتحسين الأوضاع العامة بالمحافظة    الرئيس الزُبيدي ينعي المناضل محسن أبوبكر بن فريد    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    الوكيل الحسني يطلع على سير اعمال مشروع إعادة تاهيل الشارع العام مدخل مدينة الضالع    لماذا اختفت مأرب تحت سحابة غبار؟ حكاية موجة غبارية قاسية تُهدد حياة السكان    افتتاح دورة مدربي الجودو بعدن تحت إشراف الخبير الدولي ياسين الايوبي    خصوم المشروع الجنوبي !!!    الحبيب الجفري ناعيا الشيخ بن فريد.. أكثر شيوخ القبائل والساسة نزاهة في بلادنا    قيادي حوثي يعاود السطو على أراضي مواطنين بالقوة في محافظة إب    مجلس القضاء الأعلى يقر إنشاء نيابتين نوعيتين في محافظتي تعز وحضرموت مميز    الإصلاح بحضرموت يستقبل العزاء في وفاة أمين مكتبه بوادي حضرموت    تنفيذي الإصلاح بالمهرة يعقد اجتماعه الدوري ويطالب مؤسسات الدولة للقيام بدورها    بعد رحلة شاقة امتدت لأكثر من 11 ساعة..مركز الملك سلمان للإغاثة يتمكن من توزيع مساعدات إيوائية طارئة للمتضررين من السيول في مديرية المسيلة بمحافظة المهرة    الاحتلال يرتكب مجازر جديدة بغزة وارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و683    بخط النبي محمد وبصمة يده .. وثيقة تثير ضجة بعد العثور عليها في كنيسة سيناء (صور)    غدُ العرب في موتِ أمسهم: الاحتفاء بميلاد العواصم (أربيل/ عدن/ رام الله)    أمريكا تغدر بالامارات بعدم الرد أو الشجب على هجمات الحوثي    صحيفة بريطانية: نقاط الحوثي والقاعدة العسكرية تتقابل على طريق شبوة البيضاء    ماذا يحدث داخل حرم جامعة صنعاء .. قرار صادم لرئيس الجامعة يثير سخط واسع !    الحكومة تجدد دعمها لجهود ومساعي تحقيق السلام المبني على المرجعيات    نجوم كرة القدم والإعلام في مباراة تضامنية غداً بالكويت    اشتباكات بين مليشيا الحوثي خلال نبش مقبرة أثرية بحثًا عن الكنوز وسط اليمن    أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني في صنعاء وعدن    ماذا يحدث في صفوف المليشيات؟؟ مصرع 200 حوثي أغلبهم ضباط    ثعلب يمني ذكي خدع الإمام الشافعي وكبار العلماء بطريقة ماكرة    الحرب القادمة في اليمن: الصين ستدعم الحوثيين لإستنزاف واشنطن    المشرف العام خراز : النجاحات المتواصلة التي تتحقق ليست إلا ثمرة عطاء طبيعية لهذا الدعم والتوجيهات السديدة .    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    أرسنال يفوز من جديد.. الكرة في ملعب مان سيتي    مارب.. تكريم 51 حافظاً مجازاً بالسند المتصل    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يفوز على مايوركا ويقلص الفارق مع برشلونة    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آثارها المهملة تؤرخ لحقب هامة في تاريخ اليمن الحديث.. وهي موطن الوحدة الأولى, وشاهد على متغيرات عصفت بالوطن وأخرى أعادته للحياة..
الجحملية.. كأن الأرض لم تلد غيرها
نشر في الجمهورية يوم 25 - 09 - 2012

لم تكن “الجحملية” كئيبة مخيفة كم قيل عنها.. وهي تبدو لي الآن هادئة وديعة واستثنائية جداً.
يتناقل الناس حكايات تشبه الأساطير عن الجحملية الفتية والفاتنة, الجحملية التي تمتلك ذراعاً قوية وجبروت طغاة.. وكيف أنها فتكت بكل أعدائها, لكنهم نسوا أن يقولوا كيف عاشت الجحملية حاضنة بحب للجميع أولئك الذين قدموا إليها من بلاد الأتراك البعيدة ثم رفضوا مغادرتها.. وأولئك الذين غادروا في ليل كالح قراهم الكائنة في أعلى قمم جبال اليمن ليواجهوا إشراقة الصبح الحانية فيها.. وثمة من جاءها هارباً من الموت ليجدها تهبه الحياة, ثم كيف تعايشوا بداخلها جميعهم وبصورة مدهشة.
