أبدو مهتما جدا بمزاج إنسان اليمن، وبنفسيته التي أصبحت –بفضل تطاحن السياسيين وجماعات الدين المتناحرة على الله، مجرد إنسان قلوق، ويعيش بذهنية صعبة وخربانة وتالفة، ويكفي أن تدخل الفيس بوك لتشاهد ما الذي أحدثته تلك الصراعات الغبية في نفوس وأذهان المجتمع. تدخل الفيس وتضع في حائطك أغنية جميلة، يتنابعوا لك "العرزين" واحد يقلك: البلاد معصودة وأنت جالس تغني، استحي على نفسك ياضاك ؟! تعمل بيت شعر يتحدث عن الحب وعن جمال الحياة، ينبعلك مفسبك "عرز" يقلك: من قتل عباس؟ وليش هذا الصمت؟ تعمل صورة سعاد حسني باعتبارها نجمة أسعدت الملايين، ينبعلك من آخر الدنيا واحد حازق جدا، ويضع في خانة التعليق الخاصة بالصورة، صورة أخرى لجثث حارقة، ويستحلفك بالله أن تعمل لايك (إعجاب) بتلك الصورة؟! تعمل منشورا فيه صورتك أنت وزوجتك، يتنابعوا المؤدبين يسألونك: من هذه الطنة اللي جنبك؟! وآخر ينصحك بحب: هيا أوبه زوجتك تدري؟! وحينها فقط أعرف أن ذاك الناصح وضع زوجته في صندوق المحفوظات –تماما- إلى جوار ورقة العقد، وقصده بذلك أنه –ما شاء الله عليه– يصونها. تضع صورة طفلك وهو يغني، أو طفلتك تجد أحدهم يهرول سريعا إلى صفحتك ويقلك ناصحا: اشغله بالقرآن بدل ما أنت جالس تشغله بالطلافس هذه؟! الغريب أن الموسيقى طلافس، والبنادق وأصوات الرصاص المتكاثر في البلد، شيء ملهم، ويقودنا بسرعة الطلقة إلى الله!. تعمل منشورا فيه أغنية لفيروز، ينط لك واحد طحطوح ويسألك في تعليقه: لماذا أنت ساكت عن أفعال أنصار الله في دماج؟ طيب ما دخل فيروز بدماج وبأنصار الله؟ والله مالي علم. تعمل منشورا ضد اتحاد كرة القدم، ينبعلك أحد أعفاط السيد عبدالملك ويقلك: ليش ساكت عن جرائم السلفيين في تعز؟ تكتب على حائطك حزنك الخاص بسبب ضياع جهاز الكمبيوتر المحمول حقك، وينبعلك واحد من أعفاط الساحات يقلك: حزين على جهازك ومش حزين على دماء الشهداء؟! تعمل منشورا تعبر فيه عن استيائك من أداء رجال "صالح" في حكومة الوفاق، ينبعوا لك المفارعين يقولون لك: عاد حميد الأحمر يصرف عليك؟ تعمل منشورا تعبر فيه عن انزعاجك من أداء رجال المشترك في ذات الحكومة، ينبعولك "أبو أربع بنان" يقولون لك: كم دفعلك عفاش؟! تعمل أغنية فيها رقص شرقي، ينبعلك واحد من شجعان الزحمة يقلك: كنت احترمك، ولكنك بهذا التفسخ الأخلاقي أثبت صحة ما يقال عنك بأنك مدعوم من "أحمد علي"! ولكأن أحمد علي كان قد منح فيفي عبده درع التفوق من قيادة الحرس الجمهوري قديما! بالمناسبة، لو أردت أن أقول كلمة حق في هذه العجالة الآن، سأقول صادقا بأن أهم مؤسسة وطنية يمكن لليمنيين جميعهم أن يشعروا بالأسى لتفكيك أوصالها، لن تكون غير مؤسسة الحرس الجمهوري طبعا. مزاج اليمنيين أصبح –بالفعل- تالف وخربان، ويبدو أننا –كشعب– وليس كأشخاص فحسب، بحاجة ماسة إلى تطبيب نفسي، وإلى استجمام طويل نتعلم من خلاله كيف نتسامح وكيف نحب من جديد. بدون الحب، والإحساس بالجمال، سنواصل حياتنا على هذا النحو من الخراب الذهني، ولن نتمكن إطلاقا من رؤية شيء جميل، خصوصا وأنه لا يوجد في الحياة شيء جميل وشيء قبيح، نظرتنا للأشياء هي القبيحة، وهي الجميلة طبقا لشكسبير.