كتب: خالد عبدالهادي - يوافق هذا الخميس الذكرى السابعة والأربعين لثورة أكتوبر التي فجرتها ثلة من الرجال الصادقين ضد قوات الاحتلال البريطاني يوم 14 أكتوبر 1963 بدءاً من جبال ردفان التي اكتسبت بهذا الحدث رمزية خالدة. كانت ثورة أكتوبر حالة ثورية بما لدلالة الثورة من ذروة الحركة النقيضة للجمود. أي لم تنحصر في العمل العسكري الذي طرد سيدة الاستعمار في العصر الحديث بل بما أعقب الاستقلال من محطات حاسمة. واضطلعت الثورة بعد أن حققت الاستقلال الناجز بمهمتها الكبرى في إقامة دولة مركزية على أنقاض أشتات من السلطنات والمشيخات قبل أن تمضي في بناء دولة حديثة، سادتها روح القانون والعدالة الاجتماعية في أول تجربة من نوعها في المنطقة. وبعد قيام الوحدة في 1990، صار واحد من أهم أهداف "أكتوبر" واقعاً. لكن وفقاً لمبدأ النقصان بعد الكمال فقد نقلت الحرب الأهلية في 1994 المسؤولية الأخلاقية والسياسية عن الثورة إلى وارث قسري سيفيض عليها من غرابته، فيغرب روحها ومسارها. يحكم على أي ثورة بأنها انتهت حين تنتهي حالتها الثورية في المجتمع والدولة وتتحول إلى صدح إعلامي وجبروت مقدس تنسب الويلات إليه وتتناسل منه الحروب كما ويتحول نبضها إلى جهاز قياس جامد ، يقيس الولاء ويفتي في الوطنية وسوط يجلد الأخلاق والأضلاع على السواء. تلك حالة والثانية حين تأتي قوة فتخطفها لتنحرف بمسارها بعيداً عما رسم لها من مبادئ وغايات.. وهذه هي التي أصابت الثورة عبر النظام الحالي الذي اغتصب زمامها. مهما علا الجدل مؤخراً حول ما أعقب ثورة أكتوبر من محطات فهي اختلافات تتفاعل في الهامش منها أما فكرتها الأساسية فلم تلق فكرة أخرى ما تلاقيه من إجماع لكن السؤال الكبير الذي يتكرر في الذكرى السابعة والأربعين فهو عم تبقى من هذه الثورة التي حسمت مصير قضايا يمنية تاريخية ؟ سيكون من المنطقي أن يجيب على هذا التساؤل المثار منذ سنوات بؤس ملايين المواطنين الغارقين في الفقر والفوضى الأمنية التي لا توفر دم أحد منهم علاوة على تفشي أمراض وأوبئة تفتك بصحتهم وترسل أعداداً كبيرة منهم إلى الدار الآخرة. أما الديمقراطية، فلا أفضل من شاهد على مأزقها من الحال الراهنة لها والأزمة الوطنية الناشئة عن ضرب جوهر الديمقراطية والإبقاء على مظاهر خادعة، أفضل وظائفها تقنين الدكتاتورية وحسب. وفضلاً عن التنكيل الأخلاقي والسياسي بثوار أكتوبر ورجالاتها ومطاردة أسمائهم وتراثهم إلى المتاحف والمكاتب ويافطات المدارس والمرافق العامة لمحو تاريخهم، فإن ما هو أدهى من هذا أن يوأد مشروعهم وقد كان واقعاً راسخا وتنتهي الحال بأبنائهم وأحفادهم إلى بداية ثانية ممزوجة بالكفاح والصراع. في البداية تتلاشى معالم الثورة في التطبيب والتعليم والصحة والقضاء فيهون نداؤها الداخلي لدى الشعب ثم تنتهي إلى احتفال كرنفالي لاستعراض السلاح المستورد وعروض الكشافة وتهنئة الحاكم..هي نهاية وإن تلفعت بمظاهر مبهرجة.