تاريخها مهمل رغم أهميته.. ومازالت فيها بقايا تذكارية لحكم إمامي وقبله عثماني وبعدهما جمهورية وفي كل تلك العهود كانت الجحملية موطن الوحدة الأول.
الجحملية عجيبة وحبيبة.. كل شيء فيها يغري للحياة, رغم أحوالها التي تدهورت خلال العقدين الأخيرين من الزمن.. لكنها تبدو وكأن الأرض لم تلد غيرها.. والشمس لم تشرق إلا من أجلها.!!
السادسة صباحاً, تبدو خيوط الشمس الأولى مختلفة هنا في العرضي.. فهي دافئة حنونة وقد أصبحت متعلقة بالعرضي وناسه. العرضي.. قلب الجحملية وسر بقائها أصيلة, يتوافد الناس يومياً بعد صلاة الفجر من ثلاثة مساجد هي العرضي وعباس ونصار يتناولون قهوة الصباح أو قهوة«مخسوه» التي اعتادوا عليها منذ زمن طويل, يتوافد إلى المكان ناس الجحملية من أجيال مختلفة.
مازال غالب مخسوه محافظاً على ذات المظهر الذي ظهر به قبل(50) عاماً أو أكثر, بردائه الشعبي وشاربه الهتلري وبذات أدواته العتيقة التي يصنع بها قهوة بمنتهى اللذة ولها مفعول ذو تأثير عالٍ.
الانتهاء من قهوة مخسوه, يعني التأهب ليوم عملٍ جديد.. لكن صوت فيروز الساحر المنبعث من مذياع أشهر بائع للعصائر وخاصة الشعير الحاج محمد صغير يجعلك تجنح لبضعة دقائق أخرى.. كي تحظى بمتعة بداية استثنائية لايمكن أن تحدث بذات النكهة والتفاصيل التي تلامس شغاف القلب وتستقر بارتياح في الذاكرة.
يلملم الصباح نفسه معلناً بداية النهار.. نساء مسنات يفترشن زوايا سوق العرضي الصغير, يبعن الخضروات والحقين, كثيرات منهن نزلن من جبل صبر ، فيما إحداهن تأتي كل يوم من منطقة الضباب, تختلط أصوات الباعة بأصوات السيارات والدراجات النارية.. وتختلط الوجوه النضرة بأخرى شاحبة, تتعالى الضحكات بآهات الموجوعين.
يتشابه الناس هنا كثيراً رغم أنهم من أصول تعود إلى مناطق مختلفة في اليمن.. غير أن الجحملية تمتلك قدرة عجيبة, فهي تجعل كل من يستقر فيها معجوناً بطابعها الخاص.
المشهد الاجتماعي ذو خصوصية متفردة في الجحملية, وليس بالإمكان استنساخه, واليمن التي توحدت قبل”22” عاماً في ال22 من مايو 1990م, كانت قد توحدت في الجحملية قبل ذلك بأكثر من 60 عاماً..
احتوت الجحملية كل من جاءها بمحبة, ثم علمت ساكنيها- رغم اختلاف مناطقهم التي جاءوا منها- إنها الحياة لاتستقيم إلا بتوحد المجتمع ،فكان أن انصهر أولئك الذين أتوا من بني حشيش وبني مطر وآنس وعنس وصعدة وعمران والسدة وبعدان, بأولئك الذين جاءوا من حضرموت ولحج وأبين وشبوة وردفان ليكونوا”الجحملية” ويتعايشوا بداخلها بحرية لاتتعدى حرية الآخرين.. وفي حين كانت عديد مناطق يمنية ترفض التنوع الاجتماعي خوفاً على خصوصيتها المذهبية, احتوت الجحملية الشوافع وأصحاب المذهب الزيدي.. ثم لاحقاً تسلل إليها السلفيون وغيرهم من المنتمين إلى حركات إسلامية عديدة.. وبالرغم من ذلك ومن حالة الحراك السياسي والحزبي التي شهدتها البلد بعد إعلان الوحدة اليمنية المجيدة إلا أن الجحملية استطاعت أن تحافظ على نموذجها الراقي في التعايش.. وبالإمكان بل يجب اعتبارها أنموذجاً يجب الاقتداء به وتعميمه على اليمن كله.. حتماً ستدهشهم الجحملية.. لأنها موطن الوحدة الأول ،ووحدها جمعت بين الحضرمي والخولاني واللحجي والآنسي, والحُجري بالبعداني ،فضلاً عن عائلات تركية وعدد من عائلات يهودية أسلمت وفضلت البقاء هنا..
يمثل«العرضي» قلب الجحملية النابض بالحياة.. وهو اسم لمبنى أزيل وتم بناء نادٍٍ للضباط مكانه في السبعينيات.. مؤخراً ظهر نادي الضباط كعجوز يقاوم الموت, ومظهره الأنيق لم يعد كذلك بفعل الإهمال.. ومؤخراً ارتفع بناء حديث لسوق تجاري مازال العمل جار فيه.
ومن المؤكد أنه سيسيطر على نادي الضباط الذي كان ساحة للعرض العسكري لحراسة الإمام.
انتهى العرضي أو الغرض الذي أنشىء من أجله في عهد الإمام, لكن التسمية امتدت لما حوله وستعيش طويلاً.
بمقاييس المدن الحديثة, كانت الجحملية مدينة راقية جداً, فمنذ سبعينيات القرن الفائت شهدت حركة تجارية رائجة ومنتعشة.. تتوافر فيها كل الخدمات ومتطلبات الناس الشرائية وفيها المستشفى العسكري وقريب منها«النقطة الرابع» المستشفى اليمني- السويدي - فضلاً عن وجود ميدان أو ملعب الشهداء الشهير وصحيفة الجمهورية وعديد مدارس ابتدائية واعدادية وثانوية للبنين والبنات وجامع كبير«العرضي» ونادٍ للضباط وحمام بخاري.
وفيها أيضاً عيادة لحكيم أسنان وسينما ومركز ثقافي يمثل فاصلاً جغرافياً بين الجحملية وصالة..
لقد استهوت الجحملية الإمام أحمد بن حميد الدين حينما كان ولياً لعهد المملكة المتوكلية فجعلها عاصمة لحكمه.. ومثلما استهوت بسطاء الناس وعلية القوم, استهوت القادة ومنهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح, والرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي الذي اختار موقعاً للقصر الجمهوري في كمب الروس قريباً منها.
في القرن ال 18 الهجري قرر الملك المجاهد علي بن المؤيد داؤود ابن المظفر الرسولي عمارة الجحملية فأحاطها بسور لم يتبق منه شيء ، ربما بفعل التوسع والتمدد الهائل التي شهدته المنطقة عبر مئات الأعوام فلم يستطيع السور الضعيف الصمود أمام رغبة الجحملية في الاستمرار خارج حدوه الضيقة ليتلاشى على وقع انفتاحها اللامحدود للحياة .
تجمع الجحملية كل المتناقضات بصورة مدهشة ، فهي النقية والشقية ..وهي خليطاً من الجن والملائكة.
بناء فيها قصراً فاخراً على نمط فندقي متميز، وكان يحبس فيه كبار القوم ويرهب الناس بأسوده!!
صالة..
من هنا كان يحكم الإمام
تعتبر منطقة صالة إمتداداً للجحملية.. وهي قريبة منها في كل شيء عاداتها، طبيعة ناسها، حتى أن الإمام بنى له قصراً فاخراً فيها عام 1953م وقد بناه آنذاك معماري يمني شهير هو الحاج محمد الروضي.. كان قصر صالة بمثابة سكناً ومقراً لحكم الإمام أحمد وحاشيته، وقد وجه الإمام أحمد ببنائه ليكون مقراً له عندما أتخذ من تعز عاصمة ثانية لحكمه.
قصر صالة مكون من 4طوابق واقعة على ساحة واسعة من الأرض، جناحه الشمالي بُني على النمط الفندقي حيث يوجد مع كل غرفة حمام خاص بها.. وثمة طارود طويل تطل عليه جميع غرف القصر، أما واجهته الجنوبية فتشرف على مدخل القصر، وكانت هذه الجهة مخصصة لسكن أولاد القاسم المقربين من الإمام أحمد.
ولقصر صالة ملحقات منها ملحق الحبس الشريف الذي كان يسجن فيه كبار القوم من مشائخ وأعيان ومسئولين في الدولة ويقع بجوار مدخل القصر مباشرة.. وثمة ملحق ثاني هو ملحق وزارة المالية بجميع أقسامها، وكان الحساب المالي للدولة يتم فيه، أما الملحق الثالث فكان مخصصاً للإتصالات (المورس واللاسكي) وملحق رابع لوزارة الخارجية قبل أن يتم بنى مبنى خاص بها في الركن الشمالي الشرقي من القصر.
إلى ماقبل (12) عاماً تقريباً ظلت حديقة الحيوان التابعة لقصر الإمام أحمد بصالة تقاوم الإهمال والجوع.. لكنها أيضاً كانت بمثابة مؤشر قوي على حالة الرفاهية التي عاشها الإمام أحمد وحاشيته بينما يعاني شعبه من فقر مدقع وجهل مريع وأمراض بالجملة، في خمسينيات القرن الفائت أهدى الملك الأثيوبي هيلاسلاسي للإمام أحمد أسداً ولبوة أعجب بهما الإمام واحتفظ بهما في قصره.. وبعد فترة قصيرة ولدت اللبوة فتكاثرت الأسود، فأمر الإمام ببناء أماكن خاصة بها في بهو القصر.
كان الإمام أحمد صاحب مكر وحيلة خاصة مع جهل المجتمع اليمني في ذلك الوقت، فكان يستعرض قوته على الأسود خاصة بعد أن تشبع فيقوم بالصياح عليها لتدخل عرينها فتنصاع له.. ذاك الفعل الماكر كان يُدخل الرهبة والخوف من الإمام.
ويقول بعض من عايش تلك الفترة الزمنية أن الإمام أحمد كان يستغل الأسود في إرهاب الثوار الذين كانوا يربطون في الساحة التي يخرج إليها الأسود للنزهة فيعانون من الخوف.
بعد قيام الثورة في 26سبتمبر 1962م اتخذ الحرس الوطني من قصر صالة مقراً لهم إضافة إلى مركز استقبال للعناصر الجديدة من العسكريين الذين انضموا إلى الوحدات القتالية حيث كان يتم تدريبهم وإعدادهم وتلقينهم التعليمات الأولية ثم يتم ترحيلهم إلى مختلف الوحدات العسكرية في البلد.
وقد استخدم القصر كذلك لتجميع قوات عدد من الأولوية مثل لواء النصر والأولوية التي تم تدريب بعض من أفرادها في جمهورية مصر العربية وسميت بألوية العروبة ثم تحول بعد ذلك إلى مقر لمعسكر الاحتياط.
أصبح القصر مؤخراً معرضاً للإنهيار.. وهو في أشد الحاجة لإغاثته لعديد اعتبارات أهمها أنه جزء هام جد من تاريخ اليمن الحديث.
يتربعه على قمتها قصر الرئيس السابق ومع ذلك
لم تتحسن أحوالها البائسة
«أكمة العكابر»..
(33) سنة في السلطة
في العام 1976م، شرع المقدم علي عبدالله صالح قائد لواء تعز آنذاك في بناء منزلاً له أختار موقعه على (أكمة العكابر) تلك التلة الصغيرة ذات الموقع المتميز المطل على الجحملية السلفى.
وحين بدأ الديناميت بتفتيت ذلك التل شعر أهالي المنطقة الساكنين جوار وأسفل أكمة العكابر بالضرر فما كان منهم إلا السفر إلى العاصمة صنعاء لمقابلة الرئيس الحمدي الذي تمكنوا من مقابلته أثناء لقائه الأسبوعي المخصص لمقابلة المواطنين والإطلاع على شكواهم وحلها.
قال أهالي أكمة العكابر بأن قائد لواء تعز قد وضع يده على (الجبل الصغير) بدون وجه حق، وأن الديناميت الذي يستخدمه لتفتيت الجبل قد روعهم، فما كان من الرئيس الحمدي إلا أن يوقف عملية البناء الجائر لقائد لواء تعز.
بعد استشهاد الرئيس الحمدي في العام 1977م استأنف قائد لواء تعز العمل في تفتيت أكمة العكابر التي شهدت منزل رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح ليتعايشوا مع الوافد الجديد ولكن بصمت والكثير من الفخر .. لاحقاً تحول ذلك المكان إلى منزل لرئيس الجمهورية واستمر كذلك.. حتى أن منطقة الجحملية بأكملها ومعها منطقة صالة تحولت إلى دائرة انتخابية أسميت بدائرة الرئيس وكانت بالفعل مغلقة على حزب الرئيس المؤتمر الشعبي حتى آخر انتخابات رئاسية في سبتمبر 2009م.
هيمن منزل أو قصر الرئيس السابق على أكمة العكابر محاطاً بكومة بيوت شعبية.. لكن المنطقة وسكانها الذين ظلوا فخورين بسكن الرئيس بينهم، لم يكونوا يدركون أن وجود قصر الرئيس لم يغير من أحوالهم البائسة ولم يحسن من منطقتهم لكنه أكتفى أن يتواجد في مكان شبيه بالخرابة ولم يكترث لذلك.
بناه الشهيد الثلايا بناءً على توجيهات الإمام، وبعد 50عاماً من قيام الثورة المجيدة أثبت هذا الجامع أننا بإمكاننا التعايش المذهبي بصورة راقية
جامع العرضي.. حيا على خير العمل
(حيا على خير العمل) لاتسمعها إلا مع الآذان للصلوات فقط في الجحملية دون بقية مدن ومناطق تعز المدنية والمحافظة.. كان الناس هنا يهرولون إلى الصلاة في جامع العرضي ملبين الأذان غير مكترثين بأي خلاف مذهبي متعلق به، فالمهم بالنسبة لهم أن يؤدوا الصلاة بطمأنينة وقلوب خاشعة خالية من الخلافات المذهبية أو المناطقية.. وكان جامع العرضي الذي قيل أن الإمام أحمد كان كلف الشهيد أحمد يحيى الثلايا ببنائه كان ومايزال أفضل مجمع لأبناء اليمن على اختلاف مذاهبهم ومناطقهم بصورة تمثل قيم الإسلام الحقيقية التي انعكست بإيجابية مدهشة في جامع العرضي.. يمتاز جامع العرضي بحسب الزميل الصحفي والرسام التشكيلي جلال المحيا ببراعة ودقة بناء أحجاره البرتقالية من الداخل للأعمدة والعقود المتواصلة الحاملة لسطح الجامع ،وكذلك عقوده الجبسية المعتقة بالزجاج الملون الشفاف للضوء والمتناغمة أشعته وله ستة أبواب خشبية قمة في الإبداع.
يقابل جامع العرضي نادي الضباط(ساحة العرضي) ومايزال وسيظل شاهداً على حقب تاريخية هامة حقبة النظام الملكي، ثم النظام الجمهوري./ عاشت العرضي الجامع والمكان شاهداً على تحولات كبيرة في مسيرة مابين إعلان الوحدة وما صاحبها من أحداث آخرها دخول اليمن أتون الثورة جاء بها ربيع التغيير العربي في فبراير 2011م تلاها أزمة خانقة لتطوي البلد صفحة الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي حكم اليمن (33) عاماً وكان دائماً يكيل الانتقادات للنظام الملكي ويحمله مسئولية تعثر البلد تنموياً واقتصادياً.
في الجحملية لم يكن جامع العرضي وحيداً فعلى بعد أكثر من (200) متر تقريباً لايزال مسجداً صغيراً متواجداً بتواضع.. واسمه مسجد عباس، وقيل بأن احدى نساء العائلات الحاكمة أيام الإمام أحمد وهي ابنة عباس الوزير وعلى مقربة منه مسجد نصار وقد بني على نفقة زوجة الإمام أحمد وقيل زوجة ولي عهده البدر.. استطاعت الجحملية تجاوز أية ارتدادات مذهبية عكسية خطيرة، وستظل مساجدها الثلاثة العتيقة تُّهذب أخلاق الناس من حولها وتعلمهم أن الإسلام دين الله الحق جاء ليوحد الناس بمحبة وتسامح.
لايزال مسكوناً بشياطين الإمام وبعينيه المتقدتين شراً
متحف العرضي.. مثقل بالتاريخ المهمل
أقف الآن أمام متحف العرضي بتعز، ثمة شعور بالرهبة سرى في جسدي لكنني لم أستطع تجاوز بوابته العتيقة لسببين هما إغلاقه للترميم منذ أكثر من عامين، ثم لحالة الإضراب التي أعلنها موظفو المتحف بداية العام ومازالت قائمة.
كنت أتمنى لو استطعت زيارة المتحف، لوحدث ذلك فلن تكون زيارتي تلك هي الأولى ،فقد حظيت بزيارته مرات كثيرة خاصة في طفولتي، إذ إن متحف العرضي كان بمثابة متنفس اعتاد ناس تعز زيارته باستمرار، فضلاً عن السُياح الأجانب والباحثين والمؤرخين.. ودائماً كان المتحف فاتحاً ذراعيه للجميع.
شعرت بخيبة أمل ، ثم اكتفيت بوصف موجز للمتحف، المهم جداً للذاكرة اليمنية ،كنت قد قرأته قبل فترة للزميل أحمد سيف مغلس قال فيه إن (المكان لايزال مسكوناً بشياطين الإمام أحمد وبعينيه اللتين تتقدان شرراً، وإن سيف الوشاح أو بنادق(الجندرمة) قد تفاجئك في أي لحظة وتأخذك رهينة كما كان يحدث مع أبناء المشائخ والأعيان.
حالة التدهور التي كانت ظاهرة على متحف الوطن في أغسطس أخرجت الزميل مغلس من حالة الرهبة التي تسربت منه شيئاً فشيئاً وحلت محلها الحسرة، فالمكان بحسبه ليس سوى مبنى قديم مليء بالشقوق والتصدعات.. يكاد يقع على الأرض بعد أن أثقلته الأحمال وتكالبت عليه حشرة الأرضة.
يختزل متحف العرضي تراثاً غنياً ومتنوعاً، وتقول المراجع التاريخية أنه في بداياته كان خارج السور المحيط بالمدينة القديمة وتحديداً في المنطقة الواسعة التي كانت تسمى بمنطقة حوض الأشراف، وقد بني المتحف على مراحل عام 1250ه إبان الحملة التركية وكانت طوابقه الأرضية عبارة عن مستشفى البدر وسكن للأطباء واستمر هكذا حتى حملة علي الوزير الشهيرة عام 1927م، الذي استتب له الأمر بعد خروج الأتراك.. قام الأمير علي الوزير الممثل للإمام يحيى بإضافة دور آخر لمبنى المتحف، ثم حين تولى الإمام أحمد إمامة اليمن خلفاً لوالده.
أضاف دورين لنفس المبنى كما أضاف دوراً لمبنى البدر ،وهكذا تمت عملية البناء دون وجود عملية ربط.
ثمة معالم ظلت سنين طويلة تشكل طابعاً خاصاً بالجحملية لكنها اندثرت الآن كفرن الكدم، وساحة العرضي.. بينما تقاوم بعض منازل كانت لشخصيات اجتماعية وقيادية في عهد المملكة المتوكلية.. وهي ذات طابع قديم بأبوابها الكبيرة والقمريات التي تزين النوافذ.. ذاك النمط من المساكن يرجع إلى فترة بقاء الإمام أحمد وخاصة الذين ينحدرون من أسر صنعانية وقد صنعوا هنا حياً مشابهاً للأحياء التي جاءوا منها.. قبل(50) عاماً بفضل الثورة ذهب آل حميد الدين ونظامهم الكهنوتي تاركاً قصرين وعديد بيوت كانت لمعاونيه الذين كانوا من العسكر والقضاة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